عبقرية الفناء بقلم:عادل بن مليح الأنصاري
تاريخ النشر : 2011-06-02
عبقرية الفناء
عوامل إبادة كثيرة تحيط بهذا المخلوق المسمى (إنسان) ففي عالم الخفاء المجهري قضى هذا الإنسان ومازال يقضي أنواعا من الجهود الوقتية والمادية والبحثية والتي أوقف بعض بني البشر حياتهم رهنا لمكافحتها والحد من خطرها عليه , وما بين كر وفر قضى الإنسان على بعض منها ومازال يكابد العناء المر مع بقيتها الأكثر , ورغم تدرج خطر تلك المخلوقات المجهرية على حياة الإنسان إلا أنه لم يكد يقضي إلا على النزر اليسير منها وآثر مرغما على التعايش مع بقيتها الأكثر بالمهادنة عبر العقاقير تارة وعبر الخضوع والاستسلام تارات أخرى , ومازالت جيوش ذلك العالم الخفي الرهيب تحصد الآلاف من أرواح المخلوق الأعظم والأذكى على سطح الأرض , إنها حرب ساخرة , مضحكة , مبكية بين هذا المخلوق العاقل الذكي المغرور الذي غاص في المحيطات وخرق الأجواء وصنع العجائب الصناعية والحضارية والثقافية عبر تاريخه وبين تلك المخلوقات (الحقيرة , الخفية , القذرة , التي لا تملك أي مصدر من مصادر القوة والعقل والرقي ) , والمضحك في تلك الحرب أنها غير متكافئة بين قوى عاقلة مدججة بالعلم والمال والإمكانات والمعامل وعباقرة البحث العلمي وبين تلك المخلوقات المجهولة المتوارية في الظلام العاملة في الخفاء , المشوهة الخلقة أو الفاقدة للخلق السوي , ولكنها كانت ومازالت تهزم ذلك المخلوق العبقري العاقل المتحكم بحضارة الكون , وهذا هو الوجه المبكي في تلك الحرب الأزلية .
وأعجب ما تنطوي عليه تلك الحرب الضروس هو القدرة العجيبة لتلك المخلوقات الظلامية الهلامية الحقيرة على تطوير ذاتها والخروج عبر فترات زمنية بأسلحة جديدة وأساليب دمار قاتلة يجهل الإنسان غالبا كيف تولد وتنمو , تلك المخلوقات لها قدرة عجيبة على التغيير والتطور والتوالد عبر أجيال مختلفة , وما لها من قدرة عجيبة على خلق وتطوير أدوات مقاومة لما ينتجه الإنسان من عقاقير مقاومة له , وربما نسمع أحيانا أنها ليست إلا نتاج معامل هذا الإنسان الذي يحرص كل الحرص وبغباء شديد لا يتوافق مع نظرية العقل البشري المتفوق في خلق عناصر الدمار لنفسه أولا ولبيئته ثانيا , وكأنه لم يكتف بما تقذف به مصانعه من أسلحة دمار شامل وعبث في البيئة وحرب النجوم وأسلحة بيولوجية وكيميائية , إلى آخره مما تطالعنا به وسائل المعلومات كل يوم .
إن الإيدز و آي كولاي وغيرها من أمراض العصر الحالي الجديد ليست إلا نوعا من أنواع الحرب المعلنة على بني البشر من تلك المخلوقات المجهرية سواء كانت من تطوير ذاتها أم من تطوير الإنسان إلا أنها تظل عدوا مستقلا له خصوصيته وتقنيته الخاصة , وحتما لن تكون هذه آخر التحديثات الميكروبية والفيروسية طالما ظل هذا الإنسان مغترا بحكم هذا العالم , والمستقبل حافل بالتوقعات المطلقة , فإما انتصار لبني البشر على ذلك العالم الخفي ذات يوم انتصارا نهائيا أو العكس فتنجح تلك المخلوقات في إنهاء الوجود البشري , أو ربما تظل الحرب سجال ما بقي البشر .
ومازالت ذاكرة التاريخ لم تنس الطاعون والجدري وأنفلونزا الخنازير والطيور وآيبولا والإيدز وأخيرا وليس آخرا (آي كولاي) ذلك الوجه المرضي الجديد الذي لا نعلم كيف ستنتهي واقعة مقاومته من قبل البشر أو مدى انتشاره حتى الآن , ولكنه يظل وجها مخيفا من وجيه تحديث الحرب بين البشر والبكتيريا أو الفيروسات .
إن هذا الإنسان لم يكتف بمحاربة أعدائه من الجراثيم والميكروبات التي خلقها الله أو التي أفرزتها معامله , فهو يبحث عن كل جديد يقاوم وجوده وسعادته عن طريق المعامل وما تنتجه من أسلحة كيماوية وبيولوجية وأسلحة دمار شامل ليستخدمها البشر بعضهم ضد بعض .
