من المحافظين الجدد إلى القراصنة الجدد...أربع مستويات لابد منها بقلم:محمد أمين سني
تاريخ النشر : 2009-01-25
من المحافظين الجدد إلى القراصنة الجدد...أربع مستويات لابد منها

القراصنة يعودون في زمن العولمة إن المتتبع لأزمة القراصنة الصوماليين في خليج عدن وقبالة السواحل الصومالية يجد نفسه أمام كم هائل من التناقضات و التساؤلات هذه التناقضات هي من إفرازات زمن العولمة الذي دافع عليه منظريه و وعدوا
ببيئة دولية جد متقدمة يسودها الأمن و الإستقرار لكن ما لم يخطر على بال هؤلاء هو أنه يمكن أن نتكلم عن قصص القراصنة في زمن التكنولوجيا و الثورة المعلوماتية و كأننا مازلنا في العصور الغابرة. إن الحديث عن القراصنة في الألفية الثالثة هو أشبه بالتكلم عن الأمراض المنقرضة التي سادت في العصور الوسطى ،لهدا كان لابد من إعطاء أربع مستويات لتحليل هدا الموضوع القديم الجديد سعيا ربما لتحديث بعض الأمور بما يتناسب مع زمن العولمة نفسه

أولا على المستوى المنهجي تعد منطقة القرن الإفريقي من بين أصعب المناطق أو الأقاليم دراسة في مجال الدراسات الأمنية و الإستراتيجية إذ يصعب للدارس تحليل و التنبأ بما يمكن أن يحدث من سيناريوهات سواءا كانت ذات تحولات عميقة أو سطحية نظرا لتداخل العديد من المتغيرات التي تشكل أو تصنع الخريطة السياسية و الأمنية للمنطقة حيث يصعب في الكثير من الأحيان -كما جاء على لسان العديد من المهتمين- الفصل بين ماهو قبلي أو إثني و ماهو سياسي و أمني و حتى اقتصادي و كدلك بين ماهو محلي و ماهو اقليمي و دولي هدا التداخل فيما بين هاته المتغيرات تدفع بالعديد من الدراسات توخي الحذر و الحذر الشديد عند عند بناء تصورات وادراكات فيما يخص منطقة القرن الإفريقي.

أماعلى المستوى المعالجة الإعلامية للأزمة نلاحظ وجود نقلة نوعية من حيث الإهتمام الإعلامي بالأزمة و كذلك إهتمام الرأي العام بهكذا مواضييع حيث أننا لاحظنا أن المعالجة الإعلامية للأزمة في بدايتها كانت تشبه إلى حد بعيد قصص القراصنة أو الفايكينغ الموروثة من أدب اسكندنافي (السويد ,النرويج ,الدانمارك,اسكتلندا...) لكن دخول الأزمة إلى مرحلة جديدة من التطورات خاصة عند توالي سقوط بواخر وسفن و ناقلات نفط ضخمة في يد هؤلاء القراصنة المحترفون حيث تأكد العديد من التقارير أن من بين أعضاء هاته العصابات رجال عملوا في البحرية لسنين و آخريين كانوا هم أنفسهم من بين الطواقم الأمنية التي تحافظ على سلامة هدا الممر البحري الإسترتيجي ومنه فإن المجتمع الدولي لا يتعامل مع شلة محدودة الخبرة والتجهيز كما تحاول تصويره بعض القنوات الإعلامية .

ثالثاعلى المستوى السياسي فإذا و ضعنا أزمة القراصنة الصوماليين في إطارها و سياقها الدولي يمكن القول أنها جاءت في الوقت المناسب و أكثر من ذلك فإنها يمكنها خدمة العديد من الأجندات الدولية و الإقليمية المتقاطعة المصالح فالولايات المتحدة الأمريكية بأزمتها المالية و الإقتصادية يمكن أن تقلل أزمة القراصنة من الضغط الدولي الذي حملها و بصفة خاصة دخول العلاقات الإقتصادية الدولية مرحلة الإنكماش و الركود ، كما أنها تخدم العديد من الترتيتبات السياسية و الأمنية في الشرق الأوسط على غرار ترتيب البيت الداخلي الإسرائيلي و حتى الفلسطيني بالإضافة أنها يمكن أن تخدم السياسية المصرية في المنطقة و الزيارة التاريخية الأخيرة التي قام بها الرئيس المصري للسودان دليل على أن مصر تقترب من المنطقة ،و لابد أن لا نتجاهل لمايمكن أن تقدمه هاته الأزمة للأجندة الأوروبية عموما و الفرنسية بالتحديد و الساركوزية أكثر تحديدا لإعادة الإنتشار من جديد في إفريقيا من خلال بوابة القرن الإفريقي قبل تقلد الساكن الإفريقي الجديد للبيت الأبيض زمام الأمور في جانفي2009.

أما فيما يخص على المستوى الإستراتيجي و العسكري يمكن إعتبار هده الأزمة تحديا إستراتيجيا و عسكريا تواجهه المنطقة سواءا كدول مثل السعودية و مصر و كمنظمات مثل مجلس التعاون الخليجي و الإتحاد الإفريقي هاته الأطر القطرية و الإقليمية مطالبة و بإلحاح إيجاد حل إقليمي أو محلي لمعالجة الأزمة و إلا فلابد لها السماح لتدخل منظومات أمنية خارج المنطقة سواءا كانت الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن أو حلف الشمال الأطلسي أو التدخل العسكري الأمريكي الذي سيكون حجة نظرية ومنهجية قوية في يد العديد من دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية لتأكيد عدم موت مبدأ القوة الصلبة في مواجهة التهديدات ، و التصريح الأخير لمفيد شهاب وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية المصري إن مصر مستعدة للتدخل عسكريا ضد القرصنة في خليج عدن وقبالة ساحل الصومال يدل على إدراك بعض الفاعلين الإقليمين على ضرورة الحل الإقليمي للأزمة و هو ما ذهبنا إليه في هذه النقطة .
و في الأخير يمكن القول أن الأزمات المفاجئة التي تحدث في العالم من حين لآخر على غرار الحرب الروسية الجورجية الأخيرة و أزمة القراصنة حاليا هي بمثابة تمارين اختبار مدى فعالية و نجاعة بعض المنظومات الإقليمية و حتى الدولية في التعامل مع مثل هاته الأزمات و هنا يمكن القول أن التوجه الإقليمي في حل النزاعات الإقليمية يبقى أفضل الحلول دون التوجه نحو التدويل الدولي للنزاع وهذا ما يمكن أن تسفره أيام القليلة القادمة فيما يخص أزمة القرصنة في خليج عدن وقبالة ساحل الصومال.