الصراع علي الحدود بين اليمن والسعودية والحلول من خلال اتفاقية الطائف بقلم:الباحثة سمر سعيد ابوركبة
تاريخ النشر : 2010-08-08
الباحثة سمر سعيد ابوركبة

الصراع علي الحدود



دراسة حالة الصراع بين اليمن والسعودية

المقدمة:

تعتبر خلافات الدول الحدودية من أهم وأعقد المنازعات الدولية، وقد كانت ومازالت مصدراً رئيسياً للمنازعات بين الدول، وتشكل بؤرة توتر في العلاقات بينها، وهي مشكلة عامة تتعلق بسيادة كل دولة مع غيرها من الدول المجاورة.

إن الحدود السياسية كفواصل بين أقاليم الدول المتجاورة لم تظهر بصورتها الحالية طفرة واحدة، بل مرت بعدة مراحل سبقت نشوء الدولة بمفهومها الحديث، وظهور الإقليم كأحد العناصر الرئيسية المكونة لوجودها. فقد كان لنشأة الدولة الحديثة بعناصرها الأساسية من شعب وإقليم وسلطة سياسية من ناحية، وتداخل العلاقات بين الدول وسهولة الاتصال فيما بينها من ناحية أخرى، أثر في اهتمام الدول بضرورة التوصل إلى تحديد دقيق وكامل للحيز المكاني الذي يحق لكل منها أن تمارس عليه سيادتها.

من ناحية أخرى يمكننا القول –وهذه حقيقة لا يختلف حولها اثنان- بأن البحث في النزاعات الحدودية يوصف بعبارة لا تخلو من الصياغة الأدبية فهو من السهل الممتنع، ومرد ذلك إلى عوامل متعددة متشابكة ومتداخلة أحياناً ومعقدة أحياناً أخرى وذلك بحكم طبيعة المنطقة ومستوى بل ودرجة العلاقات الدولية فيها ومن حولها، وكذا تباينها على امتداد قرون.

وقضايا الحدود من المشاكل بالغة الحساسية، صاحبها واقع مؤلم في منطقة الشرق الأوسط عموماً وفي شبه الجزيرة العربية خاصة، وهو الأمر الذي جعلني أحاول دراسة هذه الظاهرة في أرض الجزيرة العربية، التي ظهرت بوادرها في أوائل القرن العشرين، ولذا فإن هذه الدراسة تناولت فيها الخلفية التاريخية والقانونية لقضية الحدود اليمنية-السعودية، تطرقنا فيها إلى الدور الإقليمي المتأثر بالتدخل الدولي وقدرته في بعض الأوقات على إشعال فتيل الأزمات بتغذية الخلافات وتنمية المتناقضات بين دول تجمعها العقيدة والهوية والتاريخ المشترك، ولكن صراع المصالح أو بالأحرى المطامع المستندة إلى ما يسمى بالسيطرة والنفوذ على منطقة من أهم المناطق الإستراتيجية في العالم، جعل من القضية التي نحن بصدد دراستها، واقعاً كابحاً لكل احتمالات التطور والنمو غير أن الجهود الجبارة التي بذلت أسفرت عن تسوية ودية وسلمية لقضية الحدود.

انطلاقاً من ذلك فإن موضوع النزاع الحدودي بين اليمن والسعودية كان يُعتبر من أخطر الموضوعات وأهمها على الإطلاق، فقد ظل هذه الموضوع محور الاختلاف المؤثر على العلاقات، ومدار الصراع بين السياسات والمصالح في البلدين الشقيقين.



وعلى الرغم من الطبيعة الخاصة للموضوع التي فرضت عليَّ التطرق إلى بعض الجوانب التاريخية والسياسية، إلا أنني عملت على استخدام ذلك في الحدود التي تساعد على إبراز المشكلة وتطورها، وكذا النموذج الودي والسلمي في حلها آملاً في الاقتداء به في فض المنازعات الحدودية الدولية في المنطقة العربية والشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، وقد اعتمدت في أسلوب معالجتي لموضوع الدراسة على منهجين أساسيين هما:-

أ) المنهج التاريخي-القانوني:-

ويأتي استخدام المنهج التاريخي-القانوني بسبب طبيعة الموضوع، وهو حل مشكلة الحدود اليمنية-السعودية عبر مراحل تاريخية معينة ووفقاً لاتفاقيات مختلفة.

ب) المنهج التحليلي:-

فقد تم استخدام هذا المنهج في معالجة وتحليل الأساليب والطرق والإجراءات التي تم اللجوء إليها في تسوية النزاع الحدودي اليمني-السعودي استناداً إلى مبادئ وقواعد القانون الدولي العام.





فرضية الدراسة :-

الخلافات الحدودية تحول دون انضمام اليمن للمنظومة الإقليمية لدول الجزيرة العربية , فتدهور العلاقات اليمنية –السعودية المانع الأساسي للانضمام , وقضايا الحدود من المشاكل بالغة الحساسية، صاحبها واقع مؤلم في منطقة الشرق الأوسط عموماً وفي شبه الجزيرة العربية خاصة، الدور الإقليمي المتأثر بالتدخل الدولي وقدرته في بعض الأوقات على إشعال فتيل الأزمات بتغذية الخلافات وتنمية المتناقضات بين دول تجمعها العقيدة والهوية والتاريخ المشترك، ولكن صراع المصالح أو بالأحرى المطامع المستندة إلى ما يسمى بالسيطرة والنفوذ على منطقة من أهم المناطق الإستراتيجية في العالم.

تساؤلات الدراسة : لماذا يشكل الصراع السعودي اليمني علي الحدود خطرا مباشرا؟

1- هل الصراع الحدودي بين اليمن والسعودية هو من حال دون انضمام اليمن إلي المنظومة العربية

2- هل القتال على حدود اليمن.. حرب صغيرة أم صراع بالوكالة؟

3- هل الدور الإقليمي المتأثر بالتدخل الدولي قدرته في إشعال نيران الفتنة بين اليمن والسعودية ؟

أهداف الدراسة :

لقد تناولت في هذه الصفحات القليلة الأسباب التي حالت وتحول دون انضمام اليمن إلي المنظومة الإقليمية لدول الجزيرة العربية , فتدهور العلاقات اليمنية –السعودية المانع الأساسي للانضمام , فالنزاع الحدودي علي رأسها ,بالإضافة إلي الدور الإقليمي المتأثر بالتدخل الدولي وقدرته في بعض الأوقات على إشعال فتيل الأزمات بتغذية الخلافات وتنمية المتناقضات بين دول تجمعها العقيدة والهوية والتاريخ المشترك، ولكن صراع المصالح أو بالأحرى المطامع المستندة إلى ما يسمى بالسيطرة والنفوذ على منطقة من أهم المناطق الإستراتيجية في العالم.

تقسيمات الدراسة :

الفصل الأول – المبحث الأول * الحدود تاريخيا

المبحث الثاني : حل مشكلات الحدود.. خطوة هامة نحو تحقيق الاستقرار الإقليمي:



• الفصل الثاني : السعودية واليمن *** نحو مفهوم أوسع للأمن

• المبحث الأول: الحدود ين السعودية واليمن ودول الجوار الجغرافي

المبحث الثاني :

• وحدة يمنية سعودية

• الفصل الأول: الحدود ونشأتها

• المبحث الأول : الحدود تاريخيا







الحدود الدولية



تعريف الحدود

يعرّف قاموس مصطلحات القانون الدولي الحدود على أنها:« الخط الفاصل الذي تبدأ أو تنتهي عنده أقاليم دول متجاورة». ويرى عدد من الفقهاء أن مصطلح الخط limite ومصطلح الحد أو التخم frontiére، يشكلان مفهوم الحدود .

والحدود فواصل طبيعية أو اصطناعية بين أقاليم مختلفة هي دول في غالبيتها، وتأتي أهميتها من حيث أنها تشكل الحد الذي تبدأ فيه سيادة دولة على إقليمها، وتستطيع من خلاله ممارسة سلطاتها عليه، ومن ورائه تنتهي هذه السيادة أو هذه السلطات (حسبما إذا كان الحد برياً أو بحرياً). وأي تعدٍ أو اختلاف على واقع هذه الحدود يسبب مشكلة قانونية في ممارسة الدولة لسيادتها أو لسلطاتها على إقليمها.

