الخطة التي أعدتها إسرائيل لإحتلال منابع نفط العراق بقلم:د. محمد العبيدي
تاريخ النشر : 2005-02-07
د. محمد العبيدي -العراق

يعلم الجميع الآن وبشكل مؤكد أن أسباب الحرب على العراق وإحتلاله لم تكن تلك التي سوقت لها الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا، بل إتضح الآن بما لا شك فيه أن إحتلال العراق وتدمير بنيته قد تم نيابة عن إسرائيل ومن أجلها. فالحقائق والتقارير التي إطلعنا عليها تجعلنا نؤكد دور إسرائيل في إحتلال العراق، الذي لو لم تكن أمريكا وحلفائها قد قاموا به لكانت إسرائيل قد قامت به بمفردها ضاربة كالعادة عرض الحائط كل الأعراف والقوانين الدولية وهياج المجتمع الدولي (هذا إذا كان سيحدث) نتيجة لما كانت قد خططت القيام به، وهو إحتلالها لجنوب العراق والسيطرة على منابع النفط فيه كخطوة أولى لتوسعها نحو الشرق لغرض تحقيق حلمهما بإسرائيل الكبرى.
وبصدد الحديث عن نفط العراق، لا بد لنا أن نذكر بأن إحتياطي النفط العراقي، حسب ما صرح به خبراء شركة النفط البريطانية BP هو 112 بليون برميل وهذا يعادل 10.8 في المئة من جميع إحتياطي النفط العالمي، يضاف إلى ذلك نوعية النفط العراقي التي تعتبر واحدة من أعلى النوعيات وأن كلفة إستخراجه تعتبر من أقل كلف إستخراج النفط لأي دول منتجة له.
وفي معرض حديثها عن النفط العراقي، ذكر تقرير لوزارة الطاقة الأمريكية ما يلي:
"إن مصادر وإحتياطي النفط العراقي هي أعلى بكثير مما هو معلن، إذ أن الأدلة تشير إلى أن الصحراء الغربية العراقية الشاسعة لوحدها تحتوي ما مقداره على أقل تقدير 100 بليون برميل من النفط غير المكتشف لحد الآن."
***
كانت البداية في أوائل شهر آذار/مارس 2001 حين إستلمت إحدى وكالات المخابرات الأوربية معلومات خطيرة من أحد كبار عملاءها في إسرائيل حول إجتماع عقدته الحكومة الإسرائيلية قررت فيه المباشرة بخطتها لإحتلال كامل الأراضي الفلسطينية بمساعدة أمريكا وحلفائها أو بدونهم، حيث إعتبرت إسرائيل تلك العملية مقدمة للبدء بتوسعها نحو الشرق من أجل إنشاء ما يطلقون عليه "إسرائيل الكبرى". إلا أن أحداث 11/9 في الولايات المتحدة أوقفت المخطط الإسرائيلي إلى حين. ولغرض القيام بذلك كانت إسرائيل ستحتاج إلى كميات هائلة من النفط من أجل آلتها العسكرية أولاً، وثانياً من أجل صناعاتها المختلفة التي ستقوم بها بعد إحتلالها لكامل التراب الفلسطيني. وحيث أن إسرائيل تستورد غالبية نفطها من روسيا الذي يكلف خزينتها أموالاً سوف لن تكون قادرة على توفيرها، لذا فقد قررت إسرائيل القيام بعمل جنوني وفي حرب صاعقة بإحتلال جنوب العراق الغني بالنفط إضافة إلى شمال الجزيرة العربية حيث مجرى أنابيب التابلاين بإتجاه الأردن. وقد أطلقت إسرائيل على هذه العملية الحربية إسم "عملية شيخينا*" التي تقود نتائجها ليس فقط إلى إحتلال أراضي عربية جديدة بل الأهم من ذلك إلى "سرقة" نفط جنوب العراق وضخه إلى إسرائيل. والجدير بالذكر أن سرقة إحتياطي النفط من دول أخرى هي بالتأكيد ليست فكرة جديدة، فالتأريخ يحدثنا عن العديد من الشواهد حول هذا الموضوع كان آخرها سرقة الكويت للنفط العراقي والذي كان أحد الأسباب التي أدت إلى إحتلال الكويت من قبل العراق.
