النسخ بين النفي والاثبات بقلم:د.سامي عطا الجيتاوي
تاريخ النشر : 2010-04-14
النسخ في القرآن بين النفي والإثبات
د. سامي عطا حسن
جامعة آل البيت - المفرق
المملكة الأردنية الهاشمية
ملخص
مواكبة الأحداث ومسايرة المتغيرات ، سنة التشريع الإسلامي ، يتضح ذلك جليا في نزول القرآن مفرقا على الرسول – صلى الله عليه وسلم – في اثنين وعشرين سنة تقريبا ، حسب الوقائع ومقتضيات الظروف والأحوال ، وفي التدرج في التشريع مراعاة لمصالخ الناس في دنياهم ، حتى تتهيأ النفوس لتقبل التشريع الجديد ، وأحكام الله – سبحانه – أدوية نتداوى بها ، وما ينفع المريض اليوم قد لا ينفعه غدا ، وسأتناول في هذه الدراسة معنى النسخ لغة واصطلاحا ، ومفهوم المتقدمين والمتأخرين للنسخ ، ومحل النسخ وطرق معرفته ، مع بيان الخلاف الحاصل بين المثبتين للنسخ والنافين له ، مرجحا ما يرجحه الدليل بيعيدا عن التعصب واتباع الهوى ، فإن أصبت فبها ونعمت ، وإلا فحسبي أنني اجتهدت .



بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
موضوع النسخ من أجل المباحث في علوم القرآن ، وعلوم الحديث ، وعلم أصول الفقه وهو موضوع ذو صلة بالعقيدة ، لأن تناسخ الرسالات السماوية ، وتناسخ الأحكام لا يمكن فهمه فهما سليما إلا مع إدراك كامل للعقيدة والشريعة ، وإيمان صادق بالباري عز وجل ، وقدرته وعلمه ، وحكمته ، وبدون هذا الإيمان وذلك الإدراك ، سيعرض للمرء ما عرض لليهود عندما فهمت أن النسخ بداء حيث قالت :- إن النسخ إن لم يكن لحكمة كان عبثا ، يتنزه الله عنه ، وإن كان لحكمة فإنه يقتضي ظهور مصلحة لم تكن ظاهرة له ، واستدلالهم هذا فاسد ، لأن كلا من حكمة الناسخ والمنسوخ معلوم لله تعالى من قبل ، فلم يتجدد علمه بها، وهو سبحانه ينقل العباد من حكم إلى حكم ، لمصلحة معلومة له من قبل بمقتضى حكمته ، وتصرفه المطلق في ملكه .
ثم إن في التدرج في التشريع حكمة اقتضتها رعاية الخالق لمصالح العباد ، فهو سبحانه يشرع لهم في كل زمان ومكان ما يضمن مصالحهم ، وقد يكون الأمر صالحا في هذا الزمان فيأمر به الشرع ، ثم تتغير الظروف والأحوال حسب ما سبق في علم الله الأزلي فتأتي الشريعة بما يناسب ذلك التغيير .
وأحكام الله أدوية نتداوى بها ، وما ينفع المريض اليوم قد لا ينفعه غدا ، وإذا علم الطبيب أن الدواء يصلح أياما وسوف يغيره ، فأين البداء ..؟
والموضوع من جهة أخرى له صلة بالتشريع ، فإن التعرف على أحكام الشريعة والعمل بها ، يقتضي معرفة محكمها ، ومنسوخها ، كما أنه لا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله تعالى إلا بعد أن يعرف الناسخ والمنسوخ ، دخل علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه- المسجد ، فإذا رجل يخوف الناس ، فقال : \\\\\\\" من هذا ..؟ قالوا :- رجل يذكر الناس ، فقال :- ليس برجل يذكر الناس ، ولكنه يقول :- أنا فلان بن فلان فاعرفوني ، فأرسل إليه فقال : أتعرف الناسخ من المنسوخ ..؟ فقال :- لا ، قال :- فاخرج من مسجدنا ولا تذكر فيه .\\\\\\\"
وقال يحيى بن أكثم :- \\\\\\\" ليس من العلوم كلها علم واجب على العلماء ، وعلى المتعلمين وعلى كافة المسلمين ، مثل علم ناسخ القرآن ومنسوخه ، لأن الأخذ بناسخه واجب فرضا ، والعمل به لازم ديانة ، والمنسوخ لا يعمل به ولا ينتهي إليه ، فالواجب على كل عالم علم ذلك ، لئلا يوجب على نفسه وعلى عباد الله أمرا لم يوجبه الله ، أو يضع عنهم فرضا أوجبه الله \\\\\\\" .
فمعرفة الناسخ والمنسوخ ركن عظيم في فهم الإسلام ، والاهتداء إلى معرفة الحلال والحرام ، وصحيح الأحكام ، فلا يختلط بعضها ببعضها الآخر ، لذلك كانت دراسة موضوع النسخ ، وضروبه ، وشرائطه ، من حيث التعرف على جانب مهم من أسرار الخلاف ، ومن حيث القدرة على تمييز المحكم من المنسوخ ، سواء في القرآن أم في السنة ، وما ينبني على ذلك من الفقه والأحكام.
ولأهمية الموضوع وجلال خطره ، اتجهت عناية السلف الصالح من علماء الأمة إلى دراسته ، وكتابة ما توصلوا إليه في مباحث مبثوثة في كتب التفسير ، والأحكام ، وعلوم القرآن ، وأصول الفقه ، كما دونوا مباحثه في كتب مفردة جمعت شتات هذا العلم ، وتتبعت مسائله في سور القرآن والحديث الشريف ..
وقد جعلت هذا البحث في مقدمة ، وأربعة أبحاث ، وخاتمة على النحو التالي :
المقدمة ..
المبحث الأول : بينت فيه تعريف النسخ لغة واصطلاحا ، ومفهوم النسخ عند المتقدمين والمتأخرين ، وبينت سبب اختلاف التعريف بينهما ، وبينت المناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي ( الشرعي) .
المبحث الثاني :بينت فيه محل النسخ ، وطرق معرفته .
المبحث الثالث : بينت فيه المثبتون للنسخ والمنكرون له وناقشت أقوالهم .
المبحث الرابع : تناولت فيه تاريخ النسخ ، وبينت مصنفاته .
وختمت البحث بخاتمة ، وفهارس للمصادر والمراجع وموضوعات البحث .
والله أسأل أن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم ، إنه نعم المولى ونعم النصير . .




المبحث الأول
أ - النسخ في اللغة :-
يذكر اللغويون لمادة كلمة النسخ عدة معان تدور بين النقل ، والإبطال ، والإزالة ،
قال في لسان العرب : \\\\\\\" نسخ الشيء ينسخه نسخا ، وانتسخه واستنسخه: كتبه عن معارضة ، ونقل عن التهذيب قوله :- النسخ : - اكتتابك كتابا عن كتاب حرفا بحرف، والكاتب : ناسخ ومنتسخ ، والاستنساخ : كتب كتاب من كتاب ، أي:- نستنسخ ما تكتب الحفظة ، فيثبت عند الله ، والنسخ :- إبطال الشيء وإقامة آخر مقامه ، ونسخ الآية بالآية : إزالة مثل حكمها ، والنسخ :- نقل الشيء من مكان إلى مكان \\\\\\\" .
وعلى هذا فالنسخ يطلق في اللغة على إطلاقين :-
الأول :- بمعنى الإزالة ، وهو على ضربين :-
1-إزالة الشيء دون أن يقوم غيره مقامه ، كقولهم : نسخت الريح الأثر ،ومن هذا قول الله تبارك وتعالى : -( فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته )( الحج: 52) أي : يزيله فلا يتلى ، ولا يثبت في المصحف بدله .
2-إبطال الشيء وزواله ، وإقامة آخر مقامه ، ومنه:نسخت الشمس الظل ، إذا أذهبته وحلت محله ، وهو معنى قول الله تعالى :-( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها.) ( البقرة: 106)
ويطلق النسخ في هذا المقام على التبديل ، ومنه قول الله عز وجل :- (وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل )( النحل: 101)..
واكتفى فخر الإسلام البزدوي \\\\\\\" بمعنى التبديل عن الإزالة ، لاتحادهما حقيقة ، لأن معنى التبديل في الحقيقة هو:إزالة الشيء ويخلفه غيره \\\\\\\" .
الثاني:- بمعنى النقل . وهو تحويل شيء من مكان إلى آخر ، أو من حال إلى أخرى مع بقائه في نفسه( ) . فمادة النسخ في اللغة تدور حول عدة معان هي :- النقل ، والإبطال ، والإزالة ، فيقال مثلا : نسخ زيد الكتاب : إذا نقله عن معارضة ، ونسخ النحل : إذا نقله من خلية إلى أخرى ، ويقولون : نسخ الشيب الشباب إذا أزاله وحل محله ، ونسخت الريح آثار القوم : إذا أبطلتها وعفت عليها . وأمام هذه المعاني المتعددة للمادة ، نراهم يختلفون في أيها هو المعنى الحقيقي ، وأيها مجاز له ، ثم يتجاوز هذا الخلاف إلى الأصوليين والمؤلفين في الناسخ والمنسوخ .
فهذا شيخ اللغويين (الخليل بن أحمد ت 170 للهجرة ) يقرر : أن الإزالة هو المعنى الغالب على هذا اللفظ ، لاسيما عند تطبيقه ، يقول الخليل: \\\\\\\" والنسخ والا نتساخ : اكتتابك في كتاب عن معارضة ، والنسخ:-إزالتك أمرا كان يعمل به ، ثم تنسخه بحادث غيره ، كالآية في أمر ، ثم يخفف فتنسخه بأخرى ، فالأولى منسوخة ، وتناسخ الورثة : موت ورثة بعد ورثة والميراث لم يقسم ، وتناسخ الأزمنة : القرن بعد القرن . \\\\\\\"
وليس بين اللغويين عموما خلاف كبير في دلالة مادة النسخ على المعاني التي ذكرناها ، اللهم إلا في تحديد أيهاهو المعنى الحقيقي ، وأيها مجاز له ..
وقد حكى ابن فارس هذا الخلاف بقوله :- ( قال قوم : قياسه رفع شيء وإثبات غيره مكانه ، وقال آخرون : قياسه تحويل شيء إلى شيء ) .
وهذا صاحب ( أساس البلاغة ) يقول : ( نسخت كتابي من كتاب فلان : نقلته ، ومن المجاز : نسخت الشمس الظل : والشيب الشباب .) .
فإذا نحن تركنا اللغويين إلى المؤلفين في الناسخ والمنسوخ ، وجدنا أن أباجعفر النحاس يقرر أن اشتقاق النسخ من شيئين : أحدهما يقال : نسخت الشمس الظل إذا أزالته وحلت محله ، ونظير هذا : ( فينسخ الله ما يلقي الشيطان )( الحج: 52) .
والآخر : من نسخت الكتاب إذا نقلته من نسخته ، وعلى هذا الناسخ والمنسوخ ) . ومنهم من يقتصر على معنى واحد للنسخ ، ومنهم من يذكر للنسخ خمسة معان ، فهم يفسرون النسخ لغة ليردوا المصطلح الشرعي إلى أصله ، ويذكرون جميع معاني النسخ دون أن يعنوا – عادة – ببيان حقيقيها ومجازيها ، أو يقتصرون من هذه المعاني على ما يرون أنه الأصل للمصطلح الأصولي كما فعل ابن سلامة .
أما الأصوليون – وهم يعنون كثيرا بدراسة الدلالات اللغوية - فيعنون غالبا ببيان المعنى المجازي ، والمعنى الحقيقي لهذه الدلالات ، فالسرخسي الحنفي : يرى أن دلالة مادة -نسخ- على المعاني التي ذكرناها إنما هي دلالة مجازية لاحقيقية ، يقول في ذلك : \\\\\\\" وكل ذلك - أي دلالة لفظ النسخ على النقل والإبطال والإزالة - مجاز لا حقيقة ، فإن حقيقة النقل أن تحول عين الشيء من موضع إلى آخر ، ونسخ الكتاب لا يكون بهذه الصفة ، إذ لا يتصور نقل عين المكتوب من موضع إلى آخر ، وإنما يعتبر إثبات مثله في المحل الآخر ، وكذلك الأحكام ، فإنه لا يتصور نقل الحكم الذي هو منسوخ إلى ناسخه ، وإنما المراد إثبات مثله منسوخا في المستقبل ، أو نقل المتعبد من الحكم الأول إلى الحكم الثاني )، وكما لا يوافق السرخسي على أن يكون لفظ النسخ دالا على النقل حقيقة ، لا يوافق أيضا على أن يكون دالا على الإزالة على سبيل الحقيقة ، محتجا بقوله تعالى : : ( إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ) ( الجاثية : 29)
فقد جاء لفظ النسخ هنا في مقام الإثبات ، لا الإزالة ) .
