العفر بركان القرن الإفريقي !بقلم : ادريس حسن يعيدي
تاريخ النشر : 2013-03-01

العفر بركان القرن الافريقي!
بقلم : ادريس حسن يعيدي
قبل دخولي في إثبات أو نفي العنوان دعوني أقدم لكم ذِكرياتي مع هذا العنوان كتوطئة للموضوع أتذكر أنني أول مرة قرأت مقال بعنوان " العفر بركان القرن الافريقي " فأنا في الثانوية العامة وأتذكر أيضاً أنّ المقال أثآر إعجابي في تلك الفترة حتى ملأت الجدران والحيطان ومقاعد دراستي بعبارة " العفر بركان القرن الافريقي " ثم قرأت مقال آخر بنفس العنوان لكاتب عربي وأنا في سنة أولى من الجامعة في الخرطوم وأيضاً قبل فترة بسيطة إطلعت علي تقرير إستراتيجي لمركز بحثي مرموق يصف المسألة العفرية في القرن الإفريقي بأنها وَمِيض تحت النار أو بركان يؤرق مستقبل منطقة القرن الإفريقي .
لكن أكثر شئ أتذكره وأثآر شعوري بالبحث والتأمل وحفزني للكتابة هو ما سمعته عن البروفيسورعبد الرحمن أحمد عثمان مدير مركز البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة إفريقيا العالمية في الخرطوم وفي أثناء كلمته التي القاها في حفل أقيم بمناسبة مرور عشرة سنوات علي تأسيس رابطة طلاب العفر بالسودان عام 2010م قال أنه ( عُرضتْ عليه رسالة دكتوراه تبحث الحلول للصراعات السياسية التي تعصف بمنطقة القرن الإفريقي ثم قال البروفيسور أن الباحث ذكر في رسالته أنّ تسوية المسألة العفرية في منطقة القرن الإفريقي تُعتبر قضية مفتاحية لإستقرار المنطقة وإلاّ ستكون بركان يُهدد إستقرار السياسي والأمني ثم خَتم حديثه قائلاً أنّ الرسالة أثآرت إعجابه وأعطته رؤية جديدة وبُعد أوسع وحَفّزته للإطلاع بشكل أعمق وأكثر في المعضلات السياسية المزمنة التي تعاني منها المنطقة وقال فتبين لي صحتها..... ).
بعد إسترجاعي لتلك الذكريات المختارة من مخابئ ذاكرتي أرجع فأدخل في الموضوع فلكي أُقرب المسافة علي القارئ أطرح تساؤلات محورية من شأنها تُحدد مَعالم الموضوع وهي أولاً هل ينطبق وصف البركان علي الحالة العفرية في القرن الإفريقي؟ وكم نسبة مصداقية هذا التوصيف؟ فإذا كان صحيح أنْ يَنطبق عليهم فما هي المعايير الموضوعية والمعطيات الحقيقية التي تُرجح كفة هذا التوصيف ؟ إجابة علي هذه الأسئلة تحتاج تحليل دقيق فحتماً ستختلف حولها الآراء بحسب نظرة المحلل وطبيعة فهمه ومعرفته وحسب الزاوية التي ينظر منها للأمور فربما ستؤثرالمرجعيات الفكرية والإنتماءات الأيدولوجية بحسب قُرْبها أو بُعْدها عن القومية العفرية في التحليل.
لكن مع إحترامي المُسْبق لكل الآراء سأقوم بتحليلي الخاص وهو أنني أميل الي إثبات صحة الفرضية التي تقول أنه من الممكن أنْ تلعب العفر دور البركان إذا إنتفضوا علي الأوضاع السياسية والإجتماعية التي يعيشون فيها وفي نظري لا يمكن أنْ نستبعد سيناريو الإنتفاضة للمارد العفري فلابُدَّ أنْ يَقولوا كلمتهم ويَسْعوا لإستعادة حقوقهم السياسية والإجتماعية وإسترداد كرامتهم كقومية عريقة تَمْلك إرث تاريخي وثقافي وسياسي لها تَجَارب رائدة في إدارة شؤونها الخاصة كيف يقبل من كان عبر تاريخه الطويل ملوك وأمراء وسلاطين في بلاده العيش في الهامش دون السعي نحو الريادة وكل التجارب التاريخية والواقعية تُؤكد من يمتلك مثل هذه الإعتبارت سينتفض وينصف تاريخه وخاصة الأجيال المتعاقبة منهم وهناك أربعة إعتبارات تجعلني أرجح صحة العنوان الذي يفترض بإمكان العفر أنْ تلعب أدوار البراكين السياسية في القرن الافريقي وهي :
الإعتبار الأول : هو إعتبار جغرافي لأن الخريطة العفرية في القرن الافريقي تُمثل خلاصة الأهمية الإستراتيجية وزبدة الحيوية والجاذبية والجيوبولوتيكي الذي تتمتع بها منطقة القرن الإفريقي حيث أن الخريطة العفرية تفترش طولاً سواحل البحر الأحمر الممتدة من ميناء مصوع في الشمال الي نقطة التي ينعطف فيها خليج عدن بمحاذات مضيق باب المندب المعروف عالمياً بالجاذبية من العيار الثقيل وأما عرضاً من البحر الأحمر الي سفوح الشرقية من هضبة الحبشة .
