موقف التشريعات العادية (السارية في فلسطين) من الحق في الإضراب...بقلم: دانا الديك
تاريخ النشر : 2011-08-21
من خلال قراءة نصوص قانون العقوبات الفلسطيني الانتدابي، نصطدم وبعد كل النصوص الدستورية السابقة وكل المواثيق الدولية التي صادقت عليها منظمة التحرير_الممثل الشرعي والوحيد لدولة فلسطين _ بنصوص (143) والمادة (74/2) حيث قررت المادة الأخيرة صراحة بأنّ:" كل من اشترك في إضراب تعلق بالعمل في أي مصلحة عامة في فلسطين أو أية دائرة من دوائر حكومة فلسطين أو أي سلطة بلدية في فلسطين، أو استمر على الإضراب أو الاعتصام أو حرض أو حمل غيره أو ساعد شخص على الاشتراك في الاعتصام أو الإضراب أو على الاستمرار فيه يعتبر أنه ارتكب جنحة ويعاقب بالحبس مدة سنة."
وهذا النص كما هو واضح غير دستوري لعدم انسجامه مع نصوص القانون الأساسي الفلسطيني وتعارضه مع قواعد قانون العمل الفلسطيني، فالأصل أن يلغى نص المادة (74/2) ضمنياً بمجرد نفاذ القانون الأساسي، فالقانون الأساسي هو بمنزلة الدستور في هذه الفترة الانتقالية، بالتالي هو أسمى من القوانين العادية.
السؤال: كيف ما زال يُعمل بنص أدنى يخالف نصوص من القانون الأساسي، في ظل وجود قاعدة الهرمية القانونية، التي تقضي بأن يلغى كل نص أدنى يخالف نصوص الدستور؟
والدليل على تطبيق نصوص مواد قانون العقوبات ما رافق إضراب النقابات الثلاث (نقابة العاملين في القطاع الصحي واتحاد المعلمين، ونقابة العاملين في الوظيفة العمومية) بتاريخ 23/8/2008 وذلك كان بسبب فصل الحكومة المقالة في غزة لعدد من الأطباء والمعلمين والموظفين العموميين ممن لم يعترفوا بشرعية الحكومة المقالة.
حيث أعلن وزير الصحة في الحكومة المقالة د. باسم نعيم أنه لن يسمح لأي موظف بالتوقف عن العمل، وأبعد من ذلك منع أي مؤسسة أهلية أن تقبل بأي موظف عامل بوزارة الصحة، والمهم في إعلانه أنه أحال لتطبيق مادة قانون العقوبات رقم (143)، على أي مخالف لإعلانه. كما اتضح من سياق الأحداث وقت ذاك أن السبب وراء قيام هذه النقابات بالإضراب هو قراري مجلس الوزراء رقم(3) لسنة (2007)، والقرار رقم (4) لسنة (2007). نصّ القرار رقم (3) في المادة (4) على أنه:" يقع باطلاً كافة الإجراءات والتدابير والقرارات التي تصدر عن الحكومة السابقة أو أي من وزرائها". بديهي مثل هكذا قرار يثير الحماسية لدى الموظفين لكي يتمردوا على الأعمال والإجراءات السابقة للحكومة المقالة وهي المقصودة في نص المادة، فكان هذا القرار كالسند الذي استند عليه الموظفين في إضرابهم هذا.
أما القرار رقم (4) لسنة (2007) جاءت نصوصه مطالبة تدعو جميع الموظفين في الوزارات ومؤسسات السلطة الوطنية في جميع محافظات الوطن للانتظام في أعمالهم وفق تعليمات الوزير أو رئيس الدائرة الحكومية المختصة. واضح من نصوص القرار التأكيد مرة أخرى على عدم الانصياع لقرارات الحكومة المقالة، عبر تشريع عقاب على من يأتمر لها وتوفير الحماية لمن لا يأتمر لها، وهكذا قرار أيضا كان دافع لإضراب موظفي هذه النقابات إثر قيام الحكومة بفصل بعض موظفيها، لأن القانون يحميهم إن لم يوافقوا على قرارات الحكومة المقالة، ويعاقبهم إن أصبحوا موالين لها. وهذا برأينا ما تقتضيه العدالة وأمن المجتمع، أن تضبط الأجهزة الحيوية بالقمع والتهديد طالما لا وسيلة غيرها، وفقا لمبدأ العنف المشرّع، نظراً لخطورة عدم انتظام العمل في هذه المرافق على أمن الدولة واستقرارها، وكأن حكومة تسيير الأعمال هي الداء والدواء لإضراب موظفي الخدمة المدنية.
كما ونص قانون العمل الفلسطيني رقم(7) لسنة (2000) على الحق بالإضراب، فجاء في المادة (66) منه:" وفقا لأحكام القانون الإضراب حق مكفول للعمال للدفاع عن مصالحهم".
خامساً: الحق بالإضراب لموظفي الخدمة المدنية في ضوء التشريع الفلسطيني.
