قلعة البطولات (الشقيف) احتلت بالغازات السامة بقلم :واصف عريقات
تاريخ النشر : 2013-05-03
قلعة البطولات (الشقيف) احتلت بالغازات السامة بقلم :واصف عريقات


قلعة البطولات (الشقيف) احتلت بالغازات السامة
بقلم :واصف عريقات
خبير ومحلل عسكري
ردا على الرواية الإسرائيلية وما أخفته من حقائق وتضمنته من أكاذيب:
كنت قد نشرت في ايلول 2007 كتابي "هكذا صمدت بيروت عام 1982 " تضمن الفصل الثاني فيه سردا عن وقائع استبسال شهداء قلعة الشقيف بصفتي أحد الشهود عليه عبر اتصالي معهم على أجهزة اللآسلكي من غرفة عمليات قيادة المدفعية، وأخرى جمعتها من خلال اعترافات قادة العدو التي نشرتها الصحف الإسرائيلية، أعيد نشرالسرد كما ورد في الكتاب المذكور في حينه وتحت عنوان "قلعة الشقيف والصمود الأسطوري" جاء فيه:
لم يكونوا كبقية الرجال المدافعين عن مواقعهم، والموقع بحد ذاته غير عادي، فقد حاول الجيش الإسرائيلي احتلال هذا الموقع اكثر من مرة قبل الإجتياح وفقدوا العديد من جنودهم وضباطهم خلالها، كما تدرب الجنود الإسرائيليين قبل الإجتياح على القتال،(وبمختلف الأساليب وفي كافة الظروف، خاصة القتال الليلي) ضد مواقع شبيهة به لمدة طويلة، فهو من الناحية العسكرية"وفي ظل التفوق الإسرائيلي العسكري المطلق في الميادين كافة (ما عدا ارادة القتال) ، وبالمقابل عدم توفر الإمكانات اللازمة للصمود والدفاع عنه، سوى الأسلحة الخفيفة التي بحوزتهم، والهاونات والقنابل اليدوية ومضادات الدروع المحمولة على الكتف، واسناد مدفعي في ظل عدم توفر الحماية الجوية، مما يضطر المدفعية بالعمل عندما لايكون في سمائها طيران معاد، لكن تحصينات القلعة من الداخل، بالإضافة للأنفاق التي حفرها المقاتلون بانفسهم وبالتعاون مع وحدات الهندسة والتحصينات قبل الحرب، وحقول الألغام التي زرعت حولها" فانها تعطي المقاتلين امكانية القتال وتعزز الصمود، وفي الحالة الإسرائيلية معروف ان فاتحة الحرب عندهم، العزل والتطويق والقصف التدميري للموقع، لذلك كان لابد من الإكتفاء الذاتي بكل ما يلزم للحرب، ولكن المشكلة الحقيقية عند وقوع الإصابات، حيث لا إمكانية للإخلاء، ومن الصعوبة بمكان إمدادهم بالتعزيزات بسبب سيطرة سلاح الجو الإسرائيلي على الطرق، لذلك يعتبر هدفا ضعيفا ويسهل السيطرة عليه بحسب النظريات العسكرية، لكن الشهيد يعقوب سمور ابن قبلان (راسم) وإخوانه الأبطال الذين استشهدوا معه، برهنوا للعالم أجمع أن إرادة الثوار أقوى من جبروت الإحتلال وبصوت الواثق المرابط يعلن الأبطال عند عصر 6 حزيران عبر جهاز اللاسلكي" بعد أن استمر القصف الوحشي البري والجوي علينا منذ 4 حزيران، تقوم الدبابات الإسرائيلية بالهجوم على مواقعنا ومن المحاور كافة، اقصفوا كل الطرق المؤدية للقلعة" ولبت مدفعية القوات المشتركة الطلب، وأوقعت الإصابات في صفوف القوات المهاجمة وأعاقت تقدمهم وكسرت حدة الهجوم، ودارت معارك عنيفة على محور أرنون القريبة من القلعة، حيث سقط قائد الهجوم عليها"موشيك كبلينسكي" من لواء جولاني فاستبدلوه ب"جوني هرنيك" الذي قتل أيضا ولم يبق من كتيبته سوى 17 جندي(بحسب التقرير الذي اوردته صحيفة دافار يوم 13 حزيران 1983)، فارتفعت المعنويات وتعزز الصمود وقاتل الرجال، وأوقعوا خسائر جسيمة في صفوفهم، لذلك تدنت معنويات المهاجمين وتأخروا في احتلال القلعة بسبب استبسال المقاومين، فكثفوا القصف الجوي، ودفعوا المزيد من القوات والتعزيزات يومي 7، 8 حزيران، وعن القتال البطولي الذي دار في القلعة يرويه العديد من ضباط الإحتلال، فقد تحدث الجنرال"شاؤول نكديموت، أحد المشاركين في الهجوم على النبطية والقلعة قائلا:"قلعة شقيف .......... مثلا (13) طائرة قامت بقصف مكثف لهذه القلعة، وكنا نعتقد بأن أطنان القنابل التي ألقيت عليها لم تدمرها فقط، وإنما مسحتها عن وجه الأرض، مسحتها تماما ولن نجد أثرا لفلسطيني واحد، إتضح لنا أنها ما تزال على حالها، وأن أحدا من المقاتلين الفلسطينيين فيها لم يصب بأذى نتيجة لكل ذلك القصف الجوي الطويل، والحقيقة يجب أن أقول هنا بأن المعارك الطاحنة التي دارت حول قلعة الشقيف وفي داخلها والخسائر الكبيرة التي تكبدتها قواتنا في هذه المعارك كانت بمثابة علامات الشؤم بالنسبة لنا".
