الأطفال مجهولو النسب في الأردن بقلم:عبير هشام أبو طوق
تاريخ النشر : 2009-03-13
الأطفال مجهولي النسب في الأردن

لا يحظون برعاية جيدة

وسط مطالبات بتعديل أو استحداث قوانين وتشريعات خاصة بهم


- عبير هشام أبو طوق
- [email protected]
-

بيانات المولود:

الاسم
الجنس
مكان الولادة
تاريخ الولادة
الرقم الوطني
الجنسية
الديانة


يسجل كل طفل أردني ناتج عن زواج شرعي منذ ولادته بموجب وثيقة (شهادة ميلاد)، التي تتضمن إلى جانب البيانات السابقة بيانات الوالدين، وتصدر هذه الشهادة عن دائرة الأحوال المدنية والجوازات التابعة لوزارة الداخلية في المملكة الأردنية الهاشمية.

مجهولوا النسب بالأرقام

لكن الطفل مجهول النسب عليه أن ينتظر أياما وربما أسابيعا ليحصل على شهادة ولادة كما الأطفال الشرعيين، فمنذ ولادة الطفل مجهول النسب يصدمه الواقع بأولى المشاكل التي سيواجهها في حياته مستقبلا، وهي أنه غير معروف الأب والأم، وقد بلغ عدد هؤلاء في عام 2007 (34) طفلا، منهم (17) في محافظة العاصمة - عمان - بحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن مديرية الأمن العام، ويقدر الدكتور (حسين الخزاعي) أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية أن المجموع الكلي لهؤلاء (1000) طفل من الجنسين.


مجهول النسب من الناحية القانونية

وخالد واحد من هؤلاء لكن مع فارق التوقيت الزمني، إذ عثر عليه عام 1980ملقى داخل كرتونة على درج إحدى الجمعيات الخيرية في محافظة اربد، شمال المملكة، قضى خالد البالغ من العمر (28) عاما، عامين فقط في مركز رعاية تابع لوزارة التنمية الاجتماعية، لأنه تم تحضينه لاحقا لأحد الأسر الأردنية التي لا تنجب.

وحتى يحصل الطفل مجهول النسب على شهادة ميلاد تشرع وجوده وتحفظ حقوقه، تقوم وزارة التنمية الاجتماعية ومن خلال مركز الرعاية الذي يقيم فيه الطفل بإرسال كتاب يتضمن اسم الطفل وتاريخ ولادته بناء على تقديرات الطبيب الشرعي إلى دائرة الأحوال المدنية والجوازات لإصدار شهادة ولادة له، وقد أفاد مصدر في دائرة الأحوال المدنية بأن دور الدائرة ينحصر "بخلق اسم أب وأم للطفل"، وكان الصحفي (عبد الله اليماني) من جريدة العرب اليوم وفي تقرير له نشر العام الماضي عن مجهولي النسب ذكر فيه أن " وزارة التنمية الاجتماعية تواجه مشكلة (20) طفلا ليس لهم شهادات ميلاد"، لكن (حسين العموش) الناطق الإعلامي باسم الوزارة أكد بأنه تم حل هذه المشكلة "فجميع الأطفال مجهولي النسب حاليا يحملون أوراقا ثبوتية بما فيها شهادات الميلاد الخاصة بهم".


اسم قانوني ولكن

وحصول الطفل مجهول النسب على اسم له ولوالديه حق كفلته له المادة (19/ب) من قانون الأحوال المدنية الأردني رقم 9 لسنة 2001، والتي جاء فيها "اختيار أسماء منتحلة مناسبة للمولود ووالديه"، كما بينت المادة (20) من ذات القانون "على أمين المكتب أن يختار اسما للوالدين"، والمقصود هنا هو أمين المكتب القانوني في دائرة الأحوال المدنية.

وتفسر المحامية (تغريد جبر) عضو اللجنة الوطنية لشؤون المرأة عبارة (أسماء منتحلة) بقولها "يتم اختيار اسم عائلة غير أردنية للطفل، أو اختيار اسم مختلف عن أسماء العائلات الأردنية المتداولة"، وتفسر سبب ذلك "للأسباب الدينية، وعلى رأسها الخوف من اختلاط الأنساب والاختلاف على الميراث"، وترى جبر أن هذه المبررات الدينية مفهومة ولا مجال لنقاشها.

