الدولة الاسلامية بين خلافة حزب التحرير والدولة المعاصرة بقلم: أ . سعيد الصرفندي
تاريخ النشر : 2009-06-30
الدولة الاسلامية
بين خلافة حزب التحرير والدولة المعاصرة
بقلم: أ . سعيد الصرفندي
يعيش حزب التحرير هذه الأيام ذكرى ما يسمى " هدم دولة الخلافة الاسلامية "، وبذلك تعقد المؤتمرات والندوات وترفع التوصيات المطالبة بإعادة الخلافة، وكذلك الطلب من الأمة أن تعمل مع "العاملين المخلصين" لإنجاز مشروع دولة الخلافة باعتباره فرضاً على الأمة وأن كل من لا يتلبس بهذا العمل فهو آثم .
لا أحد ينكر على حزب التحرير تبنيه ما يتبنى بخصوص دولة الخلافة ونظام الحكم في الاسلام، فهو حر في ما يتبنى، ولكن من المناسب مناقشة الحزب في هذا الأمر؛ سيما وأنه يتم اشغال الأمة به كل عام، بل طيلة العام ، منذ ذكرى هدم الخلافة الى ذكرى هدم الخلافة في العام المقبل، كذلك يتم الإنكار على الحركات الاسلامية التي لا تعمل وفق طريقة حزب التحرير.
قبل الدخول في المناقشة أريد التأكيد على أن هناك فرقاً بين من ينظر في الأدلة الشرعية ثم يستنبط منها حكماً شرعياً بعد تحقيق المناط، وبين من ينظر في الوقائع التاريخية ليجعلها أدلة بحد ذاتها، فلا تقوم الحجة بما حصل تاريخياً والاعتماد عليه باعتباره دليلاً على المسألة؛ لأن الوقائع التاريخية لا يستنبط منها دليل، فهي أحداث جرت ويمكن أن تكون موافقة للدليل أو ضاربة به عرض الحائط؛ لذلك فلا يقبل الاعتماد على أية واقعة تاريخية في إثبات مشروعية الخلافة ونظام الحكم الاسلامي كما يراه حزب التحرير؛ بل المعول عليه هو الدليل القطعي من الكتاب وما لا يعارضه من السنة، أما ما ارشدا اليه فهو لا يصلح دليلاً الا عند من اعتمده، فالقرآن والسنة قد يرشدا هذا الفقيه الى شيء ويرشدا ذلك الفقيه الى شيء آخر، وبذلك تسقط حجية الاجماع والقياس على موضوعنا؛ لأنه لا دلالة فيهما على الأمر قطعاً .
إجماع الصحابة دليل يستند اليه الحزب في اثبات مسألة الخلافة ونظام الحكم المتعلق بها، وهذا الدليل يحتاج الى دليل، ومن المؤسف أن مسألة عظيمة كمسألة الخلافة ونظام الحكم عند حزب التحرير، لا يوجد دليل لها الا إجماع الصحابة،علماً أن البحث في هذا الأمر يقودنا الى التفريق بين طاعة الأمير وبين دعوى اجماع الصحابة، فكل أمر فعله الأمير أو الخليفة ثم سكت عنه الصحابة أو أكثرهم لا دليل فيه على مشروعية الفعل؛ لأن السكوت قد يكون من باب طاعة الأمير وليس من باب مشروعية الأمر؛ إذ قد يكون الأمر من باب الفعل السياسي الذي لا ينكره الاسلام، فيسكت الصحابه عنه، أو قد يكون اجتهاداً للأمير، ومعلوم أن الاجتهاد لا يُنكَرُ بمثله . هذا كله إضافة الى أن اجماع الصحابة ليس دليلاً فيما لو حصل؛ لأن اعتبار اجماع الصحابة مصدر من مصادر التشريع لا دليل عليه وإنما الذي يستدل به ثناء الله جل جلاله على الصحابة فقط ، أما دلالة هذا الثناء على أن إجماع الصحابة دليل شرعي فهذا تحميل للنص بما لا يحتمله .
وما يقال عن اجماع الصحابة يمكن أن يقال عن القياس؛ الذي يستدل عليه بأدلة ظنية هي أخبار آحاد، ولا يجوز الوصول الى القطعي عن طريق الدليل الظني؛ لذلك فإما أن تكون الخلافة ثبتت بدليل قطعي فيلتزم المسلمون جميعاً بالعمل لها على طريقة حزب التحرير، وإما أن تكون ثبتت بدليل ظني، فتصبح مسألة خلافية لا ننكر على من يخالفنا فيها وتنتهي المسألة .
هل الخلافة أمر سياسي أم شرعي:
إن كون الأمر شرعياً لا بد أن يثبت بدليل، وذلك حسب الأصول التي يتبناها هذا المجتهد أو ذاك، أما الأمر الذي يراد الزام المسلمين جميعاً به فلا بد أن يكون مقبولاً ومعتمداً في أصول المسلمين جميعاً، فلا يجوز الزام المسلمين مثلاً بفعل أهل المدينة كما هو مقرر في اصول الإمام مالك، بل الزام من تبنى أصول الامام مالك فقط .
من هنا يبدو السؤال السابق مشروعا،ً هل الخلافة أمر سياسي أم شرعي .
الروايات التي وصلتنا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تدل على أن الأمر كان سياسياً بامتياز، ولم يكن استناداً الى أدلة شرعية، ولم يكن نظام الحكم معروفاً عند الصحابة وإنما تم كتابته لاحقاً في العهدين الأموي والعباسي استناداً الى الوقائع التي جرت، وليس استناداً الى نصوص شرعية معتبرة .
إن استعراض الروايات والنصوص المعتبرة عند أهل السنة تدل على أن ما حصل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن على هَديٍ شرعي وإنما حالة سياسية فرضت تنصيب حاكم بعد خلو هذا المنصب بوفاة النبي صلوات الله وسلامه عليه . فقد علم أبا بكر وعمر-رضي الله عنهما- أن الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لاختيار أمير بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،فسارعا الى السقيفة لقطع الطريق عليهم، ومما نعلم أن استدلال أبا بكر على حق المهاجرين بالخلافة لم يكن بدليل شرعي فقد ذكّّرَ الأنصار أن هذا الأمر يجب أن يكون في قريش لأن العرب لا تنصاع لغيرهم، وهذا لا يعتبر دليلاً شرعياً بل يمكن القول أنه دليل سياسي، ولو كان دليلاًَ شرعياً لانحسم الأمر وسكت الأنصار وقبلوا برأي ابا بكر وعمر – رضي الله عنهما-، إلا أنهم اقترحوا أمراً آخر بعدما رأوا اصرارهما على تولي الأمر دون الأنصار، فقالوا : منا أمير ومنكم أمير، فقال عمر- رضي الله عنه- : سيفان في غمد واحد لا يجتمعان،في إشارة منه أن القيادة يجب أن تكون فردية، فلا يصلح أميران للمسلمين في وقت واحد . ثم نعلم كيف حسم الأمر بمبايعة عمر بن الخطاب لأبي بكر دون اجماع الحاضرين على قلتهم، فلم يبايع أحدُ سادة الأنصار وهو سعد بن عبادة حتى مات، مما يفهم منه أن بيعة أبي بكر كانت بيعة سياسية ولم تكن بيعة دينية .
إن القول بأن خلافة أبي بكركانت بإجماع الصحابة منقوض بعدم مبايعة علي رضي الله عنه وثلة من بني هاشم ايضاً لم يبايعوا؛ علماً أنهم كانوا من خيرة الصحابة وكبارهم، فلا يمكن القول بإجماع للصحابة يخالفه علي رضي الله عنه، فأين إجماع الصحابة في خلافة أبي بكر، أما القول ان الاجماع ينعقد بأهل العقد والحل وقد حصل، فهذا أيضاً لا تقوم به حجة، فأي أهل عقد وحل لا يكون فيهم علي وسعد بن عبادة رضي الله عنهما، هذا من كبار المهاجرين وهذا من كبار الانصار وسادتهم ومن نقبائهم .
على أنه من المفيد الإشارة الى أن مصطلح " أهل الحل والعقد" ليس له دليل شرعي، وهو اصطلاح تم نحته في العصر الأموي للالتفاف على حق لمسلمين في اختيار الحاكم، فكل حاكم كان يضع في بلاطه مجموعة من علماء السوء يسمون بأهل الحل والعقد، يقومون بمبايعة الخليفة وتنصيبه فتكون طاعة الأمة واجبة لهذا الحاكم حتى لو كان فاسقاً فاجراً كما حصل مع يزيد بن معاوية الذي اخبر عنه الطبري أنه كان لا ينام الا مخموراً.
إذن ما حدث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم هو خلو موقع الحاكم فتداعى المسلمون الى ملئه،وهذا أمر طبيعي في كل جماعة بشرية، إذا خلا منصب الحاطم أو زعيم القبيلة أو الملك تداعى أهل ذلك المكان الى تنصيب غيره ، وأما ما يستدل به على فرضية العمل لتنصيب خليفة مما حدث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والقول أن المسلمون انشغلوا بالفرض الأوجب من بين الفروض التي اجتمعت عليهم وهي : تنصيب خليفة ودفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقتال المرتدين وتسيير جيش اسامة بن زيد، حيث اختار المسلمون الانشغال بتنصيب الخليفة على الواجبات الأخرى فهذا محض تخرص، ينطلي على من آمن بفكرة العمل على تنصيب الخليفة قبل أن يتعرف الى طريقة الاستدلال في الاسلام، إذ هذا الواقع الذي يصوره الحزب لم يكن له وجود، فلم تتزاحم الفروض على المسلمين فاختاروا الفرض الأوجب أو الفرض الذي يجمع باقي الفروض وهو تنصيب خليفة .
إن تقديم فرض على فرض لا يكون الا بدليل شرعي، ولا يكون ذلك في الفروض الموسعة التي يتسع المجال لأدائها جميعاً، فلا تقدم الصلاة على أداء الزكاة إذا كان الوقت يتسع لأدائهما، أما لو ضاق الوقت بحيث لا يتسع الا لأداء صلاة الظهر فيحرم أداء الزكاة أو أي من الفروض الموسعة الأخرى في هذا الوقت .
يزعم حزب التحرير أن الصحابة انشغلوا بتنصيب الخليفة مع وجود فروض أخرى وهذا باطل، لأنه لم يجتمع عليهم فروض فقدموا واحداً على الآخر، وكما علمنا ان ذهاب ابا بكمر وعمر رضي الله عنهما الى السقيفة لم يكن لانجاز فرض بل لقطع الطريق على الأنصار من اختيار خليفة . ثم لم يكن هناك تعارض بين دفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين تنصيب الخليفة، فقد تم تنصيب أبي بكر رضي الله عنه خليفة للمسلمين يوم الإثنين وهو يوم وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنه لم يدفن بعد تنصيب أبي بكر بل دفن يوم الأربعاء كما تشير كل كتب السيرة، فلو كان هناك تعارض لتم دفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد تنصيب أبي بكر مباشرة وهذا ما لم يحدث لأنه لم يكن هناك تعارض أصلاً؛ فقد انشغل بنو هاشم وعلى رأسهم علي رضي الله عنه بتغسيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتكفينه ثم انشغل المسلمون بالصلاة عليه فرادى حتى لم يبق منهم أحد فتم دفنه صلى الله عليه وآله وسلم .
أما قتال المرتدين فلم يتعارض مع دفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه حين علم ارتداد بعض القبائل كان أبا بكر خليفة، فكيف التعارض بين الأمرين ؟!!
