قانا الجنوب اللبناني تتألّق بمتاحفها بقلم: حسين أحمد سليم
تاريخ النشر : 2013-01-09
قانا الجنوب اللبناني تتألّق بمتاحفها بقلم: حسين أحمد سليم


قانا الجنوب اللبناني تتألّق بمتاحفها
محفورات صخريّة قديمة وواحة شهداء المجد ومتحف موسى طيبا

بقلم: حسين أحمد سليم

متحف قانا الأثري قديم قِدم الرّسالة العيسويّة اليسوعيّة المسيحيّة, يعود تاريخه لزمن الرّومان, وما زال هذا المتحف القديم يتربّع فوق تلال بلدة قانا المطلّة شرقا على مدينة صور في الجنوب اللبناني وفي رحاب الهواء الطّلق, حيث ما زالت المنحوتات الأولى بارزة رغم إندثار بعض معالمها ومعالم الوجوه فيها من جرّاء المؤثّرات الطّبيعيّة والفلكيّة... تلك الآثار والأشخاص التي نُحتت على الصخور المحيطة بالمغارة التّاريخيّة التي كانت ملجأ السّيّد المسيح بن مريم العذراء وتلامذته في بدايات الدّعوة السّماويّة المسيحيّة... لتظلّ بقايا تلك المنحوتات كتاباً أثريّا دامغا وناطقاً, يروي سيرة السّيّد المسيح عيسى بن مريم وتلامذته, وتخبّر عن رسالتهم السّماويّة, تجسيدا لمرور وإقامة السّيّد المسيح وتلامذته في المكان, وتأريخا لأولى الظّواهر العجائبيّة التي إجترحها السّيّد المسيح في نشر رسالته... وتوثيقا لتلك المرحلة القديمة التي تمخضّت عن وجود فنّ النّحت قديما في قانا الجليل, بحيث يعود تاريخ فنّ النّحت في الجنوب اللبناني إلى تلك الفترة الزّمنيّة, ويصحّ تسمية النّحّاتون الذين نفّذوا تلك المنحوتات في الصّخر الجنوبي اللبناني, تخليدا للقداسة والروحانية, يصحّ تسميتهم بالنّحّاتين الجنوبيين اللبنانيين الأوائل, الذين أرسوا معالم فنّ النّحت في الموروثات التي بقيت تتماهى في تلال قانا الجنوب حتّى اليوم...
قانا الجليل أو قانا الإنجيل أو قانا جليل الأمم... كما ورد ذكرها في أكثر من مصدر ديني وتاريخي معتمد, هي بلدة قانا التي تبعد حوالي الخمسين كيلومترا عن مدينة صيدا, وتقع في وادي عاشور المنسوب إلى الإله آشور الكنعاني...
تتبع بلدة قانا إداريّا لمحافظة الجنوب وهي من عداد بلدات وقرى قضاء صور, ترتفع عن سطح البحر حوالي ثلاثماية متر, إلى الجهةّ الشّرقيّة لمدينة صور, وتحدّها البلدات التي تحيط بها: من الشرق دير عامص ومن الشمال عيتنيت، ومن الغرب حناويه, اما جنوباً فتحدها صدّيقين...
تضم قانا الجليل أحياء كثيرة منها: حارة الفوقا، حارة التحتا، حي السيدة صالحة (يوجد مقام لسيدة جليلة)، حي البركة، حي المحافر، حي الجامع الشرقي، حارة مار يوسف، حي الحافور، حي الوارداني، حي الخشنة، حي الماصية، حي الحمارة، الخريبة.
يُروى ويُقال أنّ المؤمنين الأوائل برسالة السّيّد المسيح يسوع إبن مريم العذراء, من المسيحيين الأوائل لجأوا إلى المغارة التي تقع فوق تلال بلدة قانا, هرباً من إضطّهاد اليهود والرّومان لهم في تلك الأيام...
وأثبتت الدّراسات أنّ المسيح يسوع إبن مريم العذراء, خلال تجوله في تخوم صيدا وصور، كان يألف هذا الموقع مع تلامذته، ولهذا داوم أتباعه على ارتياده بعده...
وخوفاً من أن يمحى تاريخ المسيحيّة في هذه المحلّة, وتندثر أخبارها, فشاؤوا تخليد ذلك بنقوش على الصخور التي تحمل ملامح بعض البارزين من رسل المسيحية الأولين... وقام النّحّاتون المؤمنون الأوائل في ذلك الوقت بنحت الصخور المحيطة بالمغارة, كي تظلّ كتاباً ناطقاً يروي سيرتهم, ويخبّر عن رسالتهم, تجسيدا لمرور وإقامة السّيّد المسيح وتلامذته في المكان وتأريخا لأولى الظّواهر العجائبيّة التي إجترحها المسيح في نشر رسالته...
