رأي دستوري - حول صلاحية الرئيس الفلسطيني- رفع الحصانة عن نائب في المجلس التشريعي الفلسطيني بقلم د. محمد الحاج قاسم
تاريخ النشر : 2013-03-28
رأي دستوري - حول صلاحية الرئيس الفلسطيني- رفع الحصانة عن نائب في المجلس التشريعي الفلسطيني

*د. محمد الحاج قاسم

رأي لما يدور حول سحب حصانة النائب دحلان
لقد اضطلعت متأخرا حول النقاش الساخن الذي اثير حول حصانة النائب دحلان هل يجوز للرئيس ان يرفع الحصانة عنه ، هل مازال المجلس التشريعي في فلسطين قائما ، وهل يحق للنيابة العامة ان تأمر بمحاكمة النائب دحلان .
فيما يتعلق بالنقطة الاولى / هل يجوز للرئيس محمود عباس ان يرفع الحصانة عن نائب في المجلس التشريعي ، انطلاقا من نص المادة 43من القانون الاساسي الفلسطيني .
انا كأستاذ متخصص بالدراسات الدستورية (النظرية العامة ، الانظمة الدستورية المعاصرة ، القانون البرلماني ، التخصص الدقيق " القضاء الدستوري") اجزم انه من حق الرئيس القيام بذلك .وذلك للأسباب التالية .-
- حق الرئيس الفلسطيني طبقا للمادة 43 من القانون الاساسي ، والتي تعد تنظيما دستوريا لحالة الضرورة ، وقت غياب المجلس التشريعي صاحب الاختصاص الاصيل ، وتخول لرئيس السلطة الفلسطينية سلطة اتخاذ قرارات لها قوة القانون لمواجهة ما قد يحدث من ضرورة توجب الاسراع في اتخاذ تدابير( تشريعية وادارية) لا تحتمل التأخير حفاظا على كيان الدولة ، وعلى الحقوق والحريات وقت الازمات .

- حالة الضرورة تمنح رئيس السلطة صلاحيات شبه مطلقة، فله ان يتخذ الاجراءات السريعة لمواجهة الخطر وسواء كانت تدابير تشريعية او تدابير ادارية في حالة غياب المجلس التشريعي ، وماقام به الرئيس هو تدبير اداري ، نابع من حقه المنصوص عليه في المادة 43، وبالتالي فأن صلاحيات حالة الضرورة لا تمثل خرقا كليا لمبدأ المشروعية ( التي يتحجج بها اعضاء المجلس التشريعي بأنه لاحق للرئيس اتخاذ موقف كهذا، او تتناقض مع مبدأ فصل السلط كما يقول البعض الاخر)، حيث تحل الشرعية الاستثنائية محل الشرعية العادية ، ومعنى ذلك ان فكرة الشرعية تبقى قائمة .... ولكن يتغير مداها فقط بسبب الظروف الاستثنائية وبقصد مواجهتها ، فالضرورة يحكمها مبدآن كبيران هما/ الضرورة تبيح المحرمات والضرورة تقدر بقدرها. وبالتالي حالة الضرورة تعد استثناءا على مبدأ فصل السلطات .

- رفع الحصانة علن النائب دحلان من طرف الرئيس جاء بناء على طلب النائب العام من اجل محاكمته عما ارتكبه من جرائم وصلت الى حد القتل ، واخذ الاموال عن طريق الخوات وغيرها كان يقوم بها اعضاء محسوبين عليه الى غير ذلك من الجرائم ( حسب مستندات النيابة العامة)، هل هذا لا يستدعي رفع الحصانة عنه من اجل المصلحة العامة ، ومن اجل تكريس حقوق الانسان ، الا يعتبر من ارتكب بحقهم من جرائم يستدعي رفع الحصانة ، ومحاكمته، مطلوب من الرئيس ان يرفعها حتى ولم يقم بذلك ، لأنه هو المسؤول الاول والاخير عن حقوق الناس ، فاذا كان اعضاء المجلس التشريعي جميعا يمثلون الشعب فإن الرئيس المنتخب من قبل الشعب هو اقوى تمثيلا من اعضاء المجلس التشريعي كاملا ، هذا اذا كان هؤلاء الاعضاء يمارسون ولايتهم التشريعية ، فكيف اذا كان لا يوجد الان هذا المجلس التشريعي ، الذي انقضت مدته من فترة، واصلا هو لم يقم بعقد الا جلسة واحدة بعد انتخابه . وبالتالي قرار الرئيس برفع الحصانة برأيي يعد قرارا كاشفا وليس منشئا لعدم وجود الحصانة اصلا التي يتمتع بها السيد دحلان ولا غيره من اعضاء المجلس التشريعي انطلاقا من حقه المخول له بالمادة 43.

- لو اخذنا تطبيقات هذه الحالة في القانون المصري (تطبيقات دستورية لنظرية الضرورة) ، الذي اخذ عنه القانون الفلسطيني لرأينا الحالات التالية/- دعوة مجلس الشعب لدورة غير عادية ، دعوة مجلس الشعب للأنعقاد في غير مقره الرسمي. – الاعتراف لرئيس الجمهورية بسلطة تقصير المواعيد الخاصة بإجراءات الاعداد لإنتخابات مجلس الشعب وذلك في الظروف الاستثنائية ، او في تمديد عضوية اعضاء مجلس الشورى الذين انتهت مدتهم .

