رحلة إلى الأعماق -رواية من الخيال العلمي في حلقات بقلم:نزار ب. الزين
تاريخ النشر : 2010-06-25
رحلة إلى الأعماق -رواية من الخيال العلمي في حلقات بقلم:نزار ب. الزين


تنويه :
تم نشر الرواية في دنيا الرأي في صيف عام 2007 و أعيد نشرها بناء على طلب صديق عزيز
******
رحلة إلى الأعماق
رواية من الخيال العلمي في حلقات
نزار ب. الزين*
******
الفصل الأول
خمسة أصدقاء من بلاد عربية مختلفة ، جمعتهم الدراسة في إحدى الجامعات الأمريكية و السكن المشترك قريبا منها
د.عبد الله من المغرب تخصص ألكترونيات و برمجة و هندسة الحاسوب
د. هشام من سورية تخصص معادن و سبائك معدنية
د. مجدي من مصر تخصص جيولوجيا و طبقات الأرض و علم الزلازل و البراكين
د. حمود من الإمارات العربية المتحدة /أمارة دبي تخصص كيمياء ، فرع النفط و الصناعات النفطية
د. رياض فلسطيني يعيش في الأردن تخصص ميكانيك و محركات ثقيلة .
لم تلههم المغريات الكثيرة من حولهم ، اللهم سوى حضور أفلام الخيال العلمي التي يشتركون جميعا بعشقها ، إضافة إلى زيارة المتاحف و مطالعة المجلات العلمية ؛ و قد أبدوا جميعا لفرط ذكائهم تفوقا في مجالات دراساتهم ، حتى أن الكثير من مؤسسات البحوث العلمية أو الشركات الأمريكية التخصصية عرضت عليهم وظائف مغرية ؛ إلا أنهم رفضوها جميعا لأنهم تعاهدوا أن يعودوا إلى وطنهم العربي للمساهمة في تطويره و تقدمه .
في سنة التحضير للدكتوراه ، و قبل أشهر من مناقشة أطروحاتهم ، عرض هشام على أصدقائه مشروعا مدهشا ، بدا لهم أول الأمر خياليا و مستحيل التنفيذ ، إلا أنه رويدا رويدا تمكن من إقناعهم به ، مقدما لهم البراهين على إمكانية تنفيذه إذا تضافرت جهودهم معا ، فتعهد حمود بتمويل المشروع ، ليس هذا و حسب ، بل تعهد لهم أيضا بتدبير وظائف لهم في دبي في شركة البناء التي يملكها والده كغطاء يمكنهم من الحصول على التأشيرات اللازمة لدخول الإمارات .
و طوال تلك الأشهر التي سبقت مناقشة أطروحاتهم ، لم يكن من حديث لخمستهم سوى المشروع الذي سيحدث ضجة عالمية من شأنها أن ترفع من مكانة العرب تجاه الشعوب الأخرى التي سبقتهم علميا و تقنيا بمراحل ، بعد أن كانوا رواد العلوم ذات يوم .

في مكان ناء من مدينة دبي بنوا مختبرهم الذي بدا ظاهريا كأنه مستودع بضائع .
كان هدف الدكتور هشام السعي لتكوين سبيكة معدنية تحتمل الضغوط الهائلة و درجات الحرارة العالية .
أما الدكتور رياض فكانت أمامه أصعب المهمات ، الأولى منها ابتكار محرك قوي قادر على دفع مركبة خلال طبقات الأرض ، أما الثانية فكانت العمل على تطوير حفارة حلزونية تثبت في مقدمة المركبة ، أما الثالثة فكانت ابتكار ذراع آلية لالتقاط العينات و فحصها ، و قد وظف حمود تحت إمرته عددا من الميكانيكيين المهرة لتحقيق مهمته الصعبة .
