تجربتي مَعَ أحمد حسن البكر وَ تايه عبد الكريم.. بقلم: حميد الواسطي
تاريخ النشر : 2009-06-03
تجربتي مَعَ أحمد حسن البكر وَ تايه عبد الكريم.. بقلم: حميد الواسطي


بِسْمِ اٌللهِ اٌلرَّحمَنِ اٌلرَّحيمِ
تجربتي مَعَ أحمد حسن البكر وَ تايه عبد الكريم.. بقلم: حميد جبر الواسطي

أمَّا بَعدُ، وَفي تاريخ كتابة هذِهِ السُطور وَلا تزال هناك حلقات اُسبوعيَّة مُعادَة - في قناة البغدادية – يُدير اللقاء الكاتب وَالإعلامي الدكتور حميد عبدالله مَعَ السَيِّد تايه عبدالكريم – الوزير وَالقائد البعثي وَعضو مجلس قيّادة الثورة في العِرَاق سابقاً.
وَعِندَ رُؤيتي للسَيِّد تايه عبدالكريم – بالتلفاز - وَسماعي لِمَا يَقول مِن قصص أو شهادات للتاريخ وَتشخيصهِ الصحيح وَالصريح وَمِن خِلالِ تجربته الشخصيَّة وَالوظيفيَّة لأخطاء مسيرة قادة في حزب البعث.. فلَم أتفاجأ لصراحتهِ أو طريقة كلامه الَّتِي عادت بذكرياتي إلى أكثر مِن ثلاثة عقود للوراء وَمِن خِلالِ تجربة قصيرة أو لقاء كاتب السُطور مَعَ السَيِّد تايه عبد الكريم. وَلَكِن قبلَ ذلِك تجربتي أيضاً في موقفيَن مَعَ الرئيس العِرَاقي الراحل أحمد حسن البكر.

في عام 1975م كانَ هُناك إستعراض – النصر – العسكري عَلَى مَدرَج مطار المثنى في بغداد بحضور الرئيس العِرَاقي الراحل أحمد حسن البكر وَنائبه صدام حسين وَأعضاء القيّادة السياسيَّة وَالعسكريَّة وَالوزراء وَالهيئات الدبلُوماسيَّة العربيَّة وَالغربيَّة، وَكمَا أتوقع أنَّ تايه عبدالكريم كانَ ضمِن الحضور لذلِكَ الإستعراض – لَم أراه في المِنصَّة وَلكني رأيت بوضوح أثناء إلقاء التحيَّة بالسَيف وَالنظر إلى (جهة) اليمين – الرئيس البكر وَعن يمينهِ نائبه صدام - وَأنَّ تايه عبدالكريم يُفترَض أن يكون أيضاً ضمِن الحاضرين في ذلِكَ الإستعراض ما لَم يَكُن حينها مُسافِرَاً خارِج العِرَاق أو مانعاً مُناسِباً.

إستعراض النصر كانَ بعد توقيع مُعاهَدة الجزائر بَينَ العِرَاق وَ إيران سنة 1975 وَسحبِ الأخيرة – عَلَى ضوءِ تِلكَ المُعاهَدة - دعمها المادي وَالمعنوي عن الأحزاب الكُرديَّة أو البيشمركة الَّتِي كانت تقاتل الجيش العِرَاقي سِيَّمَا جمَاعة البارزاني وَالطالباني وَمَن لفَّ لفهُمَا!! فسُجِّلَ ذلِكَ (إنتصاراً سهلاً أو نصراً سريعاً) للجيش العِرَاقي.

وَقبل مَوعِد إستعراض النصر العسكري كانت هُناكَ تحضيرات وَإستعدادات وَإختبارات لكافةِ وحدات الجيش العِرَاقي لإختيار كردوس (مِن 50 عسكري: جندي أو طالب كُلِّيَّة عسكريَّة) زائداً آمِراً للسريَّة أو الكردوس وَعريف الكردوس مِن كُلِّ سرايا الجيش العِرَاقي.

وَأنا كاتب السُطور – وَقتهَا – كُنت عريف - تلميذ - للفصيل الثاني سرية خالد بن الوليد ,الكُلِّيَّة العسكريَّة/ الدورة 55 .. وَكانَ آمِر الفصيل الثاني - حينذاك - ملازم أوَّل خضر علي نصّار العامري.. وَأمَّا آمِر السرية فكانَ الرائد محمد براء محمد نجيب الربيعي، وَكلاهُمَا مِن خرِّيجي كُلِّيَّة ساند هيرست البريطانيَّة.

كانت هُناكَ خمس فصائل في كُلّ سرية مِن سرايا الكُلِّيَّة العسكريَّة: خالد بن الوليد، سعد بن أبي وقاص، المثنى بن حارثة الشيباني، أبو عبيدة الجراح وَسرايا اُخرى.

وَللتحضيرات لذلِكَ الإستعراض العسكري في كُلِّ سرية مِن سرايا الكُلِّيَّة جرت إختبارات لإختيار أحسَن 50 طالب في كُلّ سرية مِن مجموع حوالي 180 طالب في الفصائل الخمسة (36 x 5 = 180) ، وَأبدَع عريف فصيل مِن بَينِ العرفاء الخمسة وَكذلِكَ أبرَع آمِر فصيل لتشكيل كردوس مُنتخب مِنَ السرية ليستعرض ضمِن كراديس مُنتخبَة أو مُختارَة مِن كافةِ وحدات الجيش العِرَاقي. وَعَلَى ضوء ذلِكَ الأختبار تمَّ إختيار أحسَن 50 طالب حَمَلة بنادق، وَعريف الكردوس – كاتب السطور - مِنَ فصائِل سرية خالد وَكذلك إختيرَ آمِر الفصيل الثاني – فصيل كاتب السطور - ملازم أوَّل خضر علي نصّار العامري آمراً للكردوس (الآمر والعريف سيحملان كُلّ منهُمَا سَيفاً عسكريّاً في الإستعراض) بَيدَ أني كُنت أعتقد بأنَّ خضر العامري الضابط المُحترف في المسير وَالبارِع في الحَرَكات العسكريَّة وَالساحِر في حركات السيف لَيسَ – وَمِن وجهةِ نظري – مِنَ الصعب أن ينافسه ضبّاط السرية أو الكُلِّيَّة فحسب بَلْ يَعجز ضبّاط العراق قاطبة وَرُبَّمَا ضبّاط دول اُخرى – لا أقصد في العِلم أو المَعرِفة أو الذكاء – فقد كانَ هُناكَ ضبّاط مُحترفين في الكُلِّيَّة العسكريَّة العِرَاقيَّة وَمنهم مثلاً لا حصراً ملازم أوَّل - وَقتذاك - عامر أحمد بكر الهاشمي , مُعلِّم كاتب السُطور في الكُلِّيَّة العسكريَّة بدرس المُظاهَرَات (تمارين تعبئة وَتقدير مَوقِف) وَأنَّ خضر العامري كانَ مُعجَباً بالهاشمي وَعادة مَا كانَ يقول لي "أنا نِسبَة واحد مِن عشرين مِن (ذكاء) عامر الهاشمي.. عِلماً أنهُمَا كانا برتبة واحدة (ملازم أوَّل) وَلَكِن كانَ الفرق بينهما في القِدَم دورة واحدة فقط؟ فكانَ العامري مِن دورة 48 وَالهاشمي 47 !! وَكانَ أيضاً يقول لي: أنَّ عامر أحمد بكر الهاشمي هُوَ أحسَن ما خلقَ اٌلله مِن ضبّاط المشاة.