كما توفرت المعلومات بأنهم اختاروا الرائد الشاب"عميرام غوغان" لقيادة الهجوم الأول وهو من الوحدة 101 التي شكلها شارون عام 1954، وأشرف على قيادتها، وهي التي ارتكبت المجازر الدموية في فلسطين ومنها مجزرة قبية، لكنه فشل بهجومه وأصيب آخرون من مجموعته بجروح، ثم اختاروا لقيادة الهجوم الثاني الرائد يعقوب براق (30 عاما ) وهو من اللواء جولاني (أكثر ألوية الجيش الإسرائيلي تفوقا)، لكنه لم يكن أوفر حظا من الذين سبقوه، وتلاحقت الهجمات وتناوبت القيادات، واستدعيت الوحدات المظلية التي أعدت للمهام الصعبة، لكنها فقدت الكثير من جنودها وضباطها، وعن هذه الإصابات تحدث طبيب إحدى الكتائب التي يتكون منها لواء جولاني الذي هاجم القلعة"بتاحيا رايسمان" كما تحدث عن الليلة التي وصفها ب"المريرة" لوقوعهم في حقل ألغام فلسطيني أسفر عن المزيد من الجرحى والقتلى في صفوفهم، نقلوا للمستشفيات بواسطة الطائرات المروحية، لذلك لجأت القوات الإسرائلية الى استخدام غاز الأعصاب والغازات السامة وغيرها من الأسلحة المحرمة دوليا، وآخر برقية لاسلكية تم تسلمها من أبطال القلعة تقول:" إقترب المهاجمون...قررنا الصمود....النصر أو الشهادة".
ومن الذين هاجموا القلعة الرائد موشيه غولدمان، وكان آخرهم المقدم دوف الذي قال:"كان عددهم 33 فلسطينيا، وجميعهم من قوات"فتح"ولم نأسر أي فدائي منهم لأنهم قاتلوا حتى الموت، ولم يستسلم أحد، لقد دهشنا جميعا من ضراوة مقاومة هؤلاء الفلسطينيين"، وهذا ما دفع رئيس هيئة الأركان إيتان لأداء التحية العسكرية لهم، كما اعترف الإسرائيليون بعدها أنهم أخطأوا عندما أصدروا الأوامر بالهجوم عليها ليلا، أما الخطأ الأكبر فهو في زيارة رئيس الحكومة ووزير الدفاع في صباح اليوم التالي لاحتلالها ومعهما العميل سعد حداد، حيث أعلن بصورة استعراضية أنه تم احتلال القلعة بدون أي مقاومة وبدون أي إصابات في صفوفهم، مما أربك الحضور من القيادات التي أبدت استياءها، كما جاء في تقرير صحيفة دافار يوم 13 حزيران 1983 .
وأصبحت قلعة الشقيف وأبطالها كقلعة بريست ورمزها الرائد السوفياتي"بيوتر غافريلوف"هذه القلعة التي خطط ضدها نظريوا الحرب الألمان من أمثال كلاوز يفتيش ومولتكي وشليفن وعلى مدى عشرات السنين، وظنوا أنها ستكون النصر من فصل واحد، وذلك من خلال الضربة القاتلة والحاسمة، فخصصوا لها الجيش الرابع بقيادة الفيلد مارشال فون كلوغي الذي دفع بفيلق كامل لمهاجمة القلعة بقيادة الجنرال شروت، وفي مقدمة الفيلق الفرقة 45 التي اشتهرت بأمجادها العسكرية، وبإعجاب هتلر بها، أما المدافعون عن القلعة فلم يتجاوزوا الفوجين، وهم لا يمثلون جسما واحدا بل خليطا من الأفواج 44،84،125،333،455، وتساندهم الكتيبة المضادة للدروع 98 ، إلا أنهم قاتلوا وأفشلوا نظرية هتلر "الحرب الخاطفة"، وسجلوا انتصارا جديدا لمعارك أوديس، وسيباستوبول، وستالينغراد.
وستبقى قلعة بريست وقلعة الشقيف نبراسا للأجيال، والتاريخ حافل ببطولات الرجال.



[email protected]