والحدود الطبيعية هي الفواصل الجغرافية من جبال أو أنهار أو بحار أو بحيرات، والتي تفصل بين قطعتين من الأرض. والحدود الاصطناعية هي الخطوط التي يتراءى للأقاليم المتجاورة أنها تصلح فاصلاً بين سيادتها. وترسيم الحدود لا يقتصر على الحدود الأرضية، بل يمتد ليشمل الحدود المائية، والتي يعد ترسيمها في كثير من الأحيان أكثر صعوبة من سابقتها، وسبباً للكثير من المشكلات بين الدول، وأخيراً ينعكس ترسيم الحدود طبيعية كانت أم اصطناعية على تحديد المجال الجوي للإقليم المعني.

ويرى شارل روسو أن قيام الحدود يولد نظاماً قانونياً يرافقه، هو نظام الجوار والذي يطرح عدة مسائل:

1- موضوع سكان طرفي الحدود، من حيث مالهم من حقوق(كحق المرور والعمل) وما عليهم من واجبات (كتأدية الخدمة العسكرية).

2- تعد هذه المناطق مكان التقاء للمرافق العامة(مراكز أمن ودوائر للجمارك).

3- يقع على عاتق الدول المتجاورة التزامات وحقوق يجب مراعاتها، كحق الملاحقة القضائية مثلاً.

التطور التاريخي لمفهوم الحدود

لم تعرف الحضارات القديمة مفهوم الحدود، وتعتبر معاهدة فردان Verdun الموقعة عام843 م ومعاهدة مرسين Mersin الموقعة عام 870 م، من أولى المعاهدات التي اهتمت بهذا المفهوم.

على أن الحدود التي تعرف حالياً ليست دائماً طبيعية، بل هي حدود، دخل في تكوينها عوامل تاريخية ذات منشأ سياسي، ولا تبتعد التقسيمات الاستعمارية عن تقرير حدود الكثير من الدول، فتقسيم سايكس بيكو لبلاد الشام في بداية القرن العشرين جعل من هذه المنطقة خمس دول: سورية، لبنان، فلسطين، الأردن، العراق، ولا تعرف حدود هذه الدول إلا على الخرائط.

على أن تحديد الإقليم بحدود واضحة لم يعن عملية اعتراف الأمم المتحدة «بالكيان الصهيوني» في قرار جمعيتها العامة رقم 273 تاريخ 11/5/1949 القاضي بقبوله عضواً فيها، فقد تمت الإشارة فقط إلى ضرورة مراعاة أحكام القرار 181 تاريخ 29/11/1947، القاضي بتقسيم فلسطين، مما يدل مرة أخرى على تدخل السياسة في تكييف معطيات قانونية، يعدها أرباب القانون الدولي من بدهياته، وخاصة فيما يتعلق بأركان تكوين الدولة.

وتعد معاهدات الصلح من أهم الوسائل التي عرفها التاريخ المعاصر لتحديد الحدود الدولية، فمعاهدة فرساي لعام 1919 التي جاءت عقب الحرب العالمية الأولى، ومعاهدات السلم التي عقدت في 15/2/1947، عقب الحرب العالمية الثانية، ساعدت كثيراً على رسم أو إعادة رسم حدود الكثير من دول أوربا الشرقية والغربية.

طرق تعيين الحدود

عرف القانون الدولي ثلاثة طرق لتعيين الحدود:

- تعيين الحدود بصورة منفردة: تحدد دولة ما حدودها بفصل إقليمها عن المجال الدولي، وهذا ما تقوم به الدول عادة فيما يتعلق بحدودها البحرية، وإن كان التعاقد الدولي يحل شيئاً فشيئاً محل التصرف بإرادة منفردة.

- التعيين الاتفاقي للحدود: تقوم دول متجاورة بعقد اتفاقات ترسم حدودها، بصورة تنهي معها غالباً نزاعات على أقاليم معينة.

- تعيين الحدود بطريقة قضائية أو عن طريق التحكيم الدولي: وذلك عند فشل المفاوضات بين الدول للتوصل إلى اتفاق ترسيم وديّ (توصلت ليبيا وتشاد إلى اتفاق حول الحدود بينهما في 15/4/1994، عقب الحكم الصادر في 4/4/1994 عن محكمة العدل الدولية في الخلاف بين الدولتين بهذا الشأن.

طرق ترسيم الحدود

- الأخذ بالحدود التاريخية القديمة: وهذا ما حصل عند انفصال السويد عن النروج عام 1905، بعد انفصام عرى الاتحاد الحقيقي الذي كان قائماً بينهما، وفي بعض الأحيان تحتفظ الدول الحديثة الولادة بالحدود الداخلية القديمة، كما حصل عند انفصال دول أمريكا اللاتينية إلى مجموعة من الدول.

- قد تختار بعض الأقاليم حدوداً مصطنعة جديدة تفصل بينها، وهي خطوط وهمية، ويكون ذلك إما عن طريق إحداثيات فلكية وفق خطوط العرض والطول، وإما عن طريق إحداثيات هندسية تتكون من خط مستقيم يصل بين نقطتين أو من قوس دائرة.

- اختيار حدود طبيعية جغرافية: ومن فوائد هذه الطريقة أنها أكثر الطرق وضوحاً وأقلها إثارة للاعتراضات بين الدول، وهي تعتمد فيما يتعلق بالمناطق الجبلية على رسم خط فاصل يصل بين قمم سلسلة من الجبال، ويدعى هذا الخط بخط القمم.

وتحسب الحدود فيما يتعلق بالمجاري المائية الصالحة للملاحة، بخط الوسط للمياه، يتبع تعرجات المجرى، أما إذا كان المجرى غير صالح للملاحة، فيرسم الحد مع خط الوسط عندما تهبط المياه إلى أقصى مستوى لها، علماً بأنه قد يرسم الحد بحيث يرافق إحدى ضفاف النهر، ليدخل هذا الأخير بكامله في حدود دولة دون الأخرى.

ويعد خط الوسط في رسم الحد في البحيرات الطريقة الأكثر شيوعاً، وفي حال وجود جزر فغالباً ما يتم الالتفاف حول الجزيرة بغية تجنب تقسيمها.

أما فيما يتعلق بالحدود البحرية، فقد جاءت اتفاقية جامايكة لعام 1982، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 1994، لتقول إن المياه الإقليمية لأي دولة لا يجب أن تتجاوز 12 ميلاً بحرياً، انطلاقاً من خطوط الأساس التي تحددها الاتفاقية ذاتها. وتعد المسافة التي حددتها الدولة لذاتها هي حدود الدولة نظرياً، لأن سيادتها تقف عند هذا الحد، أما فيما يتعلق بالمنطقة المجاورة والتي حددت أيضاً بمسافة تساوي مسافة البحر الإقليمي على أن لا تجاوزا معاً إل 24 ميلاً بحرياً، والمنطقة الاقتصادية الخالصة والمحددة بـ 200 ميل بحري، والجرف القاري المحدد بـ 200 ميل بحري محسوبة من خطوط الأساس[ر. البحار (قانون -)] فللدولة عليها سلطات محددة وليس سيادة، مما دعا بعض الفقهاء للقول إنها تقع خارج حدود الدولة، بينما يرى بعضهم الآخر أن الحدود البحرية لأي دولة، تنتهي عند آخر نقطة تمارس عليها سلطة، وعند بداية البحر العام الذي هو ملك للبشرية جمعاء.

الحدود المعترف بها، ونظرية الحدود الآمنة

إن الاعتراف بالحدود القائمة بين دولتين أو أكثر يؤدي إلى استقرار مبدئي في العلاقات بين هذه الأقاليم، إلا أن الحدود، وإن كانت دائمة، إلا أنها ليست أبدية، ونزاعاتها واردة، حتى بعد استقرارها في معاهدات واتفاقات. فقد تعتمد بعض الدول، وخاصة بعد استكمال أسباب بنائها والاستقرار فيها، إلى المطالبة بحدود تاريخية كانت تفصلها عن إقليم آخر، وتختلف عن الحدود المصطنعة التي ارتضتها عند قيامها. فالصين التي يفصلها عن الاتحاد السوڤييتي السابق 5000 كم من الحدود، كانت قد أثارت موضوع عدم تكافؤ المعاهدات التي نظمت هذه الحدود، كما أن تايلند أثارت موضوع الخطأ في تعيين حدودها مع كمبودية،عند إثارة موضوع معبد برياه فهيار.