أما الدكتور عبد الله فقد انشغل بابتكار برامج حاسوبية تساعده في عدة أغراض ، أولها تصميم المركبة المنشودة ، و ثانيها ربط المجسات و الرادارات و الكاميرات بجهاز حاسوبي واحد يمكن التحكم بها من خلاله ، و ثالثها مساعدة الدكتور حمود في ابحاثة ، فالدكتور حمود يأمل بإثبات فرضية حديثة عن تكوين البترول ، الفرضية تؤكد أن النفط غير قابل للنضوب لأن المواد الهيدروكربونية - و هي أساس تكوينه - في حالة تشكل مستمر نتيجة اتحاد الكربون مع الهيدروجين ( و هما مادتان موجودتان في الأعماق مثل وجودهما في الجو ) هذا الإتحاد يتم تحت درجة حرارة و ضغط هائلين في الطبقات العميقة لجوف الأرض ، لينساب – من ثم - نحو الأعلى ، مجدداً تعبئة الخزانات الطبيعية الموجودة أو تكوين خزانات غير معروفة و لم يتم اكتشافها بعد .
و يقول الدكتور حمود إذا تمكن من إثبات هذه الفرضية يصبح بإمكان البشر تكوين حاجاتهم النفطية بمصانعهم ، و ستكون تلك خطوته التالية ، مما سيحدث ثورة في مجال الطاقة تفوق الثورتين الصناعية و الألكترونية معا .
أما الدكتور مجدي فكان يبحث في صفائح القشرة الأرضية التي تقوم فوقها القارات و التي تعوم فوق طبقة من الصخور شبه المائعة فتسبب حركتها الدائبة التي تؤدي إلى حدوث الزلازل ؛ و ذلك سعيا وراء إيجاد الفالق الباطني المناسب الذي يمكِّن من النفاذ إلى الأعماق .
و يؤكد الدكتور مجدي أن هناك فوالقا زلزالية و أنفاقا و كهوفا طبيعية في الأعماق كما في السطح و من الممكن عبورها بيسر إذا نجح زملاؤه بتصميم المركبة المنشودة ، و التي سوف يكون عليها اختراق عدة طبقات مختلفة التكوين قبل الوصول إلى طبقة المعادن المصهورة و هي بسامكة 2800 كيلومتر و بحرارة تقارب المائة درجة مئوية قرب السطح و 3500 درجة مئوية في أعمق نقطة .
و بما أن جاذبية قلب الكرة الأرضية الصلب المكون من معدن الحديد – و هي جاذبية أقوى من جاذبيتها على السطح - فإن قوة الدفع المكتسبة من تلك الجاذبية سوف تمكن المركبة من الإتجاه بنفس السرعة نحو السطح ثانية و لكن نحو قارة أخرى من خلال فالق زلزالي آخر ، و قد لا تستغرق الرحلة – نظريا - إذا كانت مباشرة ، أكثر من ساعات معدودة ، و الحاسوب يشير إلى أن الإنتقال من غرب آسيا – مثلا -إلى شرق أمريكا قد لا يستغرق أكثر من أربع إلى خمس ساعات.

بعد ثمانية عشر شهرا من العمل الشاق و إنفاق مبالغ كبيرة قدمها الدكتور حمود و والده بسخاء و بلا أدنى تردد ، اكتمل بناء المركبة التي صنعت من سبيكة معدنية ولَّفها الدكتور هشام ، يمكنها احتمال حرارة تقترب من 4000 آلاف درجة و ضغط عدة أطنان فوق السنتيمتر المربع الواحد ، و بطنت من الداخل بطبقتين من نوعين مختلفين من السيراميك و زودت بمحرك ديزل دافع بقوة تعادل قوة قاطرتي ديزل ، و بمحرك قوي آخر لحفارة حلزونية ثبتت في مقدمة المركبة مستخدمة شفرات شُحذت من نفس سبيكة الدكتور هشام المعدنية ، قادرة على اختراق أصلب الصخور و قذفها إلى ما وراء المركبة ، و بمحرك آخر لتشغيل الذراع الآلية ، و بمحرك رابع لتوليد الطاقة و تشغيل أجهزة التبريد و الأجهزة الكهربائية و الألكترونية الأخرى ، كما زودت بكاميرات ألكترونية خاصة تحتمل درجات الحرارة العالية ، تُمكِّن الباحثين في الداخل من رؤية ما يجري حولهم في الخارج بدل النوافذ ، و برادار قوي و مجسات حساسة لقياس المسافات و الأعماق و درجات الحرارة فوق هيكل المركبة من الخارج ، و أخرى للتعرف على الإتجاهات ؛ و بجهاز إتصال يصلح للإتصال في جميع الظروف .
