ألف قبلة ياقدر بقلم :ناريمان شقورة
تاريخ النشر : 2009-03-16
في أحد الليالي القارصة في برودتها ، وأشد أيام الشتاء مطراُ ، كان يمشي في شارع خالي من البشر والسيارات التي تتجنب الخروج مساءً أثناء المطر تجنباً لحوادث الطرقات ، مرتدياً معطفاً طويلاً محتمياً بمظلة ، حاملاً حقيبة دفاتر وأوراق كتب فيها أجمل قصائد الحب بمختلفه ( عشق المرأة – حب الوطن – حب الأم –حب السلام) كونه أديباً مغترباً عن وطنه الذي يعيش حرباً ، وإذ به يسمع صوت خطوات تلاحقه ، فالتفت ليرى جميلة أثارت انتباهه ، فتوقف حتى أصبحت على مقربة منه ، وقد ظهر جلياً تلون خديها بالوردي مابين حرارة اكتسبتها من الهرولة في تجاهه وبين خجل واضح ، فقالت بمنتهى الأدب :
" أ استطيع الاحتماء تحت مظلتك "
واحتمت معه تحت مظلته ، تلك الفتاة بنت العشرين عاماً ببراءةٍ لا يمتلكها إلا الأطفال ، ومن هنا بدأت أروع قصص العشق
توجهت ملك لوالدها تسأله عن الفقرة السابقة والتي قرأتها في مكتبته القيمة المكتظة بالكتب المختلفة ، والتي اعتادت في نهاية الأسبوع أن تقضي ثلاث ساعات تطلع فيها على ما يلفت انتباهها ، وقد وجدتها بين الكتب السياسة تحت عنوان ألف قبلة يا قدر ، مما أدهشها.
ابتسم محمد الملقب أبو بكر الوالد العراقي لملك وقال لها ، تلك المرأة هي عشيقتي وحبية قلبي نضال ، أم لأجمل طيبة عراقية في لبنان ، حيث تعرفت على نضال في بداية الثمانينات وكانت العراق تشتعل حرباً مع إيران ، والتقيتها في أجمل يوم ماطر في حياتي ، وأبدا لا يغيب عن ذهني ذلك اللون الوردي الظاهر على وجهها رغم الظلام وهي تحتمي بجانبي تحت المظلة التي لازلت احتفظ بها فقط من اجل نضال تلك الفتاة البريئة ، التي أصرت دعوتي إلى بيت أهلها في مخيم صبرا وشاتيلا ، بعد الحديث الرائع تحت المظلة ، وذلك هو اليوم الوحيد الذي تمنيت أن يستمر هطول المطر فيه ، وان تطيل المسافة ، وذهبت معها واستقبلتني تلك الأسرة الفلسطينية البسيطة أروع استقبال خاصةً ، وان شعورنا بالغربة والشتات وقسوة الحرب كانت مشاعر مشتركة ساهمت باقترابنا من بعض .
" الله ، إذن هذه هي قصة معرفتك بأمي يا أبا بكر" قالت ملك ، رد أبو بكر نعم يا صغيرتي يا طبيبة المستقبل أنت ثمرة تلك القصة الجميلة
ملك : إذن لماذا تمنعني أبي من الاقتراب من الشبان ، رغم أننا في لبنان والاختلاط أمر اقل من عادي ، وأنت مدرك أني في السنة الأخيرة من الطب مهنتي في المستقبل ستحتم علي الالتقاء بالرجال؟؟؟ ما دمت قد أحببت لماذا تمنعني عن الحب؟؟؟؟؟؟
أبو بكر : الحب شعور ينبع من داخلنا يحمل مجموعة من المشاعر المختلطة بين الخوف على المحبوب و الاشتياق و الغيرة ومحاولة منع الأذى عنه والمحافظة عليه كما الرغبة أيضا، ويختلف البشر في التعبير عنه باختلاف ثقافاتهم وتربيتهم وعقولهم.
أبو بكر: " وهنا يا بنتي ، مهما كبرت ونضجتي ، فأنت صغيرتي ، وحرصي عليك لا يرتبط أبدا بثقتي فيكٍ ، فهي كبيرة .
تبتسم ملك وتهز برأسها، يستطرد الأب كلامه :
" ثم إني يا ابنتي ، لم انتظر أن أواعد أمك ، واخرج معها، تقدمت لخطبتها بعد زيارتين لأسرتها، ولأنهم يشترون رجلاً لا جاهاً ولا مالاً ، اختاروني زوجاً لابنتهم التي يتسابق عليها أبناء المخيم ، كما جيرانهم من اللبنانيين لما اتصفت به من جمال وحسن خلق رغم سوء ظروفي وغربتي في وقتها .
أبو بكر: " لست بحاجة يا ملك أن الفت انتباهك لمبتغى الشباب من البنات هذه الأيام ،وأساليبهم المختلفة من كلام جميل وادعاء النخوة وتقديم الهدايا وطلب المواعيد بحجة التعارف عن قرب وغيرها......... ، وثقٍ تماما أن من كانت نواياه صادقة مهما اختلف الزمن وتطور ، لن يسلك إلا الطريق المؤدي إلى باب منزلك منزل اهلك
ملك : يا اااااااه يا أبي ، كم تملك من الحكمة.
أبو بكر : بل هي التجارب والسن كما أن الغربة مدرسة بحد ذاتها
ملك : " حسناً والدي الرائع ، لم تخبرني هل كنت ستكتب قصة ، أم ماذا يا أديبنا؟
أبو بكر : شعر ، ونثر وقصة لأجل فلسطين وبنات فلسطين وعيون نضال ، ولن يكون عنوان هذه المجموعة إلا ( ألف قبلة يا قدر)
فشكرا لذلك القدر ، وألف شكر للمطر ، وتحية لتلك المظلة
ملك : " الله يا والدي كم تحب أمي !!!!"
أبو بكر: " وكيف لا ، وهي الجميلة البريئة رفيقة الدرب ، شريكة العمر على السراء والضراء ، كيف لا وقد جمعنا قدر واحد ومصير مشترك، كيف لا وقد جمعتنا قضية واحدة حروب واحتلال وغزو وظلم وقصف ودمار ، على ارض تحمل كلينا وشاركتنا من ذلك المصير .
يواصل حديثه: " لم يوقفني عن الاستطراد في الكتابة إلا الحرب الأخيرة على غزة ، والظروف الصعبة التي يعيشها العراق الحبيب "
ملك : ومن يعرف ، ربما تكملها في عراقنا الذي أتوق إلى التعرف عليه .
بقلم :
ناريمان شقورة