وأما أبو حامد الغزالي فقد قرر في المستصفى أن دلالة لفظ النسخ على النقل والإزالة إنما هي من قبيل الحقيقة لا المجاز ، موجها المسألة بأن مادة- النسخ- مشتركة بينهما ، يقول في ذلك : \\\\\\\" النسخ عبارة عن الرفع والإزالة في وضع اللسان ، يقال نسخت الشمس الظل ، ونسخت الريح الآثار : إذا أزالتها ، وقد يطلق لارادة نسخ الكتاب ، فهو مشترك ، ومقصودنا النسخ الذي هو بمعنى الرفع والإزالة \\\\\\\" .
ولعل الراجح قول من قال : إنه حقيقة في الإزالة ، مجاز في النقل ، لأنه من المناسب للاستعمال اللغوي أن يكون النسخ مجازا في النقل ، لأن ما في الكتاب لم ينقل على حقيقته ، ووصفه بأنه منسوخ لمشابهته للمنقول مجازا ، وإذا كان مجازا في النقل كان حقيقة في الإزالة ، لأنه غير مستعمل في سواهما ، فإذا بطل كونه حقيقة في أحدهما ، كان حقيقة في الآخر ، وإلا بطل أن يكون للاسم حقيقة في اللغة ، وسواء أكانت دلالة لفظ- النسخ- على المعاني التي ذكرناها من قبيل الحقيقة أم من قبيل المجاز ، فإن الذي يهمنا في هذه المسألة هو الوقوع ، وهذا أمر يكاد يتم الاتفاق عليه بين جميع الأصوليين والمفسرين .


ب - النسخ في الاصطلاح:-
حظي النسخ بعدد من التعريفات التي تتقارب حينا وتتباين حينا آخر ، وسنورد التعريف المختار مع شرحه ، فعرفه القاضي أبو بكر الباقلاني بأنه :- (رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر )
وهو اختيار ابن الحاجب ، والتاج السبكي ، والفتوحي
شرح التعريف :-
قوله : ( رفع ): أي: إزالة ، فهي جنس يشمل كل إزالة حسية كانت أم معنوية ، وسواء أكانت إزالة لحكم أم لغير حكم .
ورفع الحكم :- هو زوال تعلق الخطاب المستفاد تأبيده من إطلاق لفظ الخطاب .
وبتعبير آخر :- هو زوال ما يظن من بقاء الحكم في المستقبل .
والحكم :- قيد خرج به رفع غير الحكم ، وجعل الرفع للحكم : ليتناول ما يثبت بالأمر، وما يثبت بالنهي .
وقيد الحكم بالشرعي :- لإخراج المباح بحكم الأصل ، وهو البراءة الأصلية ، فإن رفع البراءة الأصلية بدليل شرعي ليس بنسخ .
قال الله تعالى :- ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )( البقرة : 183) فهذا الدليل الشرعي قد أوجب صوم رمضان ، ورفع إباحة عدم الصوم فيه التي هي البراءة الأصلية ، فهو لم يرفع حكما شرعيا ، بل رفع مباحا أصليا ، ومثل ذلك لا يعتبر نسخا .
وقوله : بدليل شرعي : قيد ثان لإخراج رفع الحكم الشرعي بالموت ، والنوم ، والغفلة ، والجنون ، والنسيان ، فإن ذلك ليس بنسخ ، لأن هذه الأعراض ليست أدلة شرعية ، بل هي أعراض قائمة بالشخص قد تزول مثل : النوم ،والنسيان ،وقد تطول مثل : الجنون ، والعته .
وفي التعبير ( بدليل شرعي) :- وهو غير الحكم الشرعي - شمول للنسخ ببدل وبغير بدل ، ذلك لأن النسخ يقع بكليهما .
والدليل الشرعي :- شامل لكلام الله تعالى ، ولما صدر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أو تقرير . وقوله ( متأخر) :- قيد خرج به التخصيص والاستثناء .
ج - مفهوم النسخ عند المتقدمين :-
إن التعريف الذي ذكرناه للنسخ إنما هو في اصطلاح المتأخرين ، أما النسخ عند المتقدمين من الصحابة والتابعين وتابعيهم-رضي الله عنهم أجمعين- فقد كان معناه أعم من المعنى الاصطلاحي ، الذي انتهى إليه مفهومه عندما استقرت اصطلاحات العلوم والفنون ، فكان معنى- النسخ-لا يتجاوز المعنى اللغوي وهو مطلق الإزالة ، أي: إزالة شيء بشيء آخر ، وبناء على هذا ، فإذا وردت آية تحمل حكما عاما ثم وردت بعدها آية تخصص الحكم الأول ، فإنهم يطلقون على هذا التخصيص اسم: النسخ، لأن الآية الثانية أزالت عموم الآية الأولى ،وهكذا شأن التقييد مع الإطلاق ، والتفصيل مع الإجمال .
ويحدثنا تاريخ علوم القرآن أن الإمام الشافعي ( ت 204هـ)- رضي الله عنه - كان أول من حرر الفرق بين النسخ وبين أساليب البيان الأخرى ، وقد كان عمل الأصوليين وغيرهم ممن أدلوا بدلائهم في هذا الخضم ، هو تحر ير مفهوم - النسخ- من كل ما يشاكله من الصور الأخرى ، حتى استقام ذلك المفهوم على سنن الدقة المنطقية ، التي لا تدخل في مفهوم المعرف ما ليس منه ، ولا تخرج عنه ما هو منه ، وهو ما يعرف بالتعريف الجامع المانع .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية ( ت 728هـ) :- \\\\\\\" إن لفظ النسخ مجمل ،فالسلف كانوا يستعملونه فيما يظن دلالة الآية عليه من عموم، أو إطلاق ، أو غير ذلك ، كما قال من قال :- إن قوله تبارك وتعالى :- ( اتقوا الله حق تقاته )( آل عمران: 102)
وقوله :-(وجاهدوا في الله حق جهاده )( الحج: 78) منسوخ بقوله تعالى :-
( فاتقوا الله ما استطعتم ) التغابن: 16) ، وليس بين الآيتين تناقض \\\\\\\" .
وقال الإمام الشاطبي ( ت 790هـ) في المسألة الثالثة من مسائل النسخ : \\\\\\\" الذي يظهر من كلام المتقدمين أن النسخ عندهم في الإطلاق أعم منه في كلام الأصوليين ، فقد يطلقون على تقييد المطلق نسخا ،وعلى تخصيص العموم ، بدليل متصل أو منفصل نسخا ، وعلى بيان المبهم المجمل نسخا ، كما يطلقون على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر نسخا ، لأن جميع ذلك مشترك في معنى واحد ، وهو: أن النسخ في الاصطلاح المتأخر اقتضى أن الأمر المتقدم غير مراد في التكليف ، وإنما المراد ما جاء به آخرا ، فالأول غير معمول به ، والثاني هو المعمول به ، وهذا المعنى جار في تقييد المطلق ، فان المطلق متروك الظاهر مع مقيده ، فلا إعمال له في إطلاقه ، بل المعمول به هو المقيد ، فصار مثل الناسخ والمنسوخ، وكذلك العام مع الخاص ، إذا كان ظاهر العام يقتضي شمول الحكم بجميع ما يتناوله اللفظ ، فلما جاء الخاص أخرج حكم ظاهر العام عن الاعتبار ، فأشبه الناسخ والمنسوخ ، إلا أن اللفظ العام لم يهمل مدلوله جملة ، وانما أهمل منه ما دل عليه الخاص ، وبقي السائر على الحكم الأول . والمبين مع المبهم كالمقيد مع المطلق ، فلما كان كذلك ، استسهل إطلاق لفظ النسخ على جملة هذه المعاني ، لرجوعها إلى شيء واحد \\\\\\\" .
د - سبب اختلاف التعريف بين المتقدمين والمتأخرين :-
الذي جعل النسخ عند المتأخرين قاصرا على إبطال الحكم الأول ، ما وضعه المتأخرون من شروط في النسخ ، وكان ذلك بسبب اختلاف نظرتهم إلى الناسخ ، هل هو مبين لأمر الحكم السابق ، أو مزيل له ..؟ للفرق بينه وبين تخصيص العام ، وتقييد المطلق ، حتى يتميز عنهما فمن رأى من المتأخرين أن النسخ إزالة وإبطال للحكم السابق ، عرفه بالتعريف السابق ، ووضع الشروط المميزة له عن غيره ، ومن رأى من المتقدمين أن النسخ بيان للمنسوخ ، عرفوا النسخ بأنه بيان لما يريده الشارع من المنسوخ ، ولذا لم يضعوا للنسخ شروطا كما وضع المتأخرون له ، وهذا هو سر توسع المتقدمين في ادعاء نسخ كثير من الأحكام .
هـ - المناسبة بين المعنى اللغوي والشرعي :-
هناك ارتباط قوي بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي للنسخ ، فقد استعمل النسخ في اللغة وأريد منه الإبطال والإعدام إلى غير بدل ، واستعمل في موطن آخر وأريد منه الإزالة إلى بدل ، ونجد أن المعنيين قد استعملا في الشرع، فقد قال تعالى :-(ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) ( البقرة: 106) ،وقد فسر النسخ هنا بمعنى الإبطال إلى بدل ، بدليل قوله تعالى في الآية نفسها (نأت بخير منها ) ، فكلمة(نأت) واقعة موقع جواب الشرط ، فهذه الصلة بين فعل الشرط وجوابه ، توحي بأن المراد بالنسخ هنا الإزالة إلى بدل .
ويقول جل شأنه :-(فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته )( الحج : 52)
فالنسخ هنا يفيد الإبطال إلى غير بدل ، بل يمكننا أن نقول إن كلمة النسخ الواردة في أربعة مواطن في سور مختلفة من القرآن الكريم ، كلها توافق استعمالها في اللغة العربية ..
فالنسخ في الشرع ( الاصطلاح ) يشمل المعنيين : النسخ إلى بدل ، والنسخ إلى غير بدل ، والذي يصدق على المعنيين هو : الإزالة ، ولهذا عبر الأصوليون بأن النسخ عبارة عن : رفع حكم شرعي بمثله ، فبينهما عموم وخصوص ، يجتمعان في رفع الحكم الشرعي ، وينفرد اللغوي في رفع الحكم غير الشرعي .
المبحث الثاني
أ - محل النسخ:-
محل النسخ : حكم شرعي لم يلحقه تأبيد ولا توقيت ، وليس بحكم عقلي ، ولا حسي ، ولا عقدي ، ولا خبر ، فالأحكام التي لا تقبل النسخ هي :-
1-الأحكام المؤبدة : كقوله تعالى:-( فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا) ( النور: 4)
2- الأحكام المؤقتة : كقوله تعالى :-( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) ( البقرة: 187) فالصيام مؤقت بنهار رمضان ، وينتهي بدخول الليل ، ورفع وجوب الصيام بدخول الليل لا يعد نسخا ، ومنه المغيا لأنه ينتهي بانتهاء وقته دون حاجة إلى نسخه .
3- الأحكام العقلية :-وهي الأحكام التي يدركها العقل بنور البصيرة ، والشرع يأتي تأييدا لها ، كالإيمان بوحدانية الإله ،وحسن الصدق، والوفاء بالعهد،وقبح الكفر والكذب،والإخلاف بالوعد.
يقول ابن قيم الجوزية : \\\\\\\" اعلم أنه إن لم يكن حسن التوحيد وقبح الشرك معلوما بالعقل ، مستقرا بالفطر ، فلا وثوق بشيء من قضايا العقل فإن هذه القضية من أجل القضايا البدهيات ، وأوضح ما ركب الله في العقل والفطر \\\\\\\" .
وبعد اتفاق القائلين بالنسخ على عدم وقوعه في الأحكام العقلية ، اختلفوا في جوازه إلى فريقين :-
الفريق الأول :- الأحناف والمعتزلة : فقد ذهبوا إلى أن النسخ لا يلحق الحكم الثابت بطريق العقل ، كوجوب الإيمان ، وحرمة الكفر ،لأنه لا يحتمل الرفع والعدم بحال من الأحوال ، وذلك لقيام دليله الدائم وهو العقل ، فلا يحتمل النسخ
أما الفريق الثاني :- وهم الأشاعرة ، ومنهم الشافعية ، فقد ذهبوا إلى جواز نسخ هذه الأحكام عقلا ، وسبب النزاع هو :- إثبات التحسين والتقبيح العقليين ، فمن قال إن للعقل صفة حسن وقبح ذاتية ، نفى جواز نسخ الأحكام العقلية ، ومن قال بعدم ثبوت صفة الحسن والقبح الذاتية للعقل إلا بما أثبته الشارع ، وبما نفاه عنه ، أثبت جواز النسخ عقلا للأحكام العقلية .
