في تيار... الرمل بقلم:حدريوي مصطفى
تاريخ النشر : 2009-03-14
في تيار الرمل


يلفك الرمل... حبيباته لفا ، يلتصق بك، يصير أحيانا مندمجا معك، يسري و تيار دمك في عروقك وما يكتفي... بل يمتطى تيار أعصابك مرْكبةََ ً...
لدى كل أوبة لك من شرود تشعر بجزيئاته تنزاح ، تنفلت من تحت قدميك تباعا لتحل مكانها أخر وجسمك على إيقاع حركاتها يدب يتابع المنحى، يمشي وتيارَه . تتململ وسطه، تدفعه بكل قواك وحيلك تحاول أن تجعل بينك وبينه بعدا... فارا من لهيب أنفاسه، باحثا عن جنة في ظلامه . تتوقف... تهدأ حالما تحس بالهجير، هجيره صار دفئا فرطوبة منعشة، تسترخي لها... وتسبح في نشوة لذيذة تهز منك الروح والفؤاد فتسمو وتسمو حتى تكاد تلامس السماء بسبابتك لحظة... وتطمح أكثر فتدحرج أطراف أصابعك على أسطح النجوم فيتحول الدفء الكامن في قرارك طاقة ...ذاتها تتشظى سنىً وألقا يضارعان نجما أعظميا وهجا. آنها... تشرع يدك في ترويض حبيبات الرمل المتمردة ، فتسويها بمهارة لا تعرف حتى أنت ذاتك من أين اكتسبتها صفحة ًصقيلة بيضاء، ومن ثناياك تخرج قلما فحميا وتشرع أصابعك وهي في تناغم عجيب تخط على الصفحة العذراء من تلقاء قوة خفية ما استطعت تبيان أصلها وما وجدت بدا من انصياعك لها.
الفحم اللدن ينزلق على البياض الأغبش انزلاقا عشوائيا في كل الجهات، محدثا صوتا كصوت انسياب الماء من خلال الصوان وسبابتك ووسطاك عند كل توقف تدعكان الأثر بحرفية ! ليتوحد مع البياض. فجأة، وسط الخربشة اللامنتناهية يتبين لك طريق طويل ...طويل، يضيق صوب الأفق حيث شمس شارقة لدى منتهاه ، بزهور وأشجار تؤثث جانبيه، وبخضرة ضاربة في السواد تجعل الأراضي مَريعة وتبث في أرجائها مما تنبت الأرض.
يخيفك الصمت وتقلقك رتابة اللوحة فتنثر في الفضاء شحارير و حساسين وتنشر لفيفا من بديع الفراش ، توا يصدح الأثير بالشدو وتدب في الجماد الحياة.
تسترخي منتشيا انتشاء المنتصر مأخوذا بالألوان وتناسقها، مفتونا بالنشيد وإيقاعه فتجعل تتمايل راقصا وأنت تردد مع الجوقة ترانيمها حارصا على أن لا تشذ عن إيقاعها... تنتبه بعد حين لقيط الأبعاد تبعة دغدغة عنيفة لحبيبات الرمل المنسلة من تحت أرجلك فتجد الشحارير وقد انتفخت وصارت في حجم غرابيب والحساسين وجمت واستكانت كأن موجة قر هبت عليها فنفشت ريش ضواحي مناقرها.
" ليت شعري منذ متى وأنت تغني ... خارج السرب! "
كمذعور تهب لقلمك الفحمي لتسوي عيوب طفرة الغفو لكن، الفحم لا يسعفك، تبادر لشحده، تبريه وتدمي يدك فتنزف...تنزف . ومن حمرة النزف تحوّل الحقول رياضا من شقائق النعمان، وبلمسة خفة ساحر تعيد مناقير الشحارير رفيعة لتمسخ النعيب . ما ان تنتهي حتى تجد دمك قد تأكسد وحديده صدأ وحالت الحمرة سوادا...فتور ينتابك يحاول اغتيال دفء الحياة بين راحتك فتجابهه ببسمة من ألوان الطيف ما تلبث أن تضيع بين أطيافها كمدا وأنت تتابع ورقة توت ذابلة ساقطة تحط ـ أخيراـ على مرمى من قدميك ، تمسحها من أعماقك بنظرة حزينة وتكفنها بأسى فظيع يحرقك لهيبا، تتقرفص تحاول لمسها ـ لمسة أخيرة ـ فما تكاد حتى تتوارى في لمحة بصر في تيار الرمل، يعتريك رُهاب الانزلاق فتصرخ صراخا مجدولا بنشيج الثكالى وأنت تتمسك بالجدر ... وبكل سبب ناتئ. تيمم وجهك أعلى أملا في معين فتلفي السماء تتباعد ...تتباعد بسرعة ضوئية مُريعة فتلوذ بالأرض مهيضا لتجد...( ها. ها. ها. ها...)هوة فاتحة فاها كتنين . تغرس قلمك الفحمي في جسم الرمل فيستطيل مستحيلا خزرانة رفيعة صلبة تنعقف عكازا يسند قوامها قوامك الواهن وتقف... لتطاعلك من خلال مرآة صورة...صورتك ، تتهجى أساريريها وكأنك تراها لأول مرة...فتجد تضاريس غير مألوفة لديك وأخاديد ما كانت لديك...يهمي الطل أجاجا على الخدين وتساورك دوخة تتمايل لها وتكاد تسقط لولا يد تربت برفق عليك، تعاضدك حتى تجلس بسلام على مكتبك وتدفع بدلال كأس قهوة طيبة النكهة عربية التربة أمامك وتقول :
ـ أريد أن اعرف يا عزيزي هل نحن من يرسم الألواح ...أم الألواح من ترسمنا؟.
ترد تلقائيا
ـ جوابي لك قد أمهر به لوحتي هلا انتظرت....يا فاطمة؟


الكاتب : حدريوي مصطفى