مات باعث الموشح فؤاد عبد المجيد ؟بقلم:وجيه ندى
تاريخ النشر : 2012-03-23
مات باعث الموشح فؤاد عبد المجيد ؟بقلم:وجيه ندى


مات باعث الموشح فؤاد عبد المجيد ؟
14 مايو 1926 كان ميلاده ولكنه رحل وهو لا يعرف السر فى تجاهله وتجاهل الفن الذى كان يقدمه وهو فن الموشحات رغم المجهود الذى بذله فى احياء هذا الفن الجميل – الذى كان مثل نسمه رطبه وسط زوابع وعواصف واصوات خانقه تسمى اصوات شبابيه - هو المبدع والفنان فؤاد عبد المجيد المستكاوي والذى استطاع علي امتداد النصف الثاني من القرن العشرين، ومركزًا علي تلحين ما يزيد علي المائة موشح ذات الأشكال التقليدية الصارمة، والمضمون الصارخ في حداثته، يمكن أن يشكل مدخلاً إلي عدد متشعب من القضايا النظرية التي تشغل بال النقاد والمثقفين والفنانين المنشغلين بهموم التدهور الثقافي العام الذي نعيشه مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، وهو التدهور الذي يبدو أشد ما يكون صراحة في مجال الموسيقي والغناء. غير أن أبرز ما يلفت الاهتمام في هذه القضايا المتشعبة عند دراسة تجربة الموشحات العصرية للفنان فؤاد عبد المجيد ، قضيتان نظريتان بالغتا الأهمية: الاولى إمكانية ظهور وبروز تجربة فنية بالغة الغني والعمق والجدية، في مرحلة من مراحل الانحطاط الثقافي والفني العام. و الثانيه الإمكانية الدائمة للانطلاق من أشد الأشكال الفنية كلاسيكية، لطرح أشد المضامين الفنية حداثة. وبالنسبة للمسألة الأولي، فإننا إذا اتفقنا علي أن مسيرة النهضة الموسيقية والغنائية العربية المعاصرة والمتعددة المراحل قد انطلقت وبقيت محتفظة بزخم تاريخي غريب فيما بين 1875 و1975، فإن ظهور ثمار تجربة فؤاد عبد المجيد في الموشحات العصرية قد بدأ في عام 1980، أي عندما كانت النهضة المعاصرة للموسيقي العربية قد بدأت مرحلة الانحسار. ولكن قبل الوقوع في المبالغات وفي البحث فإننا نذكر بأن فؤاد عبد المجيد وتشرب أصول الموسيقي العربية الكلاسيكية بمختلف ألوانها التقليدية والحديثة في حضن مرحلة النصف الأول من القرن العشرين، كما أن ملكة تلحين الموشحات الكلاسيكية الشكل الحديثة المضمون قد بدأت تظهر لديه منذ مطلع الخمسينيات، ولم ينقطع منذ ذلك الحين عن نظم وتلحين تلك الموشحات، بإصرار ومثابرة من خارج سياق الأنماط السائدة في ساحة الموسيقي والغناء العربيين، حتي في أواخر مرحلة النهضة في الربع الثالث من القرن العشرين (1950 - 1975)، إلي أن حانت لحظة الظهور العلني لذلك النتاج المتراكم لفؤاد عبد المجيد من الموشحات العصرية علي يد فرقة رضا والموسيقار عبد الحليم نويرة، في اللحظات الأولي عام 1979 فى ليلة راس السنه وقدم ولاول مره على المسرح موشحه الرائع يا غريب الدار وخلفه تالوهات راقصه تقدمها فرقة رضا على موسيقى هذه الموشحات وتهامس الناس – من هذا الفنان الذى تجاوز الخمسين ويحمل كل هذه العذوبه فى صوته – وكل هذا الجمال فى الحانه و مع بداية عام 1980قدم الحانه علي شاشة القناة الأولي للتليفزيون المصري. انها قصة تستحق الذكر لأنها جاءت لتنهي عند فؤاد عبد المجيد نصف قرن من هواية الموسيقي في الظل وخارج إطار النتاج الموسيقي المتداول، وهى هواية كان من الممكن أن يعيش في ظلها حتي نهاية العمر، لولا الظروف التي تدخلت في وقت متأخر لتدفعه من ظل الهواية إلي أضواء الاحتراف العلني، الذي ظل عاجزًا عن التمرس بتقاليده وقواعده، حتي وهو في ذروة شهرته، لقد انخرط فؤاد عبد المجيد منذ عقد الأربعينيات في دراسة أشكال الموسيقي العربية الكلاسيكية علي يد أحد أساتذتها المخضرمين، الموسيقار صفر علي، زميل محمد