الحلقةالسادسة والسابعة من ألم الفراق بقلم :عدنان أبو شومر
تاريخ النشر : 2010-03-28
القصة من نسج الخيال والشخوص من نسج الخيال
أما الفكرة فهي من الواقع
****************************************
مواجهة وشموخ :
قلت للمحقق : ما ذا تقصد بالرأس المدبر .. ؟! قال :كفاك مكرا وخداعا .. رأس مجموعتك الإرهابية طبعا ..
سألته بتعجب :أي إرهاب هذا الذي تتحدث عنه ؟!أنت تعلم من هو الإرهابي ..؟! قال :
أخبرني أنت يا مخمود من هو الإرهابي ؟!! أعتقد أنك تعرفه جيدا ...!!
الإرهابي :هو من سلب الأرض وقتل الأجنة قبل أن تتخلق في بطون أمهاتها وقتل الطفولة البريئة وحرق ودمر وجرف وأباد واغتصب وسبى وبطش و سرق.... وصادر !!!!!!
وهناك الكثير من المفردات ... في قاموسكم المحفوظ في قلوب أجنتنا قبل تكونها .... قاموس القتل والتدمير انه قاموس ..لا يعرف الخطوط الحمراء، فهو يتسع لكل مفردات القهر والظلم .. والقتل في العالم .. فما قلته في وصفكم أقل من ممارساتكم!!!!! .. ولكنني اخترت منها ما يليق بك .. أيها المحقق ..!ّ!
فلكل مقام .. مقال ..!!
أدرت رأسي إلى جهة الباب ..في محاولة مني لاستراق السمع ..على وقع أقدام قادمة ناحيتنا ثم فاجأني المحقق , بصفعة قوية على خدي الأيمن.. استدرت من شدتها إلى الناحية اليسرى
ثم لكمني بقوة فوق صدري ..
استشطت غضبا وألما....!!
التفت إلى وجهه ثم بصقت , وصحت بأعلى صوتي , فلتذهب إلى الجحيم أيها الإرهابي..!!
أيها القاتل ..!! كفاك اهانة , وإذلالا.!!
والله لولا قيودي هذه ...! لقتلتك ..!!
الشرر بدأ يتطاير من عينيه...!!!
حاول التظاهر بعدم الاكتراث , واحتواء الموضوع ,وكأن شيئا لم يكن..
وعلى أثر الصياح والشجار الذي دار بيني وبينه
دخل جنديان كأنهما بطلان من أبطال المصارعة , نظر إليهما وغمزهما فوقفا جانبا ...!!
أدركت أنهما قدما لتعذيبي , في محاولة لنزع اعترافاتي ...!
قلت في نفسي :
لن أبالي , فلن أموت قبل أن يكتب الله لي ذلك.....

همست في نفسي , وقلت لها اثبتي , فنحن على أول الطريق .
ساد صمت خيم على المكان للحظات قلائل ..!
كانت نظراتهم موجهة كأنها سهام تريد أن تستقر في قلبي , وتخترقه , ثم تمزقه إربا..! أطرقت لحظة , ثم نظرت إلى عيني المحقق , فعرفت أنني سأساق إلى أقبية التعذيب ....!!!
فعلا أشار لهما لسحبي إلى هناك .
سحبوني بقوة , ثم ضربوني على الجرح , بلا شفقة , وبلا رحمة , فعادت الدماء تنزف من جديد
أدمتني الدماء , لم يستثر منظر الدماء الشفقة في قلوبهم , فلهم قلوب كالحديد.. بل هي أقسى من الحديد.!!!!