كل التفاصيل التي حدثت في السقيفة وما بعدها يدل على أن تنصيب خليفة هو أمر سياسي يفرضه الواقع الاجتماعي، فهو ضرورة اجتماعية وليس ضرورة دينية، فلا تجد قوماً اجتمعوا في كيان سياسي الا واحتاجوا الى حاكم يحكمهم بما يتواضعون عليه من النظام والقانون، ولذلك لم تأت أدلة شرعية تبين كيفية تنصيب الحاكم في الاسلام لأن هذا الأمر من شؤونهم الدنيوية يختارون الكيفية التي يشاءون، ودليل ذلك أن تنصيب الخلفاء الراشدين تم بكيفيات مختلفة، فلو كانت هناك كيفية ثابتة لتنصيب الخليفة ما خدث اختلاف في كيفيات تنصيبهم، أما القول بأن هذه الكيفيات كلها شرعية، فباطل لأن ما حصل في السقيفة يدل على المفاجئة التي حصلت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلم تكن هندهم كيفية واحدة معروفة فكيف بكيفيات متعددة ؟! . أما القول بأن دليل هذه الكيفيات هو إجماع الصحابة فهذا منقوض بما بيناه سابقاً؛ إذ ظهر من بين الصحابة من اعترض على خلافة ابي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان وخلافة علي –رضي الله عنهم جميعاً- ويكفي قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يرد على المعترضين على خلافة أبي بكر: لا يقولن أحد أن بيعة أبي بكر كانت فلتة، نعم إنها فلتة ولكن الله وقى شرها، فهو دليل على أن هذه الكيفية لم تحصل حتى على اجماع الصحابة، وهو الدليل الذي كما قلنا سابقاً يحتاج الى دليل .
أما ما حدث بعد الخلافة الراشدة وتحولها الى ملك ؛ حيث أجبر معاوية "أهل الحل والعقد" على مبايعة يزيد من بعده، فهو دليل على أن نظام الحكم في الاسلام ليس مأخوذاً من النصوص وإنما ممن يملك القوة لصياغته واجبار الناس على القبول به، إذ وجد العلماء أدلة على شرعية هذا التوريث بل عندما حصل تسمية اثنين أو ثلاثة يتولون الخلافة بعد موت الخليفة الموصي لهم، فقد وجد العلماء أدلة لهذا، مما يؤكد الفكرة التي اسلفتها وهي أن هناك من استخرج أدلة من الوقائع التاريخية وألبسها ثوب الشرعية .
عندما اشرف سليمان بن عبد الملك على الموت أشار عليه رجاء بن حيوة أن يسمي عمر بن عبد العزيز من بعده، ولأنه لم يكن من أبنائه، وحتى لا يغضب ابناء سليمان بن عبد الملك تمت البيعة منهم على مغلف مغلق، وكان المبايع دون علمهم هو عمر بن عبد العزيز، فأصبح خليفة. هذه الكيفية أيضاً وجدت من العلماء من يستخرج لها دليلاً شرعياً.
أما مسألة وجود خليفة واحد للمسلمين ، وأنه لا يجوز أن يكون لهم أكثر من حاكم ولو حكموا كلهم بالاسلام، استدلالاً بحديث :" إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما"؛فإنه لا يصلح للاحتجاج لأن دلالة الحديث ظنية، فقد يكون هذا الحكم متعلقاً بالبلد الواحد،إذ لا يجوز حسب هذا الحديث مبايعة خليفتين في البلد الواحد، أما إذا تعدد البلاد الاسلامية أو اتسعت رقعة الدولة الاسلامية فلا بأس من تعدد الحكام، وقد قال الامام الشوكاني بجواز التعدد إذا اتسعت رقعة الدولة الاسلام، وقال الواقع أيضاً بذلك حيث عرفت الأمة الاسلامية أكثر من خلافة في نفس الوقت، حيث كانت هناك خلافة عباسية في بغداد وأموية في الأندلس ثم فاطمية، وكان العلماء يدعون لكل منهما في بلده ويطيعونه ، ولم نسمع بفتوى تبيح أو تأمر بقتل الآخر منها، لأن هذا الأمر سياسي وليس شرعي.