عبد الوهاب في دراسة قواعد الموسيقي العربية في نادي الموسيقي الشرقي (مع فارق السن الكبير فيما بينهما) وأحد أبناء الأسر المصرية ذات الأصول التركية، مما جعله ينتمي إلي مجموعة المحافظين المتشددين في مواجهة النهضة الموسيقية العارمة التي انطلقت بعد ظهور ورحيل سيد درويش. هذه الخلفية التي انطلق منها صفر علي (أستاذ فؤاد عبد المجيد ) جعلته واحدًا من رعيل الخبراء في كل الأشكال التقليدية للموسيقي العربية والتركية بأشكالها الآلية والغنائية. ويبدو أن فؤاد عبد المجيد الذي زامل الموسيقار كمال الطويل في الدراسة عند الموسيقى صفر علي، وقد اتصل أيضًا من وقت مبكر بذلك الرعيل من حفظة تراث القرن التاسع عشر خاصة في مجال الموشحات والأدوار، من أمثال الشيخ درويش الحريري وإبراهيم شفيق وفؤاد محفوظ وسواهم، (وهو رعيل كانت تعج به الأوساط الموسيقية في القاهرة وحلب والقدس، حتي منتصف القرن العشرين) مما كان له أثر واضح في تعلق فؤاد عبد المجيد بفن الموشحات بشكل خاص. غير أن كل هذه الخلفية الدراسية بقيت بالنسبة لنشأة فؤاد عبد المجيد في مجال الهواية المحضة، فقد انصرف إلي جانب تلك الهواية، لدراسته الجامعية في مجال الهندسة الزراعية ( كيمياء زراعية ) التي ظلت مهنته التي يحترفها ويمارسها ويتعيش منها، حتي آخر أيامه ولكن ذلك لم يمنع هواية الموسيقي لديه من النمو والازدهار في مجال إبداع الموشحات طيلة عقود ثلاثة بين أول الخمسينيات وآخر السبعينيات، لم يكن يكتفي فيها بتلحين الموشحات، بل كان ينظمها شعرا، بأشكال متعددة تكشف عن تعمقه بفن الموشحات بصيغه الأندلسية القديمة، إضافة إلي تعمقه بألحان أرباب الموشحات المعاصرين وعلي رأسهم كامل الخلعي الذي نظم ولحن مئات الموشحات المخضرمة بين القرنين التاسع عشر والعشرين، وإن كان المتداول منها في التسجيلات المعروفة لا يتجاوز العشرين موشحًا، للأسف الشديد. ولم يكن يكتفي بتلحين ما ينظم من موشحات، ولكنه كان يغرف من خزانة الموشحات الأندلسية التراثية ويلحن ما يروق له منها ويستهويه، بل إن هواية الموشحات سيطرت عليه إلي درجة أنه كان يتفنن أحيانًا باختيار أشعار موشحات معروفة، إما من التراث القديم، أو من موشحات معروفة لسيد درويش مثلاً، فيعيد تلحينها بمزاجه الخاص. ومن أشهر تلك الموشحات التي أعاد فؤاد عبد المجيد تلحينها، موشح سيد درويش الشهير « منيتي عز اصطباري »، إضـافة إلي الموشح التراثي المعـروف « يا ليل الصب متي غده »، اللذين أعاد تلحينهما بصيغتين مختلفتين من مقامين موسيقيين مختلفين. وظل يمارس هذه الهواية وجدد شباب الموشح وغير منه بروح العصر ويضع له كلمات جديده وجملا موسيقيه تخلصه من الرقابه والتكرار وكانت قضيته هى ضرورة افساح المجال لكى يتعمق الموشح فى الوجدان المصرى وهذا اللون الذى نشا فى الاندلس لم يكن غريبا على مصر – فقد ازدهر خلال الحكم العثمانى – وكان لون الغناء الرئيسى ايام حكم المماليك اكبر دليل على حب الاذان المصريه لفن الموشح هو سعادتها بالموشحات التى قدمها فؤاد عبد المجيد فى السبعينات – لقد ذهب الى الشام مرتين وسمع الموشحات من اهل حلب وتاثر به – ووضح هذا التاثر فيما سمى بالادوار التسعه التى الفها وتشبه السيمفونيات التسع عند بيتهوفن - اين خريطة الاذاعه والتليفزيون بعد تقديم روائعه يا غريب الدار و جادك الغيث و دعانى حنينك - هل يظهر من بين فنانينا وموسيقيينا من يكمل مشوار فؤاد عبد المجيد ؟ ورحل عن عالمنا فى هدوء – رحمه الله واسكنه فسيح جناته على ما قدم من فنون المؤرخ والباحث فى التراث الفنى وجيــه نــدى 01006802177 [email protected]