الطفلة العروس - أقصوصة - بقلم:نزار ب. الزين
تاريخ النشر : 2010-07-04
الطفلة العروس - أقصوصة - بقلم:نزار ب. الزين


الطفلة العروس
أقصوصة*
نزار ب. الزين*
*****
كانت وضحة ذات الأحد عشر ربيعا ، تلعب مع رفيقاتها في المرعى المجاور لخباء ذويها ليس بعيدا عن نبع قرية الغدير الشرقي ، عندما أحست بالعطش فانسحبت إلى الخباء لتروي ظمأها .
في المساحة المخصصة للضيوف من الخيمة الكبيرة المصنوعة من شعر الماعز ، أثار فضولها نقاش يجري وراء الحاجز القماشي الذي يفصلها عن ركن الضيوف ، أخذ يتضح بعد أن اقتصر على والدها و شخص آخر ، فانصرفت للإصغاء إلى كل حرف :
الوالد : "اسمع يا شيخ العرب ، و هل يمكن لمثلي أن يرد لك طلبا ؟ ستكون طوع بنانك و خادمة بين يديك ، و لكن .. "
تريث قليلا ، ثم ... أضاف :
"و لكنني أستميحك عذرا يا شيخ ضرغام ، أريد سياقها* كاملا ، و وعدا أمام الله و الناس ، ألا تتدخل في شؤونها أي من زوجاتك الأخريات ، لا دخل لهن بها سوى بالمعروف ، و أن يكون لها خباؤها الخاص ، اعذرني يا شيخي ، إنها طفلة ، و الحق حق ! ."
ثم ....اضاف :
"صارحوني يا أخوان إذا كنت تجاوزت حدودي . "
بعد ثوانٍ من الصمت ، سمعت صوت الآخر يجيبه :
"عيب يا لافي ، أعليَّ تعقد الشروط ؟ و مع ذلك مسامح سياقها لن يقل عن الأصول : "أربعون راس* ، و أربعممائة قرطاس* ، و حِبَّة* على الراس ، و كرامتها على على العين و الراس ! "
فيجيبه الوالد على الفور : "خمس بقرات حلوب و خمس غنمات مثلها ، خمسة ثيران و خمسة أكباش ، عشر عجول و عشر حملان .."
يجيبه الآخر ضاحكا : "أنت طماع يا لا في ، و لكن لست أنا من يعجز عن طلباتك ، لك ما تشاء ! ."
ثم ...
تسمع وضحة جلبة أخرى و تكرارا لعبارة : "مبروك يا لافي.. مبروك يا شيخ ضرغام" ؛ فتلتفت إلى أمها متسائلة : " من هو الشيخ ضرغام ، و من هؤلاء الناس ؟ و علامَ كانوا يتساومون ؟ و على ماذا يباركون ؟!"
تبتسم أمها ، تقبلها من جبينها ثم .... تضيف : "مبروك يا وضحة لقد أصبحت عروسا !!! "
*****
زينوا وضحة بالقلائد , و الأساور الفضية ، و توجوا رأسها بحزام من الليرات الذهبية العثمانية ،
ثم ...
و بعد الدبكة و السحجة* و الأهازيج و الزغاريد ، أركبوها حصانا أصيلا كانوا قد زينوه لهذه المناسبة ، و ساروا بها نحو خيمتها حيث ينتظرها عريسها الشيخ ..
الكل كانوا مبتهجين نساء و رجالا و أطفالا ... إلا وضحة ..
الكل كانوا مشرقي الوجوه ...إلا وضحة..
لم يفارقها العبوس لحظة واحدة...
إذ لم يزايلها الخوف آناء الليل و أطراف النهار ، منذ أخبرتها والدتها أن والدها أعطى كلمته بشأنها ، لمن يكبره على الأقل بعقد من الزمن ...
و لكن ما أن اعتلت صهوة الحصان ، حتى تحول خوفها إلى هلع ...
ألقت بنفسها من فوقه محاولة الهرب ، و لكنهن ، أمها و قريباتها أعدنها إلى صهوته ...
ثم ...
و بعد دقائق .. ألقت نفسها ثانية محاولة الفرار ...
إلا أنهم أعادوها مرغمة ، مع صفعة على القفا وجهها إليها والدها ...
و إذ بلغت خيمتها الصغيرة ، حاولت الفرار للمرة الثالثة ...
فأدخلنها الخيمة مرغمة مع عقصة من أمها كادت تدميها ..
ثم ....
تركوها لمصيرها ....
*****
كان صراخها يدوي .. يهدأ قليلا ثم يعلو من جديد ليبلغ عنان السماء
ثم ..
تحول صراخها إلى عويل ..
و لكن ...
لم يجرؤ أحد على الاقتراب من الخيمة ...
ثم ...
ران الهدوء
*****
ثم ....
رُفعت الراية الحمراء ، فنشط الفرح من جديد ، و أطلق بعض الشبان العيارات النارية ، تحية جليلة لهذا الحدث الكبير !!!
و لكن ..
عندما جاءت والدتها مع أخريات في صباح اليوم التالي ليطمئنن على حالها ، وجدنها شبه عارية في أحد أركان الخيمة و قد ملأت و وجهها و جسدها الكدمات ...
و كانت تنزف ....
*****
=================
*40 راس : أربعون رأسا من الماشية
*400 قرطاس : 400 ليرة ورقية لتجهيز العروس
* حِبَّة على الراس : قبلة على الراس
*السحجة : التباري بالتصفيق الحاد حتى تدمى الأكف مرفقا ببعض الأهازيج
سياقها : مهرها
=================
*نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
الموقع:
www.FreeArabi.com
*من مجموعة الغدير
=================