أقعداني بكل احتقار على كرسي متحرك , مربوط بحبال مثبتة في سقف الغرفة ,ثم بدأا أرجحتي , هذا يلكمني وذاك يبصق في وجهي ويركلني .
وسائل التعذيب التي مارسوها معي كثيرة :أذكر منها
صعقي بالكهرباء ..ضربي بسلاسل ثقيلة على مختلف نواحي جسمي .... ضرب رأسي بالحائط ..ثم ضربي على مؤخرة الرأس بعصا ثقيلة ..
استمر نزيف جرحي فملأت الدماء ثيابي وفاضت لتترك آثارها على المكان ..
أحسست كأنني بنيان هشمته جرافات الاحتلال ..!!
لم أقو على رفع رأسي .. ..
الآلام سيطرت على كل أركان وزوايا جسمي , كدمات في الرأس وجروح .. حروق.. بقايا سجائر أطفئت في جسدي , هذا بالإضافة إلى الدوار الذي صاحب نزف جرحي
على اثر ذلك كله خارت قواي ..
المشهد كان رهيبا ..! انهمرت معه دموع والدتي فبكت بكاء مرا وكأنها تعيش الحدث من جديد..
أمي ..!!! ها أنا الآن أمامك .. الوقائع كلها انقضت , ولكنني أحببت أن أسجلها بكل أمانة, لتكون شهادة جديدة على جرائم المحتل ..
بدأت والدتي تتحسسني , وتضمني إلى صدرها ,والدموع ما زالت تغمر عينيها
دعيني أكمل يا حبيبتي !!!:
ثم ألقوني بعد ذلك جثة هامدة , على أرضية الغرفة تدوسني قدما المحقق
أخذ ينفث الدخان في وجهي نظرت إليه لم أتحققه إلا بالكاد ..
وبعد لحظات أدخل جنديان شابا معصوب العينين وموثوق اليدين
أقعداه إلى جانبي ، ثم قال المحقق لأحد الجنديين بلكنتهم : انزع العصابة عن عينيه ..
ثم نظر المحقق وقال لي : ألم تعرف صديقك الحميم ؟!! حدقت النظر فيه , بدأت أتذكر ملامحه بعد أن أخذت الصورة تعود تدريجيا إلى عيني عرفت أنه سامي !
حقا كان معنا على ظهر السفينة !!.. بدأت الأفكار تتحرك في رأسي.. انتظرت لحظات قبل الإجابة .. الموقف بدأ يتجه إلى التعقيد .. استجمعت أفكاري, وأخذت استحث بها جميع أجزاء جسمي وأقول لكل جزء من جسمي .. اثبت!!.. ستمر بإذن الله هذه الغمامة،، فأعني أيها الجسم الحبيب على التحمل....ثم نظرت إلى سامي ..!! حاولت أن أغمزه ليظل ثابتا , ثم نظرت إلى المحقق , وقلت : نعم أعرفه.. انه سامي , كان معنا على ظهر السفينة ....
المحقق : أنت لم تنكر إذن علاقتك ومعرفتك به ؟؟!!
نعم أنا لم أنكر معرفتي باسمه , فقد جاء من حينا ، وكان معنا على ظهر السفينة
ماذا تقول فيه إنه شاب عادي .. معرفتي به معرفة سطحية ..عابرة ..
المحقق : ولكنه أكد لنا بأنه يعرفك حق المعرفة ..
فقد أكد لنا بالأمس بأنك قائد المجموعة..
وأنكم ذاهبون للتدريب معا في ...
أية مجموعة التي تتحدث عنها؟؟ ..
وأي تدريب هذا .. الذي تدعيه ..!! لقد سبق أن أخبرتكم بالأمر من قبل ..
أنا مسافر للدراسة ولا علم لي بمثل هذه الترهات والأكاذيب .
نظرت إلى سامي : وقلت له بلهجة قوية ..كيف تدعي ذلك ؟!
سامي : أنا لم أعترف بشيء .. فقط ما قلته أننا مسافرون معا إلى قبرص
المحقق :أنكرت اليوم .. ما قلته بالأمس ؟؟..
أنتم أجبرتموني على اعتراف كاذب .. من التعذيب قلت لكم كل ما تريدونه..!!
قلت للمحقق وقتها : ها هو سامي أمامكم ينكر ما تزعمونه ..!!
نظر المحقق إلى سامي .. تغيرت ملامح وجهه .. أخد يرتعد من هول الموقف
حدقت النظر في عيني سامي .. أدرك سامي ما كنت أقصده ..أشاح سامي وجهه جانبا .. وأخذ يختلس النظر إلى المحقق تارة ثم إلى الجنديين ليرى ردات الفعل الناجمة عن إنكاره ..

بدأ الغيظ يظهر على وجه المحقق ... ارتفع صوته , ثم هجم بكلتا يديه يلكم, يضرب...يبصق. يشتم " سامي" ويتوعده بمزيد من التنكيل , والتعذيب ..!!
ويقول سأنزع أظفارك..!! من لحمك وأجعلك عبرة لقائدك ...........
وستعلم كيف نجعلك تقف وبأعلى صوتك لتسجل اعترافاتك أمام كل السجناء ؟؟.. وأنت كذلك
يا مخمود ..!!
قاطعت المحقق وقلت وقتها .. لا يعنيني اعترافه .!!.
انهال الجنود والمحقق علينا باللكمات والطعنات والشتائم ...الموقف كان رهيبا ..!!
ثم أوعز بعد ذلك إلى الجنديين لجرنا إلى أقبية الشبح والتعذيب ...
عندها أدركت أن رحلتي طويلة , بدأت تأخذ منحنى درامي من النوع الثقيل جدا , قد يصل الأمر فيه إلى حد موت البطل , أو أحد مساعديه , أو ربما موتهم جميعا .. لا أدري ..؟!
فلابد إذن من التحمل والثبات ..!!
الوطن سيظل يسكن في قلبي رغم كل ما يحدث لن أتزحزح .. حتى لو اعترف الجميع ..!!
سأظل شامخا ..!!