على أن وضوح الحدود أو الاعتراف بها دولياً، لم يشكل بحد ذاته عائقاً لولادة نظرية جديدة هي نظرية الحدود الآمنة والشريط الأمني، والتي تجد جذورها في نظرية الضرورة، حيث تنادي مجموعة من الدول لتبرير احتلالها أو تدخلها ضمن أراضي إقليم أو أقاليم مجاورة بضرورة هذا التدخل لحماية أمنها، وهذا ما فعلته إسرائيل عام 1967، حين احتلت أراضٍ عربية في الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان، وتمكنت من خلال الضغوط الأمريكية من استصدار قرار مجلس الأمن 242 لعام 1967، الذي ورد في متنه واجب إسرائيل الانسحاب من أراضٍ (وليس من الأراضي) احتلتها عام 1967، فوجدت بذلك، ولأول مرة، نظرية الحدود الآمنة أو الحدود التي تسهل الدفاع عنها لتبرير رفض انسحاب إسرائيل من كل شبر من الأراضي المحتلة، إِعمالاً لقواعد القانون الدولي. و هذا ما فعلته إسرائيل أيضاً عام 1982، عندما احتلت في جنوبي لبنان شريطاً يبلغ طوله 20كم بعمق 8كم، مستندة إلى أن هذا العمل ما جاء إلا للحفاظ على أمن مستعمراتها في الشمال الفلسطيني، إلا أن خروجها عام 2000 من هذا الجنوب، جاء ليثبت أن آخر ما كان يفكر فيه الصهاينة هو الأمن، وأن الهدف الحقيقي كان احتلال المنطقة، وخاصة لحل مشكلة المياه التي تعاني إسرائيل قلّتها. ومن جهة أخرى، لا بد من التنويه إلى أن نظام الجوار يخلق بعض المشكلات بين الدول، تدفع بعضها إلى خرق حدود بعضها الآخر، وفي غالب الأحيان الاستقرار في أراضيه بحجة ملاحقة ثوار أو قمع عمليات تهريب، وهذا ما فعلته تركيا في خرقها لحدود شمال العراق واستقرار بعض وحدات من جيشها هناك، في محاولة لإنشاء شريط أمني، منعاً للهجمات المتكررة من الأكراد، وفي محاولة لضرب معاقلهم في العراق.

على أن نظرية الحدود الآمنة والشريط الحدودي الأمني تبدوان غير واقعتين في ظل نظام التسلح الحديث ونظم المراقبة، حيث أصبحت الصواريخ عابرة للقارات، ونظام سلاح الطيران البالغ التطور أكثر من رادع، وحيث تفكر بعض الدول في تطوير نظام «حرب النجوم»، وكل هذا يدحض نظرية الحدود الآمنة ليدخلها خانة الاحتلال العسكري، ويعيد لاستقرار الحدود دوره عاملاً من عوامل استقرار العلاقات الدولية، ويجعل من أي خرق لحدود دولة ما اعتداء على سيادتها، وبالتالي عدواناً يدينه المجتمع العالمي ويرفضه القانون الدولي.

• المبحث الثاني :

حل مشكلات الحدود.. خطوة هامة نحو تحقيق الاستقرار الإقليمي:



حقيقة الأمر تعتبر مشكلات الحدود العربية- العربية أحد الثغرات المؤثرة في جدار الأمن القومي العربي، وواحدة من بؤر التوتر التي استغلها الاستعمار ومازال لتفجير الصراعات العربية- العربية والاستفادة منها كما حدث في أزمة الخليج بين العراق والكويت. فمع رحيل الاستعمار الأجنبي بكافة اشكاله الذي احتل أرضنا العربية من المحيط إلى الخليج -مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وقيامه بتقسيم الوطن العربي وفق اتفاقية «سايكس بيكو» المشؤومة إلى دويلات، التي أراد المحتل من خلالها أن يزرع الفتنة بين الشعوب العربية من خلال التقسيم الوهمي للحدود والذي تعمد فيها إدخال كافة المتناقضات من أجل أن تكون الحدود ألغاماً متفجرة في وجه الشعوب العربية الساعية إلى بناء مشروعها الوطني، نجحت ألغام الحدود في إشعال العديد من الحرائق بين أبناء الأمة العربية حتى أضحت إشكاليات الحدود تدخل ضمن أدوات بعض الأنظمة لتعزيز خلافاتها مع الدولة العربية الجارة لها. ونستطيع القول إن مشكلات الحدود تعتبر السمة الغالبة بين كافة أقطار الوطن العربي.

واليمن كأحد الدول العربية حديثة التحرر من الاستبداد الإمامي والاستقلال من الاستعمار البريطاني في الستينات آنذاك كانت تعاني من مشكلات عدم ترسيم الحدود بالإضافة الى النزاعات الداخلية فيما بينها، فدخلت جمهوريتا اليمن زمن التشطير حروباً عدة ضد بعضهما أو مع دول عربية شقيقة دفاعاً عن الحدود أو النفوذ أو سياسات المصالح الدولية والإقليمية بالإنابة ولم ترسم حدود اليمن بشكلها النهائي مع اغلب الدول المجاورة إلا بعد تحقيق الوحدة المباركة.

لقد شكلت الوحدة اليمنية بالفعل حلقة استقرار وتوافق إلى حد كبير في البعد الاستراتيجي للعلاقات الخارجية سواء بالنسبة للنظام السياسي أو للشعب اليمني، مما مكن اليمن من الاتفاق على ترسيم حدودها بشكلها النهائي مع كل من سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية وإريتريا.

إن مشكلات ترسيم الحدود بين اليمن وجيرانها على مر العقود شهدت الكثير من التدهور في العلاقات والصراعات وعدم الاستقرار، بل كانت في معظم الأحوال تستغل من قبل أطراف دولية أو إقليمية كساحة مواجهة مفتوحة على كل الاحتمالات، فقد شهدت العلاقات اليمنية- العمانية أو اليمنية السعودية على وجه الخصوص الكثير من الإشكاليات حيث إن المملكة لم ترسم حدودها مع معظم الدول العربية المجاورة لها إلا في السنوات القليلة الماضية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001م الضاغطة. أو العلاقات اليمنية -الاريترية بعد ان عينت اريتريا نفسها شرطياً لمنطقة البحر الأحمر عام 1990م في إطار مشروع «شيمون بيريز» الشرق الأوسط الجديد والتي نجحت القيادة اليمنية من خلال لجوئها إلى التحكيم في افشال إدعاءات ملكية اريتريا للجزر اليمنية بل نجحت اليمن في أن تبسط سيادتها الكاملة عليها. لقد شهدت تلك الفترة الكثير من الصراعات والاتفاقات المؤقتة حتى كانت الوحدة عامل قوة للشعب والنظام اليمني، فأتيحت له الفرصة لكي يرسم حدوده بشكلها النهائي وفق قاعدة «لا ضرر ولا ضرار».

أهم اتفاقيات الحدود التي وقعتها اليمن بعد تحقيق الوحدة:

وقعت اليمن بعد تحقيق الوحدة المباركة مايو 1990م عدداً من معاهدات ترسيم الحدود مع كل من سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية واريتريا:

1- اتفاقية ترسيم الحدود الدولية بين الجمهورية اليمنية مع سلطنة عمان:

اتفاقية ترسيم الحدود البرية 1/10/ 1992م.

اتفاقية ترسيم الحدود البحرية 14/12/2003م.

2- اتفاقية ترسيم الحدود الدولية بين الجمهورية اليمنية مع المملكة العربية السعودية:

مذكرة التفاهم اليمنية- السعودية لتشكيل لجان التفاوض26/2/1995م

3- اتفاقية جدة لترسيم الحدود بين الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية في 6/12/ 2000م.

التصديق النهائي على ترسيم الحدود بين الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية في 26/6/2002م.

اتفاق المبادئ بين اليمن واريتريا في 21/5/1996م.

اتفاق على التحكيم بين الجمهورية اليمنية واريتريا 3/10/1996م.

حكم هيئة التحكيم بشان السيادة على الجزر في البحر الأحمر (حنيش الكبرى وحنيش الصغرى وسيول حنيش وجبل زقر وجبل الزبير وجبل الطير) لصالح اليمن في 9/10/1998م.

حكم هيئة التحكيم بشأن ترسيم الحدود البحرية بين الجمهورية اليمنية واريتريا 21/8/1991م.