المحامي (محمد سرسك) يرى بأنه لا مشكلة في اختيار أسماء منتحلة للطفل ووالديه، لكن المشكلة كما يراها تكمن في أن مجهول النسب "لا يتمتع بحق الحصول على اسم عائلة له"، وهذا برأيه "من الممكن أن يؤثر على الطفل مستقبلا عند استكمال التعليم، العمل، والزواج".

وتتفق المحامية (أسمى خضر) الأمينة العامة للجنة الوطنية لشؤون المرأة مع سرسك في هذا التوجه، لأن "الأردن مجتمع عشائري، وعدم إعطاء مجهول النسب اسم عائلة سيشعره بأنه (مقطوع من شجرة) ولا أهل له" على حد تعبيرها، تخالف المحامية (رحاب القدومي) الآراء السابقة بقولها "يعطي مجهول النسب اسم عائلة، لكن بشرط وحيد وهو أن لا يكون الاسم هو ذاته للعائلة التي احتضنته، وذلك لاعتبارات دينية".

حق التمتع بالجنسية الأردنية


وبحصول الطفل مجهول النسب على شهادة ولادة ولاحقا على جواز سفر، فهذا يعني أنه أصبح مواطنا أردنيا يتمتع بالجنسية الأردنية، وتبعا لذلك يحصل على رقم وطني، والحصول على الجنسية والرقم الوطني حق لكافة الأردنيين نصت عليه المادة (3) من قانون الجنسية الأردني رقم (44) "يعتبر أردني الجنسية من ولد في المملكة الأردنية الهاشمية من أم تحمل الجنسية الأردنية وأب مجهول الجنسية أو لا جنسية له، أو لم تثبت نسبته إلى أبيه قانونا، وأيضا من ولد في المملكة الأردنية الهاشمية من والدين مجهولين، ويعتبر اللقيط في المملكة مولودا فيها ما لم يثبت العكس"، ويحسب لهذه المادة أنها أشارت إلى مجهولي النسب بشكل صريح ومنحتهم الجنسية كما الأطفال الشرعيين.


لا للإقرار بالنسب كما الأطفال الشرعيين


لكن، وفي ضوء التشريعات والقوانين الأردنية الحالية فلا يتمتع مجهول النسب بحق إقرار نسبه إلى والديه كونهم مجهولين، أو في حال إنكار الأب لطفله رغم اعتراف الأم، وبحسب الدراسة التي أجراها المجلس الوطني لشؤون الأسرة ووزارة التنمية الاجتماعية، ونشرت نتائجها في الصحف المحلية بداية هذا العام خلصت إلى أن هناك (32) طفلا غير معروفي الأب والأم، و(35) طفلا معروفي الأم لكنهم مجهولي الأب.

وتبين المحامية (أسمى خضر) أن هناك ثلاث حالات بالنسبة للأطفال مجهولي النسب تكون أمهاتهم معروفة، لكن أبائهم مجهولين وهي : إنكار الأب لهذا الزواج، تعرض الأم إلى اعتداء جنسي أدى إلى حملها، أو في حالة الزواج العرفي، وفي هذه الحالات ولأن والدة الطفل مجهول النسب معروفة فإنه من الممكن كما ترى خضر أن "ينسب الطفل إلى أمه بدلا من والده"، وتشير في هذا السياق إلى أن العديد من النقاشات الوطنية حول قضية مجهولي النسب في الأردن مع رجال دين وعلماء وأطباء أفضت إلى أنه لا مانع شرعي وقانوني من نسبة الطفل إلى أمه.

وتؤكد خضر أن لعدم اعتراف الأب بابنه مخاطر على الأخير والمتمثلة بفقدانه لحقه في النفقة والميراث، ولذا فهي تطالب بضرورة إدخال تعديلات على القوانين الأردنية بحيث تسمح لوالدة الطفل مجهول النسب نسبته لها، حيث ترى خضر أن "التشريعات الحالية مقصرة في هذا الجانب، وخاصة فيما يتعلق بحق النفقة والميراث التي كفلها الدستور الأردني لجميع مواطنيه باستثناء مجهولي النسب"، وتشاطرها في هذا المحامية (غصون رحال) إذ تطالب بــ "تعديل القانون بما يتيح تسجيل الطفل باسم والدته في حالة أن تمت معرفه اسم الوالدة".