لقد كانت خطة إسرائيل هي القيام بعمل عسكري صاعق على جنوب العراق والإستيلاء على حقول النفط الجنوبية فيه حيث تبدأ بضخ النفط منها إلى مصافي النفط في حيفا مستعملة خطوط أنابيب التابلاين بعد تصليحها، علماً بأن الجزء الغربي لتلك الأنابيب لا زال قادراً على نقل ما يقارب من نصف مليون برميل من النفط يومياً، مع إمكانية إستخدام أنبوب النفط العراقي المار عبر السعودية لنفس الغرض والبالغة طاقته نصف مليون برميل يومياً حيث يمكن ربطه بخطوط التابلاين. إضافة إلى إمكانية إستخدام نفس الأسلوب الذي كان يتبعه العراق بنقل النفط بالصهاريج براً إلى الأردن وبطاقة قدرها ثلاثمائة وخمسون ألف برميل يومياً كما كان يتم نقله الى الاردن قبل الحرب الأمريكية الأخيرة على العراق.
عندما وضع الإسرائيليون مخططات "عملية شيخينا" في أواخر الستينات، كان للبريطانيين والإتحاد السوفيتي وأوربا بشكل عام إستثمارات ضخمة في الشرق الأوسط الأمر الذي إعتبرته إسرائيل في حينها أن القيام بهذه العملية قد يعني نهاية الكيان الصهيوني، ولهذا وضعت الخطة على الرف. ولكن بتعاقب السنين، تغيرت كامل الحالة السياسية الجغرافية، إذ بحلول آذار 2001 وجدت الحكومة الإسرائيلية أن الوقت قد حان للقيام بتلك العملية حيث المخاطر على أقل ما يمكن إن لم تكن معدومة أساساً. ولكن الذي غيرها هو الوضع في العراق، فبتصاعد الهجوم العسكري والإعلامي على العراق منذ بداية تسعينات القرن الماضي، وجدت إسرائيل أن الوقت قد حان للقيام بعمليتها خصوصاً وأن لا أحد سيعترض على ذلك لأنها تتماشى مع حملة إستهداف العراق. بل قد يعتبر الغرب، والأمريكان بالذات، أن ما قامت به إسرائيل هو عمل "شجاع"، وأن لا أحد سيلاحظ تدفق النفط من حقول العراق الجنوبية إلى مصفاة حيفا، وحتى لو تحدث البعض عن ذلك فماذا يمكنهم عمله وإسرائيل تحتل جنوب العراق كما يحدث الأن وأمريكا تحتل العراق بكامله.
وفي الوقت الذي قررت فيه إسرائيل بدأ العمل بعملية شيخينا، علمت روسيا بالأمر أيضاً من خلال معلومات تسربت إليها أما من إحدى وكالات المخابرات الغربية أو بشكل مباشر من خلال أحد عملائها في إسرائيل، ولكن ما لم يكن معروفاً في ذلك الوقت هو التأريخ الفعلي للقيام بالعملية والذي كان قد تقرر القيام بها في يوم 2 تشرين الأول/أكتوبر 2001، وهو اليوم الأول من عطلة يهودية أمدها أسبوعاً وبحيث لا يمكن لأحد التكهن بأن الإسرائيليين سيقومون بعملية عسكرية كبيرة وصاعقة في يوم من أهم أيام أعيادهم الدينية.
مرت الأحداث بهدوء في روسيا إلى أن نشرت صحيفة البرافدا، التي تعتبر من قبل العديد من المحللين بأنها لا زالت تمثل صوت الإتحاد السوفيتي الشيوعي القديم وكذلك الجيش وأجهزة المخابرات، مقالاً مثيراً بقلم الدكتورة تاتيانا كورياجينا نشر على صفحتها الأولى بتأريخ 12/7/2001 وبعنوان "هل سيسقط الدولار وأمريكا في 19 آب/أغسطس؟". وفي الواقع فإن مقال الدكتورة كورياجينا كان معتمداً على ما جرى بلقاء في مجلس الدوما الروسي بتأريخ 29/6 ناقشوا فيه السقوط الوشيك للهرم المالي الأمريكي الضخم. وبعد نشر مقال البرافدا، تساءل البعض ممن حضروا إجتماع الدوما عن الطريقة التي سيسقط فيها الدولار الأمريكي بدون حرب وصواريخ وقنابل. أجابت تاتيانا كورياجينا، المعروفة بعلاقتها الوثيقة بالرئيس بيوتن، قائلة، "إلى جانب القنابل والصواريخ هناك نوع آخر من الأسلحة أكثر تدميراً، وأن الولايات المتحدة قد أختيرت لهجوم مالي ضخم بإعتبار أن المركز المالي للعالم يقع هناك، وحيث سيكون التأثير بأقصى صوره." وبعد ذلك إعتبر البعض أن ذلك المقال أما كان يشير لما هو قادم من أحداث في أمريكا، أي أحداث 11/9، أو أن كاتبة المقال قد أخطأت بذكر التأريخ الحقيقي للعملية الإسرائيلية القادمة.
