الفكر التربوي وابن خلدون بقلم: جورج أبو الدنين
تاريخ النشر : 2008-09-02
الفصل الأول: مقدمة الدراسة:
المقدمة:
ابن خلدون هو العلامة ولي الدين عبد الرحمن بن أبي بكر محمد بن الحسن ابن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خلدون، ولد في تونس عام 1332م، وانشغل بالعلم والدراسة في شبابه، وقد ولد في عالة ذات ميول سياسي ومركز علمي واجتماعي مرموق في المغرب.

تعلم ابن خلدون النحو وعلوم اللغة كلها، والقرآن الكريم وقراءاته السبع، وكذلك درس المنطق والفلسفة، ودرس على يد علماء كبار في تونس من أمثال أبي عبد الله محمد بن إبراهيم الأبلي، وقد توفي عام 1406م تاركا مؤلفات رائعة منها مقدمته، و"لباب المحصل في أصول الدين" وهو في علم الكلام، وكتاب في التصوف وهو "شفاء السائل"، وغيرها من المؤلفات التي لم تصل إلينا كشرح البُردة، ومختصر في المنطق.

إن لابن خلدون آراء في علم التربية يمكن اعتبارها أساس مدارس تربوية فكرية كثيرة، فأفكاره قريبة جدا إلى عصرنا الحديث، مما جعله مقرونا بكل ما له علاقة بالأفكار التربوية وعلم الاجتماع، وقد سلط الكثيرون في دراساتهم الضوء على الفكر التربوي لابن خلدون مدى توافقه مع الفكر التربوي الحديث، ومنها هذه الدراسة.

إن مفهوم التربية اصطلاحا يتضح في الجهد المقصود الذي يسعى فيه المجتمع من خلال وكالاته المتعددة إلى إيجاد السلوك الإيجابي الجديد لدى الجيل أو تعديل سلوك قائم يقتضي تعديله، وبذلك يناط بالتربية مهمة خطيرة من نتائجها الحفاظ على الهوية.. وللتربية العربية خصوصية فارقة بالقياس إلى أنماط التربية في المجتمعات القديمة تبرز خصوصيتها الفارقة في التواصل والديمومة والاستمرار فقد انقرضت التربية اليونانية القديمة الأثينية والإسبارطية والإغريقية والرومانية وتبدلت أنماط التربية الشرقية تبعا للتبدل الكلي أو الجزئي في حضاراتها، في حين بقيت التربية العربية في إطارها العام تؤدي وظيفتها ذاتها عبر الأحقاب والعصور، وما زال العقل العربي بتكوينه وبنيته نتاج تلك الفترة كما هو منذ حقبة ما قبل الإسلام، يستجيب لحركة التاريخ ويتفاعل مع المتغيرات الاجتماعية داخليا. (مجلة النبأ، 2004، مقالة لقاسم الغبان).

أهمية الدراسة:
تنبع أهمية الدراسة من كونها:
1. تلقي الضوء على واحد من اكبر علماء التاريخ ومؤلفيه وواحد من رواد التربية وعلم الاجتماع.
2. تقدم لنا شرحا عن مبادئ وأفكار هذا العالم العظيم بخصوص الفكر التربوي.
3. ترسم لنا صورة واضحة المعالم عن تأثير ابن خلدون في الفكر التربوي الحديث من خلال مبادئ وأفكار علمائه ورواده.
4. تُعدّ محاولة في الربط بين الأجيال العلمية في مجال التربية، مما يساعد في معرفة مدى التطور والتغير في الفكر التربوي عبر الزمن.

أهداف الدراسة:
تهدف الدراسة إلى تحقيق الغايات والأهداف التالية:
1. الوقوف على الفكر التربوي عن ابن خلدون ومقارنته بالفكر التربوي الحديث
2. معرفة مدى التغير الذي طرأ في مبادئ الفكر التربوي عبر الزمن منذ عصر ابن خلدون إلى عصرنا هذا.
3. معرفة ما لابن خلدون من دور وباع طويل في هذا المجال من خلال النظر في آرائه وأفكاره، وتأثيره على العلم الحديث.

منهجية الدراسة
* طريقة جمع المعلومات

سيتم جمع المعلومات من خلال المقالات المنشورة في الصحف والمجلات، مثل مجلة النبأ الشهرية، ونشرة كلية المعارف الإسلامية في ماليزيا، إضافة إلى المؤلفات التي تختص بهذا الموضوع، مثل مقدمة ابن خلدون، وكتاب محمد نير مرسي "المرجع في التربية المقارنة" وكتاب أنطوان الخوري "أعلام التربية (حياتهم - آثارهم)"، وغيرها من المصادر والمراجع التي سيتم إثباتها في صفحة المصادر والمراجع.










الفصل الثاني: ابن خلدون ترجمته
- حياته:

ابن خلدون هو وليّ الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد ابن خالد بن الخطاب ، ولد في تونس ( غرة رمضان 732 هـ-27/5/1332 م ) وتلقى ابن خلدون علومه على أبيه وعلى نفرٍ من علماء تونس والعلماء الواردين إليها فحفظ القرآن العظيم وتفسيره والحديث والفقه واللغة والنحو ثم توسع في الأدب والمنطق وعلوم الفلسفة .
(ابن خلكان، 1971: مج4)

وفي سنة 748 هـ ( 1347م ) التحق ابن خلدون بحاشية أبي الحسن المرينيّ سلطان مراكش ، ولكن أول عهده بمراتب الدولة فعلاً كان سنة 752 هـ ( 1351م ) ، فقد تولّى " كتابة العلامة " ( ديوان الرسائل ) لأبي محمد بن تافراكين المستبدّ على الدولة يومئذٍ بتونس . ثم أنه وُصف لأبي عِنان صاحب فاس ، وكان يجمع العلماء في بلاطه ، فاستقدمه سنة 755 هـ ثم استخدمه في آخر سنة 756 هـ ( آخر 1355م ) . (الخوري، 1964: 42)

وتقلّب ابن خلدون في البلاد فكان عند بني مَرين في فاس ( 760هـ - 1359م ) ، وعند بني عبد الواد في تِلْمِسان ( 763 هـ ) ثم عند بني الأحمر في غرناطة الأندلس ( 764 هـ ) ، فأرسله بنو الأحمر في سفارة إلى بطره ملك قشتالة ( بطرس الرابع القاسي الأسباني ) لإتمام عقد الصُلح بينه وبين ملوك المغرب .

ثم إنه انتقل إلى المغرب ، ولمّا سئم التَطْواف والمناصب وخاف عواقب السياسة آثر الاعتزال في قلعة سلامة ، شرق تلمسان ، فمكث عند بني العريف أربع سنوات وبدأ بتأليف كتابه في التاريخ ، ولكنه احتاج إلى مواد لكتابه لم تكن متيسرة في قلعة سلامة فعاد إلى تونس ( 780هـ - 378 م ) . (فروخ، 1984)

وفي سنة 784 هـ ( 1382م ) سار ابن خلدون إلى الحجّ ، فلما وصل إلى مصْر عُرض عليه القضاء على المذهب المالكيّ فقَبِله فتأخر ذهابه إلى الحج حتى سنة 789 هـ ، وعاد من الحج إلى القاهرة وانقطع فيها للتدريس حيناً ثم عاد إلى توليّ القضاء ( 801 هـ - 1399 م ) . (فروخ، 1984)
ولما غزا تيْمورلنْك سورية ذهب الملك الناصر فَرَجُ ابن الملك الظاهر بَرقوق إلى دمشق ليُفاوض تيمور واصطحب نفراً من العلماء فيهم ابن خلدون . ثم سمع الناصر فرج بمؤامرة عليه في مصر فاضطر إلى العودة ، فحمل ابن خلدون تبِعَة الحال وذهب سِراً على رأس وفد لمفاوضة تيمور في الصلح وألقى بين يديه خطبة نفسية ، فأكرمه تيمور عليها وأعاده إلى مصر . وتولّى ابن خلدون القضاء بمصر بعد ذلك مراراً ، ثم وافاه اليقين بالقاهرة في 25 رمضان 808 هـ ( 15 آذار مارس 1406 م ) (فروخ، 1984)

وليس ابن خلدون فيلسوفا اجتماعيا فحسب، بل هو عالم اجتماعي وواضع علم الاجتماع على أسسه الحديثة ولم يسبقه إلى ذلك احد حتى الآن تقريبا.( فروخ، 1972).