4-الأمور الحسية التي تدرك بالحواس الخمس لا يعتريها النسخ ، وذلك لأنها من الأمور المشاهدة التي تراها العيون ، ولا تختلف تلك الرؤية بالنسبة لعالم وعالم آخر ، وبالنسبة لزمن وزمن آخر .
ومثال الأمور الحسية : كون النار محرقة ، والعالم حادث ، والسماء فوق الأرض ، فهذه الأمور لا تتبدل ولا تتغير ، إلا أن يشاء الله تعالى ، كالمعجزة التي حصلت لإبراهيم - عليه السلام- حينما رماه الكافرون في النار ، فجعلها الله بردا وسلاما ، والمعجزة خارقة للعادة لا يقاس عليها .
5-العقائد والأصول الشرعية :- كالإيمان بالله تعالى ، واختصاصه بالعبادة .
6- الأخبار : - لأن أخبار الله لا تتخلف ، فالأخبار التي لا تحتمل الإنشاء ، أي: أنها خبرية لفظا ومعنى ، لا يدخلها النسخ . أما الأخبار المتعلقة بالوعيد ، فجمهور أهل السنة على أنه يجوز فيها النسخ ، لجواز أن يغفر الله تعالى لمن توعده ، فلا يعذبه بفضله ورحمته ، فالوعيد متعلق بالمشيئة الإلهية.
فمحل النسخ إذن : الأحكام الشرعية المتعلقة بالأمر والنهي ، والحظر والإباحة ، والإطلاق والمنع ، وهي الأحكام التي تتغير بتغير المصلحة في الزمان غير المستقر ، منذ بدء الرسالات ، واستمرار نزول التشريع بما يلائم أحوال المجتمع وظروفه ، حتى وفاة الرسول-صلى الله عليه وسلم- حيث استقرت الشريعة ، فلا نسخ بعد ذلك .
ب - طرق معرفة الناسخ والمنسوخ :-
يقتضي النسخ أن يكون هناك دليلان متعارضان تعارضا حقيقيا ، لا سبيل إلى تلافيه بإمكان الجمع بينهما على أي وجه من الوجوه ، وحينئذ لا بد أن يكون أحد الدليلين ناسخا للآخر ، ولا بد من توفر دليل صحيح يبين أن أحد الدليلين متأخر عن الآخر ، لنحكم بأن المتقدم هو المنسوخ ، والمتأخر هو الناسخ ، ومعرفة ذلك يكون بإحدى الطرق التالية :-
1- أن يكون في أحد النصين ما يدل على تعيين المتأخر منهما ، مثال ذلك :- قوله تعالى :- ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) ( المجادلة: 12) ، ثم نزل بعده قوله تعالى :- ( أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات .)( المجادلة : 13) فأفادت كل من الآيتين حكما شرعيا ..
فالآية الأولى : تضمنت الأمر بتقديم الصدقة عند مناجاة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
والثانية : - تضمنت العدول عن هذا الحكم ، وإباحة المناجاة دون تقديم الصدقة ، ومن هنا يتبين أن الحكمين متعارضان ، ولكن لما كانت الآية الثانية متأخرة في النزول عن الآية الأولى عدت ناسخة لها.
2- أن يرد من طريق صحيحة عن أحد الصحابة ما يفيد تعيين أحد النصين المتعارضين ، كأن يقول: هذه الآية نزلت بعد تلك الآية ، أو قبلها ، أو نزلت هذه الآية عام كذا.
3- أن ينعقد الإجماع في عصر من العصور على تعيين المتقدم من النصين ، والمتأخر منهما
4- أن ينص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك ، فيقول : - هذا ناسخ وذلك منسوخ . قال ابن الحصار : \\\\\\\" إنما يرجع في النسخ إلى نقل صريح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو عن صحابي يقول : آية كذا نسخت آية كذا ، وقد يحكم بالنسخ عند وجود التعارض المقطوع به مع علم التاريخ ، ليعرف المتقدم من المتأخر ، ولا يعتمد في النسخ على قول عوام المفسرين ، ولا على اجتهاد المجتهدين ، من غير نقل صحيح ،ولا معارضة بينة لأن النسخ يتضمن رفع الحكم ، وإثبات حكم آخر تقرر في عهده - صلى الله عليه وسلم - ، والمعتمد فيه النقل والتاريخ ، دون الرأي والاجتهاد .\\\\\\\"


المبحث الثالث

أ - المثبتون للنسخ :-
يكاد ينعقد إجماع المسلمين على أن النسخ جائز عقلا ، وواقع شرعا ، أما دليل جوازه عقلا :- فإنه لا يترتب على القول به محال ، وأما دليل وقوعه شرعا:- فالشواهد والآيات الدالة على ذلك كثيرة ، وإخراجها عن سياقها تمحل لا معنى له ، بغية الوصول إلى نتيجة غير مقررة لا عقلا ، ولا شرعا .
قال الآمدي :-\\\\\\\" وقد اتفق أهل الشرائع على جواز النسخ عقلا ، وعلى وقوعه شرعا، ولم يخالف في ذلك من المسلمين سوى - أبي مسلم الأصفهاني- ، فإنه منع ذلك شرعا ، وجوزه عقلا \\\\\\\" .
وقال الشوكاني : \\\\\\\" النسخ جائز عقلا وواقع سمعا ، بلا خلاف في ذلك بين المسلمين ، إلا ما يروى عن - أبي مسلم الأصفهاني - فإنه قال :- إنه جائز غير واقع ، وإذا صح هذا عنه ، فهو دليل على أنه جاهل بهذه الشريعة جهلا فظيعا ، وأعجب من جهله بها، حكاية من حكى عنه الخلاف في كتب الشريعة ، فإنه إنما يعتد بخلاف المجتهدين لا بخلاف من بلغ به الجهل إلى هذه الغاية .وأما الجواز:فلم يحك خلاف فيه إلا عن اليهود ، وليس بنا إلى نصب الخلاف بيننا وبينهم حاجة ، ولا هذه بأول مسألة خالفوا فيها أحكام الإسلام حتى يذكر خلافهم في هذه المسألة ، ولكن هذا من غرائب أهل الأصول ، وقد رأينا في التوراة في غير موضع أن الله سبحانه رفع عنهم أحكاما لما تضرعوا إليه ، وليس النسخ إلا هذا ،
ثم يقول : والحاصل أن النسخ جائز عقلا وواقع شرعا من غير فرق بين كونه في الكتاب أو في السنة \\\\\\\" . فجمهور المسلمين مجمعون على وقوع النسخ في القرآن الكريم ، وأن بعض آيات الأحكام نسخت بعضها الآخر ،بناء على أنه لا مانع من نسخ حكم آية مع بقائها في القرآن الكريم يتعبد المسلم بتلاوتها ، ويتذك ر نعمة الله عليه بالانتقال من حكم كان موافقا للمصلحة في زمن سابق، إلى حكم آخر أوفق بالمصلحة المتغيرة في زمن لاحق ، ولم يزل علماء الأمة منذ عهد الصحابة -رضوان الله عليهم - إلى عصرنا الحاضر ، يذهبون إلى أن نسخ بعض الأحكام في آيات القرآن ثابت في الشريعة ، وواقع في القرآن الكريم ، والسنة المطهرة ، ولم يخالف في ذلك إلا نفر من علمائنا القدامى والمحدثين ، ونفر من طلاب الشهرة إذ جعل بعضهم من النسخ ذريعة لهدم الشريعة ، وإن لم يصرحوا بمثل ما صرح به - الأستاذ أحمد أمين - حيث قال : \\\\\\\" إذا كانت الأحكام قد تبدلت في أقل من ربع قرن ، فإن حكمة التبديل أظهر بعد مرور أربعة عشر قرنا ..؟ \\\\\\\" .
ب - المنكرون للنسخ:-
1- موقف اليهود من النسخ :
درج الكاتبون في علوم القرآن ، والناسخ والمنسوخ ،على القول بأن اليهود-بجميع فرقهم- يرفضون القول بالنسخ ، بناء على ربطهم بينه وبين البداء، ولكن الحقيقة التي أود تبيانها هي :- أن اليهود مجمعون على أن شريعة موسى- عليه السلام- لم تنسخ بشريعة محمد- صلى الله عليه وسلم - ، ولكنهم بعد هذا الاتفاق يفترقون إلى ثلاث فرق ، لكل منها رأي معين في النسخ .
فأما الفرقة الأولى :- فهي :- الشمعونية:- وهذه الفرقة تقرر أن النسخ لا يجوز عقلا ولم يرد في السمع وقوعه ، وتنسب هذه الفرقة إلى زعيمها - شمعون بن يعقوب-
وأما الفرقة الثانية :- فهي التي تعرف باسم : العنا نية ، نسبة إلى زعيمها - عنان بن يعقوب - ، وهذه الفرقة تقرر أنه يجوز أن يقع النسخ عقلا ، ولكنه لم يقع بالفعل ، وعلى هذا فالقول بجواز الوقوع لم يتعد دائرة الإمكان العقلي إلى التحقق بالفعل ، فكأن هذا القول إنكار للنسخ بطريق خفي .
والفرقة الثالثة وهي -العيسوية-: نسبة إلى رئيسها أبي عيسى اسحق بن يعقوب الأصفهاني ، تقرر أن النسخ جائز في حكم العقل ، وأنه قد وقع فعلا ، ولكنها تذهب إلى إنكار القول بأن شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم- قد نسخت شريعة موسى- عليه السلام - . ولست بحاجة إلى تفنيد شبها تهم ، فقد فعل ذلك كل من تطرق لهذا الموضوع من الكاتبين في علوم القرآن الكريم .. ولكني أريد القول : إن إنكار النسخ لم يكن غاية لدى اليهود بجميع فرقهم ، وإنما كان مبعثه إنكار رسالة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فقد رفضوا النسخ كحقيقة تقرر بطلان دينهم ، وإحلال الدين الخالد مكانه ، مع وجود كثير من الوقائع التي تثبت النسخ في كتابهم المقدس : التوراة ، منها :-
الواقعة الأولى :- جاء في سفر التكوين -الإصحاح الرابع- الفقرة الأولى:-أن آدم -عليه السلام- قد تزوج بحواء مع أنها جزء منه ، وقد حرمت الشرائع التالية أن يستمتع الإنسان بجزئه ، فدل هذا على وقوع النسخ بين الشرائع، ولا يمكن أن يقال: إن النسخ حاصل إلا في شريعة موسى فإنها ناسخة وليست منسوخة ،لأن ذلك محض التحكم الذي لا دليل عليه .
الواقعة الثانية :- جاء أيضا في سفر التكوين : أن آدم -عليه السلام - قد زوج أبناءه من بناته ، وقد أجمعت الشرائع بعد ذلك على تحريم هذا الزواج ، فدل الأمر على وقوع النسخ بين الشرائع .
الواقعة الثالثة :- زعم اليهود أن الله عز وجل أمر إبراهيم -عليه السلام- أن يذبح ولده اسحق ، فاستجاب نبي الله -عليه السلام- لهذا الأمر ، وأقدم على تنفيذه لولا أن الله سبحانه نسخ هذا الأمر ، وغير المذبوح من الغلام المستسلم لتنفيذ أمر الله ، إلى الذبح العظيم . ولا يملك هؤلاء أمام هذه الواقعة وغيرها إلا التسليم والاعتراف بوقوع النسخ . هذه بعض وقائع النسخ التي وردت في التوراة، والتي تثبت بحق أن النسخ ليس جائزا عقليا فقط ، وإنما قد وقع وتحقق . بقي أن نناقشهم في زعمهم أن شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم - لم تنسخ شريعة موسى -عليه السلام- ، وحجتهم في ذلك :- ما جاء في التوراة مما ينسبونه لموسى -عليه السلام - من أنه قال :- \\\\\\\" إن شريعتي مؤبدة ما دامت السموات والأرض \\\\\\\" ، فظاهر هذه العبارة يدل على أنه لا ناسخ لشريعة موسى -عليه السلام- ، وهذه الحجة التي اعتمدوا عليها غير صحيحة ، لأنها ليست صحيحة النسبة إلى موسى-عليه السلام- ، وإنما دل البحث على أنها من وضع -ابن الراوندي - كيدا للإسلام ، ولينبه اليهود على التمسك بأن شريعتهم لم تنسخ بشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم- ، وعلى تقدير صحة هذا الخبر ، فإن واقع الأمر يقتضينا أن نقرر أن هناك أخبارا كثيرة وردت في التوراة ، ظاهرها التأبيد ، وحقيقتها التوقيت المؤكد .. من ذلك قول التوراة :- (إذا خربت صور لا تعمر أبدا ) والواقع أنها عمرت بعد خرابها بخمسين عاما ، وقولها:- (إذا خدم العبد سبع سنين أعتق ، فإن لم يقبل العتق استخدم أبدا ) ثم أمر بعتقه بعد مدة معينة . وهناك نصوص نسخت باعتراف اليهود أنفسهم ، فقد جاء في البقرة التي أمروا بذبحها ( هذه سنة لكم أبدا ) ثم نسخ هذا الحكم بعد تأبيده ، كذلك جاء في القربان ( قربوا كل يوم خروفين قربانا دائما ) وقد نسخ هذا الحكم من التأبيد إلى التوقيت . وإلى هنا نكون قد بينا موقف اليهود من النسخ ، وتبينت لنا الدوافع وراء هذا الرفض .