اليمن وحل مشكلات الحدود :

يعتبر قيام اليمن الموحد بعد تحقيق وحدته بحل مشكلات الحدود العالقة مع الدول العربية والإفريقية الشقيقة بالطرق السلمية على قاعدة لا ضرر ولا ضرار خطوة هامة نحو تعزيز الاستقرار والأمن الإقليمي والعربي في منطقة شهدت العديد من الصراعات المسلحة والحروب والدمار بسبب عدم استقرار الحدود وتنافس كل دولة على تحقيق اكبر قدر ممكن من المصالح من وراء الصدامات الحدودية، ويشهد الله كم من الدماء وأموال التنمية دفعها الشعبان الشقيقان اليمني والسعودي منذ اتفاق الطائف 1934م اثناء الصراع على الحدود والمصالح الآنية التي خدمت أعداءهم أكثر مما خدمت مصالح هذا النظام أو ذاك، أو تلك الأموال والأنفس التي أهدرت إثناء صراع سلطنة عمان مع الشطر الجنوبي من الوطن آنذاك، أما فيما يتعلق بالمشكلة الأريترية فبرغم المساعدات العربية واليمنية التي قدمت من أجل تحرير اريتريا وحصولها على الاستقلال إلا انه في احد شطحات وتجليات النظام الافورقي وبدعم خارجي - للضغط على النظام في اليمن لتقديم تنازلات لصالح أطراف في النظام الدولي -تم دفع اريتريا لاحتلال الجزر اليمنية حنيش الصغرى والكبرى وعدد من الجزر الأخرى ولكن حكمة القيادة اليمنية ممثلة بفخامة الرئيس على عبد الله صالح فوتت فرصة الفخ المراد لليمن الوقوع فيه ولجأت اليمن إلى التحكيم الدولي ونجحت الخبرة اليمنية بمساعدة عربية في أظهار الحق الذي اثبت السيادة الكاملة لصالح اليمن على الجزر التابعة له، لتثبت القيادة اليمنية بٌعد الرؤية، وربما كان احتلال اريتريا للجزر اليمنية شكل جرس إنذار للقيادة والشعب اليمني لتنبهنا بأننا دولة بحرية من الدرجة الأولى وليس دولة برية جبلية فقط، حيث تمتلك اليمن سواحل بمساحة 2000 كيلومتر تقريباً تمتد من البحر الأحمر شمالاً وخليج عدن جنوباً، وحتى البحر العربي غربا،ً كانت كلها مفتوحة على مصراعيها ولكي تسجل أيضاً أن كل مآسي اليمن من الاحتلال الأجنبية والتهريب عبر تاريخه كانت تأتي من البحر، لذا كان صدمة الاحتلال ناقوساً جعل النظام يهتم أكثر بأهمية تأمين حدوده البحرية وإنشاء قوات بحرية متنوعة للحفاظ على السيادة اليمنية.

شكل ترسيم الحدود بين اليمن وجيرانه العرب والأفارقة علامات بارزة أسهمت في تحقيق الاستقرار العربي والإقليمي في تلك المنطقة على النحو التالي:

أصبحت الحدود مصدر أمن واستقرار بين اليمن وجيرانها وأضحت خارج نطاق التبرير للخلافات بين الأنظمة في حال وجود خلافات فيما بينها

حدوث استقرار كبير في تلك الدول مما وجَّه الكثير من جهودها ومواردها نحو التنمية والبناء الداخلي في كل دولة.

حل مشكلات الحدود أبعد إلى حد كبير التدخلات الخارجية المثيرة للخلاف بين تلك الدول والتي غالباً ما كانت تستغل مشكلات الحدود لتوتر الأجواء .

الحد من الاتفاق العسكري الذي كان يهدر بسبب المواجهات والمشاكل الحدودية.

إعطاء نموذج للدول العربية الأخرى التي تتنازع على الحدود لحل مشكلاتها بالطرق السلمية على قاعدة لاضرر ولا ضرار.

أهمية أن يتيح ترسيم الحدود بين تلك الدول على ضرورة التنسيق لتنمية وتطوير مناطق الحدود المتاخمة، بحيث تكون نموذجاً للتنمية والتطوير والعيش المشترك بعد ان كانت مناطق صراعات ومماحكات. وجود العديد من الاتفاقات المكملة لترسيم الحدود بين اليمن وجيرانها على وجه الخصوص مع المملكة العربية السعودية للاستفادة الاقتصادية والاجتماعية واحتواء العمالة اليمنية، والتي لم تدخل حيز التنفيذ حتى الآن ولكنها من علامات الاستقرار والتعاون الناجمة عن توقيع اتفاقيات ترسيم الحدود ذات التأثير الهام.

وفي الأخير فانني أرى أن أهمية معالجة قضايا ترسيم الحدود فيما بين الدول العربية بشكلها النهائي لما يوفره ذلك من المزيد من الجهد والوقت للبناء والتنمية بدلاً من تشتيت الجهود وإهدارها في الحروب والتطاحن حيث إننا جميعاً كأمة عربية وكجيران مستهدفون في مستقبلنا وفي جودنا وفي استقرارنا في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية الصعبة، إذا لم نتكاتف وتتوحد مصالحنا الاقتصادية والسياسية على الأقل في مواجهة المشاريع المعدة لطمس هويتنا ومستقبل أجيالنا.

• الفصل الثاني

• المبحث الأول:- الحدود بين السعودية واليمن ودول الاقليمة

حين تأسست وتشكلت الدولة السعودية الأخيرة وقامت بقيادة الملك عبدالعزيز كان تمددها نحو الحجاز وعسير فقد كان مثار للاحتكاك والصدام مع المملكة اليمنية المتوكلية وكان ذلك في بداية تأسيسها الأخير والثالث وكان الاحتكاك الأول المعاصر تمثل حول الأحقية والأولية بالإرث على من قامت على أرضهم المملكة السعودية ونتج عن ذلك الحرب اليمنية السعودية في بداية القرن العشرين وتلاها اتفاقية يمنية سعودية شهيرة سميت باتفاقية الطائف عام 1934م على أثر أدعاء الأمام يحي حميد الدين وشن حرب على المملكة السعودية بأحقيته وأولويته بالميراث لتلك الدويلتين دويلة الأشراف بالحجاز ودويلة الإدريسي بعسير.

أن المملكة بالرغم من حالة العداء والتنافس التاريخي بين المملكتين اليمنية والسعودية ووصولها إلى حد الاحتراب حين نشأت الأولى وما صاحبها من دعم بريطاني حين غزا الأمام أحمد أبن يحي حميد الدين شمالا إلى عسير والحجاز بحملة سميت حملة مكة وتوغل بالمناطق الجبلية حدا بالجيش السعودي أن وجه جيشا بقيادة فيصل بن عبد لعزيز متوغلا بالساحل اليمني التهامي وصولا إلى الميناء الحديدة الرئيسي لليمن حاليا وقد ساعد البريطانيون السعوديين بضربهم الجنوب اليمني متوغلين عبر قعطبه باتجاه الجنوب اليمني عبر الجبال وضرب الأسطول البريطاني للحديدة والمخا وبهذه صارت الاتفاقية اليمنية التي بها تم التأجير لأرض عسير ونجران الأدريسية للمملكة السعودية من قبل المملكة المتوكلية اليمنية من خلال اتفاقية الطائف السالف ذكرها بالعام 1934م وكان ذلك التعارف اليمني السعودي الأول.

أما المعرفة الثانية فقد كانت بعيد قيام الثورة اليمنية على الأمام البدر بن أحمد بن يحي حميدالدين حين قامت الثورة عليه من قبل الضباط الأحرار وكانت في البداية ثورة بسيطة سهل ضربها لكن تدخل الجيش المصري بثقل كبير وإرسال ثلث الجيش المصري في عام 1962م لدعم ثورة (26)سبتمبر الذي تسبب إبعاده عن ساحته في مصر والجبهة الإسرائيلية إلى هزيمة حزيران 1967م، الذي أدى إلى اختلال التوازن بالمنطقة الجنوبية الغربية لشبه الجزيرة العربية ودخول اليمن في حرب أهلية دامت من عام 1962م إلى عام 1967م حيث كان للملكة العربية السعودية دور فعال في تلك الحرب الأهلية الضارية بين الجمهوريين والملكيين التي لم يكن فيها غالب أو مغلوب بل صار هناك بعض الصفقات التي ليست بالبعيدة عن الساسة السعوديون أن لم يكونوا بصلبها وانتهت بعودة الملكيين ماعدا القيادات من الصف الأول وكذا بيت الإمامة بعد حصارهم لصنعاء لمدة سبعين يوما (سمي بحصار السبعين)الذي أفشل بعد الهزيمة المصرية في سيناء عام 1967م وقد كانت تلك الفترة بالعلاقة اليمنية السعودية الثانية.

