الإذاعة المدرسية في فلسطين والعالم .. وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا بقلم:د. كمال إبراهيم علاونه
تاريخ النشر : 2010-03-31
الإذاعة المدرسية في فلسطين والعالم ..
وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) }( القرآن المجيد - الأنفال ) . وجاء في سنن الترمذي - (ج 9 / ص 47) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْمُسْلِمُ إِذَا كَانَ مُخَالِطًا النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنْ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ " .

استهلال

عند بلوغ الطفل الفلسطيني ما بعد سن الثالثة أو الرابعة من عمره يعمل أهله على التفتيش عن روضة من رياض الأطفال ليلحقوه فيها ، ليتلقى مناهل العلوم والمعارف المتنوعة وخاصة الأناشيد والأغاني الإسلامية والوطنية منذ نعومة أظفاره . وبعد الانتهاء من روضة الأطفال يتم تسجيل التلاميذ الصغار لدخول الصف الأول الأساسي ( الابتدائي ) بعد سن الخامسة والنصف من العمر فأعلى تقريبا .
وتعتبر المدرسة الفلسطينية المؤسسة التعليمية الحقيقية الأولى في فلسطين والعالم ، فالمدرسة هي التي تعمل على تعليم الأطفال شتى الأنواع والأشكال التعليمية الأدبية واللغوية والاجتماعية والجغرافية والاقتصادية والدينية الإسلامية ( والنصرانية للنصارى ) والرياضيات والتربية الوطنية العامة والفنون والرسم والرياضة وسواها . ويقعد التلاميذ على مقاعد الصفوف الدراسية من الساعة الثامنة صباحا وحتى وقت صلاة الظهر أو بعدها تقريبا وفق نظام مقنن من الحصص التعليمية حيث تتراوح فترة كل حصة حوالي 45 دقيقة . وهناك الاستراحة اليومية ( الفرصة ) لأقل أو لأكثر من نصف ساعة يوميا ما بين الحصص الخمس أو الست أو السبع في كل يوم وعادة ما تكون بعد الحصة الثالثة من العمل الدراسي بالمدرسة .

وقت الإذاعة المدرسية

على العموم ، يسبق هذا النظام التعليمي الفلسطيني المتواصل تعليم إذاعي فريد من نوعه ، طبق بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية ، نواة دولة فلسطين العتيدة المنتظرة ، في جزء من ارض فلسطين المقدسة ، منذ عام 1994 ، وهو ما يطلق عليه ( الإذاعة المدرسية ) حيث تعمل إدارة المدرسة على تنظيم فعاليات إذاعية مدرسية ، تبدأ بعد طابور الصباح اليومي ، عند أو بعد الساعة السابعة والنصف سواء بالتوقيت الشتوي أو الصيفي ويستمر لما قبل دخول الطلبة قاعات التدريس المدرسي المعتادة . ويتضمن مشاركة التلاميذ من الصف الأول الأساسي حتى الصف الثاني الثانوي ( التوجيهي ) وهو الصف الأخير في المرحلة المدرسية قبل الانتقال للحياة الجامعية في الأرض المقدسة أو في الوطن العربي أو الوطن الإسلامي أو في العالم . وفي فصل الشتاء عادة ، ما يتم الاستغناء عن وقت الإذاعة المدرسية ، أحيانا أو في كثير من الأحيان ، بسبب هطول الأمطار أو البرد القارص الشديد في الهواء الطلق في الساحات المدرسية . وكذلك الحال في فصل الصيف ، عند اشتداد حرارة الشمس يتم تقليص وقت الإذاعة المدرسية لتحاشي ضربات الشمس لبعض الطلبة ، وإدارة المدرسة هي صاحبة القرار النافذ في هذا المجال . وأفضل أوقات الإذاعة المدرسية الصباحية في فصل الربيع حيث تكون درجات الحرارة معتدلة ، والجو ربيعي يبعث على الدفء والإبداع الطلابي العام .