2 - موقف النصارى من النسخ :-
يلتقي جمهور النصارى -من حيث الغاية من إنكار النسخ- مع اليهود ، ذلك لأنه يؤرق هؤلاء وأولئك أن تجيء رسالة تنسخ ما جاءت به كل من اليهودية والنصرانية، لذلك رأينا كثيرا من النصارى ينكرون النسخ حتى يسلم لهم قصدهم وهو أن رسالة عيسى- عليه السلام- ليست منسوخة برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - . وسأذكر بعض النصوص التي وردت في سفر الأعمال -الإصحاح الخامس عشر-لنستخلص ما يمكن أن ترشد إليه ، وقد جاء فيه :- (فقد أرسلنا يهوذا وسيلا وهما يخبرانكم بنفس الأمور شفاها ، لأنه قد رأى الروح القدس ، ونحن لا نضع عليكم ثقلا أكبر ،غير هذه الأشياء الواجبة : أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام ، وعن الدم ، والمخنوق ، والزنى ، التي إن حفظتم أنفسكم منها فنعما تفعلون ، كونوا معافين ) ، فظاهر هذا النص يفيد بما لا يدع مجالا للشك أنه لا يحرم على النصارى إلا هذه الأشياء الأربعة، ولا شك أيضا أن ورود الأمر بتحريمها يدل على أنها لم تكن محرمة في التوراة ، وعلى هذا فكيف نفسر هذا التحريم الطارئ إن لم يكن نسخا ..؟
وهناك نصوص أخرى مقطوعة النسب إلى المسيح – عليه السلام- في (إنجيل متى – الإصحاح التاسع عشر) تفيد تحريم الطلاق بعد أن كان مباحا في شريعة موسى- عليه السلام – وبهذا يتبين لنا أن النصوص - سواء أكانت على لسان التلاميذ ، أم على لسان المسيح نفسه – قد تظافرت على وقوع النسخ ، ومن ثم لا مبرر لما يذهب إليه النصارى اليوم من القول بأن النسخ غير جائز عقلا ، ولم يقع ..!
3 - منكرو النسخ من المسلمين :-
لبعض المسلمين مواقف من النسخ ، وآراء شذت عن موقف جمهور علماء المسلمين ، ومن هؤلاء :-
أولا :-أبو مسلم الأصفهاني (محمد بن بحر ت322 للهجرة) :-
لهذا المفسر رأي خاص في قضايا النسخ ، فلم يجزه كما أجازه جمهور المسلمين ، ولم ينكره كما أنكره اليهود والنصارى ، وإنما أجاز نسخ الشرائع ، أي: أن الشريعة اللاحقة تنسخ الشريعة السابقة ، ومن ثم فإن شريعة الإسلام في نظره ناسخة للشرائع قبلها ، ولكنه أنكر النسخ في شريعة الإسلام ، بمعنى أن الأحكام فيها لم ينسخ بعضها البعض الآخر ...!
وقد اعتمد على بعض الآيات التي زعم بأنها تعضد موقفه ،كما كان له رأي خاص في توجيه الآيات التي اعتمد عليها القائلون بجواز النسخ ، لذا سيكون حديثي معه من خلال وقفتين اثنتين :
الوقفة الأولى :- مع الآيات التي رأى أنها تعضد موقفه .
الوقفة الثانية:- مناقشة موقفه من الآيات التي اعتمد عليها القائلون بجواز النسخ.
فأما الوقفة الأولى :- فمع ما اعتمد عليه في موقفه من الآيات التي زعم أنها تؤيده فيما ذهب إليه ، وهي قوله تعالى :(لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) ( فصلت: 42) . فقد فهم من هذه الآية أنها تقرر أن أحكام القرآن الكريم لا تبطل أبدا ، ولما كان النسخ إبطالا - في نظره - فقد صح أنه لا يرد على الأحكام التي تجيء بها آيات القرآن الكريم .وقد عضد هذه الآية بآيات أخرى مثل قوله تعالى:- ( وبالحق أنزلناه وبالحق نزل)( الاسراء : 105) ، وقوله تعالى :- ( انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون )( الحجر:9) . هذه هي الآيات التي اعتقد (أبو مسلم) أنها تعضد موقفه ، ومما لاشك أن دلالة هذه الآيات على معانيها المتبادرة من ظواهرها أمر لا نقاش فيه ، ولكن الذي نناقشه فيه هو :- فهمه أن هذه الآيات لا تجيز النسخ .
فالآية الأولى : لا تفيد هذا المعنى إطلاقا ، لأن غاية ما يمكن أن يفهم منها: أن كتاب الله لا يتطرق إليه الباطل ، لأنه منزل من لدن حكيم حميد ، وليس معنى عدم إتيان الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، أن بعض آياته غير قابلة للنسخ ، وإلا كان باطلا، ولم يقل أحد من العلماء بذلك ، وإنما هو إزالة حكم علم الله أنه أصبح غير قابل للتطبيق ، وإحلال حكم آخر مكانه ، فهل هذا التصرف يسمى باطلا أم هو عين الحكمة والصواب ..؟ أعتقد أن المعنى الثاني هو الصحيح ، وعلى هذا فلا سند –لأبي مسلم- في أن هذه الآية تمنع النسخ ، وإنما هو فهم خاص لا يقتضيه السياق .
وأما الوقفة الثانية :- فمع الآيات التي تفيد جواز النسخ ، وبيان موقف أبي مسلم منها، وحتى لا أطيل ، سأذكر آية البقرة فقط مع تفسيره لها ، وهذا كاف لإدراك رأيه في الآيتين الأخريين ، وهما آية ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت )( الرعد: 39) وآية (وإذا بدلنا آية مكان آية ...الآية) ( النحل : 101) .
آية البقرة وموقفه من دلالتها على جواز النسخ :- قال الله تعالى :- ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ) ( البقرة : 106) .. وقد نقل عن أبي مسلم أنه قال في تفسير هذه الآية :- \\\\\\\" تأويل هذه الآية أنه لم يقع في القرآن \\\\\\\"
وأجاب عنه بوجوه :-
الأول :- إن المراد من الآيات المنسوخة: هي الشرائع التي في الكتب القديمة من التوراة والإنجيل ، كالسبت ، والصلاة إلى المشرق والمغرب معا ، مما وضعه الله تعالى عنا وتعبدنا بغيره ، فإن اليهود والنصارى كانوا يقولون : (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ) ( آل عمران : 73) فأبطل الله عليهم ذلك بهذه الآية .
الثاني :- المراد من النسخ نقله من اللوح المحفوظ ، وتحويله عنه إلى سائر الكتب ، وهو كما يقال : نسخت الكتاب .
الثالث :- إنا بينا أن هذه الآية لا تدل على وقوع النسخ ، بل على أنه لو وقع النسخ لوقع إلى خير منه . وسنناقشه في هذه الوجوه الثلاثة :-
فأما الوجه الأول : فنعتقد أن سباق الآية لا يقتضيه ولا سياقها ،ودلالتها على جواز النسخ لا يحتاج إلى مزيد بيان ، وعلى هذا فتخصيصها بهذا الفهم تخصيص لم يقع موقعه الصحيح ، وهناك كثير من الأحاديث الصحيحة التي تعددت طرقها تفسر هذه الآية بما يدل على أنها تجيز النسخ ..
من ذلك :- ما أخرجه البخاري في صحيحه عن عمر - رضي الله عنه - : ( أقرؤنا أبي ، وأقضانا علي ، وإنا لندع من قول أبي ، وذلك أن أبيا يقول : لا أدع شيئا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وقد قال الله تعالى -ما ننسخ من آية أو ننسها- ) . ووجه الدلالة بهذا الحديث : أن عمر -رضي الله عنه - قرر أنه يدع بعض قول أبي - وعلل لهذا بأن أبيا لا يدع شيئا مما سمعه من الرسول – صلى الله عليه وسلم - ، مع أن بعض ما سمعه منه قد نسخ ، أو أنسيه المسلمون ، فلم يعد قرآنا يتلى -، وقد سمع الرسول - صلى الله عليه وسلم -يقرأ هذه الآية بهذه القراءة ، ومعنى ذلك : أنها على إطلاقها في إقرار النسخ ، ولو كان يراد بها الخصوص الذي فهمه -أبو مسلم- لكان على الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يبينه .
أما الوجه الثاني :- فإن أبا مسلم قد اصطحب المعنى اللغوي لمعنى النسخ، على الرغم من أن المعنى الاصطلاحي كان قد استقر بعد أن وضع أساسه الأول : الإمام الشافعي - رضي الله عنه - ، واختلاط المعنى اللغوي بالمعنى الاصطلاحي لا يبرر خطأه في هذا الفهم .
وأما الوجه الثالث:-فهو يدل أيضا على الفهم الخاص ، وقد يفهم منه ما يفيد تهافته ، لأنه يريد أن يعلق وقوع النسخ على ما هو خير من المنسوخ ، وهذه هي طبيعة النسخ ، فإن الحكم الذي يعلم الله أزلا أنه لا يطلق في مرحلة معينة ، قد تقتضي الحكمة الإلهية تغييره وتبديله بحكم هو خير للبشر من الحكم الأول فهذه الوجوه التي استند إليها - أبو مسلم- لا تنهض أن تكون حجة قوية على منع جواز النسخ ، بقي علينا أن نأتي بآية وقع فيها نسخ ، ثم نرى رأيه فيها .
1-قال الله تعالى :- ( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا . واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما ) ( النساء : 15، 16) .
2-وقال الله سبحانه :- ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) ( النور : 2) .
قال الجمهور :- إن الحكم في الآية الأولى كان هو الحبس في البيوت إلى أحد الأمرين :- الموت ، أو السبيل الآخر ، ثم نسخ ذلك بالحد المذكور بآية النور . وكذلك الحكم في الآية الثانية ( الآية -16- من سورة النساء) كان هو الإيذاء ، ثم نسخ بالحد في آية النور المذكورة ، فالآيتان في سورة النساء نسخ حكمها آية سورة النور
أما القائلون بعدم النسخ ، وأن الجمع والتوفيق ممكن بين معنى الآيات ، فيقولون :- تذكر الآيات نوعا من التأدب لمن يرتكب الفاحشة من الرجال والنساء ، فالآية الأولى:- تتحدث عن فاحشة ( السحاق ) الخاصة بين النساء .. والآية الثانية:- تتحدث عن فاحشة(اللواط) الخاصة بين الرجال ، أما-آية النور-:فتتحدث عن فاحشة الزنا بين الرجل والمرأة ، وذكرت حكمها وهو: الجلد مائة جلدة ، فالآيات الثلاث كل واحدة منها تتحدث عن حكم فاحشة غير التي في الأخرى ، فاختلفت الموضوعات والأحكام ، فلا تعارض ولا نسخ
قال الإمام الفخر الرازي :- \\\\\\\" القول الثاني :- وهو اختيار - أبي مسلم الأصفهاني -أن المراد بقوله :- (واللاتي يأتين الفاحشة ) ( النساء : 15): السحاقات ، وحدّهن : الحبس في البيوت إلى الموت ، أو الطلاق ، وبقوله ( واللذان يأتيانها منكم )( النساء : 16): أهل اللواط ، وحدّهم : الأذى بالقول والفعل .
والمراد بالآية المذكورة في سورة النور : الزنا بين الرجل والمرأة ، وحدّه في البكر: الجلد ، وفي المحصن : الرجم ، بدليل السنة العملية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . واحتج أبو مسلم على هذا الرأي بوجوه :-
الأول :- إن قوله (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم )( النساء : 15) مخصوص بالنساء، وقوله (واللذان يأتيانها منكم ) مخصوص بالرجال ، لأن قوله : (واللاتي):جمع الإناث ، و( اللذان) : تثنية الذكور .
الثاني :- إنه على هذا التقدير لا يحتاج الأمر إلى التزام النسخ في شيء من الآيات فكان أولى الثالث :- إنه على الوجه الذي ذكرتم ، يكون قوله (واللاتي يأتين الفاحشة ) في الزنا ، وقوله ( واللذان يأتيانها منكم ) في الزنا أيضا ، فيفضي إلى التكرار للشيء الواحد في الموضع الواحد مرتين ، وإنه قبيح ، وعلى الوجه الذي ذكرنا لا يفضي إلى ذلك فكان أولى .
الرابع :-إن القائلين بأن هاتين الآيتين منسوختان ونزلتا في الزنا ، فسروا قوله ( أو يجعل الله لهن سبيلا ) ( النساء: 16) بالرجم أو الجلد والتغريب ، وهذا لا يصح ، لأن هذه الأشياء تكون عليهن لا لهن ، قال تعالى :- ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) ( البقرة : 286). وأما نحن فنفسر ذلك بأن الله يسهل لها قضاء الشهوة بطريق النكاح
وقال أبو مسلم :\\\\\\\" ومما يدل على صحة ما ذكرنا ، قوله - صلى الله عليه وسلم - ( إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان ، وإذا أتت المرأة فهما زانيان ) \\\\\\\" .
ثم قال الرازي :- واحتجوا على إبطال قول أبي مسلم بوجوه :
( الأول :- إن قوله هذا لم يقله أحد من المفسرين المتقدمين فكان باطلا .
الثاني :- إنه روي في الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم- قال : ( قد جعل الله لهن سبيلا ، الثيب ترجم ، والبكر تجلد ) وهذا يدل على أن هذه الآية في حق الزناة .
الثالث :- إن الصحابة اختلفوا في أحكام اللواط ولم يتمسك أحد بهذه الآية ، فعدم تمسكهم بها مع شدة احتياجهم إلى نص يدل على هذا الحكم ، من أقوى الدلائل على أن هذه الآية ليست في اللواطة .
والجواب عن الأول :-إن هذا الإجماع ممنوع ، فقد قال بهذا القول-مجاهد-، وهو من أكبر المفسرين ، ولأنا بينا في أصول الفقه : أن استنباط تأويل جديد في الآية لم يذكره المتقدمون جائز .
والجواب عن الثاني : \\\\\\\" إن هذا يقتضي نسخ القرآن بخبر الواحد ، وإنه غير جائز.
والجواب عن الثالث :-إن مطلوب الصحابة أنه هل يقام الحد على اللواط..؟ وليس في هذه الآية دلالة على ذلك بالنفي ولا بالإثبات ، فلهذا لم يرجعوا إليها\\\\\\\" . هذه حجة -أبي مسلم- ومشايعيه- من القدامى والمحدثين- أوردناها على طولها لنبين ضعفها وتهافتها .
ونقول :- إذا أمعنا النظر في معنى الآيتين مستحضرين بلاغة القرآن وإعجازه ، وعظمة تشريعه ، وعنايته بطهارة المجتمع المسلم ونقائه ، لوجدنا أن هذا الرأي الذي ذهب اليه - أبو مسلم - ومشا يعوه مرجوح ، وأن التوفيق لم يحالفه في هذا الفهم الذي حمل آيات سورة النساء عليه .
قال ابن كثير :- \\\\\\\" كان الحكم في ابتداء الإسلام : أن المرأة إذا ثبت زناها بالبينة العادلة ، حبست في بيت، فلا تمكن من الخروج منه إلى أن تموت ، ولهذا قال :- (واللاتي يأتين الفاحشة)، يعني : الزنى من نسائكم ، (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ، فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ) ( النساء : 15) فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك . ومعنى كلامه هذا : أن هناك تشريعا سوف ينسخ. والتشريع الذي هنا هو :- الحبس في البيوت حتى الموت .
أما الناسخ له فيروي ابن كثير أيضا فيقول :-( روى مسلم وأصحاب السنن عن عبادة بن الصامت ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:- ( خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا : البكر بالبكر جلد مائة ، وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة ، والرجم ) ، وروى الإمام أحمد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :- ( خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ) ، ثم يعلق ابن كثير بقوله :- \\\\\\\" وقد ذهب الإمام أحمد ابن حنبل إلى القول بمقتضى هذا الحديث ، وهو الجمع بين الجلد والرجم في حق الثيب الزاني ، وذهب الجمهور إلى أن الثيب الزاني إنما يرجم فقط من غير جلد \\\\\\\" .
هذا والسنة العملية تشهد لما ذهب إليه الجمهور ، فقد رجم النبي - صلى الله عليه وسلم- (ماعزا والغا مدية واليهوديين )ولم يثبت أنه جلدهم قبل الرجم ، وإنما الثابت أنه لم يجمع بين ( الجلد ) و( الرجم ) في حد الثيب ولو مرة واحدة
فظاهر آية النساء : أمر بحبس (اللاتي يأتين الفاحشة ) ومنعهن من الخروج من محبسهن حتى الموت .
وفحوى هذا : أنه حبس يتضمن منع تقديم الطعام والشراب إليهن ، ومنعهن من الخروج ، والنتيجة هنا :هي الموت لا محالة ، هذه دلالة ظاهر الآية ، ولم يصرف عنها صارف . إنها صورة رهيبة للموت حقا ، ليس لها شبيه ولا نظير ، في جميع التشريعات العقابية التي شرعها الإسلام .
ونلاحظ هنا : أن ( النساء) التي فيها هذه الآية أسبق نزولا من المائدة \\\\\\\" هي في ترتيب النزول العام (92) والمائدة (112) ، وفي ترتيب المدني خاصة : النساء هي السادسة ، والمائدة -26-، بينهما عشرون سورة . \\\\\\\"
ونلاحظ ثانيا :- أنه بالتتبع ظهر أنه لم يقع خلال هذه الفترة- مابين نزول (النساء) ، ونزول ( المائدة ) -حادثة ( زنى ) استوجبت حدا ، فالمعروف : أن أول من رفع أمرهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتهمة الزنا كانا (اليهوديين ) ، والمفسرون يوردون قصتهما مرتبطة بآيات( المائدة ) ويذكرون أنها سبب من أسباب النزول الذي لابسها .
وقد ورد في سياقها ذكر- لعبد الله بن سلام - ، وأنه أكذب اليهود فيها ، وكشف عدم أمانتهم في بيان حكم الله في التوراة ، ولم نجد في السنة الثابتة واقعة واحدة حبست فيها امرأة حتى الموت ، حدا لزنى وقع منها .
وعلى هذا يمكننا أن نقول :- الإمساك في البيوت حتى الموت : كان هو العقوبة المعلنة في سورة النساء ، وكان ذلك تمهيدا لتشريع حد هو من أشد حدود الإسلام تغليظا،في مواجهة جريمة هي في نظر الإسلام أكبر الجرائم الاجتماعية ، وأشدها فتكا وهدما للمجتمع . وقد شاء الرحمن الرحيم أن تخلو فترة التمهيد هذه -ما بين نزول النساء والمائدة - من وقوع جريمة يطبق فيها هذا العقاب ، لكن إعلانها ( العقوبة ) بهذه العبارة ( فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت ) بما يعطيه ظاهرها من منعهن الطعام والشراب ، أحدث في أنفس الناس رهبة من مقارفة هذه الفاحشة ، ما بعدها رهبة ، وأي شيء أرهب من الموت صبرا في محبس دون طعام وشراب ..؟ وهنا يقع قول الرحمن الرحيم – جل وعلا – ( أو يجعل الله لهن سبيلا ) من هذه النفوس الواجفة المضطربة موقعا يهدهد من رهبتها، بما يفتح لها من رجاء في رحمة ربها ، تتمثل في تشريع لاحق ، فيه من الله تخفيف ورحمة ، وهما سمة تطبع تشريعات الإسلام بطابعها ، ليترك الناس هذه الفترة يتقلبون بين خوف ورجاء ، خوف من العقاب الماثل ، ومن احتمالات أن يكون السبيل الموعود به أشد منه وأقسى ، ورجاء في تخفيف تتخايل لهم دلائله ، من خلال إيحاء ضوء خافت ، يلمحه المتأمل لقوله تعالى : (أو يجعل الله لهن سبيلا ) . إن القوم بحسهم اللغوي الذي صقله القرآن العظيم – يستشعرون فرقا بين (جعل له سبيلا ) و (جعل عليه سبيلا) - ، فتعدية ( جعل) إلى مفعوله الثاني باللام : تؤذن بأن في الأمر يسرا بعد عسر ، وفرجا بعد ضيق ، وتخفيفا من شدة ، وتعدية( جعل ) إلى مفعوله الثاني بعلى : تؤذن بعكس ذلك ، وتوحي به .
( لهن ) : هذه اللام هي بشرى الفرج المتوقع ، والتخفيف المرجو ،
و ( أو ) : فتحت غاية الإمساك في البيوت ، ولم تدعها مغلقة مبتوتة قاطعة ..! أصبحت غاية الإمساك مترددة بين أمرين :- أن يتوفاهن الموت ، أو أن يجعل الله لهن سبيلا ، لكن : أيهما الذي سيكون.؟ ذلك من أمر الغيب ، والذي يعلمه هو لله وحده .! وجاء نبأ الغيب المنتظر وحيا من رب العالمين، بلغه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرآنا ، وبينه سنة وإضافة ( نساء ) إلى ضمير المخاطبين في ( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ) دلت على الإحصان من طرف خفي ، دلالة هذه الإضافة تحتمل : -
( من نسائكم ) : أي من نساء المسلمين، أو (من نسائكم ) : من زوجاتكم ،هي مجمل لهذا الاحتمال ، و (الفاحشة ) المأتية هنا فيها احتمال هي الأخرى : أن يراد بها (الزنى) ، وأن يراد بها ما يكون بين امرأة وامرأة ( السحاق ) ، وهو عندنا بعيد يأباه السياق ، وتشهد لغيره القرائن.
فهذه الآية (واللاتي يأتين الفاحشة ) :فيها أول تشريع لحماية الأعراض ، وصيانة الحرمات ، تكمله فيما بعد الآيات من (الثالثة والعشرين حتى الخامسة والعشرين ) حيث حددت المحارم من النسب والرضاع ، والمصاهرة ، وبهذا غدت الأعراض كلها محرمة ، لا يحل منها إلا ما أحل الله وبكلمة الله .
جو السورة إذن :- مفعم بالتشريع على مستوى الفرائض ، والحدود ، في أمهات القضايا التي تشغل الفرد والمجتمع على حد سواء ، وبهذا نشأ سياق أحاط بالآية من بين يديها ومن خلفها ، فأضاء منها جوانب ، نحتاج في رؤيتها لهذه الإضاءات، إضافة إلى سياق الآية نفسها لقد حملت الآية نفسها معلما من معالم حد (الزنى)،تمثل في نصاب الشهادة (عددا ونوعا )(فاستشهدوا عليهن أربعة منكم)، وعلقت إقامة الحد على الشهادة (فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت ) ، وهذه أول قرينة تجعلنا نحمل ( الفاحشة) المذكورة فيها على أنها ( الزنى) ، ويعزز هذا الحمل: أن القرآن الكريم سبق أن أطلق الكلمة نفسها على (الزنى) في سورة مكية باكرة هي (الإسراء)- (ترتيبها الخمسون في ترتيب النزول ) ، (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) ( الاسراء : 32) وبهذا يصبح معنى ( واللاتي يأتين الفاحشة) أي :- يأتين الزنى ، ظاهرا بين الرجحان .
ثم تستوقفنا هذه العبارة (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ) مرة أخرى (اللاتي ) : اسم موصول لجماعة الإناث (كاللآئي) ، وقد قوبل في الآية التالية مباشرة ب(اللذان ) ( واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ) و (اللذان) : اسم موصول موضوع للمثنى المذكر ( واللتان للمثنى المؤنث ) وصلة الموصولين في الآيتين واحدة هي:(يأتين الفاحشة) (يأتيانها) ، وإذا فالمأتي في الموضعين واحد هو : الفاحشة لعقوبة المعلنة - حتى الآن- اختلفت رغم هذا، فهي في حق (اللاتي يأتين الفاحشة) : ( فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت ) وهي في حق (اللذان يأتيانها ) : (فآذوهما ) والإيذاء مهما بلغ فلن يبلغ حد الموت..! ما سر هذه التفرقة ..؟ وما دلالاتها ..؟
اختلاف طبيعة الفاحشة المأتية وراء هذه التفرقة ، لقد فسرت الفاحشة في قوله تعالى : ( واللاتي يأتين الفاحشة ) بأنها : الزنى ، وفسرت في قوله تعالى : (واللذان يأتيانها ) بأنها : اللواط ، قال مجاهد : \\\\\\\" نزلت في الرجلين إذا فعلا اللواط \\\\\\\"
وقد بدا -لأبي مسلم ومشايعيه ومقلديه دون تبصر- أن يحملوا (واللاتي يأتين الفاحشة ) على: ( السحاق ) وهو ما يكون بين امرأتين ، ولعلهم ظنوا هذا استنتاجا من هذه المقابلة بين ( واللاتي يأتين ) و ( اللذان يأتيانها )، لكن عند التأمل ومراعاة السياق يبطل هذا الظن من أصله.
(اللواط) : لا يكون إلا بين رجلين ، وكذلك ( السحاق) لا يكون إلا بين امرأتين ، فلو أريد بالفاحشة في ( واللاتي يأتيانها) ما يحدث بين امرأة وامرأة ، لجيء باللفظ مثنى، كأن يقال : ( واللتان تأتيان ) ...مجيئهما بصيغة الجمع (اللاتي) جعلها ظاهرة، بل نصا في أن المراد بالفاحشة هنا هو : الزنى .