وكل المهتمين يعلمون أن هذه المنطقة المعروفة ( بالمثلث العفري أو منخفض الدناكل ) هي عبارة عن مركز الإعصار وبُؤْرة التجاذبات ومَكْمن التصارع السياسي والعرقي والديني والثقافي والحضاري.
فلذلك من الممكن إذا إنتفض قاطني هذه المنطقة الأصليين ستكون هذه المنطقة عبارة عن براكين سياسية مُلتهبة .
الإعتبار الثاني : هو إعتبارسياسي وفي الأصل الخريطة العفرية مُقسمة ومُوزعة بين ثلاثة دول في مركز القرن الإفريقي وهي (اثيوبيا – ارتريا – جيبوتي ) وأنّ هذه الدول تُعاني إخْتزال مروع لمفهوم الوطنية الصحيحة المتعارف عليها في العالم الي مفاهيم عرقية ضيقة تَخذم فئات معينة وقوميات معروفة بعينها للأسف أصبح زمام مؤسسات وأنظمة هذه الدول بيد عرقيات معينة حيث ساعدتهم لهذا التحكم والإستئثار قُوى خارجية لغرض خذمة مصالحها الإمبريالية لمجرد أنّ هذه القوميات تَتَوافق معهم أيدولوجياً أو دينياً.
لذلك إنحرف مسار الدولة الوطنية الحقيقية الي مسارات ضيقة خاطئة لا تمت لها بصلة بالوطنية حيث أصبحت مهمة أنظمة هذه الدول قمع وإستئصال المكونات الأخرى الذي تراها منافسة لها ويتم محاربة بعض القوميات في القرن الافرقي بسبب عراقة تاريخها وثقلها الإجتماعي وحضورها السياسي أو بمجرد انها تختلف مع قومياتهم ثقافياً ولغوياً لهذه الأسباب يتم محاربتها ومحاصرتها وتفكيكها .
والقوميات التي تحكم هذه الدول حولتها مؤسساتها بالكامل الي نُسخ طِبْق الأصل من قومياتهم وثقافتهم ولغاتهم كأنهم هم الوحيدون المؤهلون وكأن لغاتهم هي الأصلح وكأن ثقافاتهم هي الأجدر لحكم البلاد .
أنظروا مثلاً كيف هَندست قومية أمهرة المجتمع الإثيوبي في عهود أباطرة الأمهرة علي نَمَطها ولغتها وثقافتها وفي إرتريا الآن تُحاول قومية تقرينية بقيادة أسياس افورقي تقليد أسلوب أمهرة بنفس السيناريو لكنهم بغبائهم السياسي و فرط إستعجالهم قلة خبرتهم إستعجلوا وأرادوا تحويل مجتمع إرتري المتعدد العرقيات والثقافات واللغات والديانات بين ليلة وضحاها الي نسخة طبق الأصل من قوميتهم ناسين أو متناسين أنّ قومية امهرة إستغرقت في ذلك قرون.
وأيضاً لا يختلف الحال في جيبوتي حيث بدأ السيد حسن قوليد أول رئيس بعد الإستقلال مُحاولات مُمَنْهجة لتغليب كفة عيسى الصومالية وهي أبناء قبيلته مقابل إضعاف كفة قومية العفر صاحبة الأرض والحكم قبل الاستقلال بأسلوب صارخ مما أدى الي إندلاع ثورة كادت أنْ تقطلع جُذور مجموعته العيساوية ذات الأصول الصومالية وما يجرى اليوم في عهد الرئيس الحالي من محاولات التهميش المتدرج بخفية علي إستحياء من عنصر العيساوي ضد العنصر العفري .
عموماً هذا هو الوضع السياسي في الدول الثلاثة التي تقع فيه الخريطة العفرية وفي نظري إستمرار هذا الوضع المنحرف يُثير حفيظة العفر ويُؤجج مشاعرهم وخاصة أجيال العفرية المتعاقبة مما يُؤدي حتماً الي الإنتفاضة ورفض الواقع.
