من ذاكرة الثورة -محطــات في تاريـخ الثورة الفلســطينيـــة بقلم:احمد علي أبو مريحيل
تاريخ النشر : 2008-05-06
من ذاكرة الثورة -محطــات في تاريـخ الثورة الفلســطينيـــة بقلم:احمد علي أبو مريحيل


تعريف بالكتاب
ــــــــــــــــــــــ


من ذاكرة الثورة كتاب يسرد فيه الثائر الفتحـــاوي أحمد أبو مريحيل


سيرته النضالية بكل أمانة ومسؤولية وطنية ليضع القارئ أمام وقائع


وحقائـــق ومحطـــات هامـــة في تاريـــخ الثورة الفلســـــــــطينيــــة.


من ذاكرة الثورة كتاب يجسد الكفاح العظيم الذي خاضه أبناء الشعب


الفلســطينــي من أجــل نيــل حقوقهم المشروعة وحــريتهم المسلوبـة.


الناشر

***

الفصل الأول
ـــــــــــــــــــ



التحقت بحركة التحرير الوطني الفلسطيني ـ فتح عام 1968 والتي كانت تتمثل في قطاع غزة ببعض المجموعات المقاتلة الصغيرة ففي المعسكرات الوسطى كانت حركة فتح تتمثل بالمجموعة
( 505 ـ منطقة ب) بقيادة علي المصري,وقد التحقت بهذه المجموعة بحكم محل الإقامة أنا والإخوة توفيق ابو شاويش,إلياس حمدان,حسن الأسمر,عليان أبو عطايا وغازي دويدار .

ومن خلال هذه المجموعة شاركت بتنفيذ بعض العمليات العسكرية ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي أذكر منها:ـ
ـ استهداف جيب عسكري على شارع صلاح الدين مقابل مخيم النصيرات .
ـ مهاجمة مركز شرطة النصيرات الإسرائيلي بقنبلة يدوية.
ـ زرع لغم لدورية إسرائيلية عند مدارس النصيرات الإبتدائية.
طبعاً كانت عملياتنا بدائية وذلك يعود لانعدام التدريب وغياب الخبرة العسكرية,أيضاً كانت هناك أخطاء في مسلكيات بعض عناصر المجموعة,فلم يدم نشاط هذه المجموعة طويلاً حيث انكشف أمرها بعد القبض على أحد عناصرها وهو محمد ابو شميس والذي اعترف تحت التعذيب على باقي أفراد المجموعة فتم إلقاء القبض على اثنين منهم وهم حسن الأسمر وغازي دويدار .

بعد انكشاف أمرنا أشرت على الإخوة توفيق أبو شاويش والياس حمدان بالسفر إلى أريحا ومن ثم إلى الأردن عبر النهر لأنني كنت أعرف أحد سكان أريحا هناك لكن الأخ توفيق رأى أن نذهب إلى نادي سلوان شرقي القدس ونمكث فيه مؤقتاً حيث كانت له علاقات مع أعضاء هذا النادي بحكم نشاطه الرياضي, فذهبنا فعلاً
إلى النادي ورحب الجميع بنا هناك حتى أننا في اليوم التالي ذهبنا إلى بيت جالا لخوض مباراة كرة قدم ، وعند عودتنا إلى نادي سلوان حضر لطرفنا أحد أعضاء النادي وأخبرنا بأن قوة عسكرية من الجيش الإسرائيلي سألت عنا, فأشرت على الياس وتوفيق بالذهاب إلى أريحا فوراً حيث يقيم ابن خالي إبراهيم الأشرم والذي كان يعمل بمزارع النحّاس هناك وفي الطريق عند رام الله تذكر الياس صديقاً له يدعى علي أبو شنب وهو من سكان دير البلح وكان محترفاً في نادي بيرزيت الرياضي, فذهبنا إليه وبتنا عنده ليلة وفي اليوم التالي ذهبنا إلى أريحا حيث ابن خالي إبراهيم بمزارع النحّاس, وفي أريحا قمنا بزيارة خاطفة لشخص كنت قد تعرفت عليه اثناء عملي بأريحا في العطلة الصيفية ويدعى (ع.م) ومن خلال حديثه أوحى لنا بأنه ناصري لهذا كنت أمين الطرف من جانبه ،لم أشك بوطنيته ومصداقيته فوضعته بصورة ما نعاني منه وطلبت منه أن يحضر لنا
دليلاً نقطع به نهر الأردن ، فطلب منا أن نبقى في مكان ما لحين تأمين من سيساعدنا في قطع نهر الأردن .
ونحن نراقب ما يجري اكتشفنا أن ( ع.م) قام بتكليف شاب بمراقبتنا عن بعد ، فبدأ الشك يتسلل إلى نفوسنا, وعند عودته أخبرته بأننا سنعود لابن خالي إبراهيم وسنرسله إلى غزة ليخبر أهلنا بوضعنا ويحضر لنا نقوداً, وعندما طلبنا من إبراهيم ذلك قام فعلاً بالذهاب إلى غزة إلا أننا تفاجئنا بعودته لاهثا ليقول لنا " أوقفتني المخابرات الإسرائيلية قبل وصولي للقدس وسألوني عنكم فأنكرت وجودكم عندي وقد طلبوني للتحقيق بعد 3 ساعات لذلك عليكم ان تغادروا فوراً " .

وفعلاً قمنا بمغادرة أريحا على الفور متوجهين إلى رام الله, وحين وصلنا إلى ساحة الباصات نزل كل واحد منا على حدة حيث كنت أنا النقطة الدالة على هذه المجموعة لأن بشرتي سمراء .

وقبل وصول سيارة المخابرات إلى ساحة رام الله اتفقنا أن نذهب إلى السينما في رام الله دخلنا ولم نكن نعلم شيئاً عن الفيلم المعروض وبعد خروجنا من السينما ذهبنا إلى موقف السيارات دون أن نجتمع في مكان واحد وكان توفيق قد أخبