مجموعة « كان ما كان » في الميزان .. لميخائيل نعيمة بقلم:محمود فهمي عامر
تاريخ النشر : 2009-02-28
مجموعة « كان ما كان »  في الميزان .. لميخائيل نعيمة بقلم:محمود فهمي عامر


مجموعة « كان ما كان » في الميزان .. لميخائيل نعيمة محمود فهمي عامر

ضمّ ميخائيل نعيمة في مجموعته الإنسانية " كان ما كان " ست قصص قصيرة ، عبّرت عن عنوانها ، ففي كل قصة كان فيها ما كان ممن ضحى ومات ، أو أمسى بلا ذات ، تاركا لغيره الحكمة والعبرة ، في (ساعة الكوكو) : "مات بو معروف ودفناه ، لكنه ما برح حيّا في حقولنا وكرومنا وبيوتنا وقلوبنا ص14 " وفي ( سنتها الجديدة ) : " الكل يقول : " مسكين يا أبا ناصيف ! " إذ قد ولد له صبي ميت فدفنه وحده بيده ، ولكن هي بربارة تخبركم سرّا عن لسان القابلة التي لم تبح بهذا السر لسواها أن المولود كان بنتا وأن الشيخ أعطى القابلة ذهبين إنجليز كي تذيع أن المولود كان صبيا جهيضا ص52 " ، و ( العاقر ) : " قبل انتحارها شاء القدر أن تبقى الورقة التي حاولت أن تمزقها حجة لها ، ودرسا لزوجها : " أنت لم ترض بي وحدي .. وأنا قبلت بك وحدك .. سعادتي تمت بك وبحبك ، ولكن سعادتك لم تتم بحبي ..ص82 " ألا فاعلم يا عزيز أن العاقر أنت لا أنا ص86 " .. وخطت ( الذخيرة ) سطرها الأول بـ : " بئست الساعة التي شككت فيها بقوة الخشبة ! بئست ؛ لأنها انتزعت مني سميرا يندر نظيره بين السمار ص89 " ، أما ( سعادة البيك ) : " فقلبي لا يطيعني أن أكسر خاطره .. حرام .. ما هو إلا من بيت الدعواق ص111" ، " وكلما نظرت إلى فراش ( شورتي ) ورأيته فارغا مهجورا هجمت الدمع إلى عيني وفاضت قسرا عني .. غير أني أتعزى بشورتي اليوم في مطهره ، فهنيئا له ص 134 " .
وضمت هذه المجموعة بين دفتيها نقدا اجتماعيا ساخرًا ، ناقشت خلاله حقوق المرأة ، والهجرة ، والنفاق، والأنانية ، والقناعة ، وصراع المادة ، وما تجره الحروب من ويلات ، وتلك العادات والتقاليد البالية ، وكذب المنجمون ولو صدقوا ... وهي قصص توحي خلال عرضها ، وطبيعة أحداثها ، وتصرف شخوصها ، أنها حدثت فعلا على أرض الواقع ، وقام مؤلفها بلمّ شتاتها بتصرف الفنان الذي لا يفسد الوجود حقه .. هي فلسفة استعانت بالحكمة في كل قصة ؛ لتؤكد ما كان ، وصلاحيتها لكل زمان ومكان ، فكانت (ساعة الكوكو) التي غلب عليها الطابع الفلسفي ، فلسفة الأرض الناطقة بلسان الحكمة والموعظة ، كقوله : " أثمن الهبات هبة تجهل واهبها ص5 " ، و " الأرض لا تخجل من أن تنبت الوردة والشوكة والقمحة والزوانة ؛ لأن كل ما في جوفها طاهر ، أما الناس فيستحيون من أشواكهم وزوانهم ، فيحاولون بكل قدرتهم خنقها ، لذاك تخنقهم .. تعلموا الصدق من الأرض ص13" ، وأكد الكاتب ذلك بـ" ليتني دونت كل كلمة سمعتها من " بو معروف " ، فكلماته كانت مواعظ ص14 " ، وكانت الحكمة في ( العاقر ) على لسان جميلة التي جعلت زوجها عزيز يدرك في النهاية قيمتها حتى قال فيها " لا جميلة بعد جميلة ص88" ... أما في قصة ( شورتي ) " فلا تسمع إلا من ينادي : شورتي ! لله درك فلولاك لكنا نموت ضجرا .. فهو فيلسوفهم

وشاعرهم ومهرجهم في واقت واحد ص118 " و " المثل يقول : عاشر القوم أربعين يوما فإما تصبح منهم أو ترحل عنهم .. وإلى أين يهرب الجندي من جنديته ؟ ص113 " ..
كما استعان الكاتب بفن الرسالة الشخصية ؛ لتكون الحكمة والموعظة أكثر تأثيرا في القلوب بما فيها من بساطة التعبير والرقة ، وصدق العاطفة ... وهذا الميل جعله يستعين أيضا بأسلوب المذكرات كما هو الحال في قصة شورتي التي استوحاها من مذكرات الجندي المجهول . فرنسا : أيلول سنة 1918 ص113 " .
لقد تفاعل ميخائيل نعيمة في هذه المجموعة مع الإنسان ، ومضى فيها متأملا الحياة ، وأسرار النفس البشرية ، مركزا على المشاعر والأحاسيس والعواطف التي نقلها بتصويرية وصفية سحرية تجعل القارئ يتفاعل بعمل لا إرادي معها ، إن ( الأنا ) الإنسانية كانت في كل قصة من قصص هذه المجموعة ، هذه " الأنا " هي التي جعلت (خطار ) يدير ظهره للحقل ، ويهاجر إلى أمريكا ؛ ليتحدى ساعة الكوكو التي سلبت منه محبوبته ، وهي ذاتها التي جعلت ( جميلة ) في قصة "العاقر" تنتحر ؛ لأنها لم تجد ذاتها في قلب عزيز الذي أرادها من أجل العريس ( الولد ) ، وقد كررت "جميلة " كلمة (أنا) في رسالتها لعزيز سبع عشرة مرة ، وهذه الأنا هي التي جعلت شورتي يقول : " والأسماء بين الناس تستعمل كالدمغة للماشية ليميز واحدها عن الآخر ، فهي لا تؤدي صفات المسمى ص125" ، وقد كرر شورتي كلمة (أنا) في الجزء الأول من رسالته قبل أن يقاطعه الكاتب أربع مرات ، وفي الجزء الثاني ثماني مرات ... وحديث (الأنا) يقودنا إلي كلمة ( أنت ) في القصتين ، حيث أقام الكاتب جدلية (أنا ، وأنت ) في هذه المجموعة ، وبيّن بشفافيته اللغوية القائمة على لغة القلوب والأفكار برقتها ودقتها أسس التواصل الإنساني ، فهذه الأنا تسعى لسعادتها ، وتكره ما يلحق الضرر بها ، إنها مجوعة تبحث عن الهوية في غربتها وتسعى للتواصل مع غيرها بسلام ومحبة .
والكاتب من أدباء المهجر الشمالي ( أمريكا الشمالية ) ، وقد بدا أثر الهجرة في عناوين قصصه من مثل : " ساعة الكوكو " و " شورتي " ، وفي وصف المكان وتأثيراته ، من مثل ما ورد في ( ساعة الكوكو ) التي هاجر بطلها إلى أمريكا ، وقد " أدرك أنه في بلاد مفتاحها الريال .. وأن من لا يقاتل من أجل ذلك المفتاح يظل خارجا أو تدوسه أرجل المقاتلين ص23 " ، وخلال مقارنته بين الشرق والغرب قال : " بينما الغرب يسير في مركبة روحها البخار أو الكهرباء ، وعضلاتها لوالب ودواليب من حديد وفولاذ ص25 " ، كما دارت أحداث قصة (سعادة البيك) في مطعم عربي في نيويورك لمهاجر سوري .

تحليل : محمود فهمي عامر
الدوحة - قطر