******************

وميض يمر بين ثنايا عقلي وقلبي.. يدفعني إلى الثبات ..!!
كنت أرى صورتك يا أمي الحنونة ، وصورة زوجتي الغالية ،وصورة حبيبي أحمد ،أمامي وأتخيل أنكم تنظرون إلي وأنا أسجل اعترافاتي !! .. فأزداد صلابة وإصرارا على التمسك بأقوالي ..!!
قلت في نفسي إن فرطت في الأمر .. فلن أعود إلى كرامتي شامخا ،ولن أتردد في قتل نفسي فليكن موتي شهادة .. أنتظرها... فطوبى لكل شهيد !!!
أنا لا أخشى القيود .. رغم التعذيب والتنكيل ..
تم سحبنا من جديد إلى غرف الشبح , وهناك حدث ولا حرج .. التعذيب بكل همجية .. أساليب جديدة ، كيس على الرأس ، يدان مربوطتان خلف الكرسي , أرجوحة قاتلة تعلق بين عملاقين.. هذا يضرب ،وذلك يلكم ، عصا فوق الرأس .. موسيقى صاخبة ، ودوار مستمر
كدمات.. حروق.. مياه حارة تسكب على الرأس ، ثم مياه شديدة البرودة تسكب بعدها مباشرة . في وقت تشتد فيه البرودة .. !!
العبث والضرب بمواقع حساسة .. تؤدي في معظم الأحيان إلى التسبب في عقم دائم ..!! وتتسبب أيضا في وفاة مستعجلة .. !!
ما أقوله قليل إذا ما قورن بما يجري في السجون ..

أساليب قمعهم وتعذيبهم للسجناء تتجدد وتتطور بحسب معطيات الزمان ..صراخ السجناء وولولتهم .. بكاء أنين .. استغاثة ..!!
كلها أساليب مقصودة . الغرض منها إثارة الذعر والخوف في نفوس الآخرين
كنت أسمع أنات السجناء بين الفينة والأخرى وأسمع صراخهم يعلو ويرتفع , فأزداد قلقا وحزنا عليهم .. لا أبالي بنفسي , فقد وقعت عقدا مع نفسي بأن أظل أكتم همي , وأعض على جرحي , ولن أجعل سبيلا لدموعي ..
ظلت دمائي تنزف طيلة فترة التعذيب ..... شعرت بدوار شديد ..ثقل لساني ..!!
اعتقدت أنها نهايتي
بعدها فقدت الوعي , خيم الظلام فأدركت أن غيبوبتي.. استمرت فترة طويلة .!!
صحوت بعدها بتثاقل بالكاد استطعت أن أفتح عيني , فوجدتني ملقى على سرير في حجرة كما يبدو أنها عيادة .. داخل السجن!!
نظرت حولي فلم أجد إلا جدرانا تئن بسواد حالك, وآثار أصابع ملطخة بدماء ارتسمت على جدرانها ..!!
استعدت الشريط وظل منظر سامي الذي يصغرني بخمسة أعوام أمامي وهو يرتعد خوفا ينظر إلي .. منظره ظل يبكيني حتى هذه اللحظة ....!!
تذكرت المرة الأخيرة التي شاهدته فيها قبل ساعات عندما افترقنا بعد عملية التعذيب
تابعت أخبار السجناء وأخبار السفينة رقم ... المتجهة إلى قبرص من ...
وتمكنت من جمع بعض المعلومات ..
منها أن هنالك مجموعة فدائية كانت متجهة إلى إحدى الدول لتتلقى مزيدا من التدريبات العسكرية ,تم إلقاء القبض على أفراد المجموعة التي يزعمون بأنني قائدها ...
أما سامي .. فقد استشهد وعلمت بعد فترة من أحد السجناء الذين التقيت بهم في عنابر العزل أما قصة استشهاده فكانت على خلفية انتزاع اعترافه ..
فقد عذبوه بكل وسائلهم القذرة..كسروا ساقه اليسرى من عظمة الفخذ ,وتركوه يئن بالألم وركزوا اللكم والضرب على موقع الكسر في محاولة منهم لإجباره على توقيع اعترافه ,
فدخل في غيبوبة , قرر الأطباء بعدها بتر ساقه اليسرى , وفي أثناء عملية البتر استشهد البطل الحبيب ..
وظلت أسرار اغتياله بدم بارد شاهدا جديدا على بطشهم وتنكيلهم..!!
أما عمليات التعذيب والقمع مستمرة لم تتوقف بموت أحد أو ...!!
لا يتورعون باستخدام أشدها تأثيرا وفتكا .. ولكني بقيت ثابتا أقاوم كل أساليبهم مجتمعة ..
ظلت قصتي تراوح مكانها , فكنت دائم التنقل بين عنابر السجن المختلفة وبين أقبية التحقيق
جن جنونهم , لأنني أثبتت لهم أنني أمتلك قدرة تحمل تفوق الوصف .. لذلك ظلوا يتفننون في استخدام واستحداث الوسائل والأساليب الجديدة لإجباري على الاعتراف , ولكن جميع محاولاتهم كانت تبوء بالفشل ..!!

بعد مرور شهرين قرروا نقلي إلى معتقل آخر
نقلوني إلى المعتقل الجديد , ثم قرروا عزلي .... !!!


يتبع ...