كيف يجري تنفيذ نظرية الفوضى الخلاقة بقلم:خالد عبد القادر احمد
تاريخ النشر : 2011-02-05
كيف يجري تنفيذ نظرية الفوضى الخلاقة بقلم:خالد عبد القادر احمد


كيف يجري تنفيذ نظرية الفوضى الخلاقة:

خالد عبد القادر احمد
[email protected]


نتفق جميعا على ان القوى الاستعمارية تستغل تناقضات المجتمعات الذاتية والبينية وتوظفها من اجل انهاك المجتمعات وتركيع انظمتها. فهي كما تستغل وتوظف الخلافات الحدودية, فانها ايضا تستغل التباينات الطبقية والمذهبية, وتفاقمها الى ان تصبح انشقاقات سياسية ذات الية مدمرة تتيح للقوى الاستعمارية فرصة التدخل المباشر وتوجيه حركة الصراع بينها بما يخدم مصالحها الخاصة, و في النهاية تفرض شروطها على _ جميع _ اطراف الصراع.
لقد طورت الولايات المتحدة الامريكية هذا النهج, وصاغته في نظرية تعامل استراتيجي, تتيح لها ان لا تضطر الى اللجوء الى العمل العسكري المباشر الا مضطرة. خاصة بعد التجربة الفيتنامية, فكانت نظرية الفوضى الخلاقة.
ان نظرية الفوضى الخلاقة تستهدف استحداث حالة فوضى في مواقع الصراع بين اطراف محلية, تتيح للولايات المتحدة الامريكية ركوب موجة الفوضى هذه وتوجيهها لصالحها. وهي من اجل تحقيق هذا الهدف تسخر مجموع اليات الامكانيات الامريكية المتفوقة تقنيا وثقافيا وسياسيا, مستندة الى اكبر حجم ممكن من المعلومات عن مواقع واطراف الصراع المحلي.
لقد كشفت تسريبات ويكلكس ان المؤسسات العالمية الامريكية وفي طليعتها وزارة الخارجية الامريكية ومؤسساتها الاستخبارية, ومؤسسات بحثية اخرى, تقوم بجمع مدى وحجم من المعلومات تشمل تقريبا _ كل _ ما يتعلق بالخلافات المحلية واطرافها ورموزها واسبابها وحجمها.......الخ. ولا يقف الامر عند حد الخلافات, بل يتعداه الى قراءة تركيبة القوى الاجتماعية ومطالبها وطبيعة الانظمة والقدرة على استجابتها لتلك المطالب او عجزها عن ذلك.
ان الحصيلة العامة التي خرجت بها الولايات المتحدة الامريكية جراء هذا الجهد الضخم من العمل, اثمر عن رفعها مقولات ثقافية حضارية سياسية تحريضية موجهة الى مجتمعات الدول النامية, خاصة الى قواها الشبابية.تحدد لهم مطالبهم الثقافية والاقتصادية التي يعجز بها نظام حكم دولتهم ومجتمعهم الاتجابة اليها, فيحدث العنف في هذه المجتمعات ويتاح للولاايات المتحدة امريكية التدخل.
ان النهج الاستعماري العالمي اقتصاديا وسياسيا بشكل عام, هو المسئول المباشر وهو سبب الازمات الاقتصادية والثقافية السياسية التي تسحق المجتمعات النامية, ومع ذلك نجد ان هذه القوى الاستعمارية تطرح لهذه المجتمعات مطالب الحكم الرشيد والديموقراطية والعدالة الاجتمعاية, بعد ان قيدت انظمتها بازمات باليات تعيد انتاج الازمات الاقتصادية والسياسية فيها,
ان الادوات الجديدة التي تخدم الاستعمار, هي تقنية الاتصال الحديثة, وقوى الشباب, والمظلة الاعلامية, وفي حين يمكن القول ان تقنية الاتصال هي قوة محايدة يجري تحديد وظيفتها تبعا لهدف استخدامها, فان المظلة الاليات الاعلامية الرئيسية ليست بريئة سياسيا عن الانخراط المقصود بهذه المهمة, ويبقى من هذا الثالوث قوة الشباب, التي تتمتع بالبراءة والطهر والنبالة على صعيد الحركة الارادية غير انه لا يمكن اغفال انه جرى _ مسبقا _ تحديد اتجاه حركتها موضوعيا بالفكر والثقافة المطلبية الليبرالية, فبرنامج واستراتيجية الفوضى الخلاقة لا تطلب من قوة الشباب هذه سوى ايصال المجتمع الى حالة الانتفاض, وخلق مواجهة شعبية مع النظام, في حين تتولى قوى الاستعمار استكمال المشروع اعتمادا على الغفلة السياسية الموجودة.
