الأدب المقارن ـ محاولة لتحرير المصطلح بقلم:يسري عبد الغني عبد الله
تاريخ النشر : 2008-10-08
الأدب المقارن ـ محاولة
لتحرير المصطلح




بقلم
يسري عبد الغني عبد الله
باحث ومحاضر في الدراسات العربية
والإسلامية والمقارنية
Email: [email protected]



عنوان المراسلات :
14 شارع محمد شاكر / الحلمية الجديدة / بريد القلعة (11411) / القاهرة / مصر .
هاتف : 3176705 022 أو 3959261 022
جوال : 0114656533


نحاول خلال هذه السطور أن نعرف بالأدب المقارن أو الموازن بالمعنى الاصطلاحي أو الذي اصطلح أو أتفق عليه .
تعني كلمة المقارنة التقريب بين وقائع مختلفة ومتباعدة في غالب الأحيان على أمل استخلاص القوانين العامة التي تسيطر عليها ، وهي في الجوانب الأدبية تدخل في مدلول الأدب الذي يدرس مواطن التلاقي بين الآداب في لغاتها المختلفة بصلاتها الكثيرة المعقدة في حاضرها أو في ماضيها ، وما لهذه الصلات التاريخية من تأثير أو تأثر أياً كانت مظاهر ذلك التأثير أو التأثر سواء تعلقت بالأصول الفنية للأجناس والمذاهب الأدبية أو التيارات الفكرية ، أو اتصلت بطبيعة الموضوعات والمواقف والأشخاص التي تعالج أو تحاكي في الأدب ، أو كانت تمس مسائل الصياغة الفنية والأفكار الجزئية في العمل الأدبي أو كاتب خاصة ما يصور البلاد المختلفة كما تنعكس في آداب الأمم الأخرى بوصفها صلات فنية تربط ما بين الشعوب والدول بروابط إنسانية تختلف باختلاف الصور والكتاب ، ثم ما يمت إلى ذلك بصلة من عوامل التأثير والتأثر في أدب الرحالة أو المهاجرين أو المبعوثين من الكتاب .
ومن المعروف في كل الآداب أنها تقوى وتنهض إذا اتصلت بغيرها من الآداب ، وأخذت عنها ، وأفادت منها وأفادتها ، فإذا حبس الأدب داخل إقليمه ، وضاق نطاق امتداده وبالتالي تأثيره ، أصابه الضعف والوهن .
إن خروج اللغات من أقاليمها أو حيزها واتصالها بغيرها ، واستفادتها منها ، يساعد على نموها وتطورها ، والأمثلة على ذلك كثيرة وتتضح بالنسبة للأدب اللاتيني واتصاله بالأدب اليوناني ، وكذلك بالنسبة للأدب العربي والأدب الفارسي ، وغير ذلك من الآداب الإنسانية ، فعندما توثقت صلاتها ببعضها تحقق لها الكمال والنضج في نواحيها الفنية والإنسانية .
والاتصال بين الآداب يزداد نطاقه وتتسع دائرته عادة في عصور النهضات ، وعندما يصل الإنسان إلى الوعي الكامل بأهمية وبدور الفنون والآداب في حياته الإنسانية المعاشة .
وغني عن البيان أن المبادلات الأدبية بين الأمم والتي تشمل : التعليم ، والبعوث ، والهجرات ، والرحلات ، والترجمة المباشرة وغير المباشرة ، ومعرفة اللغات ، والكتب ، والصحافة ، والدوريات العلمية والأدبية ، والمكتبات ، والإذاعة ، والتلفاز ، والأقمار الصناعية ، وشبكة المعلومات الدولية (الإنترنيت) ، والمنتديات والملتقيات الأدبية ، والمسرح ، والسينما ... إلى آخره .. كل ذلك كان له الأثر الفاعل في زيادة اتساع نطاق الاتصال بين الآداب في مختلف أنحاء العالم وبالذات في عصرنا الراهن .
و مسألة الاتصال بين الآداب عن طريق المبادلات الأدبية بين الأمم ، وما يحدث من عملية التأثير والتأثر ، يدخل في نطاق المسائل التي يدرسها الأدب المقارن أو الموازي ، والذي يدرس مواطن تلاقي الآداب في لغاتها المختلفة وصلاتها الكثيرة .
كما أن الأدب المقارن يدرس ما لهذه الصلات من تأثير وتأثر تتجلى مظاهره في طبيعة الموضوعات التي تناولها ، أو الأشخاص التي تعالج أو تحاكى في الأعمال الأدبية ، أو الأصول الفنية للأجناس أو الأنواع الأدبية ، وكذلك الأمور ذات الصلة بالصياغة الفنية للأعمال الأدبية .
ويشترط لأن يعد الأدب مقارناً أن تختلف اللغة ، ولا يلتفت إلى الأعمال التي تكتب بلغة واحدة ، فهي خارجة عن النطاق البحثي للأدب المقارن أو الموازي ، لأن الحدود الفاصلة بين الآداب هي اللغات ، وذلك حتى يمكن دراسة مسألة التأثير والتأثر المتبادل بينها .
ومن الأشياء التي لا تعد من قبيل الأدب المقارن مسألة الموازنات الأدبية التي تعقد بين كاتبين أو أكثر داخل الأدب القومي الواحد وبالطبع يشتركون جميعهم في لغة الكتابة ، كأن نقارن في أدبنا العربي بين أمير الشعراء / أحمد شوقي , وأبي الطيب المتنبي ، فاختلاف اللغات شرط مهم لأن يعد الأدب مقارناً ، أما إّذا اشترك الكتاب في لغة واحدة فإنها لا تتعدى نطاق الأدب الواحد .
والأدب المقارن يربط أدبين مختلفين أو أكثر ، وعليه فإن هذه الموازنات الأدبية داخل الأدب الواحد لا يمكن لنا أن نغفل بأي حال من الأحوال أهميتها لأنها توضح علاقة المبدع مع سابقيه ومعاصريه من أبناء أمته ، ولكنها لا ترتقي بالفضل على الدراسات الأدبية المقارنة ، فهي أقل خصباً وأضيق مجالاً ، وفائدتها أو مردودها لا يصل إلى فائدة الدراسات المقارنة ، فالموازنات غالباً ما تسير على نمط واحد ، وفي حدود ضيقة .
ومن الموازنات المشهورة في أدبنا العربي ما قام به بعض الكتاب من موازنة بين شاعر النيل / حافظ إبراهيم ، وأمير الشعراء / أحمد شوقي في الأدب العربي الحديث ، ـ وكما ذكرنا ـ فمع أهمية هذه الموازنات ، وتوضيحها لمزايا كل شاعر منهما ، ومدى تأثره بالأخر ، إلا أنها تعد من الدراسات التي لا تتعدى نطاق الأدب الواحد ، على حين أن مجال الدراسات المقارنية أوسع وأشمل من ذلك بكثير .
وإذا كنا قد استبعدنا الموازنات الأدبية في الأدب الواحد ، ولم ندخلها ضمن سياق أو نطاق الأدب المقارن ، فإننا نخرج المقارنات بين الآداب التي لا توجد بينها صلة تاريخية ، ومن أمثلة ذلك أن نعقد مقارنة أدبية بين الشاعر الإنجليزي / جون ميلتون ، شاعر الفردوس المفقود ، وبين رهين المحبسين الشاعر العربي العباسي / أبي العلاء المعري ، نعم : كلاهما فقد بصره ، وكلاهما له بعض الآراء المتطرفة في العقيدة الدينية ، ولكن عند هذه الدراسة نجد أن الشاعرين لم يعرف أحدهما الآخر ، ولم يتأثر به ، فلا دخل لتشابه ظروفهما الاجتماعية في حدوث عملية التأثير والتأثر ، وهذان شرطان مهمان من أجل أن نعقد بينهما مقارنة أدبية .
والهدف من مثل هذا النوع من الدراسة هو جمع معلومات عن شاعرين أو أديبين معينين ، ومحاولة مقارنتهما بالمعلومات التي حصلنا عليها عن الآخر ، وكذلك مدى التشابه بينهما ، ولا تفيد هذه النوعية من الدراسة طالما أن المبدعين لم يعرف أحدهما الآخر ، وطالما أنه لم يتأثر به في جانب من جوانب الشكل أو المضمون الفني .
نقول : إن الغرض من دراسة الأدب المقارن تتبع عملية حدوث التأثير والتأثر ، وكيف تمت هذه العملية ، وبأي طريقة تمت ، ثم ما هي الأمور التي اكتست أو افتقدت عند كلا الأديبين حينما التقى بأدب الآخر ، وبهذا تأتي الفائدة المرجوة من الدراسة المقارنية لهذه الآداب .