الإذاعة المدرسية في المدارس المختلطة

قد تكون المدرسة في الوطن الصغير ( فلسطين ) أو في الوطن العربي الكبير ، أو في الوطن الإسلامي الأكبر ، شاملة من الصف الأول الأساسي حتى الثاني الثانوي ، وقد تكون مدرسة أساسية منفصلة ومستقلة عن مدرسة ثانوية وهو النظام الأمثل والأصلح في النظام التربوي العصري دينيا إسلاميا وعلميا وحضاريا . وهناك مدارس مختلطة بين التلاميذ الذكور والإناث في عشرات المدارس الفلسطينية أو العربية وغيرها ، وهي حالة استثنائية يفترض أن يتم فصل الطلبة الذكور عن الإناث ليأخذ الجميع راحته العلمية والاجتماعية والنفسية ، ولتأخذ البنات خاصة راحتها في التعليم المدرسي العام . فالاختلاط يولد الخوف والحياء من الآخر في المدرسة ، ويسبب في بروز مشكلات نفسية واجتماعية ناتئة آنية وآجلة يمكن الاستغناء عنها بالفصل بين الذكور والإناث . ويمكننا القول ، إن المدرسة تختلف عن الجامعة ، ففي الجامعة يكون الطلبة أكثر نضوجا وتحملا للمسؤولية ومعرفة بمصالحهم بينما يتسبب الاختلاط بين الطلبة والطالبات في المدارس بالأذى النفسي والمعنوي في غالب الأحيان .
ومهما يكن من أمر ، فإن فترة بث الإذاعة المدرسية الصباحية قد تمتد قبل الدوام المدرسي وأثناءه وبعده ، بالحدين الأدنى والأقصى ما بين 10 – 30 دقيقة يوميا . والمشاركة الإذاعية في المدارس المنفصلة أكثر جدوى وفائدة من المدارس المختلطة .

من الأكثر نجاحا .. الإذاعة المدرسية للذكور أم الإناث ؟

تتواجد الإذاعة المدرسية في فلسطين ، وربما في بعض قارات العالم ، في كل من مدارس الذكور ومدارس الإناث ، في المراحل الثلاث التعليمية : الأساسية الدنيا والأساسية العليا والثانوية .
ويشارك التلاميذ من الذكور والإناث كل على حدة ، أو بشكل مختلط في الأداء الإذاعي المدرسي ، وفي النظام المختلط تكون الحساسية كثيرة والحياء واضح للعيان والبيان ، وإن كانت البنات يحاولن إثبات أنفسهم إلا أن مظاهر الاختلاط قد تجعل الفتيات المذيعات في الإذاعة المدرسية أكثر للسخرية والاستهزاء من بعض التلاميذ الذكور المتعثرين من أصحاب الجدل السفسطائي المبين ، ويكلف إدارة المدرسة جهدا إضافيا في الكثير من الحالات ، وكذلك على العكس من ذلك ، يجعل بعض التلاميذ المذيعين الذكور أكثر استعراضية وتحضيرا لنيل الرضى النفسي والأنثوي والمجتمعي ، وكثيرا ما تتغلب المذيعات المدرسيات من الطالبات على المذيعين الذكور ، ويجعل التنافس بين الجانبين أكثر تهويلا وتبجيلا .
والأجدى للإذاعة المدرسية أن تكون المدارس غير مختلطة بين الذكور والإناث ، لينال الجميع فرصته في الإعداد والتقديم المناسب ، بمنافسة نوعية متعاظمة ، وليأخذ كل ذي حق حقه .

أجهزة الإذاعة المدرسية

تتضمن أجهزة الإذاعة المدرسية مكبرات صوت بعدد سماعتين أو ثلاث أو أكثر حسب حجم المدرسة ، بأحجام كبيرة أو متوسطة توضع في الساحات المدرسية بمكان مرتفع بشكل ثابت ، ويتم تداول الميكرفون الإذاعي المتنقل بين الطلبة وإدارة المدرسة الفلسطينية ، كما تشتمل الإذاعة المدرسية على جهاز تسجيل وراديو ، ويمكن أن يكون هناك جهاز حاسوب لبث بعض المقاطع الإذاعية من الأناشيد الدينية والنشيد الوطني الفلسطيني ( فدائي ) وغيرها .