جدل حول نسبة الطفل مجهول النسب لأمه


وتقترح خضر حلا بديلا لنسبة الطفل لأمه، والذي يتمثل "بضرورة وضع تشريعات وقوانين تلزم الأب الرافض الاعتراف بابنه بالنفقة عليه، ومن الممكن في سبيل ذلك كما تقترح "أن يكون هذا النص القانوني تحت مسمى الكفالة أو الرعاية الإلزامية"، وبرأيها "يجب على الجهات المعنية بحقوق الطفل أن تتبنى هذا التعديل لأن الطفل من وجهة نظرها "يجب أن يحظى بحقه من النفقة الواجبة على والديه، خاصة وأن معظم الأطفال مجهولي النسب هم أبناء لآباء أغنياء وميسورين من الناحية المادية، ثم أن الطفل غير مسؤول عن ظروف ولادته" كما تضيف خضر.

يؤيد الدكتور (إبراهيم زيد الكيلاني) وزير الأوقاف السابق ما ذهبت إليه خضر حول حق الطفل مجهول النسب في النفقة والرعاية، قائلا "حتى لو أنكر الوالد نسبه لأبنه، فالله أمرنا كأفراد في المجتمع برعاية مجهولي النسب كما نرعى الأيتام ونهتم بهم"، بالمقابل يستغرب الكيلاني من الدعوات المتكررة لنسبة الطفل إلى أمه، فهذا الأمر مرفوض في الشريعة الإسلامية، والنص القرآني واضح في ذلك (أدعوهم لآبائهم)، ويبين الكيلاني أن رفض الشريعة الإسلامية نسب الطفل إلى أمه "لم يأتي عبثا، وإنما يهدف للمحافظة على الأسرة والنسب الحقيقي لأفرادها".

يؤكد الشيخ (محمد الخلايلة) مفتي العاصمة "أن الطفل مجهول النسب من الممكن أن ينسب لأمه، فهي ترث منه ويرث منها"، لكن وفي ضوء هذا الاختلاف بالآراء حول جواز نسب الطفل لأمه يتساءل أحد المحامين والذي رفض الكشف عن اسمه قائلا " إذا كانت المرأة في الأردن لا تستطيع ممارسة حقها بالوصاية على ابنها الشرعي بكل أريحية، لأن الأب يعتبر وفقا لقانون الأحوال الشخصية الولي على الطفل دون سن الأهلية القانونية المحدد بـ 18 سنة في القانون المدني، وفي حالة وفاة الأب تنتقل الوصاية الى الجد أو العم، ولا تتمكن الأم من الحصول على الوصاية على أبناءها القصّر الا بموافقة الأولياء القانونيين، فما بالك بقيام الأم بالوصاية على طفلها غير الشرعي؟" يتساءل المحامي مستنكرا.

ما بين الإقرار بالبنوة والنسب .. لا مكان للطفل مجهول النسب

وإلى جانب عدم جواز الإقرار بنسب الطفل لأمه من الناحية الدينية، ووسط مطالبات بتحقيق هذا المطلب من خلال تعديل القوانين بالسماح للأم بنسب الطفل إليها، فالتشريعات الأردنية كذلك لا تمنح مجهول النسب حق ثبوت نسبه لوالديه كما الأطفال الشرعيين إلا بشروط، وتبين المحامية (رحاب القدومي) أن هناك نوعين من الإقرار بالنسب أولهما : الإقرار ببنوة الولد وثانيهما الإقرار بالنسب بشكل عام، ويشترط في تحقق الإقرار ببنوة الولد توفر شرط واحد من ثلاثة وهي اعتراف الأب، وجود شهود، أن يكون الطفل نتاج فراش الزوجية الشرعي، أما الإقرار بالنسب فيمكن أن يتحقق باعتراف شخص ما مثلا بأن فلان أخوه.