و اقتضت الخطة أن تكون أول رحلة تجريبية و مباشرة ، على أن تكون رحلة العودة رحلة إستكشافية تخصصية ، تليها رحلات .
و ستغوص المركبة في الخليج العربي ثم تتجه جنوبا إلى بحر العرب ثم غربا نحو شرق أفريقيا و من هناك سيتم إختراق فالق البحر الأحمر . أما لماذا اختاروا أن تبدأ رحلتهم من أعماق البحر فالدكتور عبد الله يجيب على هذا السؤال قائلا : " أن القشرة الأرضية تقل سماكتها في أعماق البحر فهي بين – 60إلى70 كيلومتر- مما يوفر الجهد و الوقت ."
و من ثم سوف تغوص المركبة في الأعماق مندفعة نحو قلب الكرة الأرضية الصلب ، ثم تنزلق قبيل بلوغه في اتجاه الصعود لتبلغ فالق المحيط الأطلسي - تماما كما تفعل سفن الفضاء التي تستفيد من جاذبية أحد الكواكب لتنزلق قريبا منه باتجاه كوكب آخر مستفيدة من قوة الدفع التي اكتسبتها من جاذبيته - و لعلها تتجه من هناك إلى إحدى دول أمريكا اللاتينية ، و الأرجح أنها ستكون الجزيرة الكوبية أو أيا من جزر الكاريبي ، و لذا فقد حصلوا على التأشيرات اللازمة من سفارات تلك الدول معلنين لها أن زيارتهم ستكون عبر سفينة أبحاث أسموها : << دبي 1 >>.
و في اليوم الموعود ، اتجهت المركبة فوق شاحنة مغطاة إلى منطقة معزولة بين أمارتي عجمان و رأس الخيمة ، و ما أن أُنزلت المركبة على شاطئ الخليج حتى دنت منها سيارة فارهة يعقبها سيارة حماية ، ثم ترجل منها مسؤول رفيع المستوى و برفقته والد الدكتور حمود ، جاءا خصيصا لوداع و تشجيع زمرة العلماء العرب الذين سيخوضون أكبر مغامرة إستكشافية في التاريخ ؛ و قد حرص الجميع أن تكون المغامرة بعيدا عن أية ضجة إعلامية ، خشية الصدمة الكبرى و الإحباط الشديد إذا باءت الرحلة بالفشل .

عندما غاصت المركبة في الخليج كانت قلوب خمستهم واجفة خشية أن يكونوا قد ارتكبوا غلطة فنية ما ، و لكن لسعادتهم البالغة سار كل شيء على ما يرام ، المحرك الدافع قادهم نحو شرق أفريقية خلال 15 دقيقة فقط ( أي اسرع من اية غواصة ) ، و هناك بدأ الدكتور عبد الله و الدكتور مجدي يبحثان من خلال شاشتي الحاسوب عن فالق البحر الأحمر ، و ما لبث الدكتور مجدي أن صاح صيحة ( أرخميدس ) : وجدته !... وجدته !... ؛ ثم ما لبث الإثنان أن بدءا بالبحث عن الثغرة المناسبة للعبور منها إلى أعماق الأرض ، فوجداها بعد دقائق قرب خليج السويس ، و بدأ من ثم الإختراق ..
كانت الحفارة الحلزونية تعمل بشكل رائع لشق الصخور و الكتل الطينية بينما يدفعها إلى الأمام المحرك الخلفي بسرعة أكبر من سرعة طائرة نفاثة أو صاروخية ، فكانت سعادة خمستهم لا توصف لمدى النجاح الذي حققوه حتى الآن .
