الأسرة الفلسطينية في ظل الانقسام السياسي بقلم:أ. بسام أبو عليان
تاريخ النشر : 2010-01-12
الأسرة الفلسطينية في ظل الانقسام السياسي
أ. بسام أبو عليان

لا يختلف اثنان على أن الأسرة هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع الإنساني، والتي بصلاحها وتماسكها وسلامتها يكون صلاح وتماسك وسلامة المجتمع، وبتحللها وفسادها وتفككها يكون تحلل وتفكك وفساد المجتمع.

وتعتبر الأسرة صورة مصغرة عن المجتمع الذي تعيش فيه، فثقافة الأسرة وطبيعة العلاقات الاجتماعية بين أفرادها هي انعكاس لثقافة المجتمع وطبيعة العلاقات الاجتماعية بين أفراده.

والأسرة الفلسطينية لها العديد من الصفات والمميزات التي تميزها عن بقية الأسر في المجتمع العربي، وعادة ينظر إلى الأسرة الفلسطينية على أنها الحصن المنيع والأخير الذي يتحصن فيه أفراد المجتمع الفلسطيني للوقوف في وجه الحملة الصهيونية التي تريد أن تلغي الوجود الفلسطيني، وتقضي على معالم المجتمع الفلسطيني. وكان ولازال للأسرة الفلسطينية دورا طليعيا مميزا على مدار الثورات والانتفاضات التي خاضها الشعب الفلسطيني سواء ضد الانتداب البريطاني أو العدو الصهيوني، فقدمت الأسر الفلسطينية الشهداء والجرحى والأسرى، وسخرت كل ما تملك من أجل أن تبقى عزيزة شامخة فوق الأرض الفلسطينية.

إلا أن هذه الصورة المشرفة والمشرقة للأسرة الفلسطينية شابها شيء من الضبابية، وبدأت تفقد بريقها ولمعانها منذ أن وقع الانقسام السياسي (اللعين).

وبحكم طبيعة المجتمع الفلسطيني، والتعددية الحزبية فيه ـ حيث بلغ عدد التنظيمات الفلسطينية ثلاثة عشر تنظيما موزعة بين إسلامي ووطني ويساري ـ، فقد تجد في الأسرة الفلسطينية الواحدة أكثر من توجه سياسي، فقد يكون الأب فتحاويا، والابن الأول حمساويا، والآخر جهداويا ـ نسبة إلى الجهاد الإسلامي ـ، وربما تجد ثالثا يساريا.

هذه التعددية لم تكن تشكل أية مشكلة أو عقبة في طبيعة العلاقات الأسرية قبل الانقسام السياسي، لكن منذ أن وقع الانقسام السياسي أصبحت الأسرة الفلسطينية ضحية هذا الانقسام، وصارت حلبة للصراع السياسي بين أفرادها، فأصبح كل فرد في الأسرة يتعامل مع الآخر ليس بناءً على عاطفة الأبوّة والأخوّة والأمومة التي يغلب عليها الدفء العاطفي والعلاقات الحميمة، إنما أصبحت العلاقات الاجتماعية في الأسرة الفلسطينية انعكاس للعلاقات الاجتماعية في المجتمع، فلم يعد الأخ الحمساوي (يطيق) شقيقه الفتحاوي لأنه ليس من تنظيمه، ولم تعد الأم الفتحاوية تفضّل ابنها الحمساوي، فهو عاق لأنه ليس من تنظيمها... وهكذا.

الزواج:
حتى أن الزواج ـ الطريق الممهد لتكوين الأسرة ـ لم يسلم من آثار الانقسام السياسي.

الجميع يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حدد فيه معايير اختيار الزوجة، حيث حددها في أربعة معايير: "تنكح المرأة لأربع: جمالها، حسبها، مالها، دينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك". وقد حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم معايير اختيار الشاب فقال في الحديث: "إذا أتاكم مَنْ ترضون دينه وخلقه فزوجوه".

إلا أن هذه المعايير التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم لاختيار الشاب أو الفتاة المقبلون على الزواج لم تعد تشكل معاييرا رئيسية، إنما أصبحت معاييرا من الدرجة الثانية، وحلت بدلا منها معايير جديدة تتماشى مع الواقع الجديد في المجتمع الفلسطيني الذي خلّفه الانقسام السياسي، فلم تعد معايير اختيار الزوجة أربعة كما في الحديث إنما اختزلت في اثنتين: "تنكح المرأة لاثنتين: فتحاويتها أو حمساويتها، فاظفر بفتاة حزبك تربت يداك"، أما معايير اختيار الشاب فهي اثنتان أيضا، "إذا أتاكم من ترضون فتحاويته أو حمساويته فزوجوه"!!

هذا الكلام ليس تهكما أو من نسج الخيال، إنما هو حقيقة ما يجري في المجتمع الغزي، اجلس في أي مجلس من مجالس العامة وستسمع عجبا عن عشرات المشاريع الزواجية التي فشلت بسبب الانتماءات الحزبية. فقد يكون الشاب قمة في الأخلاق الحسنة والالتزام الديني إلا أن انتماءه السياسي قد يعيق زواجه لأنه لا يتوافق مع انتماء الأب أو الشقيق الأكبر للفتاة!! ولم يعد يهم الآباء والأخوة أخلاق الشاب المتقدم للزواج ودينه كثيرا، بل هي أمور ثانوية، إذا اطمئننا على توافق الانتماء السياسي بين الشاب وذوي الفتاة.

التنشئة الاجتماعية:
كذلك فإن عملية التنشئة الاجتماعية هي الأخرى لم تسلم من تبعات الانقسام السياسي. فقد انعكست الظروف الاجتماعية في المجتمع الغزي على أساليب التنشئة الاجتماعية، وبدون شك أنها انعكست بشكل سلبي وسيء، فعملت على تعزيز ثقافة الأنا والتعصب ورفض الآخر وانعدام ثقافة الحوار. فصار الأب بحكم سلطته وموقعه في السلطة يفرض على أبنائه الالتزام بالحزب الذي ينتمي إليه، وإلا فإن الابن عاق وحل عليه السخط والغضب الوالدي، وفي في بعض الحالات يطرد الابن من البيت، وليقم التنظيم الآخر الذي ينتمي إليه الابن بتوفير السكن والغذاء له!!

في العادة عندما يبدأ الطفل النطق نعلمه ونلقنه كلمات (بابا.. ماما)، أما الآن أصبح الآباء يعلمون أطفالهم ويلقنونهم كلمات (فتح.. حماس) كل حسب انتمائه!!

أي انحلال هذا وأي تفكك وأي انهيار هذا الذي حل بالأسرة الفلسطينية والمجتمع الفلسطيني عموما!!