كافل الفقراء ومنارة الحدباء بقلم:واثق الغضنفري
تاريخ النشر : 2009-10-23
كافل الفقراء ومنارة الحدباء

حين نشرت موضوعي الموسوم (ألنجفي شارع وتاريخ) . ذكرت فيه دور التاجر الموصلي عبد الباقي الشبخون بأعمار مسجد العباس الكائن في الشارع وأثناء كتابتي للموضوع انف الذكر اطلعت على مصادر تاريخية عديدة وأصبح لدي خزين جميل من المعلومات عن هذا الرجل الصالح فقررت مع نفسي بكتابة موضوع عنه لدوره في أعمار مساجد الموصل ليطلع عليها الجيل الجديد من الشباب ليكون لهم مثلا رائعا في حبهم وانتمائهم لمدينتهم ووطنهم .

أعود وأقول رجل المساجد _ كما يسمى _ المرحوم عبد الباقي جلبي الشبخون من أشهر تجار الموصل وكان شيخهم بالإضافة إلى انه كان مشرفا على أوقاف الموصل في العهد العثماني وبدايات العهد الملكي (حسبةً لله) منها (متولي أوقاف جامع عمر الأسود) وكان أيضاً متولياً على بعض أوقاف أجداده منها :

1. متولي أوقاف عبد القادر الشبخون
2. متولي أوقاف صالح عبد القادر الشبخون
3. متولي أوقاف عبد الرحمن الشبخون
وأيد ذلك الأستاذ الفاضل محفوظ العباسي في كتابه القيم الإمام محمد ألرضواني المطبوع سنة 1982 وكذلك خبيرا بأملاك الأوقاف كما أكد ذلك لي الأستاذ الفاضل دكتور سيار كوكب الجميل في موضوع أرسله لي مشكورا أضاف لي معلومات قيمة أكملت موضوعي انف الذكر ومما أفادني به ( الجميل _ سيار ) أن عبد الباقي الشبخون كان خبيرا بتثمين العقارات وهذه شهادة من عالم لا يختلف اثنان في علمه وحبه لمدينته .
كان المرحوم الشبخون رجلا محبا للخير ويساعد الفقراء فلا عجب أن يشاهد العشرات منهم واقفين على بابه في سنوات الحرب العالمية الأولى عندما عم الغلاء أرجاء الخلافة العثمانية حيث كان يوزع عليهم الأموال والطعام بل حتى انه وزع الفائض من أموال الزكاة على أهل الذمة واشتهر أيضا بكثرة الذبائح التي ينحرها في عيد الأضحى المبارك وهذه الصفات ليست بغريبة عن أهالي ورجالات الموصل في تكافلهم وتسابقهم إلى فعل الخير ولكن أهم حادثتين اطلعت عليهما ولابد لي من ذكرهما ونشرهما لأنهما أمانة تاريخية
أولهما كفالته لمنارة الحدباء ودفع الأضرار التي تنجم عنها في حال سقوطها وانهيارها والقصة كما يلي :
في العام 1918 قدم أهالي محلة الجامع الكبير طلبا لديوان الأوقاف يرجون فيه من الديوان العمل على هدم منارة الحدباء خشية سقوطها بسبب ميلها الشديد وبالفعل اجتمع المجلس البلدي بعد أن اخطر من قبل ديوان الأوقاف فقرر هدم المنارة كما ذكر ذلك الأستاذ محفوظ العباسي , وفي حينها عارضهم المرحوم عبد الباقي جلبي الشبخون في مسالة الهدم وتعهد المنارة لمدة خمسين عاما في حال سقوطها فانه يدفع جميع الأضرار الناجمة عن ذلك من ماله الخاص وقدم بذلك سندا محررا بما ورد أنفا وسجل في ديوان أوقاف ولاية الموصل فأنقذ المنارة وحافظ عليها إلى يومنا هذا . فلله درك يا عبد الباقي فلولا ثقتك بربك أولا وخبرتك في المعمار ثانيا لما بقيت المنارة شاخصة إلى يومنا هذا تروي للأجيال شجاعتك في اتخاذ هذا القرار .
وثانيهما فتبحث في شخصيته إذ وردنا عنه خوفه من القبور وكلما حضر مراسيم دفن احدهم أو شاهد جنازة رفع يديه للسماء وقال ( اللهم لا تجعل لي على الأرض قبرا ونجني من عذاب الحفر ) .
ويشاء الله أن هذا الرجل الصالح بعد أعماره لجامع العباس سنة 1927 ذهب لأداء فريضة الحج في بدايات العام 1928 وأدى الفريضة وأثناء عودته من الأراضي المقدسة على ظهر سفينة في البحر الأحمر متجه من جدة إلى بيروت أصيب بالحمى واسلم روحه الطاهرة لوجهه الكريم فكفن وصلي عليه ورمي في البحر الأحمر فتحقق دعائه ولم يدفن في الحفرة بل في أعماق البحر سبحان الله احتضن البحر رفاته بدلا من الأرض ليكون قبرا له رحمك الله يا رجل الخير .
ومن نافلة القول اذكر الأتي أن المرحوم الشبخون كان يربط بين بيته وجامع العباس قنطرة صغيرة يدخل من خلالها لأداء الصلاة في وقتها وبين صلاة المغرب والعشاء كان يقضي بين التجار ويحل مشاكلهم كونه شيخا لهم وكذلك قام بأعمار مسجد الشيخ محمد والإشراف على تصميم وبناء منارة جامع النبي يونس عليه السلام.
ولقد أعقب من الأولاد : احمد و طه و فؤاد ويحيى و صالح وعبد الله ونجيب ومن الإناث ثلاثة.
ولكن بقناعتي الشخصية يكفيه فخرا انه أعقب لنا منارة الحدباء ومنارة مسجد العباس التي هي أول منارة مصنوعة من الحديد وكانت من تصميمه وقد وثق ذلك المرحوم عبد المنعم ألغلامي في كتابه الأنساب والأسر الموصلية
فإلى جنات الخلد ويرحمك الله يا رجل المساجد وكافل الفقراء والمنارة .
ويحرسك الله يا مدينتي مدينة الأنبياء والأولياء الموصل الحدباء فبرجال كالشبخون بقيت وستبقى منارة الحدباء علما يرفرف في سماء العراق وبرجال كحسين باشا ألجليلي تصمدين وتبقى أبوابك وبواباتك مفتوحة للضيوف ودلال قهوتك كدولاب ماء لا ينضب وستبقين نجمة متلألئة في ليل العراق الجميل وسيبقى أولادنا يرددون قول الشاعر الموصلي السري بن احمد الرفاء :

سقى ربى الموصل الفيحاء من بلد
جودا من المزن يحكي جود أهليها
ارض يحن إليها من يفارقها
ويحمد العيش من يدانيها

واثق الغضنفري