وعلى أية حال، فإن رد الفعل الدولي على عملية شيخينا في حالة حدوثها كان سيكون له تأثيراً ليس على الدول العربية الأخرى خارج نطاق "إسرائيل الكبرى" فحسب بل على بريطانيا وأوربا وروسيا واليابان والصين أيضاً، ذلك لأن تلك العملية كانت ستقلب الميزان الستراتيجي الدولي رأساً على عقب بحيث أن إحدى الدول الواردة آنفاً لم تكن لتقبل به على الإطلاق. إلا أن أحداث 11/ 9 غيرت من مجرى خطة إسرائيل، حيث أنه بفشلهم للبدأ بعملية شيخينا وتوسيع إحتلالهم للأراضي بإتجاه الشرق لبناء "إسرائيل الكبرى"، وجد الصهاينة طريقاً آخر للسيطرة على النفط العراقي عندما حث الإسرائيليون واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة جورج بوش وأركان إدارته من اليمين المتطرف الفاشي للبدأ بشن هجومه على العراق متذرعين بالأسباب الواهية التي ثبت عدم صحتها.
***
إن كل الجرائم، بما فيها الغزو غير المشروع لدولة ذات سيادة مثل العراق، إنما تحتاج لثلاثة معايير هي الفرصة والدافع والأسلوب. ومن ضمن هذه المعايير الثلاثة يعد الدافع أكثرها أهمية، لأنه بدون هذا الدافع ما كانت الجريمة قد خرجت لأرض الواقع. فدوافع اللوبي الإسرائيلي الصهيوني في عملية شيخينا، والعملية الأخيرة لإحتلال العراق هي قناعتهم بأن الهيكل الإقتصادي والإجتماعي الأمريكي في تدهور مستمر، وما لم يستطع اللوبي الإسرائيلي الصهيوني العثور بطريقة ما على مصدر دخل مستقل لا ينضب، فإن الكيان الصهيوني الطفيلي قد ينهار تماماً في أقل من عقد واحد.
وبهذا فقد كان لإسرائيل ما أرادت من إحتلال العراق وما كانت قد خططت له، ففي اليوم الأول من عملية إحتلال العراق، قامت القوات الخاصة البريطانية والأسترالية، بمصاحبة قوات أمريكية خاصة غير محددة، بالإنتشار في الصحراء الغربية للعراق بهدف حماية إثـنتين من القواعد الجوية الإستراتيجية هي H2 وH3، والتي "كان يظن" أن العراق إستخدمها لإطلاق صواريخ سكود على إسرائيل. تم ذلك على الرغم من أن الجميع، بدءاً من الأمين العام للأمم المتحدة ووصولاً إلى أقل مفتشي الأسلحة معرفة، يدرك زيف هذه الادعاءات الباطلة، فقد تم تدمير آخر صاروخ سكود عراقي منذ عدة سنوات.
إن ما تم نقله للقارئ الغربي بواسطة وسائل الإعلام هو أن هذه القوات المتخصصة والمدربة بعناية، والتي تقوم عادة بمهام الإستطلاع الإستراتيجي في مقدمة القوات العسكرية الأساسية، إنما أوكلت إليها مهمة ذات "أهداف غامضة" ألا وهي القيام بحماية الكيان الصهيوني. ففي أستراليا مثلاً، وعقب الإعلان عن السيطرة على قاعدتي H2 و H3 قدم شارون شكره بصورة علنية لرئيس الوزراء الأسترالي جون هاوارد لمساعدته في حماية إسرائيل من صواريخ سكود، التي تدرك إسرائيل نفسها أن هذه الصواريخ لم يكن لها وجود. فلماذا قام شارون بتوجيه الشكر لأستراليا؟
الإجابة السريعة هي أن القاعدتين الجويتين H2 و H3 اللتان هما مختصر لـ "حيفا 2" و"حيفا 3"، هما في الواقع محطتا توزيع هامتين لخطوط أنابيب النفط التي تبدأ من كركوك في شمال العراق إلى حيفا في فلسطين، والتي إستمر ضخ النفط عن طريقهما حتى عام 1948 وإلى أن قام العراق بتعطيل الطرف الشرقي من هذا الخط حين قام الصهاينة في ذلك العام بإحتلال فلسطين.