جاء القرار بقانون رقم (5) لسنة (2008) بشأن تنظيم ممارسة حق الإضراب في الخدمة المدنية، ونص في مادته الأولى على أن الإضراب حق مكفول لموظفي الخدمة المدنية وفقا لأحكام هذا القانون. رغم خلو قانون الخدمة رقم (4) لسنة (1998) المعدل بالقانون رقم (4) لسنة (2005)، من نص يدلّل على الحق في الإضراب لموظفي الخدمة المدنية.
نلاحظ أنّ قانون العمل هو أول قانون فلسطيني نصّ على الإضراب ونظّمه في مادتيه (66 و67). كان قانون العمل القانون الوحيد الذي يضع أحكام بشأن الإضراب فإن قواعده تمثل الحدود الدنيا التي يجب الالتزام بها عند ممارسة أي مجموعة عمالية للإضراب سواء مؤسسات القطاع الخاص أو المرافق العامة، ويدعم ذلك أنّ قانون العمل تطرق بوجه خاص إلى المرافق العامة ووضع ضوابط عند ممارسة أي إضراب يمس تلك المرافق.
نلاحظ أنّ القرار بقانون كفل وللمرة الأولى، الحق بالإضراب لموظفي الخدمة المدنية، وشكل مؤشرا إيجابيا على ضمان الحق بالإضراب، إلا أنه جاء مشوباً بعدد من الإشكاليات الفنية من حيث عدم وضوح نص المادة (2) منه والتي نصت على انطباق المادة (67) من قانون العمل على إضراب موظفي الخدمة المدنية، هناك خلل واضح في صياغتها بحيث لم يفهم من مضمونها مدى انطباق نص المادة (67) من قانون العمل على إضراب موظفي الخدمة المدنية وهل تطبق بأكملها أم الفقرة الثانية منها التي تتعلق بالإضراب في المرافق العامة، كما جاء نص المادة (2) من القرار بقانون متعارضاً مع نص المادة (3) من قانون العمل والتي استثنت صراحة موظفي الخدمة المدنية من الخضوع لأحكام قانون العمل.
حتى قبل صدور هذا القرار بقانون كان لا بد لنا أن لا نفسر خلو قانون الخدمة المدنية من قواعد تنظم الإضراب بأن إضراب هؤلاء الموظفين غير شرعي، لأن هذا الإضراب يجد سند لشرعيته وقانونيته في مواد القانون الأساسي الفلسطيني، وقواعد قانون العمل الفلسطيني التي كانت تعتبر الحد الأدنى من التنظيم الذي يجب التقيُّد به، قبل إصدار القرار بقانون السالف ذكره الذي اكتفى بنص المادة (67) من قانون العمل الفلسطيني لكي تطبق على إضراب موظفي الخدمة المدنية، هذا يعني استبعاد تطبيق المواد من (60_64) من قانون العمل والناظمة لتسوية النزاعات العمالية الجماعية والتي تلزم أرباب العمل بالتفاوض ابتداء قبل اتخاذ أي إجراء بشأن إضراب الموظفين العموميين. ولا يغيب عن ذهن القارئ لمواد قانون العمل عن أهمية انطباق هذه المواد على إضرابات الموظفين العموميين؛ لما في ذلك من تكريس لحقهم في الدفاع عن مصالحهم تلك المصالح التي كانت وراء سلوكهم مسلك الإضراب. لكن الواقع العملي يؤكد انطباق المواد (60_64) على إجراءات تسوية النزاعات المبني عليها الإضراب، وتأكدنا من ذلك في مقابلة أجريناها مع مدير الرقابة والسلوك المهني، في وزارة المالية سحر عبد الكريم المالكي، التي أكدت انطباق هذه المواد على إجراءات حل النزاعات والمفاوضات من أجل تحقيق أهداف الموظفين.
في ضوء ما تقدم نرى أن:
• المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والقانون الفلسطيني جاءت لتؤكد على الحق في الإضراب.
• القانون الفلسطيني لم تتطرق بصورة مباشرة لحق الإضراب للموظفين العموميين، وإنما عالج ذلك في إطار الحديث عن الحق في العمل بصورة عامة، باستثناء القرار بقانون رقم(5) لسنة (2008).
• عدم كفاية نصوص القانون الفلسطيني الحالي لتنظيم أحكام الحق بالإضراب بالنسبة للموظفين العموميين.
مقابل كل حق هناك واجب أو شرط أو قيد، وذلك لتلافي انتهاك حريات الآخرين، حيث تبدأ حريتي عندما تنتهي حرية الآخرين، فكما أتمتع أنا كموظف عمومي بحقي في الإضراب، أيضا ينبغي أن أراعي القيود والشروط المرتبطة بهذا الحق، التي وضعت لتصون حريات الآخرين بما لا يتعارض مع حريتي.
نشرت مقالتين تم توضيح القيود والشروط المرتبطة بهذا الحق على هذا الموقع.

يعتبر هذا المقال جزء من مشروع تخرجي لاكمال دراسة القانون في جامعة بيرزيت