الإعتبار الثالث : هو إعتبار نفسي وتاريخي الذي يَحكم تصوراتهم الذهنية حيث يرى العفر أنفسهم بأنهم الأقدم تاريخاً والأعرق جذوراً وأنهم صليل ملوك مملكة عدال الاسلامية كأحمد إبراهيم قُرى قاهر الأحباش الصليبين في القرن الإفريقي في العصور الوسطى وأنهم أحفاد السلاطين العظماء كمحمد حنفري سلطان عموم العفر الذي كان يبرم الاتفاقيات ويعقد المعاهدات الندية مع الدول والحكومات كإبراطور عفري.
وأنّ ذاكرتهم الجمعية مليئة بالقصص والبطولات وأنّ فلكلورهم الشعبي طَافِح بعبارات الفخر والإعتزاز لقوميتهم فحتى أنّ كلمة العفر لها مفعول سحري لدى الشعب العفري وفي ذكره يشعرون الفخر والإعتزاز وفي تكراره يجدون اللذة والمتعة .
والقومية العفرية الي الآن تُعتبر قومية نموذجية من حيث التماسك والتجانس العرقي والإجتماعي والديني والثقافي واللغوي والجغرافي والتاريخي وفي الآمآل والطموحات المصيرية المشتركة وحتى في المناخ الطبيعي ومصادر الإنتاج متشابه جداً .
لذلك من الطبيعي جداً من يمتلك هذا السجل التاريخي والنفسي في عقله الجمعي أنْ يتطلع الي الأمام ويرفض العيش في الهامش فبتأكيد من يحمل هذه المعاني سيأتي يومه .
الإعتبار الرابع الأخير : هو إعتبار إستنتجته من خلال إستقرائي للتاريخ العفري الطويل الممتد الي عمق التاريخ حيث تبين لي أنّ طبيعة الشعب العفري تتميز بالنزعة الكفاحية وروح المقاومة مغروسة في داخل كينوتهم الذاتية منذ الأزل لذلك استحقوا بكل جدارة الإحتفاظ بملكية الخريطة العفرية المعروفة بالاستراتيجة من العيار الثقيل فكل تلك السواحل الطويلة المُفْترشة أمام منطقة باب المندب وكل شواطئها الذهبية وجذرها الاستراتيجية حتى الي تخوم الهضبة الحبشية في المرتفعات حيث بقيت هذه الخريطة في حَوْزَة العفر عبر التاريخ وهم إستطاعوا حمايتها والدفاع عنها الي اليوم .
الشعب العفري دفع ضريبة باهضة من التضحيات وتحمل الصعاب وعاش كل حياته تحت جبال من الآلآم والأحزان وقاس من أجلها مرارات الحروب مع الصليبين الاحباش الطامعين بالبحر الاحمر رغم رغبات الأحباش الأزلية بالبحر ورغم حروبهم الدائمة عبر تاريخهم مع العفر ورغم مَكْرهم ودَهاءِهم ورغم كَثرتهم العددية لم يستطيعوا السيطرة علي العفر ولم يجدوا الطريق الي البحر الاحمر حيث وقفت العفر في وجهوهم كالجدار الفولاذي ووضعوا حداً لأطماعهم التوسعية في الخريطة العفرية وأقنعوهم بإستحالة الوصول الي البحر الأحمر عن طريق العفر هذا يدل دلالة واضحة أنهم عاشوا كل حياتهم في كفاح ونضال أبدي وأنّ تاريخهم حُبْلى بالثورات تَخْفُتْ هنا وتَوْلَعْ هناك رغم أنّ واقع العفر الراهن يوحي الركود بسبب إنتشار الفقر وشبح الجهل وكثرة المؤامرات التي تُحَاك ضدهم هذا لا يعنى إنتهى العفر وإنما يعني كبوة لأسباب معروفة ولكل جواد كبوة كما يقولون .
فأنا أقول مهما بَدَا عليهم بؤس الحظة خانقاً ويأس البُرهة مُحْزناً سيأتي يوم تنقشع عن كاهلهم هذه الظلمات لأننا كل يوم نرى ارهاصات تُبَشّر بلمعة ضوء يضئ وكل يوم نسمع أنين الأحلام من صدور العفرين وكل يوم نرى تَمَلمل الإنتظار وعِصْيان الركود في واقعهم وكل يوم نشاهد الغَلَيَان والتضَمُّر من الشباب العفري ووكل يوم أقرأ كتاباتهم التي تفوح منها العزة والكرامة العفرية.
في ختام مقالتي أقول أنه إذا خَلَطْنا تلك الإعتبارات الأربعة التي أعلاها مع بعض فبكل تأكيد سيطلع عصير من شأنه أنْ يُؤثر في المنطقة ويُثير البراكين السياسية في القرن الإفريقي المضطرب أصلاً ...
[email protected]