ولأسباب غير معروفة، ولكن أصبحت الآن غاية في الوضوح، طالب كل من بوش وبلير وهاوارد بأن تقوم أفضل القوات الخاصة في دولهم بالدفاع عن الخط الذي يمر من مطار H3 في غرب العراق قادماً من كركوك في الشمال. والمصادفة الغريبة أن هذا المسار هو إمتداد لمسار خط ألانابيب الذي يبدأ من H3إلى سوريا ثم إلى حيفا قبل غلقه عام 1948. وحول ذلك الموضوع أوضح التقرير الدفاعي الأسبوعي لمؤسسة Jane’s Intelligence في 3 نيسان/أبريل عام 2004، أن هدف إسرائيل الرئيسي لتأمين هذا الخط من جهة الشمال (كركوك) وإيصاله للحدود الأردنية قد بدأ يتحقق بالفعل.
إن خط أنابيب كركوك - حيفا هو "إضافة" لم تكن في الصورة أساساً في عملية شيخينا عام 2001، والتي كان الهدف منها هو مجرد السيطرة على جنوب العراق وأنابيب نقل النفط العربي، التي تتجه من الشرق إلى الغرب بطول الحدود الشمالية البعيدة للمملكة العربية السعودية. وعندما تم ضم خط أنابيب كركوك - حيفا لمغانم الإحتلال، إرتفعت الأرباح المتوقعة إلى أعلى معدل لها، وتحدثت الشركات الإسرائيلية فيما بينها بحماس عن "روتردام جديدة" تصبح جوهرة في التاج الإسرائيلي الصهيوني. وبمعنى آخر فقد كان الهدف من سرقة النفط العراقي هو المساعدة في تمويل التوسع المزمع للكيان الصهيوني شرقاً حتى نهر الفرات.
واليوم أصبح الطمع الإسرائيلي في النفط العراقي المجاني واضحاً بصورة لم تعد تنطلي على أحد. فمنذ أقل من أسبوع واحد وبينما كانت صناديق الجثث المحتوية على القتلى الأمريكيين والبريطانيين تتكوم في ثلاجات الجثث بالكويت، كان الإسرائيليون قد بدءوا بالفعل في التفكير بصورة علنية في الثراء النفطي الذي سيتمتعون به في المستقبل. وقد نشرت صحيفة هاآرتس الصهيونية ما يلي بعد إحتلال العراق مباشرة، "إلتقى وزير البنية التحتية الإسرائيلي جوزيف باريتزكي مع مسؤولين أردنيين للتشاور بخصوص خط أنابيب (كركوك – حيفا)، على إفتراض أنه سوف يتم إقامة حكومة حليفة للغرب بعد إنتهاء الحرب التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية". وتضيف الصحيفة قائلة، "ومن المعروف أن باريتزكي يؤمن بأن إعادة تشغيل خط الأنابيب يمكن أن يؤدي إلى تخفيض كلفة الوقود في إسرائيل بمقدار 25 في المائة، وتحول حيفا إلى "روتردام الشرق الأوسط" كميناء رئيسي لتصدير النفط. وتستشهد هيئة الصحافة العالمية المتحدة UPI بما صرح به باحث العلاقات الدولية الدكتور هومان بيماني من جنيف، بأن هذا المشروع سوف يقلل من إعتماد إسرائيل على النفط الروسي، كما يخفض من تكاليف وارداتها من الطاقة." وما لم تورده الصحيفة هو أنه في اليوم نفسه، إتصل رئيس الوزراء الإسرائيلي أريل شارون بوزير الخارجية الأمريكي كولن باول، ليوعز له ببدء ضخ النفط بأسرع ما يمكن، ومن الواضح أن مجرم الحرب أريل شارون أراد أن يستوضح تماماً من هو المتحكم الفعلي في السياسة الخارجية الأمريكية، ويتولى مسؤولية الأصول العسكرية الأمريكية.
كما وقالت صحيفة هاآرتس أن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل أن تدرس بجدية إمكانية مد خط الأنابيب عبر الأراضي الأردنية وذلك عبر إتصال بين مسؤول كبير فى الإدارة الأمريكية ومسؤولين بالخارجية الإسرائيلية. وقال مكتب الإرهابي المجرم شارون أن الولايات المتحدة عرضت هذا المشروع على الحكومة الإسرائيلية 'كمكافأة' لها على وقوفها بقوة إلى جانبها فى الحرب على العراق. وفي 20/6/2003 توقع وزير المالية الصهيوني بنيامين ناتنياهو بمعاودة تشغيل خط أنابيب كركوك – حيفا للنفط، وقال لمجموعة من المستثمرين البريطانيين في لندن بأن الوقت لن يكون بعيداً لمشاهدة تدفق النفط العراقي إلى ميناء حيفا على البحر المتوسط.