اما فيما يتعلق بالنقاش الدائر حول وجود او عدم وجود المجلس : اؤكد ان المجلس غير موجود اولا: لإنتهاء مدته المقررة دستوريا ، اضافة الى انه من شروط وجود المجلس هو في عقد جلساته ، فلا وجود لهذه الجلسات ومنذ انتخابه ، اما من يقول بوجود هذا المجلس انطلاقا من نص المادة 47 مكرر ،" تنتهي مدة ولاية المجلس التشريعي القائم عند اداء اعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستوري" فهذا نص يطبق في الحالات العادية التي مارس فيها المجلس السابق ولايته كاملة ، وتم انتخاب اعضاء جدد للمجلس سيخلفون المجلس السابق، ( من يتحجج بنص المادة 47 فهو بعيد كل البعد عن الحياة البرلمانية و الدستورية ).وبالتالي اعضاء المجلس التشريعي لم يعودوا اعضاء منذ الأنقسام ، وبالتالي اصبح المجلس بحكم العدم.
وهناك ملاحظة مهمة يجب اثارتها من قبل جمعيات حقوق الانسان والمحامين ، تتعلق فيما اذا كان اعضاء المجلس التشريعي يتقاضون رواتب ام لا ، فاذا كانوا يتقاضون رواتبهم الى الان ، فهذا عمل غير مشروع يتعلق بالكسب الغير المشروع ، وبالتالي الأثراء بلا سبب ، ويتناقض مع ابسط حقوق الانسان ، المتمثلة بالتعدي على اموال الشعب .هذا ما يستدعي رفع الشكاوي لهيئة مكافحة الفساد التي يجب ان تتحرك وبشكل سريع من اجل استرداد هذه الاموال التي صرفت بغير وجه حق.او رفع دعاوي امام المحاكم الفلسطينية.
اما فيما يتعلق بحق النيابة العامة من رفع الحصانة من اجل محاكمة السيد دحلان فهذا من حقها بأعتبارها اولا المدافعة عن سلطة الدولة وكيانها ، وثانيا هي الموكول لها بحماية حقوق المواطنين والدفاع عنهم ، من قبل من ارتكب جرائم مادية ومالية ، تستدعي محاكمته اما اثبات ذلك او تبرئته ، وبالتالي فأنا من المؤيدين لذلك ، وكل الدفوعات التي تقدمت بها النيابة العامة هي سليمة وصحيحة تستدعي من المحكمة ان تؤيدها جملة وتفصيلة .
واخيرا / اقول من خلال ما قرأته حول النقاش الطويل حول احقية او عدم احقية رفع الحصانة عن السيد دحلان ، استخلصت من مجمل ما قيل ان من يدافع عن السيد دحلان ، وان قرار الرئيس خاطئ بشأن رفع الحصانة عنه هم فقط اعضاء المجلس التشريعي لا غير ، ولا يوجد لرأي متخصص في هذا المجال ، او حتى من ادلى برأيه من المتخصصين كانت دفوعاته واهيه وضعيفة ولا تستند الى اية حجة .
هذا ما يستدعي مناقشة دستورية او عدم دستورية القانون الاساسي ، الذي تم وضعه من طرف اعضاء المجلس التشريعي ، واطلقوا عليه قانون اساسي ليحكم السلطة خلال الفترة الانتقالية ، لم يتم وضعه من طرف جمعية تأسيسية ، او تم عرضه عن طريق ما يسمى بالاستفتاء الدستوري ، كما توضع الدساتير بالطرق الديمقراطية ، بل هو قانون عادي لا أكثر ، لا فرق بينه وبين قانون عادي اخر ( وبالتالي لا يسمو على غيره من قوانين لا من حيث الوضع او التعديل ) اما من يتحجج بأن هذا القانون الاساسي لا يمكن تعديله الا بعد موافقة ثلثي اعضاء المجلس التشريعي فهناك الكثير من قوانين الدول العادية لا تعدل الا بالثلين ، وبالتالي لا يكتسب هاله وقوة الدساتير الموضوعة بالطرق الديمقراطية .
اضافة الى ذلك لو كان هناك محكمة دستورية وتم عرض هذا القانون عليها لمطابقته مع المبادئ الدستورية العامة المطبقة في أغلب دول العالم لرفضت هذا القانون جملة وتفصيلا ، لتناقض الكثير من مواده مع المبادئ الدستورية المنصوص عليها عالميا ، خاصة فيما يتعلق بنقطة الحصانة المنصوص عليها في هذا القانون فهي فصلت لأعضاء المجلس الذين وضعوا هذا القانون ، لأنه لا يجوز لا بالعدالة او بالمنطق ان تعطى الحصانة لنائب الى الأبد كما ينص القانون الاساسي على ذلك ، الحصانة تعطى من اجل الوظيفة ، اما وان انتهت مدة اعضاء المجلس فلا حصانة لهم جميعا. هذا المجلس اصلا الغير موجود لعدم الانعقاد .
الحصانة اليوم للنائب البرلماني في الدول المتقدمة والديمقراطية اصبحت لاغية لا وجود لها ، الا فقط اثناء المناقشات لا غير ، اما عدا ذلك فهي غير موجودة وهذا ما اخذ به الدستور المغربي للعام 2011 حيث الغى الحصانة كليا الا فيما عدا اثناء انعقاد المجلس وداخله، الرئيس في فرنسا اصبح لا وجود للحصانة لديه الا فقط اثناء ممارسة رئاستة لا غير ، مجرد انتهاء الرئاسة تصبح الحصانة لاغية ويجوز محاكمته عما ارتكبه من جنايات وجنح سابقا ، كما حصل بالنسبة للرئيس شيراك الذي تم محاكمته بعد انتهاء ولايته الرئاسية حول اتهامه بالفساد عندما كان رئيسا لبلدية باريس في منتصف السبعينات من القرن الماضي.

د. محمد الحاج قاسم
*استاذ الدراسات الدستورية / كلية الحقوق ، جامعة الحسن الثاني / الدار البيضاء.(المغرب).

[email protected]