كانَ ضبّاط الكُلِّيَّة العسكريَّة العِرَاقيَّة نخبة ممتازة وَعادة ما يكونوا مِن خيرة ضبّاط الجيش العِرَاقي - وَفي الغالِب - مِن خرِّيجي أرقى الأكاديميّات أو الكُلِّيَّات العسكريَّة العالَميَّة مِِثل ساند هيرست البريطانيَّة وَ سان مونز الهندية وَ الأكاديميَّة العسكريَّة الباكستانيَّة.. إلاَّ أنَّ خضر علي العامري وَخرِّيج ساند هيرست كانَ موهوباً ويُبهِر العقول في مسيرهِ وحركاتهِ العسكريَّة سِيَّمَا وَهُوَ يحمِل السَيف.. حتى أنَّ الرئيس أحمد حسن البكر وَأعضاء القيادة وَمِن مِنصَّة مَطار المثنى أصابهم الذهول وَالعَجب مِنَ الكردوس المُميَّز مِن بَينِ الكراديس المُستعرِضة.. فعِندَ وصول كردوس (سرية خالد: آمره العامري وَعريفه الواسطي: كاتب السُطور) خطّ التحيَّة قبلَ أن يكون أمَامَ المِنصَّة بحوالي 20 متراً وَإطلاق آمِر الكردوس "إيعاز" ((يميناً اُنظر)) فبالإضافة للمسير الراقي وَالتحيَّة العسكريَّة المُوحدَّة لطلاب الكردوس، بَيدَ أنَّ اللافت للنظر سيكون حَولَ آمِر وَعريف الكردوس فكانت التحيَّة في سَيف العريف التلميذ – كاتب السطور – رشيقة وَمتوازيَة وَمتناغمَة وَمُوقتة تماماً مَعَ حَركة أو تحيَّة سَيف آمِر الكردوس خضر العامري.. وَأثناء نظري للبكر وَصدام لاحظت حَرَكة غير طبيعيَّة وَسَمِعت أصوات عالية مِن جهة المِنصَّة وَبعدَ تخطّي الكردوس منصة التحيَّة وإيعاز آخر مِن آمِر الكردوس ((أمَامَك)) إلاَّ أني بقيت أسمَع ضجّة وَإلى أن مَرَّ أو خطفَ – مِن جانبي وَكالأسَد ضابط أسوَد برتبة نقيب ليكون بموازاة الآمر الَّذِي أمَامي بحوالي مِن 2 إلى 3 متر ليسألهُ عن إسمهِ؟ فأجاب: ملازم أوَّل خضر علي نصار.. فشعرت بغبطة وَفخر؟ لأني عرفت بأنَّ كردوسنا قد فاز بالدرجة الاُولى وَاٌستقرأت بأنَّ الرئيس البكر وَالآخرين قد إنبهروا بالمسير المُمَيَّز للكردوس وَأروَع وَأعجَب تحيَّة عسكريَّة بحركتيَن مُوحدتيَن وَرشيقتيَن لسَيفي الآمِر وَالعريف.. ممّا أثارَ رَدّ فِعل أو ضجَّة في المِنصَّة. وَقد فازَ فعلاً كردوس سرية خالد بقيّادة العامري وَ الواسطي بكأس ذهَب هَديَة مِن رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر كأحسَن كردوس مِن بَين كُلّ كراديس سرايا الكُلِّيَّة العسكريَّة وَكافة كراديس سرايا الجيش العِرَاقي في ذلِكَ الإستعراض العسكري. وَفي الحقيقة أنا غير مُتأكِّد تماماً مِن آمِر السرية الرائد محمد براء نجيب الربيعي فقد كانَ يُفترَض أن يكونَ أمَامَ آمِر الكردوس العامِري وَلَكِن الَّذِي أعطى الإيعاز للكردوس هُوَ العامري وَالضابط الَّذِي أرسله البكر رأيته وَسمعته قد سألَ العامري عن إسمه؟ فأمَّا أن يَكون الرائد براء أمَامَ آمِر الكردوس وَإمَّا في مَكانٍ آخر أو غير مُشترِك أصلاً في الإستعراض. وَأمَّا الضابط الأُعجوبَة ملازم أوَّل خضر العامري (وَشقيق حسن العامري – عضو القيّادة القطريَّة لحزب البعث سابقاً) فقد أرسلَ عليه رئيس الجمهوريَّة وَعرضَ عليه أن يكونَ آمراً لحرس الشرف في القصر الجمهوري؟ بَيدَ أنَّ خضر العامري قد إعتذرَ (حسبَمَا أخبرني العامري الَّذِي كانَ يعتز بي إعتزازاً خاصّاً وَكانَ عِندَمَا يُقدّمني لزملائهِ أو أصدقائهِ يقول: اُقدِّم لكُم حميد جبر مِن أحسَن تلاميذي في الكُلِّيَّة العسكريَّة!!) كانَ العامري يُفضِّل أن يبقى مُعلّماً في الكُلِّيَّة ثمَّ الدخول إلى كُلِّيَّة الأركان.. وَقد نصحني بإختيار صنف المشاة ليدعم ترشيحي إلى كُلِّيَّة ساند هيرست إلاَّ أنَّ رغبتي كانت في صنف الدفاع الجوي.