وطبقاً للتصور الأمريكي فان الخط النفطي سيمتد من كركوك إلى حيفا عبر الأراضي الأردنية. وطلبت الولايات المتحدة من إسرائيل حساب تكلفة المشروع الذي كان يعمل بكفاءة قبل عام 1948. وكانت هيئات البنية التحتية في إسرائيل قد أجرت دراسات حول المشروع بينت أن إنشاء أنبوب نفطي بقطر 42 سم بين كركوك وحيفا سيكلف أربعمائة الف دولار لكل كيلومتر.
***
كان من الواضح لأغلب المحللين منذ أوائل عام 2000، أن الإقتصاد والعمالة الأمريكية في حالة تدهور مستمرة، ومما زاد الطين بلة أن العديد من الدول بدأت بتحويل تعاملاتها النفطية من الدولار الأمريكي إلى اليورو. وإذا ما زاد الموقف سوءاً فمن المحتمل أن يؤدي ذلك قيام منظمة الأوبك بتحويل كل تعاملاتها النفطية إلى اليورو، وأن يدفع القلق كل من الصين واليابان إلى تحويل الأسهم الضخمة التي يمتلكونها إلى اليورو، فينهار الدولار الأمريكي تماماً، مما يقود الولايات المتحدة الأمريكية إلى كساد يؤدي بالتالي إلى خطورة لا يمكن تصورها على النظام الرأسمالي الأمريكي. وحيث أننا نعلم أن الكيان الصهيوني هو كيان طفيلي بالفعل، إذ أنه يعتمد كليةً على التمويل الأمريكي الضخم حتى يستمر، فإذا ما توقف هذا التمويل سواء عمداً أو بصورة غير مقصودة، فإن إسرائيل سوف تنهار وتنتهي في غضون شهور قليلة. لهذا ماذا يمكن أن تفعل إسرائيل الطفيلية عندما يبدو على عائلها (أمريكا) أنها تفقد مواردها المالية التي تعتمد عليها إسرائيل لضمان إستمرارها؟ إن معظم الطفيليات المعتادة سوف تبحث عن عائل جديد وهو ما يعد مهمة مستحيلة لإسرائيل، فليست هناك دولة أخرى في العالم تستطيع تحقيق عائدات تكفي جشع وفساد تل أبيب.
وبالطبع فإن الإجابة الوحيدة هي أن "عملية شيخينا" قد تمت إعادة تسميتها بإسم عملية (تحرير العراق)، والتي تم التخطيط لها لتتيح لإسرائيل موارد دخل ضخمة من النفط العراقي المسروق. وهكذا كانت الأهداف الأساسية هي (قطع رأس) العراق، والقضاء على الهيكل العسكري له إضافة لتدميره تماماً. ويلي ذلك تنصيب "حاكم عسكري" يتم إنتقاؤه بعناية، ثم "مسؤول مؤقت" بنفس الأسلوب ويليه "رئيس وزراء مؤقت"، بحيث يمكن الإعتماد على كل منهم للإهتمام بمصالح إسرائيل بدلاً من المصالح الأمريكية، وبالطبع بدلاً من مصالح العراقيين. وبهذا فقد إنتقى اللوبي الإسرائيلي الصهيوني في نيويورك بعض المرشحين لذلك ثم حددوا الإختيارات النهائية كما شاهدنا ما حدث بالفعل منذ إحتلال العراق ولحد الآن. ومع وجود رجل من الموساد في الموقع الصحيح، وجاهز لإختيار الحكومة "الديموقراطية" النهائية في العراق، فمن المتوقع أن تشعر إسرائيل بثقة كاملة في القدرة على التغلب سريعاً على أية مشكلات صغيرة أخرى في إمدادات النفط الخاصة بـ "روتردام جديدة" وسواء بقدر ضئيل من "الأوراق الخضر" أو "برصاصة واحدة في الرأس".