هذا المخلوق العجيب (الإنسان) لم يكتف بصنع أعداء له عبر معامله وبيده , بل مارس القتل والإبادة لعنصره البشري عبر الحروب المختلفة والتي أودت ربما بما لم تستطع الطبيعة والميكروبات على فعله , ورغم ممارسته اليومية في تصفية بعضه البعض كما تطالعنا وسائل المعلومات يوميا إلا أنه مازال يمتلك القدرة على مقاومة جبروت الطبيعة التي أرسلها الله له , فموجات تسونامي والفيضانات المختلفة على قدر قوتها والزلازل والبراكين والتصحر والمجاعات والفيضانات وحرائق الغابات والتفجيرات هنا وهناك .
هل هذا المخلوق(الإنسان) فعلا يملك كل هذه القوة والجبروت والطاقة والصبر وحب البقاء والإبداع والفن والحضارة والتخطيط وبناء المعجزات الإنشائية والطبية والثقافية , وفي نفس الوقت يملك الوقت والقوة على مقاومة قوى الطبيعة وقوى الشر من بنيه وقوى العالم المجهري ؟
عندما تطالعك قنوات المعلومات المختلفة عبر برامجها الإخبارية تدهش من هذا الكم من الدمار عبر العالم , فمن الكوارث الطبيعية للتفجيرات للحروب للانقلابات السياسية وما يتبعها من مقاومة ثم قتل وتشريد وتغيير للأنظمة للمجاعات والفيضانات وظهور أمراض جديدة مرورا بالصراعات العنصرية والهجمات والهجمات المضادة والتفجيرات الانتحارية والكوارث الاقتصادية واعتداءات الدول بعضها على بعض وأخبار الفساد الشامل في كل مكان , وازدياد مساحة الفقر مقابل الثراء الفاحش الفاسد , وسرقة الأموال العامة تفشي الجريمة بكل أوجهها , ثم أخطار المحتملة والقادمة من الفضاء الخارجي عبر النيازك والشهب وثقب الأوزون , وربما اصطدام كويكبات صغير بالأرض كما يتنبأ بعض العلماء .
وفي المقابل تجد هذا المخلوق (الإنسان) في صورة أخرى يمارس حياته اليومية بكل ما فيها من أمل وطموح لغد أفضل , فأخبار المعامل والاختراعات تنبئ بغد أفضل , ومازال البشر ينشئون المدن والمنشآت الحضارية المختلفة , وما زال يسبر أغوار الفضاء وأعماق المحيطات , ومازال البحث حثيثا عن أسرار الجسد البشري مما يومئ بغد خال من الكثير من أمراض اليوم , ومازالت مدن العالم تعج بالفعاليات الفنية ومظاهر السمر والفرح وتلألؤ أنوار الفنادق والشواطئ عبر مدن العالم والاحتفالات المختلفة وانتشار الفعاليات الفنية من سينما ومسرح وموسيقى في كل مكان , وكأنك في عالم مختلف عن ذلك العالم الذي تشاهده عبر القنوات الإخبارية المختلفة .
ما أعجب هذا الإنسان , كيف يستطيع من أن يعيش خلال تلك الأوضاع المتنافرة , فهو يصنع سعادته بيد وباليد الأخرى يصنع موته ودماره ودمار بيئته .
لا شك أن الحقيقة تكمن عند خالقه وحده , فهو الخالق الحكيم الذي أنزل هذا الإنسان للأرض ووهبه سبل البقاء كما وهبه سبل الفناء التي تكفل لجميع المخلوقات نوعا من التوازن البيئي لتستمر الحياة بشكل متوازن قادر على منحه حياة أفضل , فماذا لو استثمر هذا الإنسان عقله بكل كفاءة في حدود الخير مع تنحية مصادر الطبيعة الأخرى من أذيته ومحاولة فناء جزء منه , هل يستوعب هذا العالم التكاثر البشري الخالي من عوارض الفناء من مرض وحروب وكوارث طبيعية وبيئية وميكروبية , ألا تفسد السعادة والنماء المطلق وموت روح التنافس للأفضل معنى الحياة وتنوعها المحرك لكل رغبة في الحياة الفضلى ؟
إن وجود الأمراض والكوارث والحروب وحب السيطرة هي عوامل إيجابية تجعل لك مخلوق هدف وخطط ورغبة وأمل في ما يمكن إنجازه في الغد سواء أكان خيرا أم شر , فلا وجود للخير المطلق ولا للشر المطلق .
وما صور الموت المختلفة التي يتجرعها بني البشر يوميا سواء كانت بيده أم بيد الطبيعة إلا صورة من صور توازن الطبيعة بينه وبين نفسه أولا وبين بيئته ثانيا , فعالم بلا موت يعني حاجة بشرية أكبر بكثير من قدرة أمنا الأرض على احتضانهم , وبالتالي سيولد الموت مرة أخرى من التنافس على عطاء أمنا الأرض الذي لن يكفيهم بالكاد جميعا , وربما مات البعض ليعيش الآخرين .
ويبقى السؤال الأكثر غرابة :
كيف يساهم هذا المخلوق العبقري مع كل قوى الطبيعة الأخرى على تسخير عبقريته أحيانا كثيرة في خلق طرق جديدة لفنائه كل يوم ؟؟؟