وَفي ربيع سنة 1976 وَحينها كُنت – أنا كاتب السُطور أو المقالة – لا أزال طالباً في الكُلِّيَّة العسكريَّة – الدورة/ 55 الَّتِي إبتدأت في ديسمبر 1974.. وَكانَ مِنَ المُقرَّر للدورة أن تتخرَّج في ذِكرى عيد الجيش العِرَاقي (6 كانون الثاني) 1977 بَيدَ أنَّ الرئيس العِرَاقي الراحل أحمد حسن البكر كانَ يُفكِّر بتقديم مَوعِد تخرّجهَا ستة أشهر أيّ في تمُّوز/ يُوليُو 1976، وَلَكِن بنفس الوقت كانَ البكر يُريد أن يتأكَّد أو يَعرف عن كثب فيما إذا كانت الدورة (55) ناضِجَة أيّ أنَّ طلاب الدورة متهيّأين للتخرُّج وَأن يكونوا ضبّاطاً في تمُّوز الَّذِي لَم يبقى له إلاَّ ثلاثة شهور؟ وَمُشكلة اُخرى، أنَّ طلاب الدورة لَم يدخلوا بَعد دورة الصنوف (التخصُّص) وَهِيَ دورة حتميَّة لمُدَّة 3 – 6 أشهر قبل مَوعِد التخرُّج.. إلاَّ أنه وَفي حالات طارئة أو إستثنائيَّة فأنَّ بعض دورات الصنوف تتأجّل فيها لِمَا بَعد التخرُّج؟ كاٌلدورة 54 التي تخرجت في سنة وَبضعة شهور؟ لحاجة الدولة أو الجيش لضبّاط في حرب الشمال!! وَقليلاً مِن دورات – سابقة أو لاحقة - اُخرى. وَعَلى أيةِ حال، فأنَّ كُلّ ما يريد أن يعرفه الرئيس البكر هَلْ أنَّ الدورة/ 55 هِيَ ناضجة (جاهِزَة) لتتخرج بعد ثلاثة شهور أو في أعياد (14 - 17) تمُّوز القادِم؟

فجاء المهيب أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية ووزير الدفاع بالوكالة بعد إغتيال الفريق حماد شهاب وزير الدفاع في مُؤامَرة ناظم كزار الفاشِلَة أو المُدبَّرة – في الباطن !؟– للتخلُّص منه وَآخرين!! وَمع الرئيس البكر مَجموعة مِن أعضاء في مجلس قيادة الثورة وَقيادة الحزب وَالجيش ليحضروا حفل عشاء مَعَ حوالي ألف طالب / الدورة 55.. وَأنا كُنت أوَّل طالب قد أدى التحيَّة بالإستعداد العسكري فقط؟ (لأني وَالطلاب كنا في المطعم حاسري الرأس) للرئيس البكر وَلأنَّ الرئيس وَمرافقيه قد دخلوا مِن أحد أبواب المَطعم المُؤدّي إلى جناح طاولة طعام مطعم الفصيل الثاني سرية خالد بن الوليد وَأنا عريف تلميذ الفصيل الثاني كنت واقفاً بجانب كرسي عريف الفصيل (المُخصّص) في مُقدَّمَة الطاولة وَقريباً مِنَ بَاب الدخول.. فرأيت المهيب البكر عِندمَا دخلَ المطعم في حالة شعور حزين – حسَب إستقرائي - وَتكاد عيناه تدمعان وَكأنَّ ذكرياته رجعت للوراء عشرات السنين عِندمَا كان البكر طالباً في نفس الكُلِّيَّة العسكريَّة وَأنه كانَ يأكل أربَع وجبات يوميّاً في نفس هذا المطعم (مطعم طلاب الكُلِّيَّة العسكريَّة). الرئيس البكر عِندَمَا دخلَ المطعم رأيته يهِّز يَدّه مَعَ إطلاق صوت خفيف - أنين وَ حنين - وَقال بالنصّ " إيه يجبّار !!" وَكانَ خلفه الفريق أوَّل الركن عبدالجبار شنشل – رئيس أركان الجيش – وَقتذاك – فأسَرع إليه الفريق شنشل وَصارَ بجانبهِ وَأجابه: "نعم سَيِّدي؟" ولمَّا كانَ البكر في حالة مسير بإتجاه طاولة طعام اُخرى فلَم أسمَع ما قاله بَعد للفريق شنشل إلاَّ أني أستقرأ بأنَّ البكر أراد أن يقول أو يستذكِر أيَام كانَ طالباً في الكُلِّيَّة وَهُوَ شعور بالحنين عادة ما يكون عِند الَّذِينَ يرون بَعدَ سنين أو فترة طويلة مِنَ الزمَن مَكاناً مِثل بَيت كانَ يَسكِن فيه، مَدرَسَة دَرَسَ فيها، صفاً، زميلاً في الدراسَة أو الطفولة، شيئاً آخراً عزيزاً أو ذكريّات اُخرى.