بعد إحتلال العراق سارع اللوبي الإسرائيلي الصهيوني على الفور بتحريض جورج بوش وأعضاء إدارته من اليمين المتطرف على سوريا، التي تعد عنصراً أساسياً في عملية شيخينا، وذلك نظراً لقربها الشديد من خطوط أنابيب النفط التي تمر بطول حدودها الجنوبية والشرقية، من العراق إلى روتردام الجديدة في حيفا. وقد أدى ذلك إلى عدة تغييرات إلى حد بعيد في مرحلة التخطيط مع وجود نية من جانب إسرائيل في إستغلال القوات الأمريكية في القضاء على الخطر السوري تماماً. وبعد أن قام الثلاثي بوش ورامسفيلد وباول بإطلاق التصريح المثير الجديد "سوريا تمتلك أسلحة الدمار الشامل" في 14 نيسان/أبريل، ألقى باول خطاباً للإيباك ( لجنة الشئون الأمريكية الإسرائيلية العامة ) في اللوبي الإسرائيلي الصهيوني، مؤكداً أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تكتفي بالعراق، حيث قال، "يمكن أن تستمر سوريا في تقديم الدعم للجماعات الإرهابية ونظام صدام حسين البائد، أو قد تقوم بالشروع في مسلك آخر يؤمن الأمان لها. وفي كلتا الحالتين، تتحمل سوريا مسؤولية إختيارها وتبعاته".
***
في الساعة 2:36 من بعد ظهر يوم 17 نيسان/أبريل 2003 بالتوقيت المحلي لإسطنبول بتركيا، وردت تقارير بأن إسرائيل قد إتصلت بشركات المقاولات التركية للعمل على إحياء خط الأنابيب بين كركوك وحيفا الذي كان مغلقاً خلال الـ 55 عاماً الماضية. وتشير التقارير إلى أن الحكومة الإسرائيلية لم تقم وحدها بالإتصال بالشركات الإسرائيلية، ولكن شاركها في ذلك الشركات الإسرائيلية للتعاون في إحياء خط أنابيب يقوم بنقل 5 مليون برميل من النفط من شمالي العراق إلى ميناء حيفا الإسرائيلي. وقد أكد السيد نيهات أوزديمير، رئيس مجلس إدارة إتحاد المقاولين الأتراك، على هذه العروض وأشار إلى أن جزءاً كبيراً من عملية إنشاء خط الأنابيب باكو ـ تبليسي ـ جيهان، قد تم تنفيذه بواسطة الشركات التركية. كما أوضح أن هذه الشركات التركية لديها خبرة حيوية في مجال نقل النفط حول العالم، وأضاف بأنه من "الطبيعي" إختيار الشركات التركية لإعادة تشييد هذا الخط".
وأكدت ذلك صحيفة "زمان" التركية من أن إسرائيل تقدمت بإقتراح إلى شركات المقاولات التركية لإعادة إنشاء وتشغيل خط انبوب النفط من كركوك إلى حيفا والمغلق منذ نحو خمسة وخمسين عاما.. كما تقدمت شركة إسرائيلية بطلب مماثل للشركات التركية لتأمين عملية نقل النفط الخام من شمال العراق الى ميناء حيفا.
وبالنسبة للقراء المحتارين بما يبدو لأول وهلة وكأنه نقل 5 مليون برميل من النفط "لمرة واحدة فقط"، فنحن نوضح أن مقاولات خطوط أنابيب النفط تقاس بالضخ المستمر للنفط مقدراً بعدد البراميل في اليوم. ويعني ذلك أن الصهاينة قد أوضحوا للأتراك بصورة غير مباشرة أنهم يخططون بالفعل لسرقة 1825 مليون برميل من النفط العراقي في العام. ومع إعتبار أن السعر الإسمي للبرميل هو 25 دولار أمريكي على أقل تقدير (بعد خصم التكاليف الهندسية والرشاوي)، فإن الإرهابيين الصهاينة في "روتردام الجديدة" سوف يحصدون ربحاً مذهلاً يصل إلى 45 مليار و625 مليون دولار أمريكي كل عام، يتحقق على جثث آلاف العراقيين، الذين تمت التضحية بهم عن عمد من أجل "مصلحة إسرائيل العليا". وحول هذا الموضوع عبرت مؤسسة Jane’s Intelligence في بريطانيا عن إهتمام عابر بمطامع إسرائيل في النفط العراقي، وأصدرت تحليلاً تحذيرياً فقط بهذا الصدد.
ولنعد لأولئك الذين يتذكرون حرب فيتنام، حيث الوضع الحالي في العراق يكاد يكون مشابهاً لما حدث في فيتنام وبصورة مرعبة؛ فقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية الآن ببناء العديد من قواعد "إطلاق النار" الصغيرة والمحصنة تماماً في أنحاء العراق، كما ستعتمد على الخداع الإعلامي لمحاولة إقناع الرأي العام بأن هذه القواعد الصغيرة لا تمثل إحتلالاً للعراق، إذ أنه في وقتها إقتنع الرأي العام بذلك الهراء الإعلامي بخصوص فيتنام وحول نفس موضوع تلك القواعد، إلى أن تم في النهاية إخلاء القوات الأمريكية اليائسة من سطح السفارة الأمريكية في وسط العاصمة سايغون. وعاد بعد ذلك الجيش الفيتنامي الجنوبي وثوار الفيتكونغ للسيطرة على 98 بالمئة تقريباً من جنوب فيتنام، أي كل مساحة الدولة عدا القواعد الأمريكية الصغيرة، فضلاً عن ثلاثة مطارات جوية محصنة تماماً وعدد قليل من المواخير في سايغون. وقد أدى ذلك بطريقة أو بأخرى رجوع قرابة 50 ألف أمريكي إلى وطنهم في صناديق للجثث. واليوم تسيطر المقاومة العراقية على العديد من المدن، ومن المحتمل جداً أن تسيطر المقاومة على عدد آخر من المدن العراقية عندما تتجاوز درجات الحرارة 50 درجة مئوية في الصيف القادم.
إن القواعد العراقية الأربعة الجديدة "الأساسية" لبوش توجد في مواقع حساسة، حيث صرحت نيويورك تايمز، تبعاً لمسؤولي إدارة بوش، أنه سوف تتواجد إحدى القواعد في المطار الدولي خارج بغداد، بينما توجد القواعد الأخرى في الطليل، وهي قاعدة بالقرب من الناصرية في الجنوب وأخرى في مهبط طائرات معزول يسمى H1 في الصحراء الغربية بجانب خط أنابيب قديم يتجه إلى الأردن، وقاعدة عند مطار البشور في الشمال. وأخيراً تم التنويه على H1 (محطة ضخ حيفا 1) رسمياً إذ تقع H1 في جنوب منطقة K3 بالقرب من مدينة حديثه حيث تقوم القوات الأمريكية حالياً بقطع تدفق النفط من العراق إلى سوريا، وسوف يتم إستخدام هذا المطار للسيطرة "بفعالية" على شرق سوريا، بينما يُستغل مطار البشور في الشمال لقمع أية "معارضة كردية" فيما لو حدثت، ويتولى مطار الطليل حماية خط التابلاين القديم في المملكة العربية السعودية، على الأقل من الناحية النظرية. وقبل تشغيل محطة ضخ H1 سوف يكون على الأمريكيين القيام بالكثير من العمل الشاق في إنشاء وتوسيع مواقع إقلاع وهبوط الطائرات. ويعد مهبط الطائرات الحالي في H1 مناسباً فقط للطائرات الخفيفة والتي تخدم محطة الضخ في خط الأنابيب. وحول هذه القضية، صرح أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية قائلاً "سوف يكون هناك نوع من العلاقة الدفاعية بعيدة المدى مع العراق، كما هو الحال مع أفغانستان". واليوم فإن الرئيس الأفغاني الدمية، حامد قرظاي، تم تنصيبه بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية لحماية تجارة الهيروين الخاصة بوكالة الإستخبارات الأمريكية عبر أفغانستان إلى المثلث الذهبي، وهو محاط حالياً بجنرالات الحرب الأفغانيين. ويعد ذلك علامة حقيقية لما سوف يستجد في دولة العراق الإسرائيلية الصهيونية "الديموقراطية" الجديدة.
وقد فضحت صحيفة الأوبزيرفر البريطانية خطط إسرائيل لسرقة النفط العراقي حيث قالت، "يجري حالياً مناقشة بعض الخطط بين واشنطن وتل أبيب لبناء خط أنابيب لـ "تجميع !!!" النفط من العراق المحتل وضخه إلى إسرائيل، فضلاً عن مناقشة الشخصيات المحتملة لحكومة المستقبل في بغداد. وتدور الخطط حول إعادة إنشاء خط أنابيب قديم وغير نشط منذ نهاية الإنتداب البريطاني في فلسطين عام 1948، عندما تم توجيه تدفق النفط من حقول النفط الشمالية في العراق وتحويله من فلسطين إلى سوريا. وسوف يؤدي إحياء هذا الخط إلى تبديل الوضع الإقتصادي في المنطقة، فيحقق الأرباح للعراق الجديد !!! الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، مع منع النفط عن سوريا وحل أزمة الطاقة في إسرائيل في نفس الوقت. كما أنه سيؤدي إلى خلق مصدر مستمر وسهل من النفط العراقي الرخيص للولايات المتحدة الأمريكية وبواسطة حلفاء أمريكيين موثوق بهم. فقد صرحت مصادر في وزارة الخارجية الأمريكية بأن وضع إتفاقية سلام بين العراق وإسرائيل سيكون "على قمة جدول أعمال" الحكومة العراقية الجديدة، ومن المعتقد أن باريتزكي قد ناقش هذا الموضوع مع المسؤولين في عمان في 9 نيسان/أبريل هذا العام. وقامت بعض المصادر بإبلاغ صحيفة هاآرتس أن المحادثات قد تركت إسرائيل "متفائلة".
وعن هذا الموضوع، صرح جيمس أكينز، سفير أمريكي سابق في المنطقة قائلاً:
"سوف يكون هناك رسوماً مقابل حقوق النقل عبر الأردن، كما أنه ستكون هناك رسوماً لصالح إسرائيل من الجهات التي سوف تستخدم محطة توزيع حيفا. على كل حال فقد أصبح هناك نظام عالمي جديد، وهذا ما يبدو عليه الوضع خاصة إذا ما استطعنا القضاء على سوريا. إن الأمر يتعلق بتوفير النفط للولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها إسرائيل". علماً بأن أكينز كان سفيراً لدى الملكة العربية السعودية قبل أن يتم فصله على أثر مجموعة من الخلافات مع وزير الخارجية الأمريكي حينئذ هنري كيسينجر، صاحب فكرة نقل النفط من العراق إلى الغرب. وفي عام 1975، وقع كيسينجر ما يعد أساساً لمشروع حيفا، وهو مذكرة التفاهم التي تضمن الولايات المتحدة الأمريكية بموجبها لإسرائيل إحتياطي من النفط ومصدراً للطاقة في وقت الأزمات. ويتم تجديد المذكرة في هدوء كل خمسة أعوام، مع تشريع خاص مرفق بها تتعهد الولايات المتحدة الأمريكية بموجبه توفير إحتياطي ستراتيجي من النفط لإسرائيل، حتى إذا ما إستتبع ذلك نقص داخلي في النفط، كلف دافعي الضرائب الأمريكان 3 مليار دولار أمريكي في عام 2002 . وسوف يتم إلغاء هذه الفاتورة من خلال خط الأنابيب الجديد، والذي سيكون له ميزة إضافية هي منح الولايات المتحدة الأمريكية مصدراً مضموناً لنفط العراق."
وعلى الرغم من أن تقرير الأوبزيرفر يعد ملخصاً للأحداث الجارية في العراق، والمرحلة المتقدمة التي وصل إليها التخطيط لعملية شيخينا، فقد تم تضليله بصورة ما بواسطة التجاهل الواضح لخط أنابيب حيفا في تقرير السياسة الخارجية الذي تصدره مؤسسة Jane’s Intelligence، والذي يعلن أنه "لا يوجد" متر واحد باق، على الأقل في المنطقة العربية. وحينما يتعلق الأمر بخطوط الأنابيب ذات القيمة الإستراتيجية الحيوية لإسرائيل، فإن واضعي الخرائط ومحرري الصحف على حد سواء، يصابون بنوع نادر من قصر النظر الجماعي، إذ مازال خط أنابيب حيفا موجوداً في العراق ولغاية جنوب منطقة K3 بالقرب من مدينة حديثه لأنه كان يستعمل لضح النفط العراقي عبر الأراضي السورية حيث يمكن رؤيته بوضوح من أية طائرة، وهو صالح للعمل بكامل كفاءته مع محطات الضخ القائمة وحيث كانت تتم صيانته بصورة دورية، بالرغم من أن تقريراً للمخابرات المركزية حول ذلك الأنبوب قد ذكر بأن بقية الأنبوب الممتد من K3 ولغاية الحدود الأردنية صدئ ولا يمكن إستعماله. ولهذا فإن خطة إسرائيل تقتضي الحصول على تمويل أمريكي لصيانة ذلك الجزء، إضافة لمد الأنبوب عبر الأراضي الأردنية حيث أن الأنبوب القديم قد تم بيعه كخردة لأنه لم يكن صالحاً للإستعمال.
وبهذا يبدو بوضوح أن إحتلال العراق لم يكن إلا من أجل مصلحة إسرائيل لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير و "إسرائل الكبرى".
* كتب الأسترالي "جو فايلز" سلسلة من المقالات عن هذه العملية من خلال دراسته المستفيضة لها.