وقد تجمعت عند ابن خلدون ثروة طائلة من العلوم والمعرفة بنواحيها المختلفة وذلك بسبب :-

1. خبراته الواسعة في ميادين السياسة.
2. لخدمته في معية الملوك والأمراء.
3. لكثرة أسفاره وتنقلاته بين الدول المغربية والأندلس.
4. لقراءته ودراسته في كل فرصة تسنح له.(شمس الدين، 1991)

- ثقافته:

تسلح ابن خلدون بجميع ثقافات عصره، فدرس اللغة والأدب والمنطق والفلسفة ودرس كذلك علوما تلقنها من العجم مثل النفس البشرية، والجتمع، والفلك والرياضيات، والتاريخ، وعلم الكلام، فنهل من كل مورد مهلا ولو نُتفة، وان الناظر في مقدمته التي صنفها في مختلف مناحي الحياة، يجد فيها لمما كبيرا من الاخبار والملح والمعلومات التي يعجز عن وصف روعتها لسان.(ابن خلدون، 2004)

- مؤلفاته:

توفي ابن خلدون تاركا للبشرية بعده مجموعة من الدراسات والمؤلفات التي ما زال العالم يستفيد منها إلى يومنا هذا، ومن اروعها "لباب المحصل في أصول الدين" وهو في علم الكلام، وكتاب "التعريف" وهو سيرة ذاتية، وكتاب "شفاء السائل" وهو في التصوف، وأخيرا وأهمها واروعها وابرزها ابدا كتاب المقدمة، والذي تعددت فيه الآراء والاقوال، فقد قال عنه محقق المقدمة حامد احمد: "ومقدمة ابن خلدون تُعبر عن رجل مولع بالتحليل، والاستقصاء، وسبر اغوار الحوادث والوقائع، بيل رجل له تطلعات إبداعية، ونزعة نحو التجديد في عصور الظلام التي عاشتها الامة، وراها هو بنفسه ففتح الباب نحو آفاق جديدة بكر لم يكن الاسلاميون من المؤرخين والكتّاب قد وصلوا إليها بعد".(حامد، 2004: 5)

وقد قال عن هذه المقدمة ابن خلدون بنفسه في مقدمتها، حيث يقول: "... ولما طالعت كتب القوم، وسبرت غور الامس واليوم، نبهت عين القريحة من سنة الغفلة والنوم، وسمت التصنيف من نفسي وانا المفلس أحسن السوم، فأنشأت في التاريخ كتابا، رفعت به عن أحوال الناشئة من الأجيال حجابا، وفصلته في الاخبار والاعتبار بابا بابا، واديبت فيه لأولية الدول والعمران عللا واسبابا، وبنيته على اخبار الجيلين الذين عمروا المغرب في هذه الاعصار،...".(ابن خلدون، 2004: 15)

وقد قال محمد منير مرسي في دراسته بعنوان "ملامح الفكر التربوي عند ابن خلدون" عن مؤلفاته: " ترك ابن خلدون العديد من المؤلفات منها مقدمته المعروفة، وكتابه الشهير «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر»، وكانت «المقدمة» لابن خلدون هي التي أعطته شهرته الواسعة على مر العصور. ومما يلفت النظر أن ابن خلدون لم يترك لنا مؤلفاً خاصاً مستقلاً عن التربية او عن التاريخ أو مؤلفاً عن علم الاجتماع، وعلى الرغم من ذلك فقد اعتبره المؤرخون رائد علم التاريخ، ورائد علم الاجتماع".(مرسي، 1981)
الفصل الثالث: الفكر التربوي عند ابن خلدون
- معالمه:

يقسم عبد العزيز قريش في دراسته بعنوان " معالم تربوية عند ابن خلدون(معالم الفكر التربوي عند ابن خلدون إلى مبادئ وقوانين، وتنقسم على النحو الآتي:

- أولا: المبادئ
* المبدأ الأول:

الفكر الإنساني هو الفارق الأساس بين الإنسان والحيوان، لأنه مصدر قوة هذا الإنسان؛ التي تسمح له بتحصيل معاشه في إطار اجتماعيته ببني جلدته، ومصدر تفكره وتفكيره في ذاته وعالمه الخارجي بما فيه عالم الغيب، ومصدر تفوقه على الحيوانات وتسخيرها لصالحه. فقد قال العلامة ابن خلدون: الفكر الإنساني، الذي تميز به البشر عن الحيوانات واهتدى به لتحصيل معاشه والتعاون عليه بأبناء جنسه والنظر في معبوده، وما جاءت به الرسل من عنده؛ فصار جميع الحيوانات في طاعته وملك قدرته وفضله به على كثير خلقه. فهذا الفكر هو منبع العلوم والصنائع من حيث أن الإنسان يديم التفكير في نفسه ومحيطه وعالمه الدنيوي والأخروي لاستخلاص الحقائق والقوانين عن الظواهر الكونية التي تشكل الأرضية الصلبة للعلم والصنائع؛ فـعن هذا الفكر تنشأ العلوم وما قدمناه من الصنائع ويكون الفكر راغبا في تحصيل ما ليس عنده من الإدراكات، فيرجع إلى من سبقه بعلم، أو زاد عليه بمعرفة أو إدراك، أو أخذه ممن تقدمه من الأنبياء الذين يبلغونه لمن تلقاه؛ فيلقن ذلك عنهم ويحرص على أخذه وعلمه

ثم إن فكره ونظره يتوجه إلى واحد واحد من الحقائق، وينظر ما يعرض له لذاته واحدا بعد الآخر، ويتمرن على ذلك حتى يصير إلحاق العوارض بتلك الحقيقة ملكة له، فيكون حينئذ علمه بما يعرض لتلك الحقيقة علما مخصوصا. وتتشوف نفوس أهل الجيل الناشئ إلى تحصيل ذلك، فيفزعون إلى أهل معرفته ويجيء التعليم من هذا.(قريش، 2006)

* المبدأ الثاني:

العلم والتعليم والتعلم طبع إنساني، بمعنى أن التعليم والتعلم والعلم أمر طبيعي في البشر، ومن ثم لا توجد معرفة خارج المجتمع الإنساني ( فقد تبين بذلك أن العلم والتعليم طبيعي في البشر، كما يقول ابن خلدون؛ وهو بذلك يسوق قانونا علميا أثبتته الدراسات الحديثة، حيث ما يصدر عن الحيوانات من أفعال وسلوكات هي غريزية بطبعها وليست ناتجة عن التعلم إلا ما شذ منها. فقد وجد العلماء أن الإنسان عندما يخرج عن الجماعة الإنسانية وعن طبيعته يفقد تلك الخاصية التي تتعلق بإنسانيته. فالأطفال المتوحشون دليل قاطع على أن التعلم والعلم خصيصة إنسانية. وما يزكي هذه الخصيصة أنها قائمة على الفكر واللغة، وهما لا يوجدان خارج المجتمع.(قريش، 2006)

* المبدأ الثالث:

ارتباط العلوم والإدراكات بالمحسوسات، بمعنى انبثاق التنظير من الواقع المحسوس أو المفترض. كما بين العلم الحديث الذي يرى فيها الموضوعات العلمية موضوعات منشأة عن الموضوعات المحسوسة. فـ ( العلم ينطلق من الواقعي ليبتعد عنه مادامت المعرفة ليست هي الملاحظة الحسية، بل هي خلق لكلام جديد وإضافة إلى الواقع الذي تنطلق منه. إن المعرفة تحويل للواقع المعطى وتغيير له، والعلم يعمل على تنظيم المعطيات ولا يكتفي بتعدادها. إنه ينظمها ويرتبها ويقيم علاقات بين عناصرها بغية تحويلها إلى شيء قابل لأن يكون موضوع علم. إن المادة شيء والموضوع شيء آخر. إنه الشيء المستهدف، الشيء المبني انطلاقا من المادة، إنه الموضوع المعرفي وهذا ما ذهب إليه ابن خلدون عندما قال: النفس الناطقة للإنسان، إنما توجد فيه بالقوة. وأن خروجها من القوة إلى الفعل إنما هو بتجدد العلوم والإدراكات عن المحسوسات أولا؛ ثم ما يكتسب بعدها بالقوة النظرية إلى أن يصير إدراكا بالفعل وعقلا محضا؛ فتكون ذاتا روحانية وتستكمل حينئذ وجودها. فوجب لذلك أن يكون كل نوع من العلم والنظر يفيدها عقلا فريدا، والصنائع أبدا يحصل عنها وعن ملكتها قانون علمي مستفاد من تلك الملكة. فلهذا كانت الحُنكة في التجربة تفيد عقلا، والملكات الصناعية تفيد عقلا.(ابن خلدون، 2004)

* المبدأ الرابع:

التعليم/التربية عند ابن خلدون من الصنائع؛ بمعنى وجوب امتلاك كفاياتها النظرية والتطبيقية عبر التمرن والمراس والبحث والدراسة. وبذلك تنتفي العشوائية والارتجال عن فعل التربية والتعليم عند ابن خلدون؛ لما يتطلبه من المعرفة العلمية الدقيقة بما هي التربية والتعليم. فقد قال: ( ذلك أن الحذق في العلم والتفنن فيه والاستيلاء عليه، إنما هو بحصول ملكة في الإحاطة بمبادئه وقواعده والوقوف على مسائله واستنباط فروعه من أصوله. وما لم تحصل هذه الملكة لم يكن الحذق في ذلك الفن المتناول حاصلا. وهذه الملكة هي في غير الفهم والوعي. لأنا نجد فهم المسألة الواحدة من الفن الواحد ووعيها، مشتركا بين من شدا في ذلك الفن، وبين من هو مبتدئ فيه؛ وبين العامي الذي لم يُحصِّل علما، وبين العالم.
(قريش، 2006)

- ثانيا: القوانين:
* القانون الأول:

الانتقال من المحسوس إلى المجرد، حتى تسنن الذاكرة طويلة المدى لمخزونها المعرفي الناتج عن المحسوس بارتباطات حسية، تشعل الذاكرة أثناء استدعاء واسترجاع وطلب المعلومة. بمعنى تسنين المعلومات والمعارف والمعطيات والحقائق العلمية في الذاكرة. حيث يقول في هذا المبدأ: ( والأحوال المحسوسة، نقلها بالمباشرة أوعب لها وأكمل؛ لأن المباشرة في الأحوال الجسمانية المحسوسة أتم فائدة، والملكة صفة راسخة تحصل عن استعمال ذلك الفعل وتكرره مرة بعد أخرى، حتى ترسخ صورته. وعلى نسبة الأصل تكون الملكة. ونقل المعاينة أوعب وأتم من نقل الخبر والعلم. فالملكة الحاصلة عنه أكمل وأرسخ من الملكة الحاصلة على الخبر.(قريش، 2006)

* القانون الثاني:

جودة نظام التعليم وجودة تكوين الأستاذ لهما دخل في جودة تعلم المتعلم، بمعنى تعلم المتعلم يتوقف على جودة التعليم وكفاءة الأستاذ، فهما مرتبطان ارتباط طرديا نزولا وصعودا؛ حيث يقول ابن خلدون: ( وعلى قدر جودة التعليم وملكة المعلم يكون حذق المتعلم في الصناعة وحصول ملكته. فقد ( افترض ابن خلدون أن التعليم صناعة، نجاحها وفشلها، مرتبطان بالقائمين بها، وأن المعلمين هم سند هذه الصناعة. لذا لابد من أن تتوفر فيهم شروط وآداب وقوانين. ويستشهد ابن خلدون ببعض الذين ارتحلوا ممن يعرفهم لطلب العلم على المشاهير. فقد رجع بعضهم بعلم وفير ومفيد وبتعلم حسن ] ابن الطيب، وابن الحاجب [ ويعود الفضل لمن حذق منهم لتوفر معلمين ملمين مبرزين بصناعة التعليم. وهكذا فإن توفر المعلم القادر والحاذق ضرورة أولى في عملية التعليم. لأنه يكون قادرا على توفير الشروط الأساسية للمتعلم .(قريش، 2006)

* القانون الثالث:

تقديم البسيط على المركب والمعقد، ورعايته حتى يكتمل! حيث يقول ابن خلدون: ( ثم إن الصنائع منها البسيط ومنها المركب. والبسيط هو الذي يختص بالضروريات، والمركب هو الذي يكون للكماليات. والمتقدم منها في التعليم هو البسيط، لبساطته أولا، ولأنه مختص بالضروري الذي تتوفر الدواعي على نقله، فيكون سابقا في التعليم ويكون تعليمه لذلك ناقصا. ولا يزال الفكر يخرج أصنافها ومركباتها من القوة إلى الفعل، بالاستنباط شيئا فشيئا على التدريج، حتى تَكْمُلَ . وواقع العلوم والنظريات العلمية يقر بمتابعة دراسة الحقائق والمعلومات والأفكار والنظريات عبر الزمن لنقدها وتصحيحها وتطويرها. وما الإيبستيمولوجيا " علم المعرفة/نقد العلوم " سوى تطبيق لفكرة ابن خلدون في العلم. (قريش، 2006)

القانون الرابع:

التدرج في التعليم ذلك أن العلم لا يحصل دفعة واحدة، ( وإنما يحصل في أزمان وأجيال، إذ خروج الأشياء من القوة إلى الفعل لا يكون دفعة، لاسيما في الأمور الصناعية. فلابد له إذن من زمان . حيث يكون ( التدرج بالعلم مع الطالب متعلقا بالطالب واستعداداته من جهة، وبالموضوع ومتطلباته من جهة أخرى وفي آن واحد. (قريش، 2006)

فالطالب له مقدرات واستعدادات معينة على المعلم أن يعيها ويحسن التعامل معها، كما أن للموضوع أو الفن جزئيات واختلافات، على المعلم أن يراعيها أيضا، ويتدرج في عرضها وتقديمها للطالب على النحو الذي يناسب الطالب والموضوع معا. لأنه أدرك أن قبول العلم والاستعدادات لفهمه تنشأ تدريجيا ويكون المتعلم أول الأمر عاجزا عن الفهم بالجملة.

كما يقول: (أعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيداً إذا كان على التدريج شيئاً فشيئاً وقليلاً قليلاً يلقى عليه أولاً مسائل من كل باب من الفن هي أصول ذلك الباب ويقرّب له فى شرحها على سبيل الإجمال ويراعى فى ذلك قوة عقله واستعداده لقبول ما يرد عليه حتّى ينتهي إلى آخر الفن وعند ذلك يحصل له ملكة فى ذلك العلم إلا أنّها جزئية وضعيفة وغايتها أنّها هيّأتها لفهم الفن وتحصيل مسائله ثم يرجع به إلى الفن ثانية فيرفعه فى التلقين عن تلك الرتبة إلى أعلى منها ويستوفى الشرح والبيان ويخرج عن الإجمال ويذكر له ما هنالك من الخلاف ووجهه إلى أن ينتهي إلى آخر الفن فتجود ملكته ثم يرجع به وقد شدّ فلا يترك عويصاً ولا مهماً ولا مغلقاً إلاّ وضحه وفتح له مقفلة فيخلص من الفن وقد استولى على ملكته.

القانون الخامس:

مدارسة المتن التعليمي بين الأستاذ والمتعلم؛ حتى يتمكن المتعلم من العلم، فقد رأى ابن خلدون غياب الأستاذ الحذق وفساد النظام التعليمي مدخلا إلى النتائج السلبية في حاصل التعليم الذي يعتمد أساسا على الحفظ فقط. فقد قال: ( وبقيت فاس وسائر أقطار التعليم المغرب خلوا من حسن التعليم من لدن انقراض تعليم قرطبة والقيروان، ولم يتصل سند التعليم فيهم، فعَسُرَ عليهم حصول ملكة والحذق في العلوم. (قريش، 2006)

وأيسر طرق هذه الملكة قوة اللسان بالمحاورة والمناظرة في المسائل العلمية، فهو الذي يقرب شأنها ويُحصّْل مرامها. فتجد طالب العلم منهم، بعد ذهاب الكثير من الأعمار في ملازمة المجالس العلمية، سكوتا لا ينطقون ولا يفاوضن، وعنايتهم بالحفظ أكثر من الحاجة. فلا يحصلون على طائل من ملكة التصرف في العلم والتعليم.

ثم بعد تحصيل من يرى منهم أنه قد حصَّل، تجد ملكته قاصرة في علمه إن فاوض أو ناظر أو علَّمَ، وما أتاهمُ القصور إلا من قبل التعليم وانقطاع سنده.

القانون السادس:

في وجه الصواب في تعليم العلوم وطريق إفادته يشير ابن خلدون إلى أهمية مراعاة المقدرة العقلية للمتعلم من باب أنّ الاستعداد للتعلم عنده ضروري وهو يتم تدريجياً مما يوجب على الأستاذ المعرفة بمراحل النمو حيث يشير إلى ضرورة إدراك المربى لمراحل النمو عند تلاميذه بحيث لا يتحمل المتعلمون أعباء تزيد عن احتمال قدراتهم العقلية في الفهم والاستيعاب ولكل مرحلة سنيّة قدراتها كما نعلم ومراعاة هذه القدرات شرط أساسي ليس فقط فيمن يقوم بعملية التعليم وإنما ـ وهذا المهم ـ فيمن يضع المنهاج المدرسي ومفرداته في الكتب المدرسية المقرّرة؛ بحيث يتم التدرّج في تلقين العلوم من الأسهل إلى الأصعب ولعلّ أبن خلدون يوضح هذا أكثر في فقرة السابقة يقول فيها: ثلاث تكرارات. (قريش،2006)
هذا وجه التعليم المفيد وهو كما رأيت إنما يحصل في ثلاث تكرارات وقد يحصل للبعض في أقل من ذلك بحسب ما ـ يخلق له ويتيسر عليه وقد شاهدنا كثيراً من المتعلمين لهذا العهد الذي أدركنا يجهلون طرق التعليم وإفادته ويحضرون للمتعلم في أوّل تعليمه المسائل المقفلة من العلم ويطالبونه بإحضار ذهنه في حلّها ويحسبون ذلك مراناً على التعليم وصواباً فيه ويكلفونه وعي ذلك وتحصيله ويخلطون عليه بما يلقون له من غايات الفنون في مبادئها وقبل أن يستعد لفهمها.. إلى أن يقول : لا ينبغي للمعلّم أن يزيد متعلمه على فهم كتابه الذي أكب على التعليم منه بحسب طاقته وعلى نسبة قبوله للتعليم مبتدئاً كان أو منتهياً ولا يخلط مسائل الكتاب بغيرها حتى يعيه من أوّله إلى آخره ويحصّل أغراضه ويستولى منه على ملكة بها ينفذ في غيره لأنّ المتعلم إذا حصّل ملكة ما فى علم من العلوم أستعد بها لقبول ما بقى.(ابن خلدون، 2004)

وهناك أكثر من قانون تربوي ذكره الباحثون لم أجده في النسخة التي أملكها من المقدمة المشار إليها ضمن مراجع هذه الورقة. ولهذا فقد ضمنت مقدمة ابن خلدون نظريات أٌخرى فى التربية والتعليم تمثل فلسفة ابن خلدون التربوية يمكن أن نلخصها بما يلي:

أولاً : ـ يجب استيفاء الموضوع فى فصل واحد وعدم تقطيعه إلى عناصر متناثرة فى فصول متفرقة لأن فى هذا مدعاة للنسيان؛ يقول ابن خلدون فى صفحة 332 من المقدمة " وكذلك ينبغي لك أن لا تطوّل على المتعلّم فى الفن الواحد بتعريف المجالس وتقطيع ما بينها لأنه ذريعة إلى النسيان وانقطاع مسائل الفن بعضها من بعض ".

ثانياً : ـ لا يجوز خلط علمين معاً فى موضوع واحد بمعنى أنه يدعو إلى نوع من التخصص فى العمل التربوي وهى نظرية حديث .. يقول ابن خلدون " أن لا يخلط على المتعلّم علمان معاً فإنه حينئذ قلّ أن يظفر بواحد منهما لما فيه من تقسيم البال وانصرافه عن كل واحد منهما إلى تفهّم الآخر فيستغلقان معاًً "(قريش، 2006)

ثالثاً : ـ يرى ضرورة الابتعاد عن العنف و الشّدة وقد خصص لذلك الفصل الثاني بعد الفصول الثلاثين الأولى ـ أنظر صفحة 335 من المقدمة ـ وجعله بعنوان " فى أنّ الشّدة على المتعلمين مضّرة بهم " حيث يقول : " إنّ رهاف الحد بالتعليم مضّر بالمتعلم سيمّا فى أصاغر الولد " .

رابعاً : ـ وقد اهتم ابن خلدون بالناحية التطبيقية فى العملية التعليمية .. فليس المهم عند ابن خلدون معرفة القواعد و القوانين والاصطلاحات فى حد ذاتها وإنما المهم المقدرة على استخداماتها و الاستفادة منها علمياً فقد فرق بين صناعة اللغة التي تكون قواعدها وقوانينها واصطلاحاتها وبين ملكة اللغة والشخص الذي يستوعب هذه القواعد والمصطلحات بدون أن يطبقها يكون مثل الشخص الذي يتقن صناعة من الصناعات علمياً ولا يكون له أي دراية بهذه الصناعة عملياً.(قريش، 2006)

- الأفكار والآراء التربوية عند ابن خلدون:

1 - العلوم إنما تكثر حيث يكثر العمران ، وتعظم الحضارة (( ونحن لهذا العهد ، نرى أن العلم والتعليم إنما هو بالقاهرة من بلاد مصر ، لأن عمرانها مستبحر ، وحضارتها مستحكمة ، من آلاف السنين )) . (ابن خلدون، 2004)

2 ـ اختلاف العناية بمواد الدارسة ، باختلاف الأمصار . (( فأما أهل المغرب ، فمذهبهم الاقتصار على تعليم القرآن ، وأخذ الأبناء أثناء المدارسة بالرسم ومسائله ، واختلاف حملة القران فيه ، لا يخلطون ذلك بسواه من حديث أو فقه ، أو شعر أو نثر ، إلى أن يحذق الصبي فيه ، أو ينقطع دونه ، فيكون انقطاعه في الغالب ، انقطاعا عن العلم بالجملة ، فهم لذلك أقوم على رسم القرآن وحفظه من سواهم ، ولكن التزامهم تلك الخطة ، أورثهم قصوراً في حسن البيان ، فكان حظهم الجمود في العبارات ، وقلة التصرف في الكلام . وأما أهل الأندلس فلم يحيطوا القرآن وعلومه بعنايتهم ، وإنما أخذوا أولادهم من أول العمر ، بكثرة رواية الشعر ، وبالتدريب على الترسل ، وبمدارسة العربية ، وحفظ قوانينها ، وبتجويد الخط والكتابة ، فبرزوا فيهما . وهذا الــتفنن في التعليم ملكة صاروا بها أعرف في اللسان العربي وأبرع في خط ، وأدب ، على حسب ما يكون التعليم الثاني بعد تعليم الصبا ، ولكنهم قصروا في سائر العلوم ، لبعدهم عن مدارسة القرآن والحديث ، التي هي أصل العلوم وأساسها . وأما أهل المشرق فكانوا يعنون بدراسة القرآن وصنوف العلم وقوانينه ، ولم يتداولوا صناعة الخط في مكاتب الصبيان فكانوا يكتبون الألواح بخط قاصر عن الإجادة ، ومن أراد تعلم الخط ، فعلى قدر ما يسمح له بعد ذلك ، من الهمة في طلبه ، ثم إنه كان يبتغيه من أهل صنعته ، كما تبتغى سائر الصناعات )) . (ابن خلدون، 2004)



3 - إن وجه ما درج عليه الناس من تقديم دراسة القرآن :
( أ ) إيثار التبرك والثواب .
(ب) خشية ما يعرض للولد في جنون الصبا من الآفات ، والقواطع عن العلم ، فيفوته القرآن.

4 - الفلسفة ضروها في الدين كثير ، تثير الشك ، وتزعزع الثقة ، ونحن أحوج ما نكون إلى اليقين .

5 - في المر حلة لطلب العلم ، ولقاء المشيخة ، مزيد من العلم ، ومزيد من التجربة ومزيد من الصقل .

6 - التعليم لهذا العهد { عهد ابن خلدون } من جملة الصناعات المعيشية البعيدة من اعتزاز أهل العصبية . والمعلم مستضعف مسكين ، وإن التعليم في صدر الإسلام ، والدولتين، لم يكن كذلك .

كان أهل الأنساب والعصبية الذين قاموا بالملة ، هم الذين يعلمون كتاب الله، وسنة رسوله ، إذ هو كتابهم المنزل على رسوله منهم ، وبه هدايتهم ، والإسلام دينهم ، قاتلوا عليه وقتلوا ، واختصوا به من بين الأمم ، وشرفوا ، فيحرصون على تبليغ ذلك ، وتفهيمه للأمة ، لا تصدهم عنه لائمة الكبر ، ولا يزعهم عاذل الأنفة ، ويشهد لذلك ، بعث النبي كبار أصحابه مع وفود العرب ، يعلمونهم حدود الإسلام ، وما جاء به من شرائع الدين . (فروخ، 1972: 63)
7 - التعليم ضروري وطبيعي في البشر ، لحاجة الإنسان لمعارفه المختلفة ، حتى لا يتحير بالفهم والوعي فقط ، بل بملكة خاصة ، والحصول على هذه الملكة في العلم والفن ، يكون بالتعليم . (فروخ، 1972: 63)

8 - اختلاف الملكات بين الناس ، ناشئ عن حصول الملكات بواسطة التعليم ، على عكس ما يظنه بعض الناس من أن هذا المتفاوت ، راجع إلى اختلاف في حقيقة الإنسان . فابن خلدون يقر بالفروق الفردية ولكنه يرجع السبب إلى التعليم ، مخالفا بذلك الرأي الذي يرجعها إلى وراثة والبيئة ، وهو رأي سديد ولا شك ، لأن التعليم -كما أثبته الرؤية الثاقبة ، يعالج ما تتركه البيئة و الوراثة. ومن قبل قيل : ( يا بني تعلموا العلم ، فإن كنتم سوقة عشتم ، وإن كنتم وسطا سدتم ، وإن كنتم سادة فقتم ) وهذه نظرة أبعد مدى من رأى التربية الحديثة ، التي تقصر على تقرير الفروق الفردية .(فروخ، 1972: 66)

9- يقسم العلوم إلى مقصودة بالذات ، كالعلوم الشرعية ، و الطبيعة ، و الإلاهية علوم آلية ، وهي وسيلة للعلوم المقصودة بالذات ، كالعربية ، وغيرهما للشرعيات ، والمنطق للفلسفة ، وإنما تتوجه العناية لعلوم المقاصد ، أكثر من وسائلها .وعلى المعلمين ، ألا يولوا العلوم الآلية ،كل العناية .
ولسنا مع ابن خلدون في هذا ، لأن العلوم يســاعد بعضا ، وقد تكون الحاجــة ماسة إلى الآليات ، إذا ظـهـرت ميول المـتعلم إلـيها ، أو لاحتياج الإعداد العلمي والوظيفي لها . (فروخ، 1972: 71)

10- التعلم في الصغر ، أسرع منالا ،وأبقى أثرا ، وهو أساس لما بعده . وهذا رأى كثير من مفكري الإسلام .

11- كأنى به قد ألم بكثير من موضوعات علم‘النفس ، فهو لهذا يهتم بالصحة النفسية للمتعلم ، فينهى عن القسوة عليه ، حتى لا يصاب بالعقد النفسية ( ومن كان مرباه بالعسف و القهر ، سطا به القهر ، وضيق على النفس في انبساطها ، وذهب بنشاطها ، ودعا إلى الكسل، وحمل على الكذب ، و الخبث ، وهذا التظاهر بغير ما في ضميره ، خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه ) ، بل يرى ابن خلدون أن الشدة تفسد في المتعلم معاني الإنسانية ، فيضعف عن أن يتحمل المسئولية ، ويترك لغيره حق الدفاع عنه . فابتعدوا عن القسوة أيها الآباء والمعلمون . لقد كان ابن خلدون أوسع فكرا ، وأعمق تحليلا للنفس وحاجاتها ، فتفوق بهذه النظرة على علماء النفس الغربيين الذين جاءوا بعده بقرون. (فروخ، 1972: 79)

12- وفى أحايين قليلة ، يبيح ابن خلدون عقوبة المتعلم ، بما لا يزيد عن ثلاثة أسواط ، وهذا - كما عرفنا - رأى القابس أيضا . والضرب قل أو كثر ، يتنافى مع أبوة الوالد والمعلم .

13 - يقرر أن طريقة الأداء ليست واحدة عند كل المعلمين ، لأنها نتوقف على عوامل كثيرة : -
• الإعداد العلمي .
• الإعداد الوظيفي ( المهني ) .
• الحفاظ على استمرار النماء الثقافي والوظيفي .
• الميل إلى فن التدريس ، و الإيمان بقيمته في التقدم الحضاري ، استجابة للموهية التربوية يمنحها الله لمن يشاء يكون من المربين الموهوبين ، وهناك المربى المتسامح، الذي يملك زمامه لتلاميذه فيسيطرون عليه ،ولا يسيطر هو عليهم ، وهناك كذلك المربى القلق الذي يدفعه قلقه ، إلى أن يحمل عنهم كل شئ يعطى ولا يأخذ ، والدرس أخذ وعطاء . (( ومما يدل على أن تعلم العلم صناعة ، اختلاف الاصطلاحات فيه ، فلكل إمام من الأئمة المشهورين اصطلاح في التعليم يختص به ، شأن الصناعات كلها ، فدل ذلك على أن الاصطلاح ليس من العم ، وإلا كان واحدا عند الجميع )) والاصطلاح عنده - على ما يبدوا - طريقة الأداء .

14 - يرسم للمعلم خطوات الدرس ، ليكون من المعلمين الناجحين :-
 يلم بأبواب العلم والفن إجمالا .
 يعود إلى هذه الأبواب مرة ثانية ، فيتناولها بالشرح والتفصيل ، حتى تظهر ملكة المتعلم ( والملكة المهارة والقدرة )
 يعود مرة ثالثة ، فيفرع ، ويوضح أوجه الخلاف ، ويتعمق الشرح حتى تستـقر الملكة. وقد كانت هذه طريقة التأليف في فترة زمنية عشناها ، وثبتت جدواها :‎

15 - الإنسان حيوان اجتماعي مفكر ، خاضع في صلة بعضه
ببعض ، لقوانين اجتماعية ، في جميع أمور معاشه وعمرانه ، ويمتاز الإنسان على الحيوان ، بالفكر الذي يهتدي به لتحصل معاشه ، والتعاون عليه بأبناء جنسه ، والاجتماع المهئ لذلك التعاون وعن هذا الفكر تنشأ العلوم فيكون راغبا في تحصيل ما عنده من الإدراكات ، فيرجع إلى من سبقه بعلم ، أو زادعليه بمعرفة أو إدراك ، أو أخذه ممن تقدم من الأنبياء .

16- يشير ابن خلدون للعلاقات الإنسانية ، بين المعلم و المتعلم ، وأنها توثق الصلات العلمية بينهما فلا يحرم الطالب خبرات أستاذه وتجاربه ، والأستاذ إذا أحب طالبه ، منحه علمه وخبرته راضياً مطمئناً ، وهذا ما نريده لجامعتنا أولا ، ولمدارسنا ثانيا ، حتى تقوم الحياة التربوية على أسس من الثقة ، والتعاطف ، والحب ، والاحترام ، فلا تكون هذه الفجوة التي نراها الآن بين الطالب وأستاذه ، ولا مصلحة للعلم في القطعية .
(فروخ، 1972: 91)
17 - يصل ابن خلدون إلى أحدت آراء للتربية وعلم النفس وهو انتقال أثر التدريب و مضمونه (( إن تعليم أمر معين يميد في بعلم أمر آخر ، فتعلم التاريخ الإسلامي ، ينتقل أثره إلى تعلم تاريخ الأدب العربي ، الأسماء والتواريخ والمواقع ، تكادا أن تكون متحده ، وهذه عوامل مشتركة لابد منها لانتقال أثر التدريب . والتلميذ الذي يرى أنواعا من السيارات ، يمكنه أن يتعرف على أنواع غيرها لم تكن قد مرت بخبرته من قبل . وهذا هو التعميم ، وهو العملية التي يتم بها إدراك المعالم العامة أو المبادئ الرئيسة المشتركة ، وهو شرط هام من شروط انتقال أثر التدريب ، بساعد على التعليم في الأمور الأخرى ، التي ترتبط بالموضوع الأول . ولا شك أن الطريقة التي يتمم بها التعلم ، تعين على انتقال أثر التدريب . فإذا تم التعلم عن طريق الإدراك الواضح ، والفهم التام للموقف تيسر انتقال آثاره إلى المواقف الجديدة . أما التعلم السطحي و الجزئي ، فإن آثار التدريب لا تنتقل بسهولة ، فالمواقف المشتركة أولاً والتعميم ثانياً ، وطريقة التعلم ثالثاً ، مبادئ ضرورية لانتقال آثار التدريب )).

هذا ما يقوله علم النفس التربوي ، فانظر ماذا يقوله ابن خلدون :" إن إتقان الصناعات، لا يجعل الإنسان ماهراً فيها فقط ، وإنما تنتقل مهارته إلى غيرها من الصناعات التي يتعلمها ، إذا كانت قريبة من الأولى التي أتقنها ، فمثلاً إذا مهر في الخط ، فإن أثر هذه المهارة ، تنتقل إذا تعلم النقش على الجدران ، وكذلك من تظهر مهارته في الحساب ، يسهل عليه أن يتقن الجبر والهندسة " ، وستجد أن الفكرة ، أوضح ما تكون عند ابن خلدون ، والفضل للسابق . (فروخ، 1972: 103)































الفصل الرابع: الفكر التربوي الحديث

من الصعب على الباحث ان يلم بكل الاتجاهات التربوية التي ظهرت في القرن العشرين ، ناهيك عن المتغيرات والعوامل التي افرزتها ، لذلك سنحاول في هذا الفصل الالمام بشكل مختصر ومكثف بأهم العوامل – وليس كلها – التي اثرت في تطور الفكر التربوي في القرن العشرين ، كما سنلقى الضوء على اهم المدارس التي كان لها تأثير كبير في تطور النظريات والممارسات التربوية ي القرن العشرين.

أولاً : العوامل المؤثرة في الفكر التربوي:

1- التراكم المعرفي في مجال التربية.
2- التقدم الكبير في مجال الدراسات النفسية بشتى فروعها واعتمادها على مناهج البحث العلمي بما فيها من دقة وضبط وموضوعية وتجريب ، والتخلي عن الاساليب التاملية التي كانت سائدة من قبل مما ساعد العاملين في مجال التربية على تكوين مفاهيم صحيحة ، أو أقرب الى الصحة عن الطبيعة الإنسانية.
3- الثورة في وسائل التعليم والاعلام بحيث أخذ العالم تدريجيا ، بفعل التطور في تكنولوجيا الاتصال .
4- اشتداد الصراع والحرب الباردة.
5- الثورة العلمية والتكنولوجية بمختلف مظاهرها وتداعيتها من ظهور علوم وتخصصات جديدة ، وتداخل بين مجالات المعرفة المختلفة.(العقاد، 2003: 100)


ثانيا: خصائص الفكر التربوي الحديث:

1- الاستمرارية والتجديد
2- تقليص الطابع الاقليمي للفكر
3- عدم ظهور مذاهب فكرية شاملة
4- الديمقراطية الفكرية
5- ازدياد تأثير مناهج البحث العلمي على الفكر (العقاد، 2003: 100)

ثالثا: الآراء التربوية الحديثة:

تعددت الآراء ومن الصعب حصرها وجمعها، لكن سيتم عرض ابرز الآراء لأهم العلماء التربويين، وهي على النحو التالي:

* تأثر ديوي في أفكاره بنظرية داروين في النشء والارتقاء وتطور الجنس البشري ، كما تأثر أيضا بأفكار توماس هكسلي وبالفيلسوف الالماني هيجل الذي يبدو أن تأثيره على ديوي كان كبيرا ، كما تأثر أيضا بآراء المربي الالماني فروبل ، والتي وضعها موضع التنفيذ في مدرستة الابتدائية التجريبية التي جعلها حقلا لتجربة نظرياته وآرائه النقدية في التربية والتي ألحقها بكلية المعليمن بجامعة شيكاغو عام 1896م بالاضافة الى تأثره بالمربي الالماني هربارت . (العقاد، 2003: 109)
* كانت ماريا منتسوري (Maria Montessori) على رأس قائمة رواد الفكر التربوي في ميدان الطفل نظرياً وعملياً، كما ترى أن الملاحظات العلمية والعملية لماريا تثبت أهمية الطفولة المبكرة وتطالب بضرورة استثمار الطاقة العاطفية الكامنة في الطفل، وتقول ماريا "إن جاء الخلاص، فإنه يبدأ بالأطفال ما داموا خالقي الإنسانية. إن للأطفال قدرات غير معروفة يمكن أن تكون مفاتيح مستقبل أفضل. فإن أردنا تجدداً وانبعاثاً حقيقياً، فإن تنمية الطاقة البشرية هي المهمة التي ينبغي أن تضطلع بها التربية"؛ فخطوة التربية الأولى هي أن نؤمن للطفل بيئة تسمح له بتنمية الوظائف التي حددتها له الطبيعة. وهذا لا يعني أن علينا إرضاءه والسماح له بأن يفعل ما يشاء، بل يعني أن نكون على استعداد للتعامل مع نظام الطبيعة، ومع إحدى سننها القائلة بوجوب أن يتم هذا النمو عبر تجارب الطفل الخاصة". (ملك، 2002)

رابعا: مدراس الفكر التربوي:

من المبادئ التي تقوم عليها المدرسة النقدية الاجتماعية ما يلي:
1- الإيمان بأن قدرات الإنسان غير محددة ، وأنه يستطيع دائما تغيير الواقع المادي والاجتماعي الذي يعيش فيه وكذلك تغيير نفسه ليصبح أكثر إنسانية .
2- إن الواقع بجانبيه المادي والاجتماعي دائم التغير ، وبالتالي فإن مهمة النظرية الاجتماعية تقديم فهم علمي سليم للقوانين التي تحكم هذا التغير .
3- ان الصراع هو الذي يحكم طبيعة العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع ، وأن فكرة الإجماع القيمي والاتفاق الجمعي خرافة .
4- أن وظيفة النظرية الاجتماعية لا تقف فقد عند حدود وصف الاوضاع الراهنة ، وانما يجب ان تتجاوز ذلك الى اقتراح وتقديم أساليب علمية لتغيير المجتمع الى الصورة المثلى التي توصلت إليها من خلال تحليل المجتمعات القائمة .
5- إن النظرية الاجتماعية ينبغي أن تكون موجهة لصالح المجموعات والفئات الاجتماعية التي من مصلحتها إحداث التغيير في المجتمع ، وليست تلك المجموعات المستفيدة من بقاء الاوضاع على حالها. (ملك، 2002)

خامسا: مذاهب الفكر التربوي:
*- المذهب الطبيعي:

يُعدّ (روسو) رائد (المذهب الطبيعي) وواضع أصوله؛ ومن أصول ذلك المذهب أنّ الفرد هو شعار التربية، وأنّ التعبير عن الذات هو الهدف النهائي لها؛ وبنى الطبيعيون على هذا أنّ التربية القويمة لا تتحقق إلا بإطلاق الحرية التامة للأطفال، وأنّ من مقتضيات الحرية أن يكون التعليم مختلطاً، وأن يُسْمح بالرقص والسباحة والتعري ومناقشة مسائل الجنس بلا تحفظ، أما المشكلات الجنسية فترجع أسبابها ـ بزعمهم ـ إلى رغبة الآباء الذين يريدون حمل أبنائهم على مبادئ الدين وقواعد الأخلاق! والصواب ـ بزعمهم أيضاًَ ـ أن تكون تربية الطفل بين سن الخامسة والثالثة عشرة سلبية، لا يُعلَّم فيها الطفل شيئاً ولا يُربّى خلالها أيّ تربية، بل يُترك للطبيعة، محاطاً بأجهزة وأدوات مـن شأنها أن تُوسِّع مداركه. ويـؤمـن الطبيعيون بأنّ التربية هي عملية إعــداد للحاضــر لا للمستقبل، ومن الخطأ ـ عندهم ـ أن يُضَحّى بالحاضر المتيقَّن في سبيل مستقبل مظنون. (ملك، 2002)

ولا يخفى خطأ هذه الآراء (الطبيعية) وضلالها، ومخالفتها للفطرة السليمة؛ فكون التربية إعداداً للحاضر لا للمستقبل لا معنى له؛ لأنّ الحاضر والمستقبل متصلان اتصال الليل بالنهار، ولأنّ التربية عملية اجتماعية، والأفراد لا يعيشون أشتاتاً كنبتات بريّة في صحراء، فإنّ أمكن ـ جدلاً ـ إعداد الطفل للحاضر بوصفه الشخصي لم يتأتَّ ذلك بوصفه الاجتماعي، وإلا كانت العملية التربوية نفسها عبثاً لا طائل تحته.
ولا معنى ـ كذلك ـ لإطلاق الحرية التامة للأطفال ما داموا يجمعهم مكان واحد وزمان واحد، وإنما يُتَصَوّر إطلاق الحرية التامة لطفل واحد، أو لأطفال مبعثرين قد تقطّعت بينهم الأسباب! ولا معنى لانتهاء حرية الفرد عندما تبدأ حرية الآخرين إلا انتفاء الحرية المطلقة التي يدّعيها أو يدعو إليها الطبيعيون، والحرية المطلقة ـ إنْ وجدت ـ عاقبتها تحويل المجتمع برمّته إلى بؤر فساد وإفساد.

*- المذهب البراجماتي:

وأمّا "المذهب النفعي الذرائعي" المعروف باسم البراجماتية أو البراجماسية فقد ارتبط باسم (جون ديوي) أشهر التربويين المعاصرين، وهذا المذهب ذو صبغة عملية تجريبية لا يبدو فيها أي أثر للقيم أو الأخلاق.(ملك، 2002)

هدف التربية في نظر (ديوي) هو النمو، والهدف ـ بزعمه ـ جزء لا يتجزأ من عملية النمو، وليــس أمـــراً خارجياً تتجـه إليــه خــبرة المتعلـم، فلا هدف لعملية النمو إلا المزيد من النمو؛ ولذا أنكر (ديوي) أي هدف نهائي وقال: "الفكرة القائلة بأن النمو والتقدم يرميان إلى هــدف نهائــي لا يتغــيّر ولا يتبدل هي آخر أمراض العقل البشري في انتقاله من نظرة جامدة إلى الحياة إلى نظرة مُفْعمة بالحركة" ومعنى هذا أن النمو والتربية والحياة هي مسميات لاسم واحد في نظر (ديوي)!
ولا ريب أن "التسليم بوجود أهداف ثابتة يزود القائمين على التربية بمعايير ثابتة وصادقة يستعينون بها للحكم على مدى تقدم التلاميذ في عملية التعلم، أما القول بأن الأهداف جزء من عملية النمو ذاتها فإنه يزيد من حيرة المربين؛ فاللص الذي يكتسب المزيد من المهارات في السلب والنهب ينمو في هذا المجال؛ فهل تعتبر اللصوصية عملية تربوية هادفة؟! وإذا سلمنا جدلاً بصحة ما ذهب إليه فإن السؤال الذي يظلّ قائماً هو: ما هي المعايير التي نستعين بها للحكم على نمو إنسان نمواً شاملاً؟ ومتى يكون النمو مرغوباً فيه، ومتى لا يكون كذلك.
وطريقة التدريس في هذا المذهب هي طريقة المشروع التي تُنسب إلى الأمريكي (كلباترك) تلميذ (جــــون ديــوي). والمشروع يأخـــذ شـكلاً فرديـاً أو جمعياً، وفي المشروع الجمعي يتعاون الأطفال لحل مشكلةٍ ما بتقسيم العمل بينهم.
ولـ (هيلين باركهرست) طريقة أخرى تسمّى طريقة (دالتن)، وتقوم هذه الطريقة على ثلاثة أسس هي: الحرية، والتعاون، وتحمل المسؤولية؛ وبمقتضى هذه الطريقة يتمتع التلميذ بكامل حريته بعد أن يتفق على إنجاز قدر معين من المقرر في مدة معينة، يستعين أثناءها بالمدرس متى شاء.

وقد قيل في الكلام عن مساوئ طريقة المشروع إنها سائبة ومتميعة وتجرّ التلاميذ إلى دراسات متشعبة لا حصر لها، وإنها تكلّف كثيراً من الوقت والمال، وتحتاج إلى مدرسين مدرّبين تدريباً خاصاً، وتنتج معلومات مفككة يصعب معها وضع المناهج والأطر التعليمية.

كما قيل في طريقة (دالتن) إنها تجانب الحكمة إذ تحمِّل التلاميذ منذ الصغر مسؤولية إنجاز المقرر، وإنّ بينهم من الفروق الفرديــة ما قـد يُزكي روح الحســد والبغــضاء، ولا سيما أنّ هذه الطريقة توازن بين التلاميذ عن طــريـــق الرســوم البيانية، ثم إن من التلاميذ مَــنْ لا يميل بطبعه إلى العمل، ومن شأن هذه الطريقة أن تشجّع هؤلاء على التمادي في الكسل، والتلاميذ عموماً مضطرون في حياتهم الواقعية إلى مواجهة ما لا اختيار لهم؛ بالإضافــة إلى أن هــذه الطريقــة ـ كغيرها من الطرق الحديثة ـ تحتاج إلى مدرس موسوعي ليس من اليسير إعداده.(العقاد، 2003: 174)

*- طريقة التعليم المبرمج:

وفي أمريكا طريقة حديثة تسمّى: (التعليم المبرمج) وهي طريقة ينتفي فيها دور المدرس؛ إذ يتعامل الطالب مع آلة رُكّبت فيها أسئلة متدرجة في صعوبتها، ويجيب الطالب على الأسئلة بوضع الإجابة على الآلة نفسها، والإجابة الصحيحة هي التي تضمن استمرار دورة الآلة، وربما استخدم الكتاب المبرمج في هذه الطريقة مكان الآلة، وفي الكتاب توجد المادة العلمية، مع سؤال يتعلق بها وفراغ يُفترض وضع الإجابة فيه، وفي الصفحة التالية يوجـد الجـواب الصحيح، ومـا علــى الطالب إلا أن يقارن إجابته بالإجابة الصحيحة ولا شك أن للطريقة الحديثة التي اتبعها الغرب جوانب إيجابية أثّرت في نهضته وتقدمه، ولكن منطلقات تلك الطريقة وأهدافها دائرة قطعاً في مجال الخطأ والخطيئة، ونظرة منصفة واعية تكفي للدلالة على أنّ ما حققه الغرب كان في حقيقته وبالاً عليه وعلى العالم أجمع، وحَسْبُ الغربيين أنهم إنما: يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هــم غافلــون {الــروم: 7}. والغفلة عـن الآخـرة تجعل كل مقاييس الغافلين تختلّ، وتؤرجح في أكفهم ميزان القيم؛ فلا يملكون تصور الحياة وأحداثها وقيمها تصوراً صحيحاً، ويظل علمهم بها ظاهراً سطحياً ناقصاً".

ومن المؤكد أن من شأن أسلوب التعلم الذي يُتيح للطلبة فرص التفكير والابتكار أن يخرّج علماء مبدعين ومفكرين بارزين، ولكن من الغفلة والسذاجة ردّ الفضل فيما وصل إليه الغرب من تقدم علمي إلى تربيته الحديثة، مع التسليم بأنها ساهمت ـ من خلال جوانبها الإيجابية في إحداث هذا التقدم. (ملك، 2002)

الفصل الخامس: الموازنة والمشابهة بين الفكر التربوي عند ابن خلدون والفكر التربوي الحديث.

أولا: الخصائص:

الفكر التربوي عند ابن خلدون
(شمس الدين، 1991) الفكر التربوي الحديث
(العقاد، 2003: 100)
الاهتمام بالعلم وجعله عنصرا مهما في الفكر التربوي الاستمرارية والتجديد
الارتباط بالدين بطريقة معتدلة تقليص الطابع الاقليمي للفكر
البحث عن التطور والتغيير نحو الأفضل عدم ظهور مذاهب فكرية شاملة

العمل على دمج العلوم مع بعضها البعض الديمقراطية الفكرية

الاعتماد على الملاحظات ازدياد تأثير مناهج البحث العلمي على الفكر

آراء سليمة ومعقولة

ثانيا: السلبيات:

الفكر التربوي عند ابن خلدون
(شمس الدين، 1991) الفكر التربوي الحديث
(ملك، 2002)
لم يحبذ تعلم القران منذ الصغر يقوم على أسس إلحادية أو علمانية
يعتمد على شرح المدرس، ودور المتعلم سلبي. يوجد فيها كثير من الخلل والتناقض والاضطراب
يكون المدرس هو المسيطر على العملية التعليمة فقط. لم يحترم أنوثة المرأة، بل دفعها إلى مخالطة الرجل ومنافسته
تقتل الالتزام الاخلاقي

في رأيي، يوجد الكثير من التعصب في الرأي الثاني بخصوص سلبيات التربية الحديثة أو الفكر التربوي الحديث، وهي ناتجة عن النظرة الحاقدة على الغرب بشكل عام، وذلك يعود لخلفيات فكرة دينية متزمتة أو سياسية أو اجتماعية.

ثالثا: الايجابيات:

الفكر التربوي عند ابن خلدون
(شمس الدين، 1991) الفكر التربوي الحديث
(استنتجتها الباحثة من خلال الدراسة)
نصح بالرحيل للمزادة في العلم. ساهم في اخراج العديد من المبدعين بسبب إعطاء المجال للتفكير الحر.
كان معتدلا في اهتمامه بالدين. أدى إلى كثير من التطور والتقدم.
اهتم بالتطور والتغيير احترم كيان الفرد، بغض النظر عن الجنس

اعتبر التعليم حرفة وصناعة للرزق والعيش. أعطى الحرية للفرد لاختيار ما يريده دون الزامه بضوابط اجتماعية قد تكون قاسية وغير صحيحة
اهتم بالدراسات النفسية خلال التعليم.
اهتم بالفروق الفردية
اهتم بالعلوم الأخرى

ملخص الدراسة:

ألقت هذه الدراسة الضوء على واحد من اكبر علماء التاريخ ومؤلفيه وواحد من رواد التربية وعلم الاجتماع، وقدمت شرحا عن مبادئ وأفكار هذا العالم العظيم بخصوص الفكر التربوي، كما رسمت صورة واضحة المعالم عن تأثير ابن خلدون في الفكر التربوي الحديث من خلال مبادئ وأفكار علمائه ورواده.

وتُعدّ هذه الدراسة محاولة في الربط بين الأجيال العلمية في مجال التربية، مما يساعد في معرفة مدى التطور والتغير في الفكر التربوي عبر الزمن، إضافة إلى الوقوف على الفكر التربوي عن ابن خلدون ومقارنته بالفكر التربوي الحديث، ومعرفة مدى التغير الذي طرأ في مبادئ الفكر التربوي عبر الزمن منذ عصر ابن خلدون إلى عصرنا هذا، وكذلك معرفة ما لابن خلدون من دور وباع طويل في هذا المجال من خلال النظر في آرائه وأفكاره، وتأثيره على العلم الحديث.

تميز الفكر التربوي عند ابن خلدون بالاهتمام بالعلم وجعله عنصرا مهما في الفكر التربوي، والارتباط بالدين بطريقة معتدلة والبحث عن التطور والتغيير نحو الأفضل والعمل على دمج العلوم مع بعضها البعض، إضافة إلى الاعتماد على الملاحظات، كما ان اراءه آراء سليمة ومعقولة.

ولقد ساهم الفكر التربوي الحديث في اخراج العديد من المبدعين بسبب إعطاء المجال للتفكير الح، وكذلك أدى إلى كثير من التطور والتقدم، واحترم كيان الفرد، بغض النظر عن الجنس، كما أعطى الحرية للفرد لاختيار ما يريده دون الزامه بضوابط اجتماعية قد تكون قاسية وغير صحيحة، إلا انه كان ذا سلبيات كثيرة أبرزها الاعلاء من شأن الالحاد والعلمانية.

في النهاية يمكن القول بأنه يوجد نوع من التناقض والاختلاف، أو الفجوة بين الفكر التربوي الحديث، والفكر التربوي عند ابن خلدون، ويعود هذا إلى المعتقدات والأفكار المكتسبة، وطريقة النظر إلى الأمور، والمعايير المتبعة في التوصل إلى الأفكار والأساليب التربوية.

المصادر والمراجع:

1. ابن خلكان، احمد بن محمد (ت 1064م). وفيات الاعيان، ج4، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة، دار المعارف، 1971م
2. أنطوان الخوري، أعلام التربية (حياتهم - آثارهم)، بيروت، دار الكتاب اللبناني، 1964
1. شمس الدين، عبد الأمير، موسوعة الفكر التربوي العربي الإسلامي، ابن خلدون وابن الأزرق، الشركة العالمية للكتاب، لبنان، ط1، 1991.
3. العقاد, ليلى، الأسس المعرفية والتكنولوجية للفكر التربوي العربي المعاصر، تونس: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم, 2003م
4. فروخ، عمر . تاريخ العلوم عند العرب . . بيروت ، دار العلم للملايين ، ط4، 1984
5. فروخ، عمر، تاريخ الفكر العربي إلى أيام ابن خلدون، دار العلم للملايين، لبنان، بيروت، 1972.
6. قريش، معالم تربوية عند ابن خلدون، 2006م
7. ابن خلدون ، عبد الرحمن، المقدمة ، تحقيق حامد احمد الطاهر، مصر: دار الفجر، 2004م
8. ملك، بدر محمد، من أعلام الفكر التربوي، د ن: 2002م
9. منير مرسي، ملامح التربية عند ابن خلدون، 2002م
10. الموسوعة العربية العالمية، مج 6، السعودية: مؤسسة أعمال المجموعة، 2000م
11. www.kuwnet.com