ان دراسة خصوصيات المجتمعات حدد للقوى الاستعمارية خصوصيات التعامل معها, وما يهمنا هنا ان نرى مقدار النجاح الذي حققته القوى الاستعمارية خاصة الولايات المتحدة منها بهذا الصدد, والذي كشف مستوى تفاقم عجز قوى المعارضة بصورة عامة والقوى التقدمية منها بصورة خاصة,
ففي تونس حدثت الانتفاضة الشعبية, والتي لا ينتقص احد من قيمة تجربتها كحالة انتفاض شعبي, اثبتت قدرة الجماهير على اتاحة الفرصة للتغير, وهي تقف الان عند محاولة تحديد اتجاه هذاالتغيير الى اين, وقد تدخلت الولايات المتحددة فطرحت نفسها فورا بديلا للنفوذ الفرنسي في تونس, وتتم الان مساومة حادة مع هذه الانتفاضة الشعبية في محاولة لتحديد صيغة حكم تخدم المصالح الامريكية.
وفي مصر نجد تكرارا للسيناريو العام لما حدث في تونس, مع ملاحظة ان مستوى التخريب الاقتصادي سيكون اكبر في مصر وان الازمة ستاخذ مدى زمني اطول وان صيغة الحكم في مصر ستلعب المؤسسة العسكرية المصرية دورا اكبر في تحديدها, فلمصر خصوصيتها المميزة عن تونس, لاسباب تتعلق بلوجستية دورها الاقليمي, واهمية وزن دور المؤسسة العسكرية في الحياة القومية المصرية.
اما في فلسطين: ولخوصية شروطها واوضاعها فلم يتعدى نجاح هذا المخطط مستوى الى الان مستوى خلق الحالة الانشقاقية. وترسيخها. رغم ان المخطط الاستعماري بذل جهدا في محاولة انجاز اهداف اكبر من ذلك ويتمحور حول ضرب شرعية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني والذي فشل حتى الان رغم انه الحق ضررا بهذه الشرعية,
ان الاعلان عن حزب فلسطين الحر المشكوك في اخلاقيات مؤسسيه, ومن دولة قطر تحديدا التي يحمل اغلبية الفلسطينيين شكوكا حول نهجها السياسي الاقليمي, وعلى مساحة الفيسبوك الالكترونية وعلى اساس التحريض ضد قوة المقاومة الفلسطينية التقليدية بطرفيها الانشقاقين, وفصائلها, واستتباع ذلك بتسريبات قناة الجزيرة التي لا يحترمها الفلسطينيون وحملتها الاعلامية السياسية على منظمة التحرير الفلسطينية, يرسم ملامح محاولة ضرب الوضع التفاوضي الفلسطيني غير انها فشلت في استحداث الفوضى اللازمة فيه , لاسباب متعددة اولها ان الاغلبية الفلسطينية ترفض التدخل الخارجي, خاصة المباشر السافر, وثانيا ان تسريبات الجزيرة جاءت في وقت كانت القيادة الفلسطينية فيه قد بدأت مسارات مقاومة اخرى, وثالثا ان الانتفاضة الشعبية المصرية اعترضت مسار هذا المخطط وتكاد تكون قتلته, الا اذا كانت هناك تسريبات اخرى للجزيرة تتعلق هذه المرة بحركة حماس.
في كل هذه التجارب, وليس بعيدا عنها وضع لبنان ايضا, لعب برنامج الفيس بوك, وقوة الشباب, والمظلة الاعلامية, دورا تكامليا يعمل على تحجيم حالة الانتفاض الشعبي في اطار حالة فوضى, تتيح للولايات المتحدة فرصة المساومة من افضل الشروط. فما هي المهام التي يطرحها هذا الوضع على القوى الوطنية والديموقراطية في المنطقة؟ سؤال بات من الملح الاجابة عليه عوضا عن الوقوف عند حالة التعطش العاطفي لوضع الانتفاض الشعبي؟