قرب مغارة قانا التّاريخيّة يوجد منحوتات وتماثيل كبيرة, منقوشة على الجدران الصخرية, وهي المحاولات الأولى للأيقونات المسيحية... تمثّل هذه المنحوتات أشخاصاً في وضع تعبّد وتواضع إما بوضع اليدين على الصّدر، أو برفعهما بحركة توسّل خشوعي... وعلى طرف إحدى الصّخور يوجد تمثالا محفورا لامرأة تتوكأ على عصا، وهي نحتت بتقنية ملفتة حيث تبدو ثيابها واضحة بطياتها وطرازها وما فيها من حشمة، ويطلق الأهلون على هذا التمثال تسمية «العروس»... ويبدو من نمط ثوبها وطرازه انها من العهد الروماني الذي عاصر انطلاقة المسيحية الأولى... وعلى صخرة أمامية منفردة نحتت تماثيل متلاصقة تمثل السيد المسيح يتوسّط تلاميذه الاثني عشر وله هالة على رأسه، ويبدو أكبر من التماثيل التي عن يمينه وعن يساره, للدلالة على مكانته المميزة... ومع مرور الزّمن أثّرت العوامل الطبيعيّة في التّماثيل ولم يعد بادياً من معالم الرّؤوس إلاّ الأشكال وحسب...
نقوش أخرى منحوتة تمثّل ميلاد الطّفل يسوع في المهد، وصفحة من الكتاب المقدّس، وعرس قانا الجليل، إضافة إلى منحوتات تمثّل قيامة أل]عازر من الموت، والعشاء السّري، وصلاة للتلامذة الاثني عشر، والعذراء تحمل طفلها، ورسم مثلّث يرجّح انه يرمز للثّالوث الأقدس... إضافة لوجود أجران منحوتة في الحجر عددها ستّة, تقع على مقربة من مقام يعلوها قليلا على قمّة تلّة, ومجاورة لقاعدة معصرة, توحي بوجود باحة واسعة يجتمع فيها النّاس لمناسبة ما...
هذا وتحتضن بلدة قانا متحفا فنّيّا كمعرض للفنّان والرّسام العالمي ابن قانا الاستاذ موسى طيبا, كتكريم ذاتي له في بلدته، وهو عبارة عن رسوم ولوحات ومجسّمات ومصوّرات له, أقامه اسهاماً منه في تعزيز موقع قانا الجليل الثقافي والحضاري والسّياحي...
موسى طيبا من مواليد مطلع الأربعينات, شبّ في قانا الجليل, ودرس في كليّة الفنون التّابعة للجامعة اللبنانيّة على يد الفنّان قيصر الجميّل, وذلك من العام 1957 إلى العام 1961 للميلاد... جال في العديد من البلدان الأوروبّيّة وزار متاحفها, وقام بدراسات فنّيّة تشكيليّة في الخارج... تبرز في أعمال موسى طيبا الفنّيّة موضوعات كثيرة ومتنوّعة, تجمع بين مختلف التّيّارات والمدارس والمذاهب الفنّيّة, وتفوح من لوحاته رائحة وطنيّة مميّزة, تتفتّق وتضوع من عبق أرض وطبيعة وفلك الجنوب اللبناني...
أقام الفنّان موسى طيبا معرضا خاصّا ودائما لأعماله كمتحف بجهد فردي في بلدته قانا, مسقط رأسه... بحيث يحوي المتحف على الكثير من الأعمال واللوحات الفنّيّة... ويقيم فيه معارض دوريّة, ويحتوي المتحف على مجسّمات كبيرة تجريديّة ولوحات هندسيّة تصويريّة وسرياليّة... وهو ما زال متنقلا بين بلدته قانا ومحلّ إقامته في فرنسا...
إلى هذا فبلدة قانا تتألّق كذلك في سماء المجد بمتحف لشهدائها المظلومين الأبرار الذين أصبح مثواهم ومقبرتهم مزاراً ومنارة يقصده الاحرار ليس من المناطق اللبنانية فحسب، بل من جميع أقطار العالم، الذين يزورون المنطقة فيقفون وقفة احترام واجلال امام النصب التذكاري الذي أقيم تكريماً للشهداء الأبرار...
تبلغ مساحة قانا الجليل حوالى الفي متر مربع وعدد سكانها حوالى 20 الف نسمة بين مهاجر ومقيم يتوزعون على العائلات التالية: أبو خليل، أيوب، الأقرع، ابراهيم - داهود، أبو خير، اسماعيل، الاشقر، أديب، برجي، بيطار، بغدادي، بدرالدين، بشير، بطرس، توما، جابر، جعفر، جمعه، حمصي الحاج، الحداد، الحجه، حدرج، حمقه، حلال، حيدر، حسن، حكيم، حجازي، حمادي، حمود، حجاجي، حسني، حميه، حايك، الخوري، خليل، دهيني، دخل الله، درويش، الديماسي، رزق، رضى، رملاوي، رحيل، زعرور، الزين، زبد، سالم، سردي، سلوم، سعادي، السلاك، سلامي، السيد، سليمان، سعد، الشامي، الشماس، شلهوب، شيلي، شوشي، صليبا، صبرا، صيداني، صالح، صائغ، طه، طيبا، طعمه، عيسى، عبدالرضا، عبدالله، عيديبه، عامر، عطيه، عاشور، علاء الدين، عبدالحسين، عطوي، غندور، غضبون، غزال، الغضبان، فتوني، فياض، فرحات، فرج، قدوح، قليط، قسيس، كسّاب، كريم، كرشت، موسى، ماضي، مهنا، مراد، معنّا، ناصر، نصرالله، نزّال، نقولا، هاشم، الهنداوي، واكيم، يونس، ياسين.