يعتبر الإقرار ببنوة الولد "أصعب من الإقرار بالنسب"، بحسب القدومي التي تبين أن مشكلة حصول الطفل مجهول النسب على إقرار بنسبه من الممكن أن تحل مستقبلا "من خلال تقديم مجهول النسب إثباتات قانونية، برفع قضية لدى المحكمة الشرعية لإثبات نسبه، ولاحقا يتم إجراء الفحوصات الطبية للتأكد من صحة هذا النسب"، عدا عن ذلك لا يمكن لمجهول النسب أن يحصل على الإقرار بنسبه من أي شخص كان، بحسب المحامية القدومي.

كما يمكن لمجهول النسب أن يحصل على الإقرار ببنوته من شخص آخر، بشروط عدة كما توضحها القدومي "يجب أن يكون فرق العمر بين الأب والابن يحتمل هذه البنوة مع تصديق المقر له (الابن) إن كان بالغا، وإقرار مجهول النسب بالأبوة أو الأمومة وهذا يثبت به النسب إذا صادقه المقر له"، وقد عالجت المادة (149) من قانون الأحوال الشخصية الإقرار بالبنوة لمجهول النسب بالقول" الإقرار بالبنوة ولو في مرض الموت لمجهول النسب يثبت به النسب من المقر إذا كان فرق السن بينهما يحتمل هذه البنوة ، مع تصديق المقر له إن كان بالغا وإقرار مجهول النسب بالأبوة أو الأمومة يثبت به النسب إذا صادقه المقر له وكان فرق السن بينهما يحتمل ذلك ".

هذا بالإضافة إلى أن المادة (42) من قانون الأحوال الشخصية الأردني لعام 2001 نصت على أن "الزواج الفاسد الذي لم يقع به دخول لا يفيد حكما أصلا، أما إذا وقع به دخول فيلزم به المهر والعدة ويثبت النسب وحرمة المصاهرة و لا تلزم بقية الأحكام كالإرث والنفقة قبل التفريق أو بعده"

أما الحالة الأخرى التي يثبت فيها نسب طفل مجهول النسب إلى شخص ما بحسب القدومي، فهي ظهور من يدعي نسب الطفل إليه وهذا ما تطرقت له المادة (19/ب) من قانون الأحوال المدنية لسنة 2001 "إذا ظهر من يدعي نسب الطفل إليه بعد تدوين واقعة الولادة في السجلات وأبرز حكما قضائيا قطعيا بذلك يلحق الطفل به وتغير الأسماء تبعا لذلك".


قانون غير متوافق مع الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل


ورغم تمتع الطفل مجهول النسب في الأردن بحق الحصول على اسم وجنسية كما أشرنا سابقا إلى نص قانون الجنسية في المادة (3) منه، إلا أنه مقابل ذلك لا يتمتع بحق معرفة والديه وتلقى رعايتهما كما الأطفال الشرعيين، لأن الدولة كما تفسر رحال "تتولى رعايته وتقديم الخدمات له، حتى وإن تمت معرفة والديه كما في حالات سفاح القربى، أو في حال معرفة أحد الوالدين دون الآخر"، وتبين رحال أنه ورغم قيام الدولة بتوفير الرعاية لمجهولي النسب، إلا أن هذا يعد نقصا عن الحقوق التي يتمتع بها الأطفال الشرعيين"، إذ أن المادة (7) من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي صادق عليها الأردن عام 1991 نصت على "يسجل الطفل بعد ولادته فورا ويكون له الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية، ويكون له قدر الإمكان الحق في معرفة والديه وتلقى رعايتهما".


أسباب المشكلة

وتعود مشكلة وجود الأطفال مجهولي النسب في المجتمع الأردني بحسب الدكتور (حسين الخزاعي) أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية إلى أسباب كثيرة منها "العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج في ظل عدم وجود رقابة من الأسر على الأبناء، ارتفاع نسبة العمالة الوافدة حيث لدينا (70) ألف خادمة و(12) ألف عامل وافد، إلى جانب غياب العقوبات الشرعية العادلة لمن يرتكب جريمة الزنا" .


قانون عقوبات غير فعال

وفي هذا الصدد ومع أن المادة (6) من قانون العقوبات الأردني لعام 2001 قد أقرت عقوبة الزنا "يعاقب الزاني والزانية برضاهما من سنة إلى ثلاث سنوات"، إلا أن المحامي (محمود الخرابشة) عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب الأردني لا يرى العقوبة "كافية؛ لأنها لا تطبق إلا في حال وجود شكوى لأحد المتضررين"، ويوضح الخرابشة "رغم أن العقوبة هي الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، إلا أن العقوبة التي يتم تطبيقها فعليا هي أقل من عام"، مع تأكيده على أن العقوبات القانونية بشكل عام هدفها تحقيق الردع لدى المواطنين.


الرعاية البديلة للأسرة الحقيقية


وبموجب التشريعات الأردنية "يتشارك الطفل مجهول النسب مع الطفل الشرعي الذي يتعرض لإساءة من قبل أسرته ويفصل عنها حماية له من الإيذاء، في الحصول على الرعاية البديلة أو حضانة أسرة أخرى تتوفر بها متطلبات وشروط الحضانة المنصوص عليها في نظام خاص لهذه الغاية" بحسب المحامية رحال.

وهذا ما نصت عليه المادة (3) من نظام رعاية الطفولة لسنة 1972 "تتولى الأسرة البديلة أو الحاضنة أو المؤسسة القيام بالواجبات العادية للأسرة الطبيعية تحت إشراف الوزارة من حيث العناية بصحة وسلامة ورفاهية وتعليم الشخص الذي يضم إلى أي منها ويكون لها الحق في الإشراف عليه كوالديه وذلك للمدة التي يقررها الوزير أو المحكمة".

وعودة إلى خالد (26) عاما، الذي عاش في إحدى المراكز التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية بعد أن تم العثور عليه ملقى داخل كرتونة على درج إحدى الجمعيات الخيرية، فلم يعاقب والداه، وبحسب قانونيين فإنه يؤخذ على قانون الأحوال الشخصية الأردني أنه لم يتطرق إلى واجبات الوالدين تجاه أطفالهم فيما يتعلق بتربيتهم، تأمين صحتهم، تعليمهم، حمايتهم وتجنب إلحاق الضرر بهم ، لكن قانون العقوبات الأردني تطرق لمسألة إهمال الوالدين لأبنائهم في المادة 290 التي نصت على ما يلي "يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة كل من : 1- كان والدا أو وليا أو وصيا لولد صغير لا يستطيع إعالة نفسه أو كان معهودا عليه شرعا أمر المحافظة عليه والعناية به ، ورفض أو أهمل تزويده بالطعام والكساء والفراش والضروريات الأخرى مع استطاعته القيام بذلك ، مسببا بعمله هذا الإضرار بصحته"، لكن هذه العقوبة لم تطال والدي خالد كما أسلفنا.

احتضان فعال


ومع ذلك فقد كان خالد أكثر الأطفال المحظوظين في المركز الذي عاش فيه، إذ تم احتضانه وهو في الثانية من عمره من قبل عائلة أردنية ميسورة الحال، حيث تلقى تعليمه المدرسي والجامعي في أرقى المدارس والجامعات، وهو الآن يملك العديد من المحلات التجارية، وينبغي الإشارة في هذا المجال إلى أن وزارة التنمية قد أصدرت قرارا بالموافقة على تحضين (42) طفلا من مجهولي النسب لأسر أردنية عام 2007.

قوانين لا تطبق


لكن الوضع الاجتماعي والاقتصادي الجيد الذي ينعم بهما خالد بعدما تم احتضانه، لا ينطبق على جميع الأطفال مجهولي النسب الذي يقيمون في دور الرعاية، وغادة واحدة من هؤلاء، والتي تبدى انزعاجها من الطريقة التي تتعامل بها المربيات مع الفتيات المقيمات في المركز واللواتي يبلغ عددهن (200) فتاة، تقول غادة "المربيات يراقبون تصرفاتنا بطريقة منفرة، إنهن يعتقدن أننا سنكرر خطأ أمهاتنا اللواتي ارتكبن إثما بمجيئنا لهذه الدنيا".

