‘عام الأرنب البريّ” للكاتب الفنلندي أرْطو پاسيلِنّا” بقلم:أ.د.حسيب شحادة
تاريخ النشر : 2011-02-14
‘عام الأرنب البريّ”  للكاتب الفنلندي أرْطو پاسيلِنّا” بقلم:أ.د.حسيب شحادة


‘‘عام الأرنب البريّ” للكاتب الفنلندي أرْطو پاسيلِنّا”
أ. د. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي


“عام الأرنب البريِّ” (Jäniksen vuosi) رواية فنلندية حازت على شهرة واسعة لا سيما خارج فنلندا، وهي بقلم الكاتب الهزلي وغزير الانتاج، أرْطو تاپيو پاسيلِنّا (Arto Tapio Paasilinna)، المولود في مدينة صغيرة على بعد ساعات قليلة من القطب الشمالي، منطقة لاپْلاند، شمال فنلندا، عام ١٩٤٢. اسم العائلة كان ‘چولستن’ وبدّل عام ١٩٣٤ إلى پاسيلِنّا (قلعة صخر/جلمود، وله ثلاثة أشقاء كتّاب أيضا) في أعقاب شجار عائلي. وتعدّ هذه الرواية أفضل مؤلفات پاسيلِنّا وقد صدرت سنة ١٩٧٥ ثم تلاها خمسة وثلاثون كتابا معظمها روايات. يتبوأ پاسيلِنّا مركزا مرموقا جدا في بلاده وفي خارجها وخصوصا في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، وقد يكون هو وميكا ڤالتري، صاحب كتاب “سنوهي المصري”، أشهر كاتبين فنلنديين في العالم.
عندما بلغ پاسيلِنّا الثالثة عشرة من العمر بدأ بمزاولة عدّة مهن مثل قاطع أخشاب وعامل في المزرعة؛ وقال عن نفسه إنه “فتى الغابات، يعمل في الأرض، في الخشب وفي الصيد البحري والبري والجوي، خشبة طائشة في أنهار الشمال”. ومما قاله پاسيلِنّا عن أبناء جلدته “الفنلنديون ليسوا أسوأ من الآخرين، ولكنهم سيئون بما فيه الكفاية لأكتب عن ذلك حتى آخر أيامي”. وعمل في شبابه صحفيا ومحررا في صحف ودوريات أدبية فنلندية عديدة بين السنتين ١٩٦٣-١٩٨٨. تعلم بين السنتين ١٩٦٢-١٩٦٣ في الجامعة الشعبية في لاپلاند. ونذكر أن الغابات في فنلندا تشكّل ٨٦٪ من مِساحتها، ٢٦٠ مليون دونم ويبلغ عدد البحيرات إلى ١٨٧،٨٨٨ بحيرة.
وفي أعقاب رواج روايته “عام الأرنب البريِّ” تسنّى للكاتب تكريس جلّ وقته وجهده للكتابة الأدبية ومن ضمنها إعداد نصوص للراديو والتلفزيون والسينما. وقد تُرجمت هذه الرواية القصيرة إلى أكثرَ من خمس وعشرين لغة منها الإنجليزية والألمانية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والروسية والسويدية واليونانية وأخيرا، قبل ست سنوات، إلى العبرية أيضاً بقلم رامي سعري، قسم منها موجود على الرابط http://www.am-oved.co.il/htmls/article.aspx?c0=15486&bsp=15463. كما وعرضت فيلما. وهناك روايات أخرى لپاسيلِنّا ترجمت إلى ثلاثين لغة وبيع من انتاجه أكثر من سبعة ملايين نسخة. في خريف العام ٢٠٠٩ أصيب پاسيلِنّا بجلطة دماغية وفي ربيع العام ٢٠١٠ نقل إلى بيت نقاهة للشفاء.

من مؤلفات پاسيلِنّا يمكن التنويه بما يلي:

اصطياد الدبّ إيكا-ألْپي، ١٩٦٤
العملية فنلنديا، ١٩٧٢
أسرى جزيرة جنّة عدن، ١٩٧٤
رجل سعيد، ١٩٧٦
في البحث عن جدّ، ١٩٧٧
حصان الحرب، ١٩٧٩
سيّد العالم، ١٩٨٠
غابة الثعالب المعلقة، ١٩٨٣
ابن إله الرعد، ١٩٨٤
بمشيئة الله، ١٩٨٨
انتحار الجماهير الساحر، ١٩٩٠
أحسن قرية في العالم، ١٩٩٢
آدم وحوّاء، ١٩٩٣
النجّار الطائر، ١٩٩٦
شمس الدينونة تسطع، ١٩٩٧
صهيل نهاية العالم، ١٩٩٩
عشر مَبارش، ٢٠٠١
تسعة أحلام، ٢٠٠٢
ملاك حارس أبله، ٢٠٠٤
كتاب أنف فنلندي، ٢٠٠٥
أعصاب باردة، دم ساخن، ٢٠٠٦
طاحونة الصلاة غير المحتشمة، ٢٠٠٧
رحلة هروب العذارى، ٢٠٠٨
حي في جنازته، ٢٠٠٩