برامج ومواد الإذاعة المدرسية

يقول الله الواحد القهار جل شأنه : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (84) مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)}( القرآن المجيد – النساء ) .
تتكون مواد الإذاعة المدرسية في فلسطين التي تذيع باللغة العربية في غالب الأحيان ، وتذيع باللغة الأجنبية أحيانا ، من جناحين :
الجناح الأول : وهو البرامج الإذاعية التي تعدها وتقدمها إدارة المدرسة من المدير ونائبه والسكرتير ، والمعلمين في مختلف أوقات الدوام المدرسي منذ بدايته حتى نهايته ، ولكنها تتركز في فترة الصباح والاستراحة النصفية المدرسية بين الحصص لجميع التلاميذ ، حيث تتم إذاعة تعليمات وزارة التربية والتعليم العالي وتنبيهات وتحذيرات إدارة المدرسة ، وإرشاد الطلبة لمواضيع معينة ، كالعمل التطوعي والتنظيف العام ، والانتظام والنظام في طوابير الصفوف باستقامة نفسية وذهنية وجسدية ، وحثهم على الطاعة الرشيدة وتحذيرهم من التمرد والعصيان ، وضرورة الإلتزام بالرسالة التعليمية السامية ، والابتعاد عن المشاكل والفزعات ( الطوش ) فيما بينهم والابتعاد عن النعرات العشائرية والقبلية وغيرها . وكذلك تشتمل برامج الإدارة على تنفيذ برامج رياضية كتمارين رياضية خفيفة ، عبر الإذاعة المدرسية ، يشرف عليها عادة معلم الرياضة لتنشيط همم وأجسام الطلبة وإذهاب النوم من عيونهم استعدادا لتلقي الحصص الدراسية المتعددة .
الجناح الثاني : وهو برامج التلاميذ الإذاعية : وتشتمل برامج الإذاعة المدرسية في فلسطين الأساسية ، وهو عنوان موضوعنا الرئيس ، على عدة مواضيع متعددة ومتنوعة ، ويتناوب فيها المذيعون والمعدون من التلاميذ الصغار والكبار للمواد الإعلامية المدرسية ، ومن أهم هذه المواضيع الآتي :
أولا : قراءة الفاتحة وهي السور الأولى في القرآن المجيد ( السبع المثاني ) .
ثانيا : النشيد الوطني الفلسطيني ( فدائي .. فدائي ) .
ثالثا : قراءة بعض الآيات القرآنية من سور القرآن العظيم ، حسب طبيعة المادة الإعلامية المعدة .
رابعا : قراءة بعض الأحاديث النبوية الشريفة ، حديث نبوي شريف أو أكثر في الفترة الإذاعية الصباحية .
خامسا : قراءة بعض بيوت الشعر العربية أو الأجنبية والأمثال والحكم الشعبية .
سادسا : قراءة بعض الأناشيد والأغاني الإسلامية والوطنية حسب المناسبات الدينية والقومية والوطنية العامة . وهذه مناسبات على سبيل المثال لا الحصر : رأس السنة القمرية الهجرية الإسلامية 1 محرم سنويا ، ورأس السنة الميلادية الأول من كانون الثاني سنويا ، ويوم الاستقلال الفلسطيني 15 / 11 سنويا ، ويوم الشهيد الفلسطيني 7 كانون الثاني سنويا ، ويوم الأرض الفلسطيني 30 آذار ، ويوم المرأة العالمي 8 آذار ، ويوم الأم العالمي 21 آذار ، وذكرى الثورة الفلسطينية في الفاتح من كانون الثاني ، ويوم الأسير الفلسطيني 17 نيسان ، وذكريات المجازر الصهيونية في فلسطين مثل مذبحة دير ياسين 9 نيسان ، وذكرى مذبحة صبرا وشاتيلا في بيروت 17 أيلول ، ويوم المعلم الفلسطيني 14 كانون الأول ، وذكريات استشهاد قادة وزعماء فلسطينيين وعرب ومسلمين وعالميين بارزين وغير ذلك من المناسبات والذكريات .
سابعا : مواد إذاعية مختارة من النثر والشعر والقصائد الأدبية والسياسية والعسكرية ، عن شتى المواضيع الفلسطينية والعربية والعالمية .
ثامنا : نشر برامج كشافة المدرسة الداخلية والخارجية .
تاسعا : الدعوة للمشاركة في احتفالات ومهرجانات دينية ووطنية وقومية في شتى المحافظات الفلسطينية والعواصم العربية والإسلامية والعالمية .
عاشرا : مواضيع أخرى عامة وخاصة . كالمسابقات الترفيهية والفنية ، بالإضافة إلى مواد إذاعية مدرسية قد تذاع باللغات الأجنبية : الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية وسواها .
وبهذا يجب أن يعود الأهل أبنائهم على طبيعية الحق والحقيقة والتدريب المتواصل على تلقي العلوم والمعارف الخيرة ، والإبتعاد عن الشر والشريرين ، والتعليم والتدريب في الصغر يكون سهلا ، بينما يصعب تعليم الأبناء وتربيهم التربية الصالحة حالما يكبرون .

دور الإذاعة المدرسية .. الطبع غلب التطبع
ورد في سنن أبي داود - (ج 10 / ص 49) عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ إِنِّي جِئْتُكَ مِنْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَدِيثٍ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا جِئْتُ لِحَاجَةٍ قَالَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ " . وجاء في مسند أحمد - (ج 47 / ص 72) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ " .
على أي حال ، تقوم الإذاعة المدرسية في فلسطين والعالم أجمع ، بدور كبير وفعال في صقل مواهب الطلبة ، دينيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفكريا وفنيا ، وتدربهم على الخطابة الجهرية أمام جموع الطلبة باستخدام الميكروفون ، وجعلهم من المتحمسين للحديث الإذاعي الصباحي اليومي ، فيتم تدوير الإذاعة المدرسية يوميا على كل صف من الصفوف والشعب الدراسية في المرحلتين الأساسية والثانوية ، بإشراف إدارة المدرسية الفعلي وتدريب بعض الطلبة الكبار المتفوقين على الإدارة الذاتية الأولية لبرامج الإذاعة المدرسية في فلسطين .
وليعلم الجميع أن الخطابة الملتزمة والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، هي صلب ونواة رسالة الأنبياء والرسل والأولياء والأصفياء والأنقياء والصالحين وأولي الألباب ، وأولى النهى والأبصار في الإسلام العظيم .
على أي حال ، تساهم الإذاعة المدرسية في عدة أمور لعل من أبرزها الآتي :
أولا : صقل مواهب التلاميذ الصغار والكبار عبر جعلهم يستعدون ويحضرون مواد الإذاعة المدرسية في شتى المواضيع حيث تنمي مواهبهم الذاتية في الخطابة والنشيد والإلقاء والوقوف أمام جمع غفير من الناس وهم الزملاء التلاميذ وطاقم المدرسة التعليمي .
ثانيا : تعويد التلاميذ على قوة الشخصية وعدم الخوف من وسائل الإعلام ، فهم المذيعون الصغار في 5 أيام من الأسبوع ، كون هناك عطلة أسبوعية في فلسطين في يومي الجمعة والسبت ، في الضفة الغربية ، والخميس والجمعة في قطاع غزة .
ثالثا : التمكين من اللغة العربية المقدسة الخالدة في نفوس التلاميذ الفلسطينيين والعرب .
رابعا : التعود على العمل الجماعي ضمن الفريق الواحد ، والتكامل في الأداء الإذاعي في الإعداد والإلقاء والإنهاء . ويكون ذلك بتنظيم التناوب في الخطابة والإلقاء والنشيد الجماعي والقراءة الجماعية للفاتحة والسلام الوطني الفلسطيني .
وتتألف مادة الإذاعة المدرسية والتدريب المسبق عليها ، من التالي :
1. البسملة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) .
2. التحية : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . أسعد الله صباحكم بكل الخير .
3. الناس المستهدفين : أيها المعلمون الأفاضل الأجلاء ، الحضور الكريم ، الزملاء الطلبة الأعزاء ، أيها الإخوة الكرام ... ) وهكذا .
4. عنوان الموضوع : ويذكر اسم الموضوع المراد إلقاء المادة الإعلامية عنه ( أهمية المسجد الأقصى المبارك ، العلم ، الكشافة ، يوم المعلم ، يوم الأسير ... ) وهكذا .
5. قلب ومادة الموضوع الكاملة : وهي المادة الإعلامية المراد إذاعتها ( مع تضمين آيات قرآنية ، وأحاديث نبوية شريفة ، وحكم أو أمثال شعبية ، متفرقة أو مجتمعة ) في سياق المقال الإذاعي . وقد يكون الموضوع المذاع سورة قرآنية قصيرة ، أو حدث نبوي شريف ، أو غيره . شرط مناسبته للإذاعة المدرسية . بالدعوة للخير والمثل العليا والأخلاق الحميدة ، وإرشادات فاضلة .
6. الخاتمة ( وأخيرا ، وختاما ، وفي نهاية المطاف )
7. السلام الأخير قبل مغادرة ميكروفون الإذاعة المدرسية . شكرا لمتابعتكم ، شكرا لإصغائكم ، وبارك الله فيكم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ويحبذ أن تطلع إدارة المدرسة عبر المدير أو نائبه أو المعلم المناوب أو أحد المشرفين المباشرين على الإذاعة المدرسية ، على المواضيع التي ستذاع في الإذاعة المدرسية مسبقا ، لتمكين الطلبة من التنفيذ الحي المباشر السديد والصحيح وعدم الاتكال على التلاميذ المشرفين قدر الإمكان .
خامسا : التعاون الإيجابي بين التلاميذ وإدارة المدرسية ، وعدم وجود حاجز نفسي وهمي بين التلاميذ من جهة وإدارة المدرسة من جهة ثانية .
سادسا : الإلتزام بالمواعيد والإنضباط التنظيمي في البرامج الإذاعية المتتابعة في الدقائق المحددة لكل تلميذ مذيع ، والتعويد على الإلتزام اليومي ببرامج الإذاعية المدرسية بالتناوب بين الصفوف وعدم تجاوز الوقت المسوح به لضمان عدم التأخر في الدخول للصفوف الدراسية .
سابعا : تعويد جموع التلاميذ على الاستماع اليومي للإذاعة والانضباط النفسي والجسدي واحترام حرية الآخرين ، ففي بث برامج الإذاعة المدرسية تكون قلة قليلة من يذيع وكثرة كاثرة ممن يستمع ، وهذا يجعل من الإذاعة المدرسية وكأنها مهرجانا يوميا متواصلا يلتزم به طلبة المدرسة .
ثامنا : تعزيز حب الله ورسوله والمؤمنين ، والتمسك بدين الله الخالد وهو الإسلام ، وتكريس مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين جميع التلاميذ . بنشر وبث الفضائل ومكارم الأخلاق والقيم النبيلة السامية والمثل العليا والأخلاق الحميدة المستندة للإسلام العظيم ومحاربة الرذائل والأخلاق السيئة .
تاسعا : مشاركة الأهل في إعداد المواد الإعلامية لأبنائهم ، وبذلك تكتمل الحلقة التعليمية الشاملة من الأهل وإدارة المدرسة والتلاميذ ويمكن الرجوع في إعداد المواد الإعلامية المحددة للكتب ووسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية والانتر نت دون نسخا بصورة تامة وإنما إتباع سياسة العصف الفكري في ذلك بإعادة صياغتها وقولبتها وتغييرها وفق الحاجة بلغة عربية رصينة سهلة تناسب تلاميذ الإذاعة المدرسية المذيعين والمستمعين .
عاشرا : معرفة التلاميذ المبدعين من المفلسين ، فيساهم العمل الإذاعي المدرسي ، في تنمية مواهب التلاميذ المبدعين للدخول في مسابقات ومهرجانات خطابية سواء على نطاق المدرسة أو مديرية التربية والتعليم في المحافظة الفلسطينية أو على المستوى القطري الفلسطيني أو العربي أو الإقليمي أو العالمي .
حادي عشر : إختيار وزارة التربية والتعليم النخبة من الطلبة المبدعين في الإذاعة المدرسية وتكريمهم والأخذ بأيديهم لتمثيل فلسطين في المسابقات العربية والإقليمية والدولية وحصد أفضل الجوائز .

الإذاعة المدرسية والحوافز والجوائز الرسمية والأهلية

العلم في الصغر كالنقش في الحجر

يفترض في وزارة التربية والتعليم في فلسطين والعالم ، أن تعين جوائز مالية وعينية ومعنوية شهرية وفصلية وسنوية للمتفوقين في الإذاعات المدرسية ، للتحفيز والتشجيع المستمر . فمثلا ، ينبغي أن يمنح المتفوقون في الإذاعة المدرسية ، سواء الذكور أو الإناث ، الجوائز المادية الرمزية كالإعفاء من الرسوم المدرسية السنوية ، أو مجموعة من الكتب العلمية والدينية الإسلامية والقصص ، والمراجع والموسوعات والقواميس وغيرها . وكذلك مكافأة المتفوقين بالإذاعة المدرسية بالخطابة ، والإعداد والتقديم ، ومنحهم الفرص التعليمية العليا والابتعاث وتوفير المنح الجامعية في أقسام وبرامج الصحافة في الجامعات الفلسطينية والعربية والأجنبية ، ليشقوا طريقهم في العمل المهني الإذاعي المستقبلي ، وهي طريقة خيرة في فرز الكفاءات الإذاعية للإذاعات ومحطات التلفزة والصحف والمجلات المحلية والعربية والإسلامية والعالمية .

دائرة الإذاعة المدرسية في وزارة التربية والتعليم

يفترض في وزارة التربية والتعليم في فلسطين والوطن العربي والوطن الإسلامي والعالم ، بدعم رسمي أو مؤسسي أو شعبي أو أهلي أو تعاوني ، من وكالات ومنظمات التربية والثقافة العربية والإقليمية والعالمية كاليونسكو وغيرها ، في أن يكون هناك قسم خاص أو دائرة مختصة في الإذاعة المدرسية والتلفزيون المدرسي في مقر الوزارة وفي كل مديرية من مديريات التربية والتعليم في البلاد ، لرعاية هذا النشاط الطلابي الهام في المجتمع ، وتكون مهمة هذه الدائرة الإذاعية المدرسية المختصة زيادة الاهتمام ببرامج الإذاعة المدرسية وتطويرها نحو المهنية الفضلى وتنظيم دورات تدريبية للطلبة المتفوقين ، وللقائمين على الإذاعة المدرسية ، من المعلمين والطلاب ، على حد سواء ، وتنظيم رحلات مهنية وتثقيفية لمحطات الإذاعة والتلفزيون المحلية والعربية والإسلامية والعالمية للمتفوقين للأخذ بأيديهم نحو الدرجات العلى . وكذلك يفترض أن تحدد ميزانية لتمويل الإذاعات المدرسية لشراء الأجهزة وتحديثها ، وتوفير المستلزمات المادية والفنية والتقنية والتدريبية وسواها ، سواء من رسوم المدارس أو ميزانية وزارة التربية والتعليم الأم في الدولة .

الإذاعة المدرسية المفتوحة .. رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ


الإذاعة المدرسية ، في فلسطين لها وقت معلوم ومحدد صباحي يوميا في الأيام الخمسة من أيام الدراسية في الأرض المباركة فلسطين ، فهي زاد الطلبة نحو الهمة والنشاط والاستعداد النفسي والذهني للنهل من مناهل العلوم والمعارف المتعددة وإلقاء الجهل والجاهلية والإهمال والكسل جانبا . ويفترض فيها التركيز على الإسلام والحرية والاستقلال والتحرير من المحتلين والاحتلال الصهيوني ، فمهمتها ليس التدريب المهني فحسب بل زرع حب الله ورسوله وحب الدين والوطن والفداء .
وبهذا فإن الدقائق المعدودة الصباحية اليومية للإذاعة المدرسية ليست بكافية بل يجب رفدها بأيام إذاعية مفتوحة ، تجعل من الطلبة المذيعين بالإذاعة المدرسية مدرسين ومعلمين لزملائهم التلاميذ الآخرين في شتى المواضيع . وغني عن القول ، إن الأيام الإذاعية المفتوحة لا ترهق التعليم الحصصي المدرسي بل هي عامل مساعد لتمكين الطلبة من القيام بدور المعلمين الصغار في شتى المواضيع أمام جمهور غفير من الطلبة والطاقم التدريسي في المدرسة المعنية وحضور أولياء أمور طلبة لمدارس الذكور ، وأمهات طالبات لمدارس الإناث ، يهتمون بهذه النشاطات اللامنهجية لتشجيع الطلبة على الإذاعة المدرسية .
ويفترض في اليوم الإذاعي المفتوح في مدرسة الذكور أو الإناث كلا على حدة ، أن يستمر يوما كاملا ، لتمجيد وتخليد ذكرى معينة ، إسلامية دينية أو قومية ، كالمولد النبوي الشريف ، أو شهر رمضان المبارك ، أو الحج الإسلامي أو عيد الميلاد المجيد ، أو تأبين شهيد من تلاميذ أو معلمي المدرسة وتنظيم ذكرى يوم الشهيد الفلسطيني بمشاركة ذوي الشهداء ، أو يوم الأسير الفلسطيني ، بدعوة أهالي الأسرى وغير ذلك ، وذلك بتنظيم طلابي ذاتي كتمثيل طلبة لإدارة المدرسة ، طالب يشغل منصب مدير مدرسة وطالب يشغل منصب نائب مدير المدرسة وطالب يشغل منصب سكرتير وهكذا ، برعاية إدارة المدرسة الحقيقية ، أو بتنظيم مشترك بين التلاميذ مع إدارة المدرسة ، مع بث برامج إذاعية متواصلة مباشرة وجاهيا لا من وراء حجاب ، لحدث أو أحداث معينة ، بالتنسيق مع هيئات الإذاعة والتلفزيون الرسمية والأهلية والحزبية والخاصة ، تشتمل على فقرات أناشيد ومسرحيات طلابية هادفة يتم تنظيمها بالتعاون بين إدارة المدرسة والتلاميذ المهتمين من الكشافة ذات اللباس المدرسي الموحد . وكذلك يفترض العمل على تنظيم أيام مفتوحة في المدارس للكشافة ، بمشاركة المهتمين من الطلبة والمعلمين .
على أي حال ، يمكن تنظيم أيام إذاعية مفتوحة ، لتلاميذ المدارس في النوادي الصيفية والمعسكرات الصيفية ، الرسمية والشعبية ، على السواء ، لتتضمن كافة المواضيع السياسية والاجتماعية والعسكرية والاقتصادية والترفيهية والفنية وغيرها .

أبنائي وتجربة ذاتية في الإذاعة المدرسية ..
أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ

يقول الله العلي العظيم عز وجل : { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) }( القرآن العظيم – لقمان ) .
كان لي ثلاثة أبناء في المدارس الأساسية والثانوية ( هلال وحازم وآية ) المنفصلة ، ذكورا وإناثا ، في مدارس قرية عزموط ، تخرجوا من المدارس والتحقوا بالجامعات وبعضهم أنهى الدرجة الجامعية الأولى ، بحمد الله وفضله ، والآن لي الإبنة الصغرى ( أمل ) في الصف الأول الأساسي ، عودتهم على الاهتمام بالإذاعة المدرسية ، بالمشاركة الفعالة ، وكنت أعد لهم المواضيع المكتوبة أو المطبوعة على الحاسوب ، الأسبوعية والفصلية والسنوية المتعددة والشاملة المقتضبة ، بما يتراوح ما بين 1 – 5 دقائق ، حسب المناسبات الدينية والوطنية والقومية ، الداخلية والخارجية ، في المواضيع الإسلامية والوطنية والصحية والتعليمية المتعددة الأشكال والمجالات ، وكنت أطلب منهم إعادة كتابة المقال أو الموضوع بخط أيديهم ، وأدخل في المقال المختص آيات قرآنية مجيدة ، وأحاديث نبوية شريفة ، وحكم وأمثال شعبية ، وإحصاءات وبيانات ، ومعلومات طيبة متخصصة وإرشادات ، وأقوال لشخصيات مشهورة ، وكيفية افتتاحية المقال الإذاعي المدرسي بالبسملة وتحية جموع المخاطبين من المعلمين والحاضرين والتلاميذ ، بالسلام الإسلامي ، وعنوان المقال ، وكيفية الإلقاء وإنهائه ، وشكر القائمين على الأمر ، وإدارة المدرسة وزملائهم الطلبة ، ثم أدربهم على الإلقاء بشكل متقن . وفي مرحلة لاحقة ، دربتهم على كتابة المواضيع بأنفسهم ، والمشاركة في كشافة المدارس ، وعمدت أن أخصص لهم الجوائز المالية والعينية والترفيهية ، عن كل مشاركة إذاعية مدرسية ، وأحاول الاستماع لإلقائهم الفعلي الحقيقي في الإذاعة المدرسية الصباحية ، عن بعد كون بيتنا قريب من المدارس بقرية عزموط بمحافظة نابلس بفلسطين ، وأشجعهم وأشد على أياديهم ، وكانوا ينالون الاهتمام الوافي من إدارة مدارسهم مشكورة ، وكانوا من المتفوقين في الإذاعة المدرسية ، كل في مدرسته ، وقد نشأوا على الاهتمام بالعمل الإذاعي المدرسي والحياتي العام ، وكنت آخذهم معي لمقر هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية برام الله ، فكان لهم نصيب من فقرات برنامج ( جنة الصغار ) من إعداد وتقديم الزميل القدير في برامج الأطفال ( مازن الهشلمون ) بارك الله فيه . وقد شارك ابني هلال عندما كان في الصف الخامس الأساسي بمسابقة الخطابة في المدارس الحكومية بفلسطين ، ونال الجائزة الأولى ، عام 1998 برعاية وزير التربية والتعليم العالي المرحوم ياسر عمرو . وأذكر أنني عندما تخرجت بدرجة الماجستير بتخصص الدراسات العربية المعاصرة في جامعة بير زيت بفلسطين بحزيران – يونيو عام 1998 ، نظمنا حفلا للتخرج ، فطلب مني ابني هلال أن يرافقني في تلك الحفلة فلبيت له طلبه ، واصطحبته بسيارتي الخاصة ، وعندما كنا نحتفل في إحدى القاعات بحضور جميع أستاذتي في برنامج الدراسات العربية المعاصرة ، وألقيت كلمة مقتضبة في الحاضرين شكرا لهم ، ولإدارة الجامعة ، طلب مني هلال أن يلقي كلمة ، فقلت له أنصت ؟! فلم يطاوعني فغافلني برهة ، وذهب مسرعا من جانبي للدكتور كمال عبد الفتاح رئيس برنامج الدراسات المعاصرة بجامعة بير زيت آنذاك ، بارك الله فيه وجزاه خيرا فكان أستاذي وأخي وصديقي في الآن ذاته ، وطلب هلال منه أن يلقي كلمة في الحفل ، فوافقه على ذلك بلا تردد ، فخطب هلال خطبة مجلجلة مفعمة بالحب والأمل مثنيا على الجميع ، فعدد أسماء جميع الأساتذة الحضور ، رغم أنه قابلهم للمرة الأولى قبل الاحتفال بتخرجي بساعات قليلة ، وشكرهم وألقى كلمة ارتجالية اجتماعية وسياسية جامعة ومانعة ، وسط استغراب الحاضرين والتصفيق العالي ، فأكرمه الحاضرون ، معنويا وطيبوا خاطره ، واثنوا عليه ثناء حسنا ، وأوصوني به خيرا ، وكان وقتها في الصف الخامس الأساسي .
وعندما كبر ابني البكر هلال أصبح يكتب لأبناء الأقارب مقالات لتذاع في الإذاعة المدرسية كل في مدرسته ، ثم تعلقت نفسيه بمهنة العمل الصحفي الإذاعي والتلفزيوني ، فأخذ يخطب في بعض المساجد داعيا إلى الله في شتى المواضيع الإسلامية ، كونه يحفظ حوالي 12 جزءا من أجزاء القرآن العظيم ، كتاب الله العزيز المقدس ، وألقى خطبا سياسية جامعة في بعض المهرجانات المركزية الفلسطينية بمحافظة نابلس ، كالاحتفال بتخريج المعسكرات الصيفية في فلسطين . وبعد إنهائه الثانوية العامة ، التحق بقسم الصحافة بكلية الآداب بجامعة النجاح الوطنية في نابلس عام 2006 ، معلنا أنه متمكنا من الخطابة في أي موضوع عام أو خاص ديني إسلامي أو سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو خلافه ، وتخرج في الجامعة بدرجة البكالوريوس ( صحافة ) بتقدير عام جيد جدا مرتفع ( 86.5 % ) مطلع 2010 . وها هو يلتحق بوسائل إعلام إلكترونية فلسطينية ، كما هي هوايته الأولى ، في الإذاعة المدرسية بقرية عزموط بمحافظة نابلس ، ولله الحمد والمنة .
وها هي أبنتي الصغرى ( أمل الزهراء ) أدربها على الإلقاء الإذاعي وأشجعها على المشاركة بالإذاعة المدرسية عبر الأناشيد مع زميلاتها الطالبات واخصص لها جائزة مالية معينة أو شراء قطعة ملابس إضافية ، عن كل مشاركة عبر ميكروفون الإذاعة المدرسية .
وعلى كل الأحوال ، فإن أبنائي الجامعيين الثلاثة ( الذكرين والأنثى : هلال وحازم وآية ) عودتهم الإذاعة المدرسية منذ صغرهم على إثراء المناقشة والمشاركة في تحضير وإلقاء المحاضرات في جامعة النجاح الوطنية ، أمام زملائهم دون خوف أو رهبة أو وجل من الوقوف أمام جموع طلابية أو مهرجانات أو احتفالات عامة أو خاصة ، وهذا من إنجازات وثمار الإذاعة المدرسية في فلسطين ولا أذكر ذلك فخرا وإعتزازا واستعراضا شخصيا ، معاذ الله أن يكون ذلك كذلك ، بل هو إيمانا مني بنقل تجربة ذاتية شخصية عايشتها أولا بأول ، بضرورة تعزيز وترسيخ فعالية الإذاعة المدرسية في الحياة الطلابية الخاصة والعامة لخدمة الأمتين العربية والإسلامية ، وتنشئة الأجيال تنشئة سوية مستقيمة تؤمن بالإسلام العظيم طرقا ومنهاجا للحياة في هذه الدنيا الفانية والوصول للحياة الآخرة الباقية التي هي خير وأبقى . فلتكن الإذاعة المدرسية رافدا كبيرا بل رافعة قوية للنهوض بالشخصية الطلابية الفلسطينية والعربية والإسلامية والعالمية .
وكما يقول الدعاء العظيم : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)}( القرآن الحكيم - الفرقان ) .