ومع أن قانون التربية والتعليم في المادة (10/ا) منه ينص على إلزامية ومجانية التعليم "التعليم الأساسي تعليم إلزامي ومجاني في المدارس الحكومية"، كما نص على تخصيص نسبة 2% من المقاعد في المدارس الحكومية للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة من أجل دمجهم مع الأطفال الأسوياء، إلا أن غادة (15) عاما ورغم أنها من المتفوقات في المدرسة إلا أنها لا تبدى تفاؤلا باستكمال دراستها الجامعية وتدلل على عدم تفاؤلها "في العام الماضي نجحت خمس فتيات من مركزنا في التوجيهي، لكنهن لم يكملن تعليمهن الجامعي بقرار من إدارة المركز التي فضلت تزويجهن طلبا للسترة"، وتضيف "كثيرا من الفتيات في المركز أجبرن على ترك دراستهن في المراحل الأساسية بحجة أنهن من غير المتفوقات في المدرسة".

وقد نصت المادة (6) من الدستور الأردني لعام 1946 على حقوق المواطنين الأردنيين بالتعليم والعمل "تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود إمكانياتها وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين"، كما نصت المادة (20) من ذات القانون على أن "التعليم الابتدائي إلزامي للأردنيين وهو مجاني في مدارس الحكومة"، ويسجل للحكومة الأردنية إقرارها لهذه التشريعات فيما يتعلق بحق التعليم والعمل لجميع الأردنيين.

تؤيد المحامية (غصون رحال) ما ذهبت إليه غادة وتقول رحال في ذلك "إن الحقوق المتعلقة بتلقي الرعاية الصحية، التعليم، حرية الرأي متوفرة لكنها تخضع للبرامج المتوفرة لدى مؤسسات التنمية الاجتماعية التي تتولى رعاية مجهولي النسب والأطفال نتاج علاقات السفاح" لكن هذه البرامج برأي رحال "غير متوفرة بالدرجة الكافية، وتعتمد على الإمكانيات المادية للوزارة، إضافة إلى مدى تفهم العاملين في هذه المراكز لهذه الحقوق وأهميتها للطفل".


دور الرعاية .. خدمات لا ترقى لدور الأسرة الحقيقية


الدكتور (حسين الخزاعي) الباحث الاجتماعي كان قد أعد دراسة في عام 2008 عن مراكز الرعاية التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية جاء فيها "أن دور الرعاية لا يمكن أن توفر للطفل حنان الأمومة لأن الموظفات غير مؤهلات على التدخل المهني الفعال واللازم للأطفال"، وهذا ما تدلل عليه (نور) إحدى الفتيات مجهولات النسب المقيمات في مركز للرعاية "كانت المربية تجبرنا على تناول طعام قديم، وعندما نرفض تناوله كانت تصرخ قائلة :لماذا الاحتجاج، هكذا تعامل الحيوانات".

ينتقد (محمد شبانة) مدير مديرية الأسرة والطفولة والمرأة وشؤون المعوقين التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية هذه التصريحات لأنه يعتبر المربيات "مؤهلات ومتخصصات في مجال التربية الخاصة، ويخضعن لدورات تدريبية لتقديم الرعاية لمجهولي النسب".

الدكتور (محمد الصقور) وزير التنمية الاجتماعية السابق يرى أن هذه "التصرفات السيئة للمربيات رغم وجودها إلا أنها فردية، ومع ذلك نخشى تكرارها"، وتعترف المحامية (رحاب القدومي) "بأنه من الممكن أن يكون هناك نقص في مستوى الخدمات المقدمة للأطفال، لكن هذا لا يعني أنها غير جيدة على الإطلاق".


قانون محلي خاص بالأطفال الأردنيين


ويرى قانونيين وعاملين في مجال حقوق الإنسان أنه ورغم مصادقة الأردن على العديد من الاتفاقيات والتشريعات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وفئة مجهولي النسب بشكل عام، إلا أنه لا يزال لدينا قصورا في تطبيق هذه التشريعات مما ينعكس على حياة أفراد هذه الفئة، ومن هذه التشريعات اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها الأردن عام 1991 مع إبداء التحفظات على المواد ( 14-20-21 ) منها والمتعلقة بتطبيق نظام التبني والرعاية البديلة وحرية الاعتقاد لتعارض هذه المواد مع الدين الإسلامي الذي يعتبر الدين الرسمي للمملكة، وحاليا ورغم مرور أكثر من عشر سنوات على مصادقة الأردن على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل إلا أن الحكومة لم تعمل على رفع التحفظات حتى هذا التاريخ.

وفي سبيل إعداد قانون أردني خاص لحقوق الطفل، تم العمل ومنذ عام 1997 على إعداد مشروع قانون حقوق الطفل من قبل مجموعة من القانونيين والمختصين، وقد اشتمل القانون على سبعة أبواب تتناول حماية الطفل المدنية والسياسية وحقوقه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بحيث جاء هذا القانون بشكل منفصل ومستقل عما ورد في القوانين الأخرى.


قانون لا زال في الأدراج والأسباب غير واضحة


لكن هذا القانون لم يقر لغاية الآن، رغم مرور سنوات على إصداره حيث عرض على مجلس النواب لكنه سحب لاحقا وأعيد للمؤسسات ذات العلاقة لوضع ملاحظاتهم عليهم، ويؤكد قانونيين أن القانون لم يعاد لمجلس النواب بعد ذلك، وترى المحامية القدومي أن السبب وراء التأخر في إقرار هذا القانون يعود برأيها لثلاثة أسباب هي : تواطؤ مجلس النواب على القانون بعدم إقراره، وحجتهم في ذلك أن الأردن قد صادق على اتفاقية حقوق الطفل العالمية وهذا برأيهم كافي فلا حاجة لقانون جديد يخدم ذات الفئة، كما تعتقد القدومي أن مجلس النواب "يحاول مناقشة القوانين ذات البعد الاقتصادي، بينما تكون القوانين ذات البعد الإنساني والاجتماعي آخر أولوياتهم" على حد تعبيرها.

يفند المحامي (محمود الخرابشة) ما قالته القدومي "على حسب علمي لم يعرض هذا القانون على مجلس النواب الحالي لمناقشته، فلم يسجل على جدول الأعمال لإقراره أو على الأقل مناقشته"، مستدركا في الوقت ذاته "حتى لو لم يناقش في المجلس لأول مرة، فلماذا لم تقم الجهة المعنية بالقانون لتحريكه سعيا لمناقشته وإقراره؟"، ويعتبر الخرابشة أنه "لا يوجد قانون مهم وقانون أهم، فلكل قانون أهميته، لكن ما يحدث عند مناقشة قانون قبل أخر هو عملية ترتيب للأولويات ليس أكثر".

لا ينفى الخرابشة حماسه لقيام الأردن بالتوقيع والمصادقة على العديد من الاتفاقيات الدولية في المجالات المختلفة، قائلا "نحن مع الاتفاقيات الدولية إذا كانت في مصلحة البلد"، لكنه في ذات الوقت يطالب "بمتابعة الاتفاقية من ناحية إقرارها وتنفيذها، فلا نقف في منتصف الطريق مكتفين بالمصادقة على اتفاقية ما".

يؤكد المحامي (مبارك أبو يامين العبادي) رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب ما ذهب إليه الخرابشة "فالقانون لم يعرض على مجلس النواب الحالي" ويقر العبادي "بضرورة وجود مثل هذا القانون الذي يخدم مصلحة الأطفال، فرغم مصادقة الأردن على الاتفاقية العالمية لحقوق الطفل إلا أن هذا لا يمنع وجود قانون خاص بالأطفال الأردنيين يراعي بيئتهم الاجتماعية والدينية وطريقة نشأتهم" على حد تعبيره.