وبهذا يتوافق سياق آيتي النساء ( واللاتي ) ثم( واللذان ) مع سياق آية النور ، حيث ذكرت ( الزانية ) أولا ، إذ المرأة عادة هي حبالة الشيطان في هذه الفاحشة ، والزنى أسبق في باب الخطيئة من اللواط ، والقرآن الكريم حدد بداية ظهور هذه الفاحشة زمنيا بزمن قوم لوط ( إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها أحد من العالمين ) ( العنكبوت : 28) .
فصيغة الجمع في ( اللاتي ) : تبعد بقوة تفسير الفاحشة في الآية بالسحاق .
وصيغة التثنية في ( واللذان ) : جعلتها نصا في اللواط ، ودعوى التغليب هنا يرد عليها أمران :
الأول:-إنه تأويل بلا موجب .
والثاني:- يجعل الآية لا تضيف جديدا ، بل إنه قد يثير ما يبدو مضادا لما تقرر في الآية الأخرى ، حيث يصبح الإيذاء هو العقاب بالنسبة للمرأة ، إذا كانت هي الشريك في هذه الفاحشة ،(بمنطق التغليب) ، وهذا غير ما قررته الآية السابقة من عقابها ، (فأمسكوهن في البيوت ) والله أعلم .
( واللاتي يأتين الفاحشة):- تعطي حكم من ترتكب هذه الفاحشة (الزنى) من (النساء) نصا ، وحكم من يرتكبها من الرجال قياسا ، مادامت الجريمة واحدة، وشرط تطبيق عقوبتها قائم في كلا طرفيها:- الرجل والمرأة على حد سواء .
وآية ( واللذان يأتيانها ) :نص في الفاحشة يرتكبها الرجلان وهي( اللواط) ، ويقاس عليها ( السحاق ) إذ هو فاحشة يرتكبها شخصان من جنس واحد (امرأتان) ، فلا فرق كما لا فرق بين الرجل والمرأة في حد (الزنى )من حيث اختلافهما بالذكورة والأنوثة .
هذا فهم واضح يسير مع ظاهر الآيات ، ويظاهره السياق ، وتزكيه القرائن.
وثمة فهم آخر يتراءى من بعيد ولكنه ليس ببعيد ، والمدخل إليه هو :-
اختلاف التعبير في الموضعين .
(واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ) بالإضافة في (نسائكم ).
(واللذان يأتيانها منكم ) دون مضاف تدخل عليه ( من ) .
هنا : منكم إزاء : من نسائكم هناك .
ومن نسائكم : بيان لـ ( اللاتي ) ، و(منكم) : بيان لـ (اللذان ) ،
ولو جاءت الأخيرة بصيغة (من رجالكم) لما احتملت شيئا آخر سوى اللواط ،
ولو جاءت الثانية بصيغة ( والذين يأتونها منكم ) لما كانت نصا فيه .. ومجيئها هكذا (واللذان يأتيانها منكم ) جعلها ظاهرة في اللواط ، راجحة فيه ، ومحتمل احتمالا مرجوحا أن تكون في الزنى بتأويل التغليب . وهنا ينشأ الإشكال الذي أثرناه على دعوى التغليب ورفضناها بسببه ، يتراءى لنا الفهم الآخر المحتمل:-
الإضافة في (من نسائكم ) ما دلالتها ..؟ يتوقف الأمر على المراد بالضمير المضاف إليه
( كم ) ، فإن أريد بهم جماعة المسلمين ، كان المراد بالنساء : نساء المسلمين عامة دون تخصيص ، وان أريد بهم ( الأزواج ) خاصة ، كان المراد بالنساء : الزوجات المحصنات دون سائرهن . ونحن نرجح الاحتمال الثاني ، ويحملنا على ترجيحه جملة اعتبارات :
منها :- إن إضافة – النساء- في الخطاب الموجه للمسلمين يغلب أن يكون المضاف إليه فيها هم الأزواج ، وليس عامة المسلمين ، نرى هذا في مواضع كثيرة من القرآن الكريم
( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ..) ( البقرة : 187) .
( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) ( البقرة : 223) .
( للذين يؤلون من نسائهم ..) ( البقرة: 226) ( حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ) ( النساء :23)
( الذين يظاهرون من نسائهم ..) ( المجادلة : 2)
( واللائى يئسن من المحيض من نسائكم ...) ( الطلاق : 4) .
في كل هذه الآيات أضيفت النساء إلى الضمير _ خطابا وغيبة - مرادا به الأزواج دون احتمال آخر ، فالنساء هنا زوجات لا محالة ، وآية النساء من هذا القبيل (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم ) أضيفت النساء فيها إلى الأزواج المخاطبين كذلك ، هذا هو ظاهر الدلالة، وقد رشحه استعمال القرآن في الآيات التي سقناها فاقترب الرجحان من القطع والجزم ، وزاد اقترابا بقرينة سياقية من داخل الآية نفسها ، هي :- (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ) ، وبين أن الاستشهاد هنا إنما هو من شأن الأزواج في المقام الأول ، أما طلب القاضي الشهود فليس للاستشهاد ، وإنما للاستثبات ، بعد رفع الدعوى من قبل الزوج ، أو الإبلاغ ممن شهدوا الواقعة ، بدليل : (فإن شهدوا ) أي : أدوا الشهادة على ما رأوه ، أو على ما استشهدوا عليه فشهدوه
ونكتفي بهذا البيان لهذه الآيات التي رفض -أبو مسلم - القول بنسخها ، ومنه نتبين أن حجة أبي مسلم ومقلديه تضاءلت افتضاحا ، ويمكن أن يقاس على هذه الآية غيرها من الآيات التي أجمع المفسرون على وقوع النسخ فيها مثل : آية تقديم الصدقة بين يدي نجوى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بآية الزكاة ، وآية معادلة المسلم لعشرة من الكفار ، التي نسخت بآية معادلة المسلم لاثنين فقط ، والتي علل لها الحق تبارك وتعالى بقوله :- ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا ...)( الأنفال : 66) وغيرها .
ونختم هذا الرد بكلمة للجصاص ( أبو بكر أحمد بن علي ت 370 للهجرة )-وكان معاصرا لأبي مسلم - يقول فيها :- \\\\\\\" زعم بعض المتأخرين من غير أهل الفقه ، أنه لا نسخ في شريعة نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم - وأن جميع ما ذكر فيها من النسخ فإنما المراد به نسخ شرائع الأنبياء المتقدمين ، وقد كان هذا الرجل سليم الاعتقاد غير مظنون به على ظاهر أمره ، لكنه بعد إظهار هذه المقالة ظهر أمره ، إذ لم يسبقه إليها أحد ، بل لقد عقلت الأمة سلفها وخلفها من دين الله وشريعته ، نسخ كثير من شرائعه ، ونقل إلينا نقلا لا يرتابون به ، ولا يجيزون فيه التأويل ،كما قد عقلت أن في القرآن عاما ،وخاصا ، ومحكما ، ومتشابها، فكان دافع وجود النسخ في القرآن والسنة ، كدافع خاصه ، وعامه ، ومحكمه ، ومتشابهه، إذا كان ورود الجميع ونقله على وجه واحد ، فارتكب هذا الرجل في الآي المنسوخة والناسخة ، وفي أحكامها ، أمورا خرج بها عن أقاويل الأمة،مع تعسف المعاني واستكراهها ، وأكثر ظني فيه أنه أتى بذلك من قلة علمه بنقل الناقلين ، فقال ذلك برأيه ، فكان ممن روي فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم-:-( من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ ) .\\\\\\\"
ثانيا :- الاستاذ عبد الكريم الخطيب
بعد أن بين -عبد الكريم الخطيب- مسلك القائلين بالنسخ ، عاب ما ذهبوا اليه من جواز النسخ ووقوعه ، ثم قال :- إن آية سورة النحل ( وإذا بدلنا آية مكان آية )( النحل : 101) لا تدل بمنطوقها أو مفهومها على النسخ لما يلي :-
أولا :- منطوق الآية هو( وإذا بدلنا آية مكان آية ) فلو كان معنى التبديل هو: المحو والإزالة ، لما جاء النظم القرآني على تلك الصورة ، ولكان منطق بلاغته أن تجيء الآية هكذا : ( وإذا بدلنا آية بآية ) ولما كان لكلمة ( مكان ) موضع هنا ، ثم تساءل فقال : فما هو السر في اختيار القرآن الكريم لكلمة – مكان – بدلا من حرف الجر وهو : الباء
والجواب:- إن المراد بتبديل آية مكان آية هو : \\\\\\\" ما كان يحدث في ترتيب الآيات في السور ، بوضع الآية بمكانها من السورة كما أمر الله سبحانه وتعالى ، وذلك أن آيات كثيرة كانت مما نزل بالمدينة قد وضعت في سور مكية ، كما أن آيات مما كان قد نزل بمكة ، ألحقت بالقرآن المدني \\\\\\\"
إلى أن يقول :\\\\\\\" فقد اتفق علماء القرآن على أن آيات نزلت بمكة ، ثم حين نزل من القرآن في المدينة ما يناسبها ، أخذت مكانها فيه ، وهذا يعني : أنها نقلت من مكانها في السورة المكية إلى مكانها الذي كانت تنتظره أو كان ينتظرها ،ثم بين أن التفسير الذي ذهب إليه في الآية هو الذي يلتئم مع ما ختمها الله به من قوله ( ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمؤمنين ) ( النحل : 102) \\\\\\\" ، وأن القول بالنسخ ليس من شأنه أن يثبت قلوب المؤمنين ، بل قد يكون داعية من دواعي الإزعاج النفسي .
ثانيا : -مفهوم كلمة التبديل بأنه محو وإزالة ، أو تعطيل و نقض ، يتعارض مع ما تنزهت عنه كلمات الله من أي عارض يعرض لها ، فيغير وجهها ، أو ينقض حكمها ، والله سبحانه يقول مخاطبا نبيه الكريم : ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما ..) ( الكهف: 1،2) ، ويقول سبحانه :- ( قرآنا عربيا غير ذي عوج.)( الزمر : 25) إلى آخر ما استدل به الخطيب على مدعاه .
ونقول :- إن ما ادعاه من أن منطوق الآية لا يفيد النسخ ، وأن معناها هو:- نقل الآية من موضعها إلى موضع آخر ، لم يقل به أحد سواه ، ولم يعزز هذا الرأي الذي ذهب اليه بأمثلة تبين صحته ، بل الواقع خلاف ذلك ، فقد كانت الآية أو الآيات تتنزل أحيانا حسب الوقائع والأحوال ، وكان جبريل - عليه السلام - يشير على النبي- صلى الله عليه وسلم - أن يضعها في مكانها من سورتها ، فيسرع النبي-صلى الله عليه وسلم- إلى إبلاغ كتبة الوحي وغيرهم من الصحابة ، فيسجل ذلك كتبة الوحي ،ويحفظه بعض من سمعه منه .
وقوله :- إن كلمة التبديل تفيد المحو والإزالة ، أو التعطيل والنقض ، وأن هذا يتعارض مع ما تنزهت عنه كلمات الله ، فهو ترديد لما قاله من قبل - أبو مسلم - من أن النسخ نقض وتعطيل ، وقد بينا خطأه في هذا الفهم .
ثم استشهد بآيات ظن أنها قد تؤيد مدعاه ، منها قوله تعالى :- ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا )( الكهف: 1) . على أن المنسوخ نوع من العوج الذي يخرج به الكلام عن جادة الاستقامة .
ويجاب عن ذلك :- بأن النسخ ليس فيه عوج ، كما أنه ليس المراد من هذه الآية نفي النسخ عن القرآن الكريم ، وإنما المراد : بيان أن هذا الكتاب ليس فيه شيء من العوج على الإطلاق ، سواء من جهة اللفظ أو من جهة المعنى ، فليس فيه انحراف، وهو قيم مستقيم لا إفراط فيما اشتمل عليه من التكاليف ، ولا تفريط فيه ، لاشتماله على ما ينتظم به المعاش والمعاد .
ثم ساق قوله تعالى : ( ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمؤمنين ) ( النحل : 102) مستدلا به على عدم وقوع النسخ ، لأنه يرى أن النسخ لا تثبيت فيه للمسلمين ، وعليه فلا تفيد الآية وقوع النسخ ..!
ويجاب عن ذلك :-
بأن النسخ فيه تثبيت للمسلمين ، حيث قال سبحانه :- (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وان كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم )( البقرة : 143) .
