العربية تشكو موجهيها مرة أخرى بقلم : حسين علي الهنداوي
تاريخ النشر : 2008-05-14
العربية تشكو موجهيها مرة أخرى بقلم :  حسين علي الهنداوي


العربية تشكو موجهيها مرة أخرى
* حسين علي الهنداوي

اشتكت العربية أبناءها على لسان شاعرها العظيم حـــــافظ إبراهيم و بكت حظها من أمـة تعودت على أن تجفو أبنائها 0 بكت اللغة و ارتفع صوتهــــا بالعويل و لكنها لـــم تجد من يصغــــي إليها فأبناؤها الذين يزعمون أنهم يعشـــــقونها حتى العظم يتحـولون إلى حب لغة أخرى لا تســــــامق بقامتها لغة القرآن و لا تطـــاول مفردات الشــــــعر العربي التي تحولت إلى عروش من الجمـــال و الحب و هل يعقل أن تجد أبناء بررة يصافحون بعضهم بكلمة ( تشاو ) أو بكلمة ( قد مورننج )
و يتقعرون في تبادل مفردات أعجمية لو عرفنا مقابلها في العربية لأدركنا عمق هذه اللغة فقد كتب حافظ إبراهيم :

رجعـــت لنفســـــي فاتهمت حيــــاتي
وناديت قومي فاحتســـــــبت حياتــــي
رموني بعقمٍ في الشــــــباب وليـــتنـي
عقمت فلم أجـــــــزع لقول عِــداتــــي
ولدت ولمــا لم أجـــــد لعــــرائســـــي
رجــــالاً وأكفــــاء ًوأدت بـــنــــاتـــي
وســـــعت كتـــــاب الله لفظاً وغايــــة
وما ضــــقت عن آيٍ بـــه وعظــــات
فكيف أضيق اليوم عن وصــف آلــــةٍ
وتنســـــيق أســــــماءٍ لمختــــرعــات
أنا البحر في أحشــــــائه الدر كامـــنٌ
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتـــي؟
فيا ويحكــــم أبلى وتبلى محاســنـــي
ومنكم وإن عــــز الدواء أســـــاتـــي
فلا تكلونـــــي للزمـــــان فإنــــنــــي
أخــــاف عليكم أن تحيــــن وفاتــــي
أرى لرجــــال الغرب عزاً ومنعــــةً
وكــم عــز أقـــــوام بعــــز لغــــــات
أتوا أهلهــــــم بالمعجــــزات تفنــــناً
فيــــا ليتكــــــم تأتـــون بالكلمـــــــات
أيطربكم من جانـب الغــــرب ناعـب
ينـادي بوأدي في ربيـــــع حيــــاتي؟
ولو تزجرون الطـــير يوماً علمـتــمُ
بما تحتــــــه من عثـــــرةٍ وشـــــتات
سقى الله في بطن الجزيـــــرة أعظماً
يعز عليهــــا أن تليـــــن قنــــاتــــــي
حفظن ودادي فـــــي البلى وحفظــته
لهـــــن بقلـبٍ دائـــــم الحســـــــرات
وفاخرت أهل الغرب والشرق مطرقاً
حياءً بتلك الأعظـــــــم النخـــــــرات

أرى كل يــــــوم بالجرائـــــــد مزلقاً
من القـــــبر يدنينــــــي بغيـــــر أناة
وأســـــــمع للكُتّاب في مصر ضجةً
فأعلــــــم أن النائحيــــــن نعاتـــــي
أيهجــــــرني قومي عفا الله عنهـــمُ
إلى لغــــةٍ لم تتصــــــل بــــــرواة؟
سَـرَتْ لوثةُ الإفرنج فيها كما سرى
لعاب الأفاعي في مســـــــيل فرات
فجاءت كثوبٍ ضــــم سبعين رقعةً
مشــــــــكلةَ الألــوان مختلفــــــات
إلى معشــــر الكتاب والجمع حافلٌ
بســـــطت رجائي بعد بسط شكاتي
فإما حياة تبعـــــث الميت في البلى
وتنبت في تلك الرمـــــوس رفاتي
وإما ممـــــاتٌ لا قيامــــــة بعــده
مماتٌ لعمـــــري لم يُقَــس بممات

و اليوم تواجه اللغة العربية في نختلف أقطار الوطن العربي معضلة أخرى لا تقل خطورة عن سابقتها فقد تحولت اللغة على يد موجهيها و مدرسيها إلى مسائل رياضية لا تتعدى في الشرح استبدال كلمة بكلمة و في الإعراب تحديد ماهية الكلمة بين فاعل و مفعول و فعل و على حد قول أحدهم : ( ضرب الولد أباه ) أن الفعل ضرب هو فعل إجرام و أن الولد هو المجرم و أن أباه المجني عليه أما في البلاغة فقد أصبحت اللغة تشبيهاً و استعارة و كناية و محسنات لفظية مع العلم أن اللغة هي حركة حياة تتفاعل من خلال سياق نصوصها وشائج المجتمع و مشاكل الكون و الإنسان أما أن تصبح اللغة جثة هامدة على مشارح الأطباء اللغويين المزورين فتلك مشكلة صعب حلها و عسير هضمها وما أصعب أن يكون موجه اللغة العربية غير كفء لتحقيق معطيات هذه اللغة و كم من موجه على مسرح العروبة يسير باللغة باتجاهات غير دقيقة و من هنا كانت المناهج العربية تحتاج إلى إعادة برمجة حتى لا تصبح اللغة و مفرداتها ألعاب تسالي يحركها أطفال اللغة و مراهقو ها باتجاه التسلية و اللعب و قد مر بي في غير بلد عربي واحد أن مشكلة اللغة العربية أصبحت في مناهجها و موجهيها و في ذلك كتبت هذه الأبيات

زمانٌ بات يفســـــــده اللئام ...... و نفس ليس يزجرها الحِمام
ودهــــــــرٌ أهله أبداَ ذئـــاب ...... ( مفتحـــــة عيونهم نيـــــام)
تحس إذا لمست الجلد منهم ....... بأنس ينطـــــوي فيه ابتسام
و إن عاشرتهم ألفيت فيـهم....... طباع الوحش يغريهـا الطعام
و لم أر مثلهم في صنع كيد ٍ....... و إن كان النوالَ هو الرغـام
بولينا بالذي لا حيد عنــــه ........ و بعض الناس يبلوه السقام
برعديد تـــهب له المنايـــا......... سجوداً كي يصاحبها الغمـام
به عزت قواعدنا و نالــت ........ فوائد من محاسنها اللطــــام
تراه إذا تحدث مشـــــمئزاً ........ تكســـر بين شـدقيه الكـــلام
فيرفع حين يلزمنا انتصاب...... و ينصب حين ينكــرنا المقــام
يجر الفعل للإعــــــدام جراً ..... فيشـــنقه لينـــتظـــم الكـــــلام
كــــأن الله قد أولاه نطــــقاً ...... يغار لسحره البــطــل الهمــام

فاللغة لم تعد روحاً تسري بين كائنات هذا الفضاء الكوني حرة طليقة تتنفس كما تريد و تتحرك كما تشاء و تهدف إلى ما تريد و كأن أبناءها لم يعودوا قادرين على التعبير بها عن حاجاتهم و لم تعد اللغة كما يقول الشاعر حليم دموس كأساً بارداً تروي غليل أكبادنا :
لغة إذا وقعت على أسماعنا ...... كانت لنا برداً على الأكباد
ســـــتظل رابطة تؤلف بيننا .... فهي الرجاء لناطق بالضاد