ضرورة وجود تشريعات خاصة بهذه الفئة


تشدد المحامية (غصون رحال) على "أهمية أن يصار إلى إقرار مشروع لقانون الطفل الأردني - غير ذاك العالق منذ سنوات في أدراج البرلمان - لأنه لا يفي بالغرض" كما تقول، وهذا ما يطالب به النائبان الخرابشة والعبادي "من الضروري وجود قانون خاص بالأطفال بشكل عام وبهذه الفئة بشكل خاص التي تلقى اهتماما دوليا ومحليا لافتا"، كما وتطالب رحال " تعديل قانون العقوبات بما يتيح السماح لإجراء حالات إجهاض الأجنّة غير الشرعية في الأسابيع الأولى من الحمل الناتج عن علاقات سفاح القربى أو ممارسة الجنس خارج إطار الزواج، أو الحمل الناتج عن حالات اغتصاب" ، وذلك برأيها سيساهم في "حماية هؤلاء الأطفال من التعرض لمحاولات القتل بعد ولادتهم ، أو تركهم في حاويات القمامة، أو في مراحيض المستشفيات"، وكان الدكتور (مؤمن الحديدي) قد طالب في تصريحات صحفية سابقة له بالسماح بإجراء حالات الإجهاض للحمل الناتج عن علاقة غير شرعية، لكن هذه المطالب يبدو أنها لن تتحقق في دولة يعتبر فيها الدين الإسلامي هو الدين الرسمي لمواطنيها، وفي هذا يتساءل الدكتور (إبراهيم الكيلاني) الذي شغل منصب عميد كلية الشريعة في الجامعة الأردنية "لماذا نعالج الخطأ بخطأ آخر، فمن يدري ربما يكون هؤلاء الأطفال من الصالحين في المجتمع رغم ظروف ولادتهم السيئة والتي لا دخل لهم بها".


حقوق ناقصة


خلاصة القول ، هناك مشكلة بدأت تظهر للعيان وأن كانت لا تشكل ظاهرة بعد، وهي مشكلة الأطفال مجهولي النسب، هؤلاء الأطفال جاؤا الى الدنيا ووجوهم موشومة بخطيئة لا ذنب لهم فيها، منهم من تخلى عنهم ذويهم، ومنهم من يقتلون في مهدهم، ومنهم من يعيش في مؤسسات وزارة التنمية الاجتماعية تحت ظروف ان لم تكن صعبة، فهي غير مريحة.

إن الأطفال مجهولي النسب ليسوا كسائر الأطفال، فحقوقهم ناقصة، وإن تمتعوا بجزء منها فهم محرومون من غالبيتها، بالتأكيد فهم لا يتمتعون بمستوى تعليمي كاف ، أو رعاية صحية كاملة، ويفتقرون إلى الحقوق الأخرى التي تعتبر من قبيل الرفاهية كالحق في حرية الرأي، وتشكيل الجمعيات، واللعب وسائر الحقوق الأخرى التي نصت عليها الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، كما أن القوانين المتعلقة بتنظيم حياة هذه الفئة وباعتراف العديد من المحامين ورجال الدين وعلماء الاجتماع لا زالت قوانين قديمة وقاصرة عن ألإيفاء بكل ما يتعلق بها من متطلبات، ابتداء من حق النسب والجنسية، والحق في الرعاية والحماية، والحق في الحصول على اسر بديلة او الاحتضان، لقد آن الأوان لأن تلتفت الجهات المعنية الى هذه الفئة المهمشة وتضع لها قانونيا متكاملا ينظم أمور حياتها.

[email protected] E-mail:-



أعداد الأطفال مجهولي النسب في المملكة لعام 2007 وفقا لمديرية الأمن العام

الأقاليم / مديرية الشرطة عدد الأطفال مجهولي النسب لعام 2007
اقليم العاصمة 17
وسط عمان 8
شمال عمان 4
جنوب عمان 2
شرق عمان 1
اقليم الوسط 5
الزرقاء 4
البلقاء 1
مادبا 0
الرصيفة 0
اقليم الشمال 10
اربد 5
المفرق 1
جرش 1
عجلون 0
الرمثا 1
غرب اربد 3
اقليم الجنوب 1
الكرك 1
الطفيلة 0
معان 0
البتراء 0
اقليم العقبة 0
قيادة قوات البادية 1

المجموع 34 طفل مجهول النسب ما بين ذكور وإناث