كان اتجاههم نحو الشمال الغربي بشكل مائل تحت القارة الأفريقية وعند بلوغهم عمق خمسين كيلومتر ، أحسوا أن الحفارة الحلزونية تدور في فراغ ، رصدوا ما حولهم بقلق بالغ ، فتبين لهم أنهم داخل كهف عملاق يتجه بهم نزولا بخط مائل ، فسارت بهم المركبة خلاله بيسر دونما حاجة إليها..و قد امتد الكهف – من ثم - أكثر من مائتي كيلومتر فكان تارة يضيق إلى بضعة أمتار و تارة يتسع إلى مئات الأمتار ، أما الإرتفاع فيتراوح بين أمتار قليلة و عشرات الأمتار .
ثم بلغوا نهاية الكهف فبدأ الإختراق من جديد ..
بدأت الحفارة الآن تعمل بشكل أيسر فقد بلغوا طبقة أقل كثافة مكونة من الصخور الحارة شبه المائعة و التي – كما سبق أن أفادهم الدكتور مجدي – تطفو فوقها صفائح القشرة الأرضية و التي تسبب حركتها الدائمة .
أما الدكتور عبد الله فقد أخبرهم أن الحرارة خارج المركبة بلغت الآن مئتي درجة مائوية .
و المركبة لا زالت مندفعة نحو الأعماق ...
قال الدكتور مجدي : "نحن الآن في عمق ألف خمسمائة كيلومتر .."
قال الدكتور عبد الله : " الحرارة خارج المركبة تبلغ الآن خمسمائة درجة مئوية ..."
و المركبة لا زالت مندفعة نحو الأعماق ...
" نحن الآن على عمق ثلاثة آلاف كيلومتر" ، قال الدكتور عبد الله ؛
" و بدأنا نخترق المائع الناري " ، قال الدكتور مجدي ؛
" و بدأت الجاذبية تتزايد وتيرتها بشكل متسارع ، اربطوا الأحزمة جيدا و اتخذوا وضع الإستلقاءعلى ظهوركم " ، قال الدكتور رياض الذي يتولى قيادة المركبة .
و المركبة لا زالت مندفعة نحو الأعماق بوتيرة متسارعة...
" بدأنا الآن بالإتجاه المعاكس " ، قال الدكتور رياض ، و قد خرجت الكلمات من فمه بطيئة و بصوت خافت بسبب الضغط الكبير الواقع على صدره و بطنه ؛
إنه ضغط السرعة الخيالية التي اكتسبوها من جاذبية قلب الكرة الأرضية المعدني .
و المركبة بدأت تندفع من الأعماق نحو السطح ...
" نحن الآن تحت المحيط الأطلسي ، في وسطه تقريبا ، و الرحلة تسير من نجاح إلى نجاح " ، قال الدكتور عبد الله ، عندما بدأ الضغط الكبير يزول تدريجيا عن جسده ، و بدأ يتابع جهاز الحاسوب بدون صعوبة..
و المركبة لا زالت تندفع من الأعماق نحو السطح ..
" سنخترق فالق الأطلسي وشيكا " ، قال الدكتورمجدي ، رد عليه الدكتور حمود قائلا : " لقد عثرت بين العينات التي التقتطها من الكهف العملاق الذي مررنا به ، على كميات كافية من عنصر يندمج فيه الكربون بالهايدروجين فيما يمكن أن نسميه خميرة البترول و ليس فيه أي اثر لكائنات عضوية ميتة أو بقايا كائنات عضوية ، و هو ما يؤكد فرضية أن البترول في حالة تكوين مستمر ، و ليس فقط نتيجة المواد العضوية المترسبة كما كان يُظن ، و عندما سنمر في طريق العودة من ذلك الكهف سألتقط عينات أخرى لمزيد من البحث.. إنه لفتح علمي كبير أيها الأعزاء ! "
و المركبة لا زالت تندفع من الأعماق نحو السطح ...
و ما أن اجتازت فالق الأطلسي ، و بدأت الحفارة في تكسير الصخور الصلبة تمهيدا لبلوغ قاع المحيط ، حتى بدت من جديد و كأنها تدور في فراغ .
-----------------------------------
* نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
الموقع www.FreeArabi.com