أصابع منتصف الليل بقلم:تيسير نظمي
تاريخ النشر : 2005-05-04
أصابع منتصف الليل بقلم:تيسير نظمي


أصابع منتصف الليل

تيسير نظمي

قالت زوجتي قبل أن تغط في نوم عميق: " اتصلت بك إلهام و سوف تتصل الليلة أيضاً، إياك أن تتنازل عن التعويض الكامل" ثم سحبت الغطاء ليواري شعرها المنفوش مثل نتشة برية و أخلدت للنوم دون أن توضح .

تذكرت السكرتيرة في شركة التأمين. كيف يكون اسمها وصال- كما سمعت مديرها يناديها به- ليصبح في هذا الليل البهيم إلهام؟ و ما كان من لهجة لبؤتي الواثقة المطمئنة لاتصال مندوبة شركة التأمين لا يوحي بأي التباس فأنتظرت ، ولو لم أنتظر إلهام لانتظرت مكالمة من العالم الآخر، فلست نعسا كما لست أشتهي النوم منذ تعذر عليّ الركون لشخير امرأتي الذي بدأ يتعالى منذ إصابتي في المنجرة.

بصعوبة لم أعتد عليها بعد، أشعلت سيجارتي في الصالة بعد أن نزعت فيش الهاتف من غرفة النوم و جعلته ثابتا بكامل جاهزيته لاستقبال مكالمة نصف الليل؟ لم أكد استرسل في تساؤلاتي حتى رن الهاتف بهدوء فرفعت السماعة فوراً

" الو يا أزعر" فرددت بتردد مستغربا لطريقة مخاطبتي " الو..." قالت بذات اللهجة الغانجة و هي لا تكف عن مضغ العلكة: " هل أنت خائف...؟" بقيت صامتا و قد اعترتني الحيرة و الفضول لأن أسمع مكالمة ليست لي.

قالت " مادام بغلتك ما تزال مستيقظة فلا تتحدث أنت كي لا تنكشف، أما أنا فكما قابلتك أول مرة، بقميص النوم الأحمر الناعم و شرب المدعو بعلي حتى الثمالة و نام. انتظرتك أن تأتي منذ ساعتين. آسفة لاتصالي بك في البيت، لم أعد أحتمل غيابك يا شقي . دبلتك معي و لم أبلعها كما ادعيت لك. أصابعك تكاد تذهب بعقلي، الفيديو لا يشتغل. ألن تأتي مرة ثالثة لإصلاحه؟ لا تجاوب .. نسيت، بغلتك لا تجيد إتلاف الفيديو و فك براغيه لتعيد شدها بأصابعك الجميلة. تعال، سأترك الباب مفتوحاً ، بهدوء . و قل لها كما توقعت هي، أنني من شركة التأمين، ما حكاية بنات شركات التأمين يا ملعون ، هل بدأت تلف و تدور منذ الأسبوع الأول؟ دع حمارتك تنام مطمئنة لحجم ما سأعوضك من عمرك. تتزوجون و لا تعرفون من تتزوجون إلا بعد فوات الأوان، ألا تجزع من صوتها؟ أنا والله خفت من ذكورتها على التلفون، لا تتأخر"

بعد أن أغلقت السماعة، لم أنتبه لنفسي و أنا أقول: " حاضر... هاأنا قادم لاستلام التعويضات"

و عندما وضعت سماعة الهاتف نظرت حولي فإذا أنا بمفردي، بعد أن دار بخلدي أن زوجتي تراني و تستمع للمكالمة و تكاد تنقض عليّ بالزعيق و العويل و الصراخ. دلفت إلى غرفة نومها فصدني شخيرها . عدت إلى الصالة متأهباً للخروج فتذكرت أنني لا أعرف عنوان إلهام التي اتصلت و لا رقم هاتفها . ثم في لحظة تأمل، تذكرت بعد إصابتي في المنجرة أنني لم أعد أجيد استخدام إدارة قرص الهاتف. و أن التعويض لن يكفي لسداد تكلفة ورشة الكهرباء التي افتتحتها و لا شغل المحل الجديد بقادر على دفع أجرة الكهربائي الأزعر.و أجرة المحل . هرولت إلى حجرة نومنا بلطف متناه فعدلت رأس أم الأولاد فانطفأ الشخير هنيهة ثم عاد و تعالى من جديد. كان آخر ما قالته : " لا تتنازل عن التعويض الكامل عن أصابعك".

1995

[email protected]

www.originality.jeeran.com