كلمة أخيرة .. خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ
يقول الله الحليم العظيم سبحانه وتعالى : { كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) }( القرآن المبين ، المطففين ) .
وأخيرا ، فإن الإذاعة المدرسية هي نافذة التلاميذ والطلبة بالمدارس الفلسطينية الحكومية والخاصة والوكالة ، على النشاطات اللامنهجية التي تكرس وتعزز العمل الطلابي الجماعي ، وتولد الحافزية والاستعداد للحديث الوجاهي أمام الجموع وليس من وراء حجاب كما هو حال بالإذاعات المسموعة المحلية والوطنية العامة في فلسطين الأرض المقدسة . وتعمل هذه الإذاعة المدرسية على التكامل ما بين التعليم النظري والتطبيق العملي على الساحة الطلابية العامة وتجعل التلميذ أو الطالب يحترم ويحب العلم ومواصلة التعليم والمدرسة حبا جما . ولا بد لإدارة المدرسة أن تأخذ بيد التلاميذ الضعفاء علميا ، وتجعل منهم خطباء يواجهون الخوف أمام ميكروفونات الإذاعة المدرسية ، وتبدد الخوف من نفوسهم ، وتجعل من جميع الطلبة معدين ومقدمين لبرامج إذاعية يومية بالتناوب التنظيمي والمعرفي في الساحات المدرسية العامة .
آملين كل النجاح والتوفيق في الأداء الإذاعي المدرسي المبدع لجميع طلبة وتلاميذ فلسطين الأباة ، ليعيشوا الحياة الفلسطينية والعربية والإسلامية والعالمية العامة بحلوها ومرها بإرشاد إداري وزاري وتربوي ومدرسي يقوم على المساواة بين جميع الطلبة ، وتعظيم الملكات الأدبية والخطابية في صفوف التلاميذ . والتعويد والترويض على أنظمة الضبط والربط المدرسية التربوية الفعلية والرياضية الشاملة . وكذلك التنشئة الاجتماعية التنشئة الإسلامية الحميدة السعيدة المجيدة القويمة الواعية لإنشاء وإصلاح المجتمع الإسلامي المرصوص ، لنيل الرضا الإلهي العظيم ودخول جنات النعيم المقيم .
وكما قال نبي الله شعيب عليه السلام : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)}( القرآن المجيد ، هود ) .
نترككم في أمان الله ورعايته . والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .