ثقافة حقوق الانسان في البلدان العربية بقلم:هيثم البوسعيدي
تاريخ النشر : 2008-12-26
ثقافة حقوق الانسان في البلدان العربية
بقلم:هيثم البوسعيدي


ثقافة حقوق الانسان في البلدان العربية

حقوق الانسان هي مجموعة من المتطلبات والحاجات المشتركة التي يجتمع عليها البشر في اي مجتمع اووطن مهما اختلفت خلفيات ومرجعيات واصول ودرجات هؤلاء البشر ، هذه الحقوق تتمثل في توفير الحياة الكريمة للمواطن وتوفير مساحة من حرية الرأي والتعبير في ممارسة المعتقد واشراك المواطن في قضايا الوطن الرئيسية ، كذلك التوزيع العادل للثروة مما يمكن الانسان من الحصول على نصيبه من الحقوق والثروة...لكن النقطة التي تعتبر جوهر حقوق الانسان هي مبدأ الحرية الذي يسعى الجميع للوصول اليه من اجل الخلاص من استعباد الظالمين والطغاة.
عند الرجوع الى فترة ما قبل ظهور الاسلام تشير المصادر التاريخية الى انتشار افكار واوضاع رذيلة اضرت بالانسان وحطت من قدره وجعلته في أسوا الاحوال ، وهذه الصور تتمثل في عبادة الوثن وانتشار العبودية ووأد البنات وانتهاك حقوق وحرمة المرأة وتغلغل الطبقية في المجتمعات وحرمان العقل البشري من فرص التفكر والتدبر في الكون والعالم وغياب القدرة على التمييز بين الحق والباطل . هذه الرذائل ادت الى جملة من المآسي والويلات والنكبات والحروب التي سجلتها كتب التاريخ لتبرز كأدلة جازمة على وحشية بني البشر والظلم والجور حينما يعيش الانسان تحت ظل قوانين الغابة وتغيب القوانين والتشريعات الصحيحة التي تضمن حقوق البشر وتضمن من سيقوم بتطبيقها على ارض الواقع.
ظهور الاسلام في الفترات اللاحقة شكل نقلة نوعية في تقويض كل الافكار والاوضاع الفاسدة التى ادت الى الانحلال الخلقي في المجتمعات العربية ، وشكلت مبادئ الاسلام الرئيسية فرصة للفرد العربي للتحرر من الانغلاق والجمود والخلاص من الخرافات والاوهام المنتشرة آنذاك ، والمطالبة بألغاء الطبقية والعبودية ومساواة البشر في حق التعليم والمشاركة ، واقرار مبادئ ابداء الرأي ورفض الظلم والشورى والعدالة والتوزيع المنصف لثروات الاوطان والتكافل المجتمعي بين افراد المجتمع الواحد ...كما ان الشريعة الاسلامية اقرت مبدأ عظيم لا زال راسخا في تاريخ التشريع الانساني الا وهو المساواة في تطبيق القانون على جميع البشر في المجتمع الواحد قال الرسول صلى الله عليه وسلم " لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " .

غيبت هذه المبادئ عن حياة العرب والمسلمين بعد فترة من ظهور الاسلام وهذا يرجع بالاساس الى بروز دول اهملت هذه المبادئ الرئيسية وابتعدت كليا عن ما يحتويه الاسلام من مبادئ مثلى تصون الكرامة الانسانية ، حيث استولى على السلطة في البلاد العربية جماعات جاهلة لم تعير هذه المبادئ السامية اي اعتبار بل كانت المصلحة الشخصية هي اساس الحكم وليس العدل كما أقره الاسلام ، كما شهدت تلك الفترة ابتعاد المثقفيين والمتفقهين في الدين عن الساحة فلم تجد تلك المبادئ من يدافع عنها ويجاهد من أجل بقائها حية في اذهان ونفوس الناس ، لذا ركزت هذه الانظمة السلطوية على توطيد حكم العائلة او القبيلة واخماد اي معارضة قد تظهر ضد هذا الحكم ... هذه السنوات العصيبة شهدت تراجع واسع عن مبادئ وحقوق الانسان وسجل التاريخ العربي طوال القرون الماضية عودة ظواهر الاستعباد واسواق النخاسة وانتشار الظلم وهضم الحقوق وتوريث الحكم والسلطة الى اشخاص غير مؤهلين وغير قادرين على تحمل مسئولية قيادة الامة ، ثم ظهر البون الشاسع بين طبقة الحكام وطبقات المحكومين تلى ذلك اخماد الثورات بأساليب وحشية وقاسية وقمع لكل اشكال الحرية والابداع الفكري والثقافي ، وعادت النظرة الجاهلية للمرأة وحرمت من التعليم والمشاركة وسجنت في البيت الذي اصبح لقرون عدة محياها ومماتها ، وغيب المواطن العربي عن المشاركة في قضاياه المصيرية ولم يعد هناك ادراك حقيقي لاهمية هذه الحقوق والمبادئ لدى الفرد العربي مما نتج عنه تخلف في شتى الميادين وتدهور خطير لاوضاع واحوال العرب شعوبا وافراد طوال القرون السالفة.

الانظمة العربية الحالية او السابقة خلال القرن الحالي ورثت كل هذه الاوضاع والافكار والقوانين الاستبداية واستمرت عملية تجاهل حقوق ومبادئ الانسان وعطلت الانظمة العربية كلا من الافراد والمجتمعات عن اداء ادوارهم الفاعلة في ادارة وتحريك عجلة التنمية والتطوير ، واستمر منع المواطن العربي عن المشاركة في امور البلاد الداخلية والخارجية حتى انه لا يملك حق التظاهر والاحتجاج ضد الاوضاع المتردية .. وقد تتعدد تفسيرات الانظمة العربية لهذه الانتهاكات وترجعها الى الحفاظ على وحدة البلاد تارة وتارة الى الحفاظ على الهوية الفكرية والثقافية مع ان كل هذه الاسباب السابقة لا تبرر كل هذا الصلف والبطش والقمع العربي الذي تتحاكى عنه التقارير الدولية وترسم له صور مروعة ومخيفة.
حاليا لا ننكر ان عوامل التقدم التكنولوجي ساهمت في التكوين المعرفي لدى الفرد العربي عن وضعية حقوق الانسان ، كما ان وسائل الاعلام ساهمت في نشر رأي الفرد واعطاءه مساحة لتعبير عن رأيه وشاركت بشكل فعال في تثقيفه ودفعه نحو المطالبه بحقوقه ، ولا يمكن في المقابل انكار الدور النضالي لبعض الاحزاب والمنظمات الاهلية والافراد في نشر مبادئ حقوق الانسان والسعى نحو الوصول اليها حتى لو تتطلب ذلك تقديم المزيد من التضحيات لاقتناعها بالارتباط الوثيق بين حرية الانسان ونهوض ورقي الامة.... لكن لازلت البلدان العربية متأخرة عن الوصول الى ادوات الحرية والامتلاك الكامل لحقوق الانسان ولا زال الطريق طويل ووعر نحو تحقيق حلم الحرية فهل مثلا يمكن المشاركة والتحدث بحرية وانتقاد من يكون في البرلمانات والمجالس العربية ؟ طبعا لا.
في النهاية ليست ثقافة حقوق الانسان غائبة عن السلطات العربية فحسب فهي ايضا تمتد لتشمل المجتمعات والافراد والحركات العربية ، فكل هذه الاطراف تعودت على غياب الحرية وتسلط القوي وكبت الآخر واضطهاد المرأة والاستفراد بالرأي ومركزية القرار وعدم الاستفادة من النقد وتقديس القائد او الشيخ او الاب .. الخ ؛ حتى صار هذا الامر مألوفا تجده في كل هذه الشرائح بين الاب وابنه وبين المعلم وتلميذه وبين الرئيس ومرؤسه ، من هنا يبرز الدور الكبير للمثقفين والمتعلمين لتوعية الناس بثقافة حقوق الانسان والمقدرة على التمييز بين الحقوق والواجبات ومن ثم السعي الحثيث نحو المطالبة بهذه الحقوق والكفاح من اجل نيلها لانها لا توهب ولانها تمثل قضية مهمة تتعلق ببناء المجتمعات والاوطان.