تصوِّر إذن كتابات پاسيلِنّا الحياة في فنلندا في شتى مظاهرها وفيها مسحة جلية من الذكاء الفطري الشعبي وذلك بأسلوب ساخر منطقي وفيها قدر غير ضئيل من السخرية من الحياة المعاصرة واللجوء إلى الطبيعة، الغابات الشاسعة في البلاد. ورواية “عام الأرنب البري” طريفة وخيالية، تدور حول رحلة كارلو ڤاتنن الصحفي الهلسنكيّ البائس المتهكم الثائر الذي سئم من زوجته التي خانته وأخذ بمعاقرة الخمر، في البحث عن أصالة وقيم سامية في الغابات بعيدا عن المجتمع المدني الراهن والاستهلاكي حيث تعشش براثن التمزق والخواء والنفاق والبيروقراطية.
بطل هذه الرواية واجه صعوباتٍ في إقامة علاقات مع محيطه وآمن بالتغيير والعودة إلى الأم الأرض. تبدأ الرواية بسرد بطيء للأحداث وسرعان ما تتزاحم بقوة؛ سفر هذا الصحفي الثلاثيني ومصوّره ذات يوم صيفي في سيارة لتسليم تقرير كان قد أعدّه لصحيفته في جنوب شرق فنلندا، وتلطم هذه السيارة بواجهتها الزجاجية أرنبا بريا كان يقطع الشارع فتنكسر رجله اليسرى. يترك كارلو ڤاتنن المتمرد على المجتمع، بطل الرواية، مرافقه المصوّر دون رجعة ويجري مهرولا في الغابة التي فرّ إليها ذلك الأرنب المصاب بحثا عنه لتضميد جراحه والاعتناء به حتى الشفاء. وكان لڤاتنن ما نوى، العثور على الأرنب الوديع الجريح والاعتناء المخلص به واصطحابه في كل غدواته وروحاته اللاحقة في ريف فنلندا خلال سنة، ترك ڤاتنن زوجته ومهنته ومنزله في ابنة البلطيق وبدأ حياة جديدة مليئة بالأحداث والمغامرات مع الأرنب حيث الفضاء واسع والحرية حية. وغدا هذا الأرنب المحك في يد ڤاتنن والحرز الحامي له.
ويصوّر الكاتب پاسيلينّا أن غابات شمال فنلندا، مسقط رأسه، ما هي إلا برّ الأمان المثالي، بعيدا عن الضغوطات والإرهاصات الحياتية في المدينة، وتتجلّى هذه الفكرة في الكثير من رواياته. ومن يعرف فنلندا عن كثب يقرّ بسهولة ويسر بدور الطبيعة المحوري في الأدب الفنلندي منذ فجره وحتى يوم الناس هذا. ويذكر أن برّ الأمان المذكور هو الأمنية لكل أصيل حرّ، رغم البرد القارس والعتمة والثلوج الكثيفة طيلة أشهر عديدة. العيش في مثل هذه الظروف الطبيعية القاسية وفق تفكير الكاتب أفضل بكثير من الشر الكامن في مؤسسات الدولة من مكتب رئاسة الجمهورية إلى الكنيسة والشرطة والجيش والبرجوازية الخ. ويوجّه الكاتب أيضا سهام نقده اللاذعة نحو أهل المدن الذين لا يقدّرون بشكل كاف ما منحهم الخالق من طبيعة وادعة نقية خلابة. وكان على ڤاتنن بيع قاربه هاتفيا ليعتاش هو ورفيقه البري مما تسلّم من ثمن. ويجيد الكاتب بحس مرهف وصف الصلات الحميمة التي ربطت هذا الحيوان الناطق بآخر غير ناطق.
وفي هذه الرواية يقضي ڤاتنن على الغراب الأسود ويُردي الدب قتيلا. أدت جولات ڤاتنن بصحبة الأرنب الذي لم يحمل اسما له، في آخر المطاف إلى اختراق الحدود الشرقية مع الاتحاد السوفياتي في حينه والزج به بالسجن في فنلندا لارتكابه سلسلة طويلة من المخالفات مثل الصيد غير المرخّص واحتساء كحول أعدّت سرّا وبيع غير قانوني وعدم التبليغ عن وجود دب في منطقة معينة واختراق الحدود دون تأشيرة. وفي مؤلفات پاسيلنّا حضور لحيوانات أخرى إضافة للأرنب والدب مثل الذئب والحصان والثعلب.
وقد يقارن المرء هذه الرواية الفنلندية القصيرة بالرواية “الإخوة السبعة” لأليكسس كيڤي (Aleksis Kivi, 1834-1872) أول الكتاب الفنلنديين والرواية الأمريكية “رحلات مع تشارلي: بحثا عن أمريكا” بقلم جون شتاينبك (John Ernst Steinbeck, 1902-1968) حيث يرافق المؤلفَ كلب.
أمامنا رواية مسلية وفكاهية، عبارة عن رحلة متعددة الحلقات، تؤول في النهاية إلى اكتشاف الذات والتنقيب عن التغيير والحاجة الدائمة إليه وثمن ذلك وعواقبه. ڤاتنن أحدث بعض التغيير ودفع ثمن ذلك في زجه في السجن مع أرنبه والخروج منه بأعجوبة.
تتكون الرواية من أربعة وعشرين فصلا قصيرا هي: الأرنب البري؛ التقرير؛ ترتيبات؛ سيقان؛ الاعتقال؛ مفتش الشرطة؛ الرئيس؛ حريق في الغابة؛ في المستنقع؛ في الكنيسة؛ الجدّ؛ كورْكو؛ الغراب الأسود؛ مقدّم التضحيات؛ الدبّ؛ وجبة العشاء؛ الحريق؛ إلى هلسنكي؛ الدوار من أثر الخمر؛ الإذلال؛ الزيارة؛ البحر الأبيض؛ في المجلس؛ الختام.
هذه الرواية تستحق الترجمة إلى العربية.