شريدة و غزة بقلم:انتماء السدودي
تاريخ النشر : 2012-09-04
انه الصوت الخالد الحي الذي يأبي موتا طائشا أو مقصودا ,والذي يتعالى على مفردات زماننا المنكود, ذاك الفَتّي مهما تراكم على أطرافه غبار السنين, وضنف المشاق والتحديات أصر على الولادة من جديد. انه الديك الاُبهيّ المتغطرس الذي تحدث عنه محمود درويش في أجمل عبارات الشموخ والتحدي. صوت الشباب الذي يملاْ القلوب نُضرة ويزرع الأمل المفقود في عيون أظلمَتهَا منغصات المجتمعات تارة, ومحاولات الإخراس المتكررة تارات أخرى. لربما جراء عادات وتقاليد خاطئة كممت أفواه الشباب حينا ولربما نتيجة الحصار الذي يفرضه المحتل الذي يُولي أولى أولوياته وبامتياز إلى ترويض الشباب وبذر معالم الفشل في حياتهم, بل يتعدى الأمر إلى حصار مُمًنهج في أضيق الخانات ما بين المطرقة والسندان. -هذا ليس حصرا على الفلسطيني وحسب بل هو تاريخ الشباب في كل المجتمعات اللاهثة وراء الحرية والديمقراطية- .

احمد بعلوشة / محمد الشيخ يوسف ازدواجية شَهِدها كل جامعي ومثقف في غزة , تَفردُ نادر دق جدران الخزان ,وسيقرعها إلى الأبد. و صوتُ لن يتبجح الموت في ظلاله . على ما يجيد قلمي وصفهما ويَعجزُ دوما (شابان أحبا الحياة حد الجنون وكرهاها حد السماء السابعة, عزيمةُ كللها الأمل, وابتكار من واقع أشبه بالعدم, اْطل علينا كلاهما بقصائد أحاكها القهر يوما والأمل أياما. كلمات كادت أن تكون مرآة الواقع الفلسطيني على العموم والشباب على الخصوص).

أما اليوم ففي جعبتهما حكاية أخرى تناقش المجتمع الغزي وتسلط الضوء على حياته اليومية . " شريدة" هو الاسم الذي أطلقه احمد ومحمد على البرنامج الذي يُعرض على اليوتيوب والمواقع الالكترونية . وكما اخبر احمد ومحمد : أن برنامج شريدة ما هو الا تجسيد للواقع الفلسطيني بكل مصداقية وشفافية, وأشارا بان اسم البرنامج لم يأتي وليد الصدفة بل جاء اثر اختيار طويل و منظم, فلعبه الشريدة كما يعرفها الجميع هي هروب الإنسان من شخص آخر يتعقبه. وأضاف محمد أن الحياة في قطاع غزة ما هي الا شريدة رغم اختلاف دواعي الهروب و تنوع أساليبه. فكما نرى في الواقع الفلسطيني أن الأغلبية تهرب من همومها ومشاكلها وربما من أنفسها , لكن أين من ذاته يهرب المشرد؟ و لقد شاهدنا ذلك جليا في الحلقة الأولى من خلال العديد من الأشخاص الذين سنحت لهم الفرصة بالحديث ( تطلعات صبي في العاشرة من عمره لإنهاء الحصار, قناعه بائع الشاي والقهوة على ناصية الطريق بأنه أفضل من غيره, وتذمر ثلاث شباب على دراجة غير مرخصة , وخوف بائع السجائر من إن ترى الجهات المسئولة الحلقة الأولى فتلقي القبض عليه و تعلم انه لم يزل موجود)

وكما بين احمد ومحمد أن الهدف الأساسي من هذا البرنامج هو عرض صورة غزة الحقيقة دون اى مبالغة أو نقصان, وأن البرنامج يُعطي الفرصة للجميع في التعبير عن رأيه في اى موضوع كان , وأن الحلقات تأتي دون ترتيب مسبق أو تنظيم مخطط. و وصفا البرنامج بأنه عفوي عشوائي وبذلك تحقق المصداقية. كما أن الآلية الوحيدة لهذا البرنامج هي الاختلاط بالعامة وإعطاء المجال لهم في الحديث أينما كانوا فليس هناك أستوديو أو مكان محبذ يستوجب اللقاء فيه.
الحياة حافلة بالأشخاص الرائعين , و الأصوات التي لن ينساها التاريخ يوما . كان حميد بارودي الفنان الجزائري صاحب ألبوم شوارع الجزائر العاصمة يغني للعامة و هاهما اليوم احمد ومحمد يقرعان جدران الخزان من اجل العامة..

(انتماء السدودي.)