في تلك الفترة كانت العلاقة اليمنية السعودية الداعمة للمملكة اليمنية المتمثلة في الجانب الإمامي ضد الثورة اليمنية وامتدادها المصري الناصري، فقد دبر انقلاب مصري ناصري بالمملكة وكانت المملكة العمق للملكيين ضد المتمردين الثوار الناصريين الجمهوريين وكانت نجران أحدى مناطق القواعد الخلفية بالأراضي السعودية للملكيين اليمنيين وكانوا الملكيون اليمنيون جلهم من مناطق بكيل ومناطق الزيود الأخرى فقد كان الإمام زيدي المذهب بالطبع وكانت صعدة وعمران وحجة والجوف من المناطق التي صار بها وفيها الكثير من الحروب اليمنية الإمامية المدعومة سعوديا ضد الجبهة الأخرى اليمنية المصرية(إلا أن الفارق بينهما أن السعودية داعمة من خلال أراضيها كعمق للملكيين وبالجهد والمال والسلاح فقط، والقتال والمقاتلين هم الملكيون اليمنيون فقط وأما الدعم المصري للثوار الجمهوريين فقد تحول من دعم للثوار إلى ثوار يدعمون الآلة المصرية باليمن من خلال سيول المتطوعين المتدفقين للموت دون تأهيل أو تدريب فقد كان معظمهم خسائر من المناطق السنية الشافعية لنخبة حاشد والرموز الكرتونية بالحكومة اليمنية التي على رأسها (المشير عبدالله السلال) المتحكمة بصيغها الجزئية الضباط المصريون وقد استمرت تلك الحرب الأهلية المجنونة قرابة الخمس سنوات استخدمت كل صنوف الأسلحة من طيران ودروع وغيرها وقدم المصريون من الضحايا الشهداء ما يربوا على السبعين ألف وغيرهم الكثير من الجرحى الذين يقربون من النصف مليون جريح ومن اليمنيين ما يفوق المليون شهيد من الملكيين والجمهوريين ورقم فلكي من الجرحى والمتضررين.

أن السعوديون بحكم العلاقة التاريخية القريبة مع مناطق الجوار اليمني التي تطورت العلاقة فيما بينهم خلال الحرب الأهلية اليمنية وما تلاها جعل من مناطق الزيود المحاذية لديها علاقة متطورة كما خلقت تلك العلاقة أبعادها عن الجانب اليمني ومركزهم الضعيف بصنعاء وفي المقابل اقتربت أكثر إلى الثقل السعودي الاقتصادي وعناصر الجذب السعودية المختلفة ومن بينها سبل الاتصالات والمواصلات فالطرق إلى جدة أقرب منها إلى صنعاء ظلت إلى فترة قريبة إلى ما قبل هذه الحرب السادسة الحوثية في 2009م والتي دخلت بشكل مباشر كما أن تلك المحافظات المحسوبة على الإمام والأئمة التاريخيين قد ربطوا اقتصاديا بالسعودية حتى صار الريال السعودي العملة الرئيسة للتبادل حتى الوقت الحالي حيث يسمى(ريال عربي)وكل التبادل التجاري الضروري والكمالي يأتي من الجانب السعودي، كما إن تلك المحافظات طيلة الفترة المنصرمة إبتداءا بالعهد الجمهوري وإنتهاءا بعهد الوحدة المتذبذب وما بينهما من حروب ثأر ومن كل الأنواع والصور التي لا تخطر على بال ولم يكن للوجود الرسمي اليمني في أدنى صوره الرمزية ومن خلال الخدمات المقدمة لهم.

فقد كانت لهم إداراتهم المرتبطة بالقبيلة وفقهائهم الزيود المستمدين الشرعية من العهد الإمامي فلا وجود للدولة إلا من خلال الخارطة الرسمية اليمنية وعسكر الدولة الذين لا حامي لهم أن وجدوا في أضعف صوره.

لقد خلطت الأوراق بعد الوحدة اليمنية وأفرزت عدة مرات وجمعت فبحصول المناطق المحسوبة على قبيلة بكيل وبالتالي الولاء للبيت الهاشمي والهاشميون وهو الولاء التاريخي المؤسس والثابت في العقلية الدينية اليمنية للزيود وبالهامش الوحدوي الديمقراطي عاد الفكر الزيدي والبيت الهاشمي من جديد وأستشعر الجمهوريون الزيود الخطر فصارت ردات الفعل مجنونة وشاذة لأفعال مجنونة غبية وكأن اليمن الذي دخل الوحدة وكبرت مساحته إلى الثلاثة أضعاف وزاد سكانه زيادة غير طبيعية بدخول الجنوب العربي القليل السكان الكبير بالثقل والموروث التاريخي والحضاري والعوامل المصاحبة للتجمع العربي وما نتج عن حرب الخليج من نزوح سكاني أخل بالتركيبة السكانية وزاد من تعقيدات الوضع اليمني الذي لا يحتمل التأجيج أو التعقيد.

من خلال ما تقدم نجد أن الدولة السعودية بدلا من التهدئة وضبط الأمور والعمل على التهدئة قد دخلت وفق حسابات خطأ في وقت خطأ وهي المعهودة بسياستها الراجحة الرصينة في معالجتها للأمور اليمنية خاصة فقد ورثت من التراث للكيان السعودي تراكمات وخبرة على مدى قرن وعاشت الاستقرار نتيجة لذلك الموروث والمكتسب وقد خبرت النظام الجمهوري اليمني وكذا هذه السلطة الحاكمة اليمنية التي لها بالحكم ما يقارب الثلاثين عاما والمتمثل برأس السلطة وقيادات الصف الأول(العناصر الثابتة العسكرية)وقد تجلى بالآتي:

1- إن الوجود الزيدي البكيلي وامتدادها الموالي للبيت الهاشمي سيظل وجود ثابت كما إن الوجود الشيعي الإسماعيلي المتماس عبر الحدود السعودية سيظل ثابت ووفق ذلك فالمصلحة السعودية في تهدئة الوضع ضرورة فبدلا من خلق حالة من التنمية في تلك المناطق مناطق التماس وهي الداعم والمغطي لميزانية المدفوعات الحكومية طيلة الفترة الماضية ما قبل الوحدة فلم تنتبه لتلك الحالة التنموية المفيدة بشكل مباشر وغير مباشر فحالة الاستقرار لا تأتي إلا انعكاس للحالة الاقتصادية المنعكسة على الوضع الاجتماعي وهذا لم يكن بالحسبان السعودي والتي في جوهرها الحالة السياسية فقد ظلت تلك المناطق مناطق قبلية متخلفة يعمل حسابها فيما لو شذ النظام الجمهوري وتناقضت المصالح فهي الذراع الضاربة والمهمة ستكون وهي الحالة الطبيعية وليست العكس وهو ما هو جارى حاليا باتجاه معاكس.

2- إن السعودية بدخولها طرفا داعم في النزاع اليمني يعمل على التأجيج والترحيل للمستقبل وهذا ليس بالصواب بل الدعم المهدئ والمحتوي لإدارة الصراع وإن خرج الصراع وأمتد إقليميا وتم له الارتباط وفق منهج إيراني مغرض بالمنطقة فالمسئولية سعودية خليجية بالدرجة الأولى فالعلاقات الإيرانية السعودية مؤججة والى تطور سلبي بالداخل السعودي سواء بالمنطقة الشرقية أو من خلال الوجود الإسماعيلي بالجنوب الغربي السعودي وليس حلا الدخول في صراع أيراني عربي أو سعودي بل العمل على خلق حالة من التوازن البناءة والخلاقة وفق قياسات المصالح فالمصالح وتطويرها الكفيل بخلق حالة من الاستقرار العربي الإيراني أو السعودي الإيراني وليس من المصلحة أن تجر السعودية بالنيابة إلى صراعات لا ناقة ولا بعير لها فيها وهي الحكيمة فالصراع الإيراني العربي أو السعودي لا مصلحة ترجى منه بل المستفيد من هذا الصراع من أوجده ومن يعمل على استدراج السعودية له.

3- لقد قامت الوحدة اليمنية لا محالة في غفلة سعودية خليجية وهي ما تعانيه اليوم السعودية من استدراج في الشمال اليمني و ما سينتج عنه عواقب على المدى الطويل لو أستمر ذلك الصراع الحربي وهو قابل للتشعب على المدى المنظور ومضر على المدى الإستراتيجي، أما بالنسبة لليمنيين الغوغائيين وإدارتهم فهي لعبة أطالة في عمر النظام ولا مصلحة مجتمعية بل مصالح شخصية لجزئية قبلية ضيقة وهي حالة طبيعية للتناقضات التي عمل النظام على إيجادها على مرأى ومسمع من الجارة الكبرى السعودية وهي الخبيرة بهذا النظام وتفصيلات التفصيلات.

4- أن المصلحة الحقيقية للأشقاء الخليجيين ومن ضمنهم السعوديين من خلال الحالة التاريخية هي وجود دولة الجنوب العربي بجنوب الجزيرة كدولة محورية قوية سنية ديمقراطية النهج بناءة ذات امتدادات طبيعية مدرسية بالداخل اليمني وهذا ما أفاد السعوديون أبان عهد الاحتلال والوجود البريطاني بعدن خلال النزاع الإمامي السعودي فقد كان عامل توازن الجنوب العربي فما قامت به بريطانيا بالنيابة مصلحة جنوبية سعودية مشتركة للجم الطموحات اليمنية غير المشروعة من خلال أحداث 1934م.

5- إن تفكيك الدولة اليمنية الحالية صارت ضرورة ومطلب وعامل استقرار للمنطقة والعالم خاصة ما هو جاري بالبحر العربي وخليج عدن وهو بحر جنوبي عربي خاص بالجنوبيين العرب ولن يستطيع غيرهم حمايته فإذا لم يحسم ذلك الأمر فالبحر الأحمر في طريقه للعدوى (والعدوى يمنية رسمية) إن الجمهورية اليمنية التي طرأت في 22مايو عام 1990م في شكل وحدة اندماجية بين اليمن والجنوب والتي ثبت فشلها بالنظرية والتطبيق، فالتناقضات هي الكفيلة والعامل الرئيسي الحامل لبذور فنائها والمنظور في القريب العاجل، إلا إذا كانت السعودية تريد لها الدور المصري في اليمن من خلال الحرب الأهلية الماضية في مرحلة الستينات لترتيب البيت اليمني للمرحلة المقبلة وليست هكذا تدار الأمور فقد اختلفت المقاييس وعوامل الزمن الحالية والورطة ستكون أكبر بكثير من التورط المصري الذي دفع ثمنه المصريون غاليا فستكون حروب رئيسية بالشمال وبالجنوب العربي وأخرى حروب فرعية بالوسط والغرب.

6- لا ندري هل السعوديون من خلال هذا التدخل إلى جانب الإدارة اليمنية قي حرب عبثية لا طائل منها طويلة لا غالب ومغلوب فيها ولا حسم منظور هل هو ترتيب ابتدائي لإحلال وتثبيت قبيلة حاشد وفق الصيغ اليمنية الثابتة والتي تدير الإدارة الحالية من خلال فخيذة من فخائذ حاشد لتظل الأمور اليمنية محصورة بحاشد التاريخ والماضي ليحكموا اليمنيون بالماضي في حاضرهم ومستقبلهم والذي ثبت فشلها بصيغها المتعددة القبلية البحتة والمطورة وهذا جدا خطير وغير منطقي فالأمور لا بد من ترتيبها وفق مقاييس ومكاييل العالم ودوله المتحضرة ضمان لاستقرار اليمن والمنطقة فبدون بقية الأرقام الثابتة والمكونة للتشكيلة والتركيبة السكانية في أدارة شئون الحكم بالبيت اليمني سيظل اليمن مركز وبؤرة للقلق بالمنطقة المنعكس بدوره على العالم سلبا بشكل عام وعلى السعودية والخليج نشكل خاص.

7- لقد تم استدراج الساسة السعوديون إلى حرب بلا نهاية عبطية النهج والنتائج فلو أرادت السعودية ترتيب البيت اليمني وفق تصور ما فعليها أولا بترتيب وإصلاح إدارة الفساد من خلال ثورة جديدة بالداخل اليمني في جزء منه ولو محدود من اليمن لتنطلق بعد ذلك لعلاج أو بتر بقية الأعضاء الضارة والمميتة والأورام الخبيثة(لثلة تجار الإرهاب والحرب والدمار العالمي وكذا تجار المخدرات) وبدون ذلك فلم ولن يتم للسعودية إلا جلب الضرر والخسائر المعقدة التركيب لها وللمنطقة والعالم.

8- على الدولة السعودية أن لا تقطع شعرة معاوية مع حلفائها التاريخيين من أسرة آل حميدالدين فالحاجة قد صارت لهم من باب الضرورات لتعديل ما بدأته من خطأ قد استدرجت له(المتمثل في صيغ حزب الحق وحزب اتحاد القوى الشعبية لآل الوزير)، فقد كانت الحدود اليمنية السعودية وعلى الجانب اليمني قد تم التلاعب بالتركيبة الاجتماعية بها والدينية والمذهبية تحت مرأى ومسمع من بصرها الثاقب والمشهود له سواء كانت من خلال جلب دملج إلى عقر دار وبلاد الزيود من أصقاع اليمن وبقية بلدان العالم، كما أن دعم المذهب الشيعي في صعدة المجاورة لها كان من ضمن الأخطاء التاريخية للساسة السعوديون وتلك الحروب الست القاتلة للجميع ونحن (بالحرب السابعة) بعد دخول العنصر السعودي، كما أن التهاون في التعامل مع الإدارة اليمنية وخاصة بعدما تجلى لها من خلال حرب 7/7/1994م وأمراء الحرب الأفغان، وكذا حالة الهروب الجماعي من داخل سجن الأمن السياسي المحصن من خلال النفق المحفور بالملاعق (الحقيقة العبيطة والخيال) وما تلاها كان عليها التفكير مليا في الدخول والتنسيق مع الشريك اليمني فلا ثقة مرجوة ولا اعتماد واتكال على من لا ذمة لهم.

9- على دول الجوار قراءة المشكلة اليمنية قراءة عميقة تحليلية بعيدة عن المصالح الضيقة فالقيادة السعودية تتحمل المسئولية الكبرى من بين دول المنطقة وكذلك مصر الدولتان التي تقاسمتا الهم اليمني في السابق(منذ الاستقلال في الستينات حتى الوقت الراهن)كل في الضد وقد اكتووا بنار اليمن وتلظوا واحترقوا بها الاثنين ولكن بمرور الزمن نسوا ذلك أو ربما أجبروا على ذلك، إن اتفاق الأضداد السعودي المصري أنعكس بالسلب على الوضع اليمني المأزوم أصلا لذا فالعودة إلى الأوضاع التي كانت عليه صارت من الضرورة وهي عودة الجنوب العربي إلى كيانه السابق حلا وكذا عودة الهاشميون وبكيل(الملكيون)إلى الساحة اليمنية وفق صيغ العصر صار ضرورة لا مجال خاصة بعد الفشل الذريع لهذه الإدارة اليمنية والتي صارت مرفوضة بل المشكلة اليمنية هي ذاتها.

10- أن الجنوب العربي لا محالة مقبل على انتزاع حقه في تكوين واستعادة دولته المستقلة وبذلك تتحلل وتتبسط المشاكل المعقدة إلى الحالة التي معها يتم تشخيصها لحلها من الحالة المعقدة وبذلك تنتهي المشكلة الحوثية بشيء من التبصر وتكون بذلك حالة ضرورة موجبة لليمن وللآخرين ممن يستفيد من حلحلة الأمور المعقدة باليمن ومن ضمنهم الجيران السعوديون وبالتالي الخليجيون والعالم أجمع.

11- إن الممارسة اليمنية مع الثورة السلمية بالجنوب العربي والتي منها الزج بكوادر الجنوب المتقدمة والوسطية وعناصر الربط الجنوبي بشكل ممنهج ومدروس يتيح بركوب مغرض للموجة الثورية مما يؤثر سلبا على مسار الثورة فقد تتحول من ثورة سلمية إلى ثورة دموية مسلحة ليس للمنطقة من مصلحة في تحولها فالجنوب قد أجمع وصارت التربة الحاضنة يمكن استزراع أي نبتة مناسبة أم لا ضارة أم نافعة فالإدارة اليمنية غير مسئولة لا ترى إلا تعقيد الصيغ لخدمتها وخدمة أهدافها وهو الاستمرار في سدة الحكم مهما بلغ حجم الثمن المدفوع، لذا وجب على الأخوة السعوديون والخليجيون المراقبة والضغط الشديد على هذه الإدارة حتى يتفادى السقوط للهاوية بدون ترتيب وهو ساقط لا محالة وفي القريب العاجل.

12- إن أطلاق المساجين السياسيين من سجون الاحتلال وهم القادة الجنوبيون يحصن الثورة الجنوبية من الشذوذ ويقلل من درجة الانحرافات، إلا إن ردات الفعل المتأخرة وعدم التجاوب المتلازم والمتلائم وفق الزمن ألظرفي والموضوعي قبل تعقيدها فالجنوب قد قاربت من هدفها المنشود وليس من الإجماع بل ما هو بعد ذلك وهي في مفترق طرق أما أن يكون ضمن الحالة الخليجية العربية البناءة وأما أن تتناقض المصالح والأهداف بعدما قرع الجنوب الباب والأبواب مرارا وتكرارا ولا من مجيب والضغط يكبر حجمه على قيادات الداخل والخارج، فقيادات الثورة الخبيرة الثابتة والمتسلقة ذات الطموح الشرعي قد لا تستطيع مع الهدوء الخليجي السعودي الغير طبيعي والغير مبرر صبرا فالجنوبيين قد عزموا وأعدوا أنفسهم لانتزاع حقهم في استعادة دولتهم وفك ارتباطهم بالدويلة اليمنية المتخلفة شاء من شاء وأبى من أبى وأنها لثورة منصورة بالمولى عز وجل .



*المبحث الثاني

السعودية واليمن.. نحو مفهوم أوسع للأمن

وحدة يمنية سعودية

في التاريخ موقف الشخصية اليمانية واضح، لم نكن نحن اليمانيون في يوما ما توسعيين بل أننا نلاقي صعوبة في الحفاظ على حدودنا وعلى وحدتنا الداخلية ، وأمام هذه الحقيقة التاريخية للشخصية اليمانية، لا ادري لماذا فشل الملك العربي الفذ عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود مؤسس المملكة الحديثة في توحيد القطر اليماني مع السعودية حيث قدسية الأمكنة ورفات المصطفى وأصحابة المنتجبين الأخيار ، رغم تحالفه مع الأنكليز ومعرفته بكراهية الشعب اليماني للأئمة الزيديين وإطلاعه على ضعف الحكم الزيدي الذي كان يتحكم بهم ولا يحكمهم.

وهناك فرق بين الحُكم والتحكم، فضلا عن فهم عبد العزيز الواثق لتذمر اليمانيين من الأئمة ،خصوصا بعد أن وصلت خيول ونوق ابنه فيصل إلى الحديدة وكأنهن وكأنهم كانوا في رحلة مرعى على طول ساحل تهامة وحتى الحديدة رغم أنها حرب 1934 ، واغلب الظن ان عبد العزيز استصعب وهاب من اليمن الجبلي واليمانيين القبائل وآثر عدم التورط ، وهناك رواية تدفع بهذا الاتجاه نقلها الوزير غازي القصيبي عن والده عبد الرحمن أحد مستشاري الملك عبد العزيز ، مهما يكون السبب لدى عبد العزيز فإن الأمر عبثي مناقشته الآن .



لكن المؤكد أن اليمن والسعودية قادمان على أزمات عاصفة لأسباب موضوعية ومخاطر ستلحق لا محالة بالبلدين إما من خارجهما أو من داخلهما، مع أفق العقود القادمة، وهو ما يُلزم التفكير في وحدة سعودية يمانية إذا لم تكن إندماجية فمن أي نوع تكفي ، ليتحد القرار السياسي والاتجاه الآمن للبلدين وللجزيرة العربية ، فاليمن والسعودية إذا كانا هما قاعدة وجناحي الجزيرة العربية فإن بقائهما على هذا المسار من التذمر المشترك من بعض في التعامل البيني مدمر وخطر على بعضهما ، فأحد البلدين ربما يسقط وسيتحمل الآخر تدحرج السقوط إليه ثم يسقط هو أيضا بفعل ارتطام الذي سقط أولا .



فمالذي يمنع قيام وحدة على غرار وحدة مصر والسودان في العهد الملكي المصري أو فكرة تكامل وادي النيل في عهد السادات ونميري وبديمومة أبدية، خصوصا والتداخل السعودي اليمني الاجتماعي والسياسي لتخطئه عين ثم أن سياسات السعودية عن الوقاية من شر قادم من الجنوب في العقود الماضية لم تفلح في خدمة أحد ، فلماذا لانرحل إلى أية وحدة وتحت أية خيمة، بالتأكيد اليمن مشكلة للسعودية، ضعيفا وقويا، والسعودية مشكلة لليمن لأن النوايا التاريخية كانت خاطئة وهذه المشكلة ما نامت يوما ولن تذهب إلى النعاس، ومن قال عكس ذلك اتكأ على رمل تذروه الرياح، واليوم الأوضاع الإقليمية تتغير سريعا في ظل تقدم إيران إلى الأمام وصعود الهند إلى مصاف الدول الكبرى، قد يقول قائل وما دخل المملكة بالهند وبنظرة إلى باكستان والهند ستستوعب أن المملكة لن تغيب عن أي صراع هندي باكستاني وستجر إليه جرا.



وهو مايعني أن القفز على الحاجز النفسي في السعودية واليمن نحو وحدة اندماجية أو وحدة بنظامين سيجعل منها قوة إقليمية كبرى تلغي المخاطر وتقضي على المخاوف، وما دام اليمن والسعودية يشكوان من التشتت العربي والتمزق، فلماذا لانبدأ بوحدة سعودية يمانية، لكن هل هذا تخريف!!



أهو قول لا يهضمه واقع نظامي البلدين، ملكية وجمهورية، دعك من الشعبين، أرومتهما واحدة، أكثر من نصف مكون السعودية قبائل قحطا نية يمانية عربية والعدنانية نشأت في حاضنة قحطا نية، لكن لم البحث عن وحدة سعودية وقد فشلت السعودية في أن تبتكر وحدة اندماجيه مع دول الخليج الخمس، لمدة أكثر من عشرين عاما منذ تأسيس المجلس الخليجي، الذي أمتسخ إلى ملتقى قيادي يتصور القادة فيه طيلة يوم الاجتماع، مما سمح بسيطرة متقطعة من الخلافات بين قادة ودول المجلس، في صراع لم يخمد على الزعامة والخوف من مكر الواحد بالبعض أو البعض بالواحد داخل المجلس التعاوني فليس هناك كبير في المجلس، قوة الثراء المتساوية بين دولة أخضعت القوة الجغرافية والبشرية لقوى شبة متوازية ومتساوية بين دوله خصوصا مع وجود الجيل الثاني من القادة الخليجيين الأقل وفاءا والأكثر قلقا من آبائهم.



وزاد على ذلك ترابط علاقتهم جمعيا بثكنة الحماية لكل عواصم دول الخليج العربي، ثكنة الولايات المتحدة وأوروبا، الموزعتين لحصص قوة أشخاص المجلس في مواجهة بعض وتجاه الآخر، بحيث لا تستطيع أن تتبين فرق كتلة أشخاص قوة الرياض على ضخامتها عن كتلة أشخاص قوة الدوحة أو قوة أبو ظبي، رغم الفارق العملي والواقعي والجغرافي والبشري الجلي بين السعودية والإمارات أو السعودية وقطر، إلا أنهما يتساويان في فيزياء قوة الفعل السياسي على صعيد منفصل أو جماعي فكل واحد لديه سلاح البرميل والخزنة والبنك المركزي لشراء النفوذ من واشنطن وأوروبا التجار الموزعين والمتحكمين في عطايا القوة لهذا او ذاك داخل المجلس، والفرق فقط أن القادة الخليجيين ينصتون للسعودية لكن لا يعني هذا الإنصات أنهم يسمعون لها.



ولهذا فإن أكبر تأثير للسعودية ليس على دول المجلس التعاوني ولكن على اليمن، سواء تحفظنا على ذلك في اليمن أو انسجمنا معه،أرغبته الرياض أو أُجبرت عليه أمنيا، فما المانع من التقدم إلى ماهو ابعد من التأثير ، الوحدة من أي نوع، فنحن وهم متورطون ببعض ولن تنتهي الورطة ولافكاك منها، ولايمكن للسعودية واليمن أن يخدعا نفسيهما بقول وقانا الله اليمن ووقانا الله السعودية، الأمر يتطلب أكثر من ذلك، ووحدة من أي نوع، حل كوني لمشاكل وأزمات استراتيجية ستؤثران في منظومة اليمن ومنظومة السعودية.



ولن تؤدي المعالجات السعودية السلبية أو الإيجابية نحو اليمن لحلول دائمة، كما أن الإجابة ليست بناء عوزال بشرية داخل اليمن أو في داخل حدودها لحمايتها، أو أن تبني المملكة في صمت جدارا عازلا بيننا وبينها لأنها ستتحول إلى غيتو، وليست الإجراءات الأمنية وغيرها من التكتيكات إجابة مثلى، بحيث تظن المملكة أنها قادرة بشكل فعال على ضبط الحدود، بل سيفضي كل ذلك إلى حصار تفرضه المملكة على نفسها منا وبنا بجدار وبدون جدار، ثم ليس من المعقول أن تحاصر السعودية نفسها باليمن والخطر الأكبر عليها وعلى اليمن قادم من مياهها الشرقية، فالخطورة كانت دائما كامنة في النيات والإرادات وإيران من يمثل ذلك الآن.



ولن تستطيع السعودية مواجهة إيران أو غيرها من الكبار إذا ما غابت أميركا وأوروبا بدون اليمن ظهرها وقاعدة الارتكاز، وهو مافطنت له إيران فكان الحوثيون ، وكان ماحدث وسيحدث، والأمر لن ينتهي عند القبول بالنقاط الست فالطوفان قادم تحت قُبعة النقاط الست كلنا يعرف ذلك ونستشعره، ولصد الطوفان يكون الثبات بجسم واحد، وطالما بقيت السعودية واليمن جسمين لايعالجان بعض بالتلاحم الوحدوي فإن الدود سينخرهما، وما أكثر انتشار الدود هنا وهناك. .



النتائج :

- إن السبب الرئيسي لنشوب النزاع الحدودي بين اليمن والسعودية يرجع في حقيقة الأمر إلى الظروف الداخلية والخارجية التي صاحبت نشأة وتكوين الدولتين في مطلع القرن الماضي وبالتحديد في الفترة الممتدة من قيام الحرب العالمية الأولى سنة 1914 وحتى قيام الحرب بين الدولتين سنة 1934 ، ولم يكن لأي من الدولتين في ذلك الوقت أي أطماع توسعية في بلد الآخر.



- إن الاستمرار الطويل لفترة النزاع الحدودي بين اليمن والسعودية والتي تصل إلى مدة تقارب الثمانين عاما دون تسوية النزاع ، يرجع في الأساس إلى عدم استقرار الأوضاع الداخلية اليمنية واستمرار حالة التشطير في اليمن طوال هذه الفترة الممتده حتى سنة 1990.

إن تسوية النزاع الحدودي اليمني السعودي عن طريق المفاوضات ، رغم تعقيدات هذا 3-النزاع المتمثلة بالاتساع لطول خط الحدود – حيث يبلغ طول خط حدود الدولتين البرية فقط 1320 كيلو متر غير الحدود البحرية – واختلاف طبيعة النزاع وأسبابه وظروفه من منطقة حدودية لأخرى إضافة للفترة الطويلة لمدة النزاع والتي تقارب الثمانين عاما وما تخللها من حروب دارت بين الدولتين سنة 1934 وسنة 1969 ، فإن كل ذلك يؤكد بشكل واضح وصريح على قدرة وسيلة المفاوضات الدولية على حل كافة المنازعات الدولية مهما بلغت تعقيداتها، متى توجهت إرادة الأطراف المتنازعة بصورة حقيقية وجادة – وفقا لما تقضي به المبادئ والالتزامات الدولية المتعلقة بالمفاوضات – إلى حل منازعاتهم عن طريق التفاوض .



-

- إن حل النزاع الحدودي بين اليمن والسعودية بصورة شاملة ونهائية والذي توج بإبرام معاهدة جدة الحدودية سنة 2000 ، يعني أن هذه المعاهدة الأخيرة – طبقا لقواعد القانون الدولي ذات الصلة – هي التي تحكم الوضع القانوني لحدود الدولتين وزوال كل قيمة قانونية تتعلق بهذه الحدود تكون قائمة من قبل تخالف ما تقضي به معاهدة جدة لسنة 2000.

- إن اليمن والسعودية – بحلهما لنزاعهما الحدودي المعقد عن طريق المفاوضات – قدمتا نموذجا مبهرا للساحة العربية والدولية عموما في تسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية الودية ومثالا حديثا وتطبيقا عمليا يفيد الباحثين والدارسين في مجالي القانون الدولي والسياسة الدولية، سواء المهتمين بالمفاوضات الدولية أو بالمنازعات الدولية أو بالحدود الدولية أو بالعلاقات الدولية.

- التوصيات :-

1- إن ظهور المنازعات الحدودية بين الدول المجاورة يعد أمرا طبيعيا حيث يفترض وجود نزاع حدودي بين كل دولتين متجاورتين الا ان استمرار النزاعات الحدودية وعدم تسويتها سلميا في ظل النظام القانوني الدولي المعاصر الذي أقر مبدأ التسوية السلمية للمنازعات الدولية وحرم استخدام القوة في العلاقات الدولية هو أمر غير طبيعي , خاصة وأن تسوية المنازعات سلميا تستقيم مع الطيعة الانسانية المختلفة عن الطبيعة الحيوانية التي يحميها شريعة الغاب , وعليه فأنه علي الدول المتجاورة التي لم تقم بتسوية حدودها الإسراع بالقيام بذلك , لان بقاء المنازعات الحدودية بين الدول المجاورة أكثر كلفة من خسارة بسيطة محتملة يمكن إن تلحق بهذا الطرف اوذاك عند تسوية النزاع .

2- اللجوء إلي المفاوضات أولا لتسوية منازعات الحدود الدولية , كونها من جهة أكثر طرق التسوية السلمية سهولة ومرونة , ومن جهة أخري كونها أكثر الطرق اتساما بالطابع الودي الذي ينسجم مع طيعة العلاقات الخاصة التي تفترض أن تكون عليها الدول المجاورة , خلال المفاوضات تستطيع الأطراف أن تقرر بعد ذلك استمرار المفاوضات حتى إنهاء النزاع , والاتفاق عن طريق أخر يتم اللجوء إليه لحل النزاع .

3- إن نجاح الدولتين –اليمن والسعودية في حل نزاعهما الحدودي المعقد بصورة شاملة ونهاية عن طريق المفاوضات والذي يمثل انجازا مبهرا ونموذجا رائعا تقدمه الدولتين للمجتمعين الدولي والعربي معا لحل منازعات الحدود بين الدول المتجاورة فيجب تطبيق جوهر معاهدة الطائف المتصلة بمسالة علاقة الدولتين وجوهرة معاهدة الطائف في هذا الخصوص يتلخص بإقامة علاقة متميزة خاصة بين الدولتين الشقيقتين بمختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية .

- المراجع :

1- اقليم الدولة وحدودها في القانون الدولي العام , حازم حسن جمعة (دار النهضة العرية 1993-1995)

2- الوسيط في القانون الدولي العام احمد أبو الوفا , دار النهضة العربية الطبعة الأولي 1995-1996

3- ـ إبراهيم شحاتة، الحدود الآمنة (مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1970م).

4- http://marebpress.net/narticle.php?sid=20380

5-http://www.yemen-nic.net/contents/studies/detail.php?ID=12911

6- http://www.islamonline.net/iol-arabic/dowalia/alhadath2000-oug-29/alhadath7.asp

7-حسن ابو طالب الوحدة اليمنية دراسة في عمليات التحول من التشطير الي الوحدة مركز دراسات الوحدة العربية

8- 7خالد بن محمد القاسمي , الوحدة اليمنية حاضرا ومستقبلا "دار الثقافة العربية الشارقة الطبعة الثالثة 1998م"

9-http://www.aleshteraki.net/articles.php?id=1609

10- عبد الخالق عبد الله العلاقات العربية –الخليجية "المستقبل العربي "العدد206أذار /مارس 1996

11-عسير في النزاع السعودي اليمني عبد الرحمن محمد حمود الوجيه سنة2000 الطبعة الأولي