فالنسخ إذن :- فيه تثبيت كامل لقلوب المسلمين ، أما الذين في قلوبهم زيغ ومرض ، فيزيفون الحق ، ويجادلون للتشكيك في هذا القرآن من غير فهم تارة ، أو عن ضلال تارة أخرى، كما أن النسخ فيه البشرى للمسلمين أيضا ، وذلك لأن النسخ إذا كان إلى غير بدل ، أو إلى بدل أخف ، فالبشارة ظاهرة ، وإن كان إلى بدل أثقل ، فإن عظم المشقة يستلزم عظم الثواب ، وأي بشرى أعظم من جزالة الثواب في الآخرة ..؟ وإن كان النسخ إلى بدل مساو ، فالبشرى تكون بتطهير المجتمع الإسلامي من أدوات التخريب فيه ، حتى يظهر الذين في قلوبهم زيغ ودخل ، وينكشف أمرهم للمسلمين ، فيحاول المجتمع إصلاحهم ، أو تطهير المجتمع من مفاسدهم ، وعليه فلا عبرة لاعتراضاته .
ثالثا :- الاستاذ الإمام الشيخ محمد عبده
عبر القرآن الكريم عن جواز النسخ شرعا في ثلاث آيات من آياته ، منها : قوله تعالى : ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير )( البقرة : 106) . فما وجه دلالة هذه الآية على جواز النسخ ...؟ يفسر الإمام الطبري قوله تعالى :- ( ما ننسخ من آية ) بقوله :- \\\\\\\" يعني –جل ثناؤه – بقوله : ما ننسخ من آية:- ما ننقل من حكم آية إلى غيره ، فنبدله ونغيره، وذلك أن يحول الحلال حراما ، والحرام حلالا ، والمباح محظورا ، والمحظور مباحا ، ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي ، والحظر ،والإطلاق ، والمنع ، والإباحة ، فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ \\\\\\\" .
وبمثل ذلك فسرها الإمام ابن كثير في تفسيره ، وغيره من ثقات المفسرين ..
غير أن هذا التفسير لم يرض فهم الشيخ- محمد عبده-، فقد رأى أن سياق الآية لا يدل على جواز نسخ حكم شرعي بحكم شرعي آخر –كما ذهب إلى ذلك جمهور المفسرين-، وإنما يرى أن النسخ في الآية خاض بنسخ معجزات الأنبياء السابقين ، وله في هذا التفسير ملحظ لا بد من ذكره والتعقيب عليه .
أولا :- يقرر الشيخ محمد عبده أن القدرة ومشتقاتها -كما في قوله تعالى في الآية التي معنا ( ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير)- لا يناسب موضوع الأحكام ونسخها، وإنما المناسب هو العلم والحكمة ، وعلى هذا فلو أن المراد بالنسخ في الآية نسخ الأحكام الشرعية ، لكان المناسب أن يقول الله :- ألم تعلم أن الله عليم حكيم .
ثانيا :- إن الآية التي تلت الآية التي معنا ترشح لهذا المعنى الذي يذهب إليه ، ذلك لأن الله تعالى يقول فيها :- ( أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل)( البقرة : 108) وقد سئل موسى- عليه السلام- المعجزات من بني إسرائيل على صحة دعواه الرسالة .
ثالثا :إن - ابن كثير -، وكذا - أبا عمرو - قد قرءا قوله (أو ننسها ) أو ننسأها . من النسيء وهو التأخير ، و يظهر هذا المعنى في مقام نسخ الأحكام، كما يظهر في مقام نسخ الآيات والمعجزات المقترحة على الأنبياء . وينتهي الشيخ محمد عبده من هذا المقام إلى هذه النتيجة وهي : أن المراد بالآية هنا هو : المعجزة ، لا الآية القرآنية ..؟!
ونقول :-
أولا :-لو أنعمنا النظر في الآيات التي سبقت هذه الآية ، لتبين لنا أن ما ذهب إليه الشيخ محمد عبده ، كان فهما يخالف السياق ، ذلك لأن الآيات السابقة تتحدث عن بني إسرائيل ، وغدرهم ، وحرصهم على الحياة ، وحقدهم على محمد - صلى الله عليه وسلم- باعتباره آخر الأنبياء ، وتشكيكهم في كون القرآن هو معجزته الكبرى التي ستظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، ولا شك أن تشكيكهم في كون القرآن من عند الله ، إنما استغل ظاهرة النسخ كأمر يلزم منه لديهم البداء ، الذي هو محال على الله ، وعلى هذا فالنتيجة النهائية التي يريدون الوصول إليها هي زعمهم : أن القرآن ليس من كلام الله ، ولكن محمدا -صلى الله عليه وسلم- اختلقه ..!
فإذا كان الأمر كما بينا ، فما مقتضى هذا السياق لتفسير النسخ الوارد في الآية ..؟ أليس من الأوفق أن يفسر النسخ هنا برفع الحكم الشرعي وإحلال حكم آخر مكانه ..؟
ثم ألم يكن من المناسب أن يعقب –سبحانه- على هذا بإظهار أن ذلك لا يعجزه في شيء ، لأن هذا أمر متصل بتصرفه ، ومطلق قدرته ، لا بعلمه وحكمته .
وثانيا :- إن لفظ - الآية- إذا أطلق فإنما يراد به الآية القرآنية ، لأن هذا هو المتبادر، والتبادر أمارة الحقيقة ، ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا بقرينة، ولا قرينة هنا، كما فسر السلف الآية بمعنى : الآية القرآنية ، ولم يرد في تفاسيرهم أن المراد بها المعجزة . فلفظ ( آية )التي وردت في آيتي النحل ، والبقرة ، مراد به الآية القرآنية التي تحمل حكما شرعيا ، ومعنى تبديل الآية مكان الأخرى - التي وردت في آية النحل - : أن الآية السابقة ينتهي حكمها ليحل محله الحكم الذي جاءت به الآية اللاحقة . قال مجاهد في تفسير قوله تعالى :- ( وإذا بدلنا آية مكان آية ) : المراد بالتبديل : رفعناها فأنزلنا غيرها ، وعنه أيضا أنه قال :- نسخناها : بدلناها ورفعناها ، وأثبتنا غيرها .
وقال الإمام الطبري في تفسير هذه الآية:- \\\\\\\" وإذا نسخنا حكم آية وأبدلنا مكانه حكم أخرى \\\\\\\" ويعلل لذلك بقوله :\\\\\\\" والله أعلم بما هو أصلح لخلقه فيما يبدل ويغير من أحكامه ، قال المشركون بالله المكذبون لرسوله_كما حكى القرآن-: إنما أنت يا محمد مفتر ، أي : كاذب ، تخرص بتقول الباطل على الله ، يقول الله تعالى ردا عليهم : بل أكثر هؤلاء القائلين لك يا محمد (إنما أنت مفتر) :- جهال بأن الذي تأتيهم به من عند الله ، ناسخه ومنسوخه ، لا يعلمون حقيقة صحته \\\\\\\" .
وثالثا :- إن سياق الآية التي بعد قوله تعالى :- ( وإذا بدلنا آية مكان آية)( النحل: 102) يدل على أن المقصود بها هو : الآية القرآنية ، قال تعالى :- ( ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون اليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين )( النحل: 103) . فسياق الآية ولحاقها في قوله تعالى : (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم )( النحل : 98) مرورا بالآية: -(وإذا بدلنا آية مكان آية ..) وانتهاء بقوله سبحانه :-(ولقد نعلم أنهم يقولون ..) فإننا نرى المتحدث عنه في أولها هو القرآن ، ووجوب الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند قراءته ، وبعد آية التبديل ، والآية التالية لها، نجد أن الآيات تحدثت فبينت دعواهم الباطلة : -أن الذي يعلم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بشر أعجمي اللسان ، والقرآن عربي مبين ، في قمة البلاغة والفصاحة ، فكيف يجوز في العقول صدوره عن أعجمي اللسان ..؟
ورابعا : إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – لم يكن يأتي بالآيات –بمعنى المعجزات- ثم يبدلها ، فيرفع معجزة ويحل معجزة محلها ، بل كانت سنة القرآن أن يغلق في وجوه السائلين باب الإجابة لتنزيل الآيات الكونية ، وقد ثبت هذا المعنى في كثير من الآيات بأساليب مختلفة ، منها قوله تعالى :- ( وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون…)( الاسراء :59) .
من كل ما سلف يظهر لنا أن الشيخ محمد عبده ، يعتمد في تخريج الآراء والمذاهب أحيانا على فهمه الخاص ، وبلاغته التي قد ترضى الناظر العابر ، أو الباحث غير المتأني .









- البداء : - هو الظهور بعد الخفاء ، وهو يستلزم العلم بعد الجهل وهو محال على الله تعالى المعجم الوسيط : ج1/44 . وانظر في معنى البداء : د. مصطفى زيد : النسخ في القرآن الكريم : ص 20- 23.
- علي بن أبي طالب عبد المطلب بن هاشم عبد مناف القرشي الهاشمي، أبو الحسن والحسين، من أول الناس إسلاما، ورابع الخلفاء الراشدين ، ومن المبشرين بالجنة، شهد المشاهد كلها ما عدا غزوة تبوك، قتل ليلة السابع عشر من رمضان سنة 40 هـ. انظر ابن حجر : الإصابة ج3/ص507-510 .
- أبو جعفر النحاس : الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم ، ص 4-5. وقد ورد هذا الأثر بعبارات مختلفة ذكرها السيوطي في الإتقان ج2/ ص20 . والهيثمي في مجمع الزوائد ج1/ ص154.
- يحيى بن اكثم بن محمد بن قطن التميمي ، فقيه صدوق ، إلا أنه رمي بسرقة الحديث ولم يقع له ذلك . انظرابن حجر العسقلاني : تقريب التهذيب ، ج2 / ص2-3.
- انظر الحافظ يوسف بن عبد البر القرطبي : جامع بيان العلم - ج2/35 ، ط2.
- ابن منظور : لسان العرب ، فصل النون -حرف الخاء . وانظر : النسخ في القرآن الكريم : ص 55- 109 .
- انظر : نادية شريف العمري : النسخ في دراسات الأصوليين : ص19.
- هو علي بن محمد بن الحسين فخر الاسلام البزدوي ، فقيه ، أصولي ، محدث ، مفسر ، حنفي، ولد سنة 400هـ ، وتوفي بسمرقند سنة 482هـ . انظر كحالة : معجم المؤلفين ج7/ 192.
-انظر : نادية شريف العمري : النسخ في دراسات الأصوليين- ص 19-20 .
- المرجع السابق نفسه .
- مصطفى زيد : النسخ في القرآن الكريم ، ص / 55 .
- معجم العين للخليل بن أحمد (مادة نسخ)-بمكتبة كلية دار العلوم بالقاهرة تحت رقم : 6313. وانظر : مصطفى زيد : النسخ قي القرآن الكريم : ص 55-56.
- هو أحمد بن فارس زكريا بن محمد بن حبيب أبو الحسين اللغوي القزويني ، كان نحوياً على طريقة الكوفيين ، له مصنفات في اللغة والنحو ، مات سنة 395هـ بالري . انظر السيوطي : بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاةج1/ص352 .
– ابن فارس : معجم مقاييس اللغة : ج5/ ص 424 - 425.وانظر : د. مصطفى زيد : النسخ في القرآن الكريم : ص 56.
- الزمخشري : أساس البلاغة ،ج2/ ص438 . وانظر : د. مصطفى زيد : النسخ في القرآن : ص 56 .
- النحاس : الناسخ والمنسوخ في القرأن الكريم ص 7 . وانظر : النسخ في القرآن الكريم : ص 56.
- مثل : ابن سلامة ، والجعبري . انظر مصطفى زيد : النسخ في القرآن ، ص 58، 59.
- مصطفى زيد : النسخ في القرآن ، ص 59- 60 بتصرف .
- هو محمد بن أحمد بن ابي سهل أبو بكر شمس الأئمة السرخسي ، فقيه، أصولي، حنفي، توفي سنة 482هـ (أنظر الفتح المبين ج1/ص264).
- أصول السرخسي : ج2/ ص 53- 54 . وانظر : النسخ في القرآن ص60- 61.
- هو محمد بن محمد بن أحمد الطوسي ، حجة الاسلام أبو حامد الغزالي، شافعي، فقيه، أصولي ، صوفي، شارك في أنواع من العلوم . انظرعمر رضا كحالة : معجم المؤلفين ج11 / ص 266.
- أبو حامد الغزالي: المستصفى ، مطبوع مع كتاب فواتح الرحموت -ج1/ ص107.وانظر : النسخ في القرآن : ص 61.
– المعتمد في أصول الفقه : ج1/ 395.وانظر : النسخ في دراسات الأصوليين : 22-26 .
- هو أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم الباقلاني ، مالكي، أصولي، متكلم أشعري، ولد سنة 338 هـ وتوفي سنة 403هـ. انظرعمر رضا كحالة: معجم المؤلفين ج10 / ص 109، والمراغي: الفتح المبين ج1/ ص 221.