كانَ برفقةِ الرئيس أحمد حسن البكر مَجموعَة مِن قادة الحزب وَالجيش وَمنهم عزة مصطفى وَتايه عبد الكريم وَسعدون غيدان وَعلي غنام وَقاسم سلام وَآخرين وَبَعدَ العشاء إنتقلَ الرئيس البكر وَمرافقيه القادة إلى حديقة واسعة وَجميلة وَقريبَة مِن مُقر الكُلِّيَّة. كانَ الرئيس البكر وَاقفاً وَمعه بَعض مُرافقيه وَآمِر الكُلِّيَّة العسكريَّة وَأمَّا بَعض القادة وَمِنهم المذكورة أسماءهم أعلاه.. وَقد وقف كُلّ واحد منهم منفرداً في الحديقة وَقد جاءت فصائل الكُلِّيَّة لتتوزع عَلَى أعضاء القيّادة وَأمَامَ كُل قائد أو مسؤول تشكَّلَ عشرات مِن الطلاب نصف دائِرَة وَقد كانَ لقاءاً أو حِوَاراً ليَفحص القادة مِن خِلالهِ مستوى الطلاب ليشيروا فيما بَعد عَلَى رئيسهم البكر في إمكانيَّة تخرّج الطلاب في تمُّوز القادِم أو أنَّ تبقى الدورة لمَوعدها المُقرَّر في كانون الثاني 1977 ؟؟ وَقد كانَ للطلاب الخِيَار بأن يكونوا ضمِن أيّ مجموعة كانت؟ أو أن يتوزعوا إلى أيِّ مَسؤول كانَ فوقفت أنا - كاتب السطور - أوَّل الأمر مَعَ المجموعة الَّتِي فيها عزة مصطفى.. وَكان هادئاً وَقليل الكلام وَأتذكر أنه وَفي كُلّ خمس دقائق تقريباً يُخرِج حبّة (دواء أو شيئاً آخراً) مِن جيب جاكيته ليبلعها!؟ فقلت مَعَ نفسي أنه وزير صحّة وَيُداري عافيته؟! فتركته متسللاً إلى غيرهِ فوقفت مَعَ مَجموعة سعدون غيدان قليلاً إلاَّ أنَّ شيئاً جذبني بإتجاه مَجموعة تايه عبدالكريم فذهبت إليها لأسمَع منه وَقد كانَ مَسؤولاً يختلف عن غيرهِ؟ وَلَم أعرف حينها أنه كانَ مُعلّماً أو مُدرّساً قبلَ أن يتولّى القيّادة، بَيدَ أني شعرت بإطمئنان وَأمَامَ إنسان قبلَ أن يكون مَسؤولاً وَكأني في صف مدرسة وَأمامي مُعلِّم في توجيهاته وَأخاً كبيراً في توصياتهِ وَلَم أشعر بوجود حاجز كبير كونه عضواً في مجلس قيادة الثورة فبقيت حتى نهايَة الحفل معه.

وَأمَّا الآن في تاريخ كتابة هذِهِ السُطور أو بَعدَ حوالي ثلاثة عقود ونصف مِن ذلِكَ الزمَن فقد كبرَ تايه عبدالكريم بنظري أكثر وَهُوَ يشهَد للتاريخ وَالحقيقة وَيُشخّص بشجاعة وَجرأة وَإنسانيَّة أخطاء في مَسيرة الحزب (حزب البعث العربي الإشتراكي) وَأقول: أنَّ الإعتراف أو تشخيص الأخطاء هِيَ مِنَ الأهميَّة بمكانٍ في مُعالجَة أو تصليح الاُمور.. وَأنا أتفق مَعَ السَيِّد تايه عبدالكريم في كثير ممّا قال في حلقات فضائيَّة البغدادية وَمنها عَلَى سبيلِ المِثال لا الحصِر.. أنَّ مُؤامَرة ناظم كزار وَغيرها كانت مِن صنعِ صدام حسين؟! للأسبَاب المَعروفة في التخلُّص مِن بَعضِ المُزاحمين وَالمُنافسين وَلإختزال القيّادة بشخص صدام حسين باٌلدرَجَة الرئيسية!؟. وَلَم يَنكِر أو يَزعل صدام حسين مِن كاتِب السُطور عِندمَا ذكرت بأنَّ إنتفاضة شعبان / آذار 1991 كانت أيضاً مِن صنعِ صدام أو المُخابَرات العِرَاقيَّة؟ لإقتحام الساحة وَمسرح العمليّات وَعرقلة القوَّات الأميركيَّة وَالمتحالفة المنتشرة - وقتذاك - في حوض الفرات مِن تحقيق هَدف ثالث غير مُعلَن (بَعد تدمير البُنيَة التحتيَّة في العِرَاق وَإخراج الجيش العِرَاقي مِنَ الكويت) بالتقدُّم عَلَى بغداد وَالتعامُل مَعَ صدام عَلَى غِرَار مَا فعلَت أميركا مَعَ ((نوريغا)) في بنما.. وَذكرت ذلِك في مقالة (صدام حسين وَرسالة مفتوحة إلى القوى الكبرى) وَقد قرأهَا صدام حسين في سجنهِ وَعَلَى ضوءها قد أرسلَ لي (إلى كاتب السُطور: الكاتب حميد جبر الواسطي) إعتذاراً ثمَّ أردفها صدام حسين بقصيدة (وَقبلَ إعدامه بشهر واحد) يشكوا فيها وَيمدَح بها الواسطي كمَا وَصلتني عَلَى ضوء تِلكَ المقالة أيضاً رسائل تحريريَّة مِن علي حسن المجيد وَصابر عبدالعزيز الدوري وَمنهم وَمِن رفاقهم الأسرى الآخرين سلطان هاشم أحمد وَحسين رشيد التكريتي وَغيرهم رسائل شُكر شفويَة.

وَفي الختام، أعتقد أيضاً بأنَّ شهادات السَيِّد تايه عبدالكريم هِيَ مِن صالِح الحزب وَقادة النظام السابق وَخِدمَة للحقيقة وَ"التاريخ الَّذِي لا يَرحَم"؟ لأنَّ تشخيص الأخطاء هُوَ ركن مُهّم في مُعالَجةِ الاُمور وَتصحيح المسيرة وَأمَّا قناة البغدادية فخيراً فعلَت في إنتزاع شهادة أو شهادات وَ"طوعاً (كانَ ذلِكَ) أو كرهاً" وَلَعمري فلَيسَ للبغدادية أو لغيرها الحقّ في إخفاء شهادات للناس وَالحقيقة وَالتاريخ. قالَ المهاتما غاندي: أنا أكون تراباً أمَامَ الحقيقة.
وَأمَّا رَبُّ العزة فقالَ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ- 140 البقرة .
استراليا – العراق
3 حزيران / يُونيُو 2009
[email protected]