هل من استراتيجية فلسطينية لمواجهة مشروع شارون بقلم:د.إبراهيم أبراش
تاريخ النشر : 2005-03-06
د/إبراهيم أبراش

هل من استراتيجية فلسطينية لمواجهة خطة شارون؟

الأشهر القليلة القادمة حبلى بالتطورات والتوقعات والمراهنات ،منها ما نملك خيوطها والقدرة على تحديد مسارها وضبط تداعياتها ،وغالبيتها تملك إسرائيل خيوطها وتحدد مسارها .ولا نبالغ إن قلنا بان المرحلة القادمة والتي عنوانها تطبيق خطة شارون شبيهة بمرحلة اوسلو ،فالآتي هو مخطط سياسي جديد ولكنه يأتي في ظل متغيرات محلية ودولية أقل تفاعلا وتجاوبا مع حقوقنا المشروعة وفي ظل موازين قوى عسكرية وحضارية أكثر ميلا لصالح لإسرائيل .

لن نعود للجدل القديم /الحديث حول أوسلو وأين كان الخلل ،هل في نهج التسوية بحد ذاته ؟أم في نصوص أوسلو؟ أم في طريقة تطبيقه؟... الواقع الراهن يقول بأن المنجزات كانت اقل بكثير من المتوقع والمأمول واقل كثيرا من الثمن الذي دُفع .ونخشى أن تتكرر اليوم تجربة أوسلو ولكن بشكل أكثر مأساوية لأنه لم يعد لدينا شيء سنساوم عليه مستقبلا .فاوضوا في أوسلو بسرية وبارتجالية وبدون لجان متخصصة ،وفي السنوات الأولى من تنفيذ الحكم الذاتي تكالب البعض على السلطة ومنافعها وتجندت المعارضة على تخريب السلطة ونهجها ،وباسم المصلحة الوطنية ارتمت السلطة في أحضان أمريكا وراهنت على حسن نية إسرائيل ،وباسم المصلحة الوطنية رفعت المعارضة راية الجهاد والاستشهاد وأعلنتها حربا لا هوادة فيها ضد اليهودية والصهيونية ومن يقف معهم ،وضاعت المصلحة الوطنية وسط مدعي العمل من اجل المصلحة الوطنية .

اليوم هناك ملامح أوسلو جديدة تحمل عنوان خطة شارون ،فماذا أعد لها الفلسطينيون سلطة ومعارضة ؟.عندما أعلن شارون عن خطته انبرت المعارضة لتقول إن شارون يهرب من غزة تحت وقع ضربات المقاومة ،وبما انه يهرب فلننتظر حتى يكمل هروبه ثم نرفع رايات النصر على أنقاض مستعمراته ولنجعل غزة قاعدة لاستكمال المشروع التحريري ! وفي السلطة بعضهم كرر خطاب المعارضة مع شيء من تلطيف اللهجة وبعضهم وخصوصا في الحكومة قالوا بما أن شارون سينسحب بإرادته المنفردة وسيفك الارتباط من طرف واحد ،فلا أحد يمنعه وعلينا أن نجلس وننتظر !. المواقف المعلنة للسلطة والمعارضة من خطة شارون لم تكن تعبر عن قناعات حقيقية عند القادة الكبار الذين يعلمون حقيقة مخطط شارون ،يعلمون بأن شارون لا يهرب من غزة بقدر ما انه يقدم القليل ليأخذ الكثير ـويعلمون بأنه لن يخرج دون شروط سيفرضها على الفلسطينيين وبضمانات أمريكية وأوروبية وعربية – وهذا ما جرى في قمة شرم الشيخ -.لقد قالوا ما قالوه لأن شارون أربكهم بخطته و لأنهم لا يملكون البديل ،فالانتفاضة وصلت لمأزق والمفاوضات وصلت لمأزق .

استحسنا تشكيل لجنة برئاسة السيد الوزير محمد دحلان للتعامل مع خطة شارون متغاضين عن تساؤلات تفرض نفسها ،مثلا لماذا السيد محمد دحلان ووزارة الشؤون المدنية تحديدا ؟ ولماذا لا يتكلف بالموضوع السيد صائب عريقات كبير المفاوضين ؟ أو لجنة من عدة وزارات بما فيها الخارجية والداخلية؟ المبادرة جيدة وإن جاءت متأخرة ونعتقد بأن سبب التأخير يعود للإرباك التي سببته خطة شارون من حيث كيفية التعامل معها ،فسواء أتخذ قرار بالمفاوضات مع الإسرائيليين بشأنها أو تنسيقا فهذا معناه الاعتراف بها كمرجعية لتسوية جديدة وهو ما يريده شارون.