- نادية شريف العمري : النسخ في دراسات الأصوليين : ص /28-29.
- ابن الحاجب : هو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس (ت 646للهجرة)مالكي ، فقيه ، أصولي ، نحوي انظرالمراغي: الفتح المبين في طبقات الأصوليين 3/ 65-66 ، ومعجم المؤلفين : ج6/ ص265.
- التاج السبكي: هو تاج الدين عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي المعرو بابن السبكي الشافعي (ت 771للهجرة ) .انظرابن العماد : شذرات الذهب ج6/ ص221 ، ومعجم المؤلفين ج6/ ص225 .
- الفتوحي :- أبو البقاء تقي الدين محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي بن إبراهيم الفقيه الأصولي الحنبلي ، انظر شذرات الذهب : ج8/ص 390-391 ، والزركلي : الأعلام ج6/ ص233.
- انظر : النسخ في دراسات الأصوليين : ص 30 . والتخصيص : هو قصر العام على بعض مسميا ته . والاستثناء: هو إخراج ما لولاه لدخل تحت الخطاب انظر: محمد فتحي الدريني المناهج الأصولية ، ص434 . والمعتمد لأبي الحسين البصري : ج1/ص219.
- انظر : النسخ في دراسات الأصوليين : ص 47- 49 بتصرف واختصار يسير ، وانظر : د. مصطفى زيد : النسخ في القرآن الكريم : ص 73. .
- محمد أبو زهرة : الشافعي ، ط2، ص 249-250. وانظر : عبد العزيز سليمان : النسخ في القرآن ، رسالة ماجسنير في التفسير وعلوم القرآن ،مكتوبة بالآلة الكاتبة ، ص 14. بمكتبة كلية أصول الدين بالأزهر الشريف . والإمام الشافعي : هو أبو عبد الله محمد بن ادريس بن العباس القرشي المطلبي المكي ، أحد الأئمة الأربعة المجتهدين ، ولد بغزة هاشم سنة 150 للهجرة ، وتوفي بمصر سنة 204 للهجرة . وانظر الذهبي : سير أعلام النبلاء ج10/ ص5.

- فتاوى ابن تيمية مجلد14/ص101... وابن تيمة هو : أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام أبو العباس تقي الدين شيخ الاسلام ابن تيمية الحراني، إمام ، فقيه، مجتهد، حافظ ، محدث، أصولي، مفسر، من كبار الحنابلة توفي في دمشق سنة 728 هـ .انظر: الفتح المبين : ج2 / ص 130 .
- هوأبو اسحق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي ، أصولي ، حافظ، من أهل غرناطة توفي سنة 790هـ كان من أئمة المالكية من أهم مصنفاته : الموافقات والاعتصام ، انظر ترجمته في نيل الابتهاج ص46 – 50 .
- الموافقات في أصول الأحكام- للشاطبي ، ج3/ص108-109 . وانظر النسخ في دراسات الأصوليين : ص 48-49 .
-انظر : د. نادية العمري : النسخ في دراسات الأصوليين : ص 49-50 . وانظر : عباس متولي حمادة : أصول الفقه: ص 524 .
- انظر: د. نادية شريف العمري : النسخ في دراسات الأصوليين : ص 50 .
- نادية شريف العمري : النسخ في دراسات الأصوليين ص17-53 بتصرف واختصار .
- سورة البقرة ، من الآية 187 .
- هو محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعيد بن حريز الزرعي الحنبلي ، ولد سنة 691 هـ وتوفي سنة 751 هـ صنف وناظر واجتهد وصار من الائمة الكبار في التفسير والحديث والفروع والعربية. السيوطي: بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ، ج1 /ص 62- 63.
- ابن القيم : مدارج السالكين : ج3/ ص489 .
- ابن أمير الحاج: التقرير والتحبير شرح على تحرير الكمال بن الهمام : ج3/ص53
- انظر : النسخ في دراسات الأصوليين : ص 363-368 ( باختصار يسير ) . وانظر : البزدوي : كشف الأسرار على أصول الإسلام -ج3/ص833.
- شروح التلخيص -(للخطيب ، التفتازاني، والسبكي، وابن يعقوب المغربي) طبع بمطبعة عيسى الحلبي بمصر -ج1 /166.
- انظر : الآمدي : الإحكام : ج3/ ص 105-106. ود. مصطفى زيد : النسخ في القرآن الكريم : ص 248- 313 . ود. نادية شريف العمري : النسخ في دراسات الأصوليين : ص 337- 358.
- هو العلامة الفقيه أبو المطرف عبد الرحمن بن أحمد القرطبي المعروف بابن الحصار ، توفي سنة 611 للهجرة. انظر الذهبي : سير أعلام النبلاء ، ج17/ ص473 .
- السيوطي : الإتقان في علوم القرآن - تحقيق محمد أبو الفضل : ج2/ص40.
- هو علي بن محمد بن سالم التغلبي المعروف بالآمدي ، شافعي، فقيه، أصولي، متكلم، كان من اذكياء العالم، ولد بآمد وتسمى حالياً ( ديار بكر) وتقع في جنوب شرقي تركيا، أقام في بغداد ثم الشام ثم الديار المصرية، وتوفي بدمشق سنة 631هـ ( انظر معجم المؤلفين ج7 / ص 255، وطبقات الشافعية الكبرى ج8/ص306).
- الآمدي : الإحكام في أصول الأحكام : ج 2/166 .
- هو محمد بن علي بن محمد الشوكاني الصنعاني ، فقيه ، أصولي ، محدث ، مفسر ، مجتهد ، سلفي العقيدة ، ولد سنة 1172 للهجرة ، وتوفي سنة 1250 للهجرة . انظر المراغي : الفتح المبين ، ج3/ ص144 . وكحالة : معجم المؤلفين ، ج11/ ص53.
- الشوكاني : إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول : ص162.

- الغزالي : نظرات في القرآن - طبعة دار الكتب الحديثة- ص244.
- انظر موقف اليهود التفصيلي من النسخ في كتاب د. مصطفى زيد : النسخ في القرآن : ص 26-44.
- الآمدي : الإحكام في أصول الأحكام ج3/ ص105، ومصطفى زيد : النسخ في القرآن الكريم ، ص27، والنسخ في دراسات الأصوليين ، ص 60 .
-الشهرستاني: الملل والنحل ،ج2/ ص 54، ونادية شريف العمري : النسخ في دراسات الأصوليين ، ص 60 .
- الشهرستاني : الملل والنحل ، ج2/ص55 –56، وانظر آراء الفرق اليهودية الثلاث في النسخ في كتاب الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ج3/ ص 105، وكتاب كشف الأسرار للبزدوي ، ج3 /ص 153.والنسخ في دراسات الأصوليين ، د. نادية شريف العمري ، ص 60-61، والنسخ في القرآن الكريم ، د. مصطفى زيد ، ص 27- 28 .
- عبد العزيز سليمان العبد اللطيف : النسخ في القرآن الكريم ، ص 60.
- البزدوي : شرح أصول البزدوي ج3/ ص883 .
- هو أحمد بن يحيى بن اسحق أبو الحسين الراوندي البغدادي ، من الفلاسفة( انظر ابن خلكان : وفيات الأعيان ج1/ص78، وابن كثير : البداية والنهاية ، ج11/ص112.
- انظر هذه النصوص في التقرير والتحبير شرح ابن أمير الحاج على تحرير الكمال بن الهمام ، ج3/ ص47.
- انظر موقف النصارى التفصيلي من النسخ في كتاب د. مصطفى زيد : النسخ في القرآن الكريم : ص 44-49.
- هو أبو مسلم الاصفهاني المفسر واسمه محمد بن علي بن محمد بن مهر بن يزد بن بحر ، معتزلي من كبار الكتاب ، كان عالماً بالتفسير ، وبغيره من صنوف العلم ولد سنة 254هـ ومات سنة 322هـ ، انظرالزركلي : الاعلام ، ج6 / ص273.
- الفخر الرازي ، التفسير الكبير : ج3/229.
- صحيح البخاري :( الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن الحسن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بالولاء البخاري ت 256 للهجرة) - كتاب التفسير -باب قوله (ما ننسخ من آية) ج3/ ص99. وانظر: د. مصطفى زيد : النسخ في القرآن :ص 252-253.
- هو محمد بن عمر بن الحسين الرازي الطبري المعروف بـ ( فخر الدين الرازي ) ولد سنة 544هـ وتوفي سنة 606 هـ بعد أن ترك مصنفات كثيرة ومتنوعة في فنون مختلفة بالغتين العربية والفارسية من أهمها : المحصول في أصول الفقه، والتفسير الكبير وغيرها ابن خلكان : وفيات الاعيان ج1/ ص677، وابن كثير : البداية والنهاية ج13/ ص55.
- الشوكاني : نيل الأوطار ج7: ص 117.
- الشوكاني : نيل الأوطار، ج7: ص 91-92، وابن كثير: تفسير القرآن العظيم ج2 : ص 260-261.
- انظر الفخر الرازي: التفسير الكبير ج9: ص 231 – 232.
- الفخر الرازي : التفسير الكبير ،ج9: ص231 – 232.
- هو عماد الدين اسماعيل بن عمرو بن كثير البصري ثم الدمشقي، فقيه شافعي ، محدث مفسر ، له تصانيف مفيدة ، ولد سنة 700هـ وتوفي سنة 774هـ ،انظر ترجمته في الدرر الكامنة ج1/ ص373، والبدر الطالع ج1/ ص153، وشذرات الذهب ج6 / ص321، وطبقات المفسرين للداودي ص 327.
- هو أبو الوليد عبادة بن الصامت بن قيس بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي ، كان أحد النقباء بالعقبة ، شهد المشاهد كلها ، تفي بالرملة بفلسطين سنة 35 للهجرة . انظر ابن حجر : الإصابة ج2/ ص268 .
- صحيح مسلم بشرح النووي : ج11/ ص188، حديث رقم( 1690)وانظر الشوكاني : نيل الأوطار ، ج7/ ص 91-92.
- ابن كثير : تفسير القرآن العظيم : ج1/ 366.وانظر صحيح مسلم بشرح النووي ج11/ ص189 .
- انظر بحث الدكتور إبراهيم عبد الرحمن خليفة - حولية كلية أصول الدين عدد 11 (1994م) - حول ترتيب نزول السور القرآنية - ص 35 - 78 .
- ابن كثير : تفسير القرآن العظيم ج1 / ص 517.
- عبد الله بن سلام الاسرائيلي ، أبو يوسف ، حليف الخزرج ، كان اسمه الحصين فسماه الرسول – صلى الله عليه وسلم – عبد الله ، توفي بالمدينة سنة 43هـ.انظرابن حجر:تقريب التهذيب ، ج1/ ص 422
- انظر بحث الاستاذ الدكتور إبراهيم عبد الرحمن خليفة - حولية كلية أصول الدين عدد 11 (1994م) - حول ترتيب نزول السور القرآنية - ص 35 - 78 .
- ابن كثير : تفسير القرآن العظيم - ج1/ ص366.
- السنة بيان للقرآن - للدكتور محمد عبد الله الخولي : ج1/ ص 197- 208 _بتصرف واختصار-.وانظر : د. مصطفى زيد : النسخ في القرآن : ص 221-285
- أحكام القرآن للجصاص (أبو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي ت 370 للهجرة )طبع المطبعة البهية المصرية سنة 1374للهجرة _ ج1/ ص67 ، والجصاص فقيه حنفي ويعتبر كتابه ( أحكام القرآن ) من أهم كتبه . انظر ابن العماد : شذرات الذهب ج2/ ص 358.
- محمد محمود فرغلي : النسخ بين الإثبات والنفي : ص70-72(بتصرف واختصار ) .
- محمد محمود فرغلي : النسخ بين النفي والإثبات- ص 77 (بتصرف واختصار ).
- هو محمد عبده بن حسن خير الله التركماني درس في الأزهر، وكان من المؤيدين للثورة العرابية ، عين مفتياً للديار المصرية، وظل كذلك حتى توفي سنة 1323هـ انظر الزركلي : الأعلام ، ج6/ ص255.
- محمد بن جرير الطبري : جامع البيان : ج1/ص188.
- ابن كثير : تفسير القرآن العظيم ج1/ص149.
- هو عبد الله بن كثير امام المكيين في القراءة توفي سنة 120هـ انظر معرفة القراء الكبار ج1/ ص 71.
- هو زبان بن العلاء المازني المقرئ النحوي البصري أحد القراء السبعة توفي سنة 154هـ ، انظر معرفة القراء الكبار ج1 /ص 83.
- ابن الجزري : النشر في القراءات العشر ، ج2/ ص414.
- محمد بن جرير الطبري: جامع البيان ، ج1/484.
- الطبري: جامع البيان - ج1/188.
- انظر : د. مصطفى زيد : النسخ في القرآن : ص 221- 285


الهوامش
_____________________________