الأهداف الخمسة - قصة مهداة إلى الروائية اللامعة فايزة شرف الدين بقلم:نزار ب. الزين
تاريخ النشر : 2010-07-29
الأهداف الخمسة - قصة مهداة إلى الروائية اللامعة فايزة شرف الدين بقلم:نزار ب. الزين


الأهداف الخمسة
قصة قصيرة
نزار ب. الزين*
*****
معادة و مهداة إلى الروائية المبدعة فايزة شرف الدين
*****
هل سمعت ياسيدي المحقق بالأهداف الخمسة أو ما يسميه إخواننا المصريون : "العَينات الخمسة؟"
خوفا من أن تظن – ياسيدي – أنني أقدم إليك أحجية ، ومع أن الكثيرين سمعوابهذا الشعار و الكثيرين غيرهم طبقوه دون أن يسمعوا به ، و بالرغم من تخميني بأنك لم تسمع به من قبل – ذاك بادٍ من ذهول عينيك – اؤكد لك أنه شعار لا علاقة له بالعيون التي في طرفها حور أو بعيون الماء القراح السلسبيل ، و لما كنت لا أحب الإستطراد ،فسأبادر إلى شرحه لك في الحال .
إنه يا سيدي شعار الإنسان الطموح من وجهة نظر قِطاع عريض من البشر ، و لكن الطموح يقاس عِلميا بمؤشر ذي أربع درجات مرتبطة كلها بغريزة التملك ؛ و هي أولها ،
ثم ...
الطموح أو السعي إلى الأفضل ،
ثم .....
الطمع و هو السعي إلى طلب المزيد ،
ثم .......
الجشع و هو الشراهة المطلقة إلى جمع المال و عدم الشعور بالإكتفاء .
أعود إلى الشعار ، فهو بكل بساطة تحديد أهداف الإنسان الطموح، بخمسة أهداف تبتدئ كلها بحرف العين : ( عمل ، عروس ، عربيّة ، عمارة ، عزبة ) وهو شعار رحب يوحي بتبرير كافة الوسائل من أجل تنفيذه ؛ أما خطوات الإنطلاق فقد تكون متمهلة أو متسارعة أو قد تتحول إلى القفز كما في حالة جاري ؛ فجاري سلمان من حملة هذا الشعار ، و يجري خببا وراء تحقيق بنوده !
تجده دائم اللهاث فهو يعمل ويعمل و يعمل ، يداعب أولاده بيسراه بينما يمناه تعمل ، حتى ضرورات حفظ بقائه الشخصي إختزلها إلى شطيرة و كوب ماء ، و ضرورات حفظ بقائه النوعي حولها إلى عملية آلية لا روح فيها .
لم يحرم عينيه متعة التلفزة ، فهو لا يدع الرسوم المتحركة تفوته و كذلك الهزليات و الأهم منهما المصارعة الحرّة و مباريات كرة القدم ؛ فقد ترهل جسمه من كثرة الجلوس حتى ناء بحمل كرشه المدلى أمامه كقربة ماء ، كما برز ردفاه بروز صندوق عربته، و أما شعوره باضمحلال قواه التدريجي ، فقد جعله يغرم بالمصارعة كتعويض .
ولفرط إنهماكه بالعمل ، تنحبس مشاعره طويلا ثم لتفجرها – من حين لآخر - مواقف تافهة كهزليات التلفاز ، فينطلق ضاحكا بقهقهات مجلجلة ترعب من يسمعها أول مرة ، و حين تزعجه مشاحنات أطفاله أو طلبات زوجته ، ينطلق لسانه ناطقا بأبشع القاذورات ...
و سواء مع المصارعة ، أو كرة القدم ، أو الرسوم المتحركة ، أو مهرجي التلفزة ، فإن إحدى عينيه تنصرف نحو التلفاز ، بينما تبقى يمناه تعمل و تعمل و تعمل ؛ ذلك أن طبيعة عمله تسمح له أن يعمل و هو يأكل و يعمل و هو يشاهد الشاشة الصغيرة ، و يعمل و هو يداعب أولاده ، و يعمل وهو يغازل زوجته ، و يعمل و هو يعمل

******

أما سعاد ، حرمه المصون ، فهي أيضا من حملة هذا الشعار و لكن مع بعض التعديلات ، فالعمل و العريس توفرا بدون جهد يذكر ، خطبوها ثم زوجوها هذا كل ما في الأمر ، و العربية على الباب قبل أن يكتب الكتاب ، و العمارة و العزبة متروك أمرهما لمساعي ( سبع البرمبو سلمان بن سالم السليمان ) ؛ و هكذا أبدلت خماسية زوجها بخماسيتها الخاصة التي تتناسب مع أنوثتها، فحلت هواية إقتناء المجوهرات محل ( العمارة ) كما حل ولع لا حدود له بمسايرة آخر مبتكرات الأزياء محل (العزبة) أما العمل فسوف يأتي ذكره لاحقا .
سايرها سلمان بداية ، أي عندما كان مفتونا بسحرها ، أما عندما أدرك أن طموحها جشع و رغباتها شراهة ، كبح جماح جيبه (لاحظ – يا سيدي - كبح جماح جيبه و حسب ) و بعد قيل و قال و طول كفاح و نضال ، يئست سعاد من جدوى نزاله و ملّت كثرة جداله ، فسلمت و لكنها ما استسلمت ، و القصة من هنا إبتدأت

******

عادت ذات يوم من السوق محملة ، فقام إلى جيوبه يتفحصها ، و إذ إطمأن أن كل فلس قابع في مكانه ، عاد إلى طاولته يعمل و يعمل و يعمل ..
هتف مجهول لها ذات يوم ، طلبها بالإسم و بإصرار ، نظر سلمان إليها شذرا ، ناولها مسرة الهاتف مشمئزا، ثم إنصرف إلى طاولته يعمل ويعمل و يعمل ..
ثم أخذت مكالماتها الهاتفية تطول و تطول ، ضايقه الصوت .. تذمر .. قذف بعض قاذوراته ، ثم عاد يعمل و يعمل و يعمل ؛ فخفضت صوتها – بعدئذ – تجنبا لسلاطة لسانه ، و لكن محادثاتها الهاتفية إستمرت تطول و تطول ، و استمر هو يعمل و يعمل و يعمل .
رحلات التسوق كانت قليلة و لكنها مستمرة ، و العودة بأكياس الغنائم أخذت تلفت أنظار الجيران و إنشغال هاتفها المتواصل بدأ يثير الريبة .
أشفقوا على سلمان !
سلمان العصامي ، سلمان المكافح ، سلمان المعطاء ، سلمان "المشغول على طول" والذي لفرط إنشغاله لم يسألها قط عن محدثيها على الهاتف ، سلمان الساذج الذي لم ينتبه إلى تخمة خزانتها بأفخر الثياب ، و رفوفها بأنفس العطورات ، و أدراجها بأثمن المجوهرات .
سلمان الإنسان الجاد المستقيم ، الأنيس اللطيف ، يلقى من زوجته كل هذا العقوق ؟؟؟!
أخذوا يتهامسون ، ثم بدؤوا يتشاورون ، و ظلوا حتى الأمس القريب يتهامسون و يتشاورون حول سلوك جارتهم سعاد ، دون إتخاذ أية خطوة أكثر من إزدياد اللغط ، فهناك أطفال ، و هناك بيت قد يصيبه الخراب ، و يدمر سلمان بن سالم السليمان ؛ و سلمان غير دارٍ بما يلوكونه من حوله ، مستمرا يعمل و يعمل و يعمل
******

شوهدت السيدة سعاد – صدفة – في دار للسينما مجاورة ، مع شاب خليجي رشيق أنيق ، مشذب الشاربين منمق الحاجبين ، غطى هامته بكوفية ناصعة البياض ، لا كرش مدلى يتقدمه و لا مؤخرة بارزة تتبعه ، و قد أحاطها بكل إهتمامه و إنصرف لإرضائها بكل جوانحه ؛ ثم شوهد بعد أيام يطلق بوق سيارته بجوار بيتها لتهرع إليه و تركب إلى جواره !
- ما أجرأها !!!!
تهامس الجيران !
ثم شوهدت تخرج معه من أحد الفنادق المتساهلة ..
- سلمان أين أنت يا سلمان ؟ هل من المعقول أنك لم تنتبه حتى الآن يا سلمان ؟
تساءلوا مستغربين ؟!

******
اللغط يتفاقم
و سلمان يعمل ويعمل و يعمل
و سعاد تعمل و تعمل و تعمل
و الحساب المصرفي ينمو و ينمو وينمو
و أكداس الهدايا صارت طبقات فوق طبقات
و الصعود مستمر .. مستمر و مستمر
******

قررتُ التدخل ، فأنا منذ البداية تراودني الشكوك ، عندما كان همس الجيران مجرد همس ، كانت شكوكي تقارب اليقين ، صارحت بها زوجتي الحصيفة ،فاتهمتني – كعادتها - بالمبالغة و سوء الظن ، ثم ألقت في وجهي بحكمة الأديان والأجيال : "إن بعض الظن إثم !"
و مع ذلك قررت التدخل ، فهل من المعقول أن يكون الرجل غِفلا إلى هذا الحد ؟ و حتى لو كان كذلك فمن حق الجيرة عليّ أن أنبهه ، و شاركني في رأيي أبو نضال و هو من أقرب جيراني إليّ ...
******

إستدعينا سلمان....
فرشنا المقدمات و مهدنا الطريق ، و التففنا حول الموضوع و درنا ، ثم بهدوء رمينا قنبلتنا ؛ و كمن صفع على قفاه دارت رأسه و خذلته ركبتاه ، و بدا و كأننا أوقعناه في متاهة ، فتساءل ببلاهة :
- كيف حدث أنني آخرمن يعلم ، متى نبت قرني و تضخم ؟
بكى و أبكى ،
ثم ...
أرغى و أزبد ،
ثم .....
هدد و توعد :
- سأقتل .. سأذبح سأنشر الدمار ...سأصنع كارثة .. سأقود أعصار !
نصحناه ، أن يقوِّم إعوجاجها بهدوء ، و يبحث عن أسباب إنحرافها لعلها تعود إلى صوابها ، فننقذ الأطفال من مآسي خراب البيوت ، فإن ارعوت و ثابت إلى رشدها كان بها ، و إن أبت و أخلت بعهدها ، فتسريح بإحسان !
******

و يا لعجبي ، ياسيدي الضابط ، ها أنا ذا بين يديك متهما بأنني دئبت على التحرش بجارتي سعاد ، و الأعجب أن بقية الجيران بما فيهم أبو نضال ، رفضوا الإدلاء بأية شهادة أو معلومات ، و بأن عليّ الإعتذار ، و كتابة تعهد خطي بعدم التعرض لجاري سلمان أو لحرمه المصون ، و إلا سوف تزجون بي في غياهب السجون!
******

في بيت جاري سلمان بن سالم السليمان ، لا زال الصعود مستمرا ، فالحساب المصرفي يزداد نموا ، و أدراج المجوهرات تزداد إمتلاء ، و أكداس الملابس الداخلي منها و الخارجي تزداد إرتفاعا ، و مواد التجميل و العطور تزداد تراكما ، وأصدقاء سعاد تتزايد أعدادهم .
و عاد الجيران يتهامسون و يتغامزون و يتشاورون ويتجادلون ، أما أنا فقد تقوقعت ، و أغلقت عينيَّ بالطين ، و سددت أذنيَّ بالعجين ، و ألصقت شفتيَّ بلاصق متين ...!
و لم يعد يهمني إن حمل الناس شعار الخمسة ( عَينات ) أوكانوا مثلي بعين واحدة ، و كذلك لم يعد يهمني إن سقط الناس إلى أعلى ، أو صعدوا إلى أسفل سافلين !
--------------------------------------
*نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
الموقعwww.FreeArabi.com