ونعتقد بأن تحديات كبيرة ستواجه السيد الوزير محمد دحلان متمنين أن لا تتكرر نصوص أوسلو الغامضة وتفسيراتها المدمرة ونهج تعامل السلطة والمعارضة مع استحقاقات أوسلو،فالخروج من غزة ليس هروبا لجيش الاحتلال بل مخطط سياسي متكامل له تداعيات خطيرة سياسية واقتصادية وقانونية .وفي هذا السياق نرجو ممن سيتكلف بالتعامل مع خطة شارون الانتباه للقضايا التالية:



- تداولت وسائل الإعلام موضوع مصير المستوطنات وإمكانية بيعها لمستثمرين ،هذا الأمر يحتاج لخبراء في القانون الدولي لبحث مصير المستوطنات من ناحية قانونية ،وإذا كان يجوز لإسرائيل بيع المستوطنات أو تطالب بتعويضات في حالة تركها للفلسطينيين ،فعلى السلطة الفلسطينية مطالبة إسرائيل بتعويضات عن استغلالها لأراضي المستوطنات طوال 38 سنة وعن الأضرار البيئية الناتجة عن المستوطنات ،تلويث المياه الجوفية وتلويث الشواطئ وعن تجريف الأراضي المحيطة بالمستوطنات الخ .كما يجب على المفاوض الفلسطيني ألا يقبل بالمقارنة مع ما جرى في طابا حيث تم تعويض إسرائيل عن المنشآت السياحية التي أقامتها في طابا ،فما جرى في طابا كان نزاعا حول الحدود في منطقة طابا وقرار محكمة لاهاي في سبتمبر 1988 أكد السيادة المصرية على منطقة طابا مقابل تعويضات عن المنشآت التي أقامتها إسرائيل.

- الطريقة التي سيتم فيها الخروج من مستوطنات غزة ستكون سابقة لأي انسحابات في الضفة وهذا يتطلب من السلطة الفلسطينية الاستعانة بخبراء من مختلف التخصصات وخصوصا القانونية والاقتصادية قبل أي خطوة تقدم عليها حول الموضوع.

- وبالنسبة للعلاقات الاقتصادية المستقبلية بعد الخروج من غزة ،يحتاج الأمر إلى بحث معمق حتى لا نكرر تجربة بروتوكول باريس سيئ الصيت . فهل سيبقى اقتصاد غزة مرتبط بالاقتصاد الإسرائيلي ومحكوم بمقتضيات بروتوكول باريس ؟أم سيرتبط اقتصاد غزة بالاقتصاد المصري وهو ما سيجعل الأمر أكثر سوءا ؟أم سيكون اقتصاد فلسطيني مستقل يعتمد على المناطق الحرة ؟وفي هذه الحالة سيحتاج الأمر للتحكم بالمعابر والحدود .وما طبيعة العلاقات الاقتصادية التي ستنشأ ما بين غزة والضفة؟.

- ما هي الوضعية القانونية لغزة بعد خروج الجيش الإسرائيلي ؟هل هي سيادة فلسطينية أم حكم ذاتي موسع ؟ هل سيكون الانسحاب تطبيقا لقرارات الشرعية الدولية أم تطبيقا لخارطة الطريق أم دون أية مرجعية إلا مشيئة شارون ؟ والوضعية القانونية لغزة ستختلف حسب مرجعية الانسحاب .

- ما يقال عن غزة ينطبق على الضفة من حيث الوضعية القانونية ذلك أن حديثا يروج حول إرسال قوات أردنية للضفة وعودة الدور الأردني هناك ،إن صحت هذه الأخبار فهذا يعني وجود مخطط خطير للالتفاف حول السيادة الفلسطينية على أرض فلسطين وعودة الوصاية مجددا ،وصاية مصرية على غزة ووصاية أردنية على ما تبقى من الضفة ووصاية أمنية أمريكية ووصاية مالية أوروبية على كليهما .

- يحتاج الأمر إلى بحث في طبيعة العلاقة ما بين السلطة والمعارضة بعد خروج إسرائيل من غزة،فهذا الخروج إن حدث سيكون بعد انتزاع تعهدات وشروط أمنية قاسية من الفلسطينيين،كعدم مهاجمة إسرائيل انطلاقا من القطاع وعدم دعم وتمويل أي عمليات عسكرية في الضفة او إسرائيل بالإضافة لوقف التحريض ،وفي هذه الحالة كيف ستتصرف حماس وقوى المعارضة ؟وهل ستقبل بالتخلي عن نهجها العسكري ؟وما هو دورها في النظام السياسي الجديد؟.

نكرر ما قلناه أكثر من مرة بان خطة شارون- إن نُفذت لأن كل الاحتمالات واردة بما فيها التراجع عنها أو تأجيلها أو المماطلة بتنفيذها- ليست فك ارتباط من جانب واحد وليست هروبا من غزة بل مخطط سياسي جديد أو اوسلو جديدة،ولا يستطيع شخص واحد أن يتصدى للأمر.ونعلم أن التكنوقراط في الحكومة الجديدة ليسوا مؤهلين للغوص في القضايا السياسية الكبرى وسيبقى الأمر بيد اللاعبين الكبار والذين هم فريق أوسلو ،فهل أخذ هؤلاء العبر من أخطاء اوسلو نصا وتطبيقا ؟.