إن ما حصل بعد تنصيب يزيد بن معاوية وسكوت الأمة عليه دليل أن الحكم تحول من مسألة تهم المسلمين باعتبار أن الدولة عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم، الى مسألة تهم الأسر الحاكمة، إذ لا علاقة للأمة بهذا الأمر ، وما يلفت الإنتباه هو انشغال الفقهاء أو ما وصلنا من فقههم بالفقه المتعلق بالعبادات حيث يمكن قراءة آلاف الصفحات في كتب كل مذهب تتناول الطهارة والوضوء والصلاة، أما مسألة العلاقة بين الحاكم والمحكوم فلا تجد فيها الا ما يطالب الناس بطاعة الحاكم والخضوع له باعتباره ظل الله على الأرض .
إن تاريخ الخلافة الاسلامية هو تاريخ الحكام الذي تسلطوا على رقاب العباد، ونظام الحكم لم يكن سوى النظام الذي يحافظ على مصالح الطبقة الحاكمة؛ فلم تكن الأمة إلا خانعة ذليلة أمام بطش الحكام الذين استأثروا بقوتهم وسلطانهم وتساوق علماء السوء معهم، فسلبوها حقها في اختيار الحاكم الذي يحكمها بما تريد، ووضعوا حصوناً من اختراعهم لحماية الحاكم من رياح التغيير فقالوا ان الحاكم الذي يبايع بيعة شرعية يحكم مدى الحياة ما لم تتغير أحواله، وتغير الحال مسألة مطاطة، ليس لها ضوابط شرعية ولا عقلية، فجعلوا الحاكم مقدساً يطاع مع فساده وفسوقه؛ إذ ليس الظلم والفساد والفسق واتيان المحرمات مما يوجب خلع الخليفة ، فكانت نتيجة ذلك النظام الذي اخترعه علماء السوء، طبقة حاكمة تستأثر بثروات الأمة ومقدراتها، وأمة مسحوقة يجلد ظهرها ويؤكل مالها، وما عليها الا السمع والطاعة وكأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمر أشرف الأمم وأفضلها على الإطلاق، أن تسكت على الحاكم الظالم الذي يجلد الأبشار ويأكل الأموال ظلماً وعدواناً، وهي الأمة المأمورة في كتاب ربها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يطال كل شيء ، الا الحاكم عند علماء السوء المنظرين لنظام حكم ادعوا انه من الاسلام .
وهنا لا بد من السؤال : هل الأمة مأمورة بتحكيم شرع الله ؟ نعم ، الأمة مأمورة بتحكيم شرع، ولكن نظام الحكم تختاره الأمة، أي ما يتعلق بتنصيب الحاكم وآليات الحكم والنظام الإداري للدولة الاسلامية هو مما تتوافق عليه الأمة، فلا حاكم يحكم بمفرده كما يشاء بل لا بد من هيئات مراقبة على الحاكم، فإذا خالف الحاكم العقد الذي جرى بموجبه انتخابه فلا بد من خلعه وإسقاطه، فهو حاكم تختاره الامة لمدة معينة، لا ليحكمها مدى الحياة ، ويحكمها بما تشاء لا بما يشاء ، وضابط ذلك كله عدم مخالفة القطعي من النصوص ثبوثاً ودلالة. فالأمة تختار من يحكمها وفق برنامج انتخابي يقدمه لها، سواء كان البرنامج موافقاً لمتبنيات حزب التحرير أو مخالفاً له، فالأصل أن لا يخالف شرع الله، وقد عرفت الأمة في هذا الزمان حركاتٍ وبرامجَ مبنية على اسس الإسلام تتحدث عن الدولة الاسلامية باعتبارها دولة مدنية وليست دولة دينية، ويمكن التوافق بين حركات وأحزاب غير اسلامية على برامج وقوانين؛ إذ لا يكره الناس على الاحتكام للإسلام، فالغاية التي شرع الاسلام من أجلها هي هداية الناس وإدخالهم في دائرة الإيمان، وليس اجبارهم على إظهار الاسلام وإبطان الكفر، وقد يكون هذا مما اضعف الأمة الاسلامية سابقاً إذ أكره الناس على اظهار الاسلام بالقوة والاجبار، فكانت النتيجة أن تكتلوا ضد الاسلام وأهله من داخله .
أنا على يقين بأن هناك أفكاراً كثيرة سيتم مناقشتها بعد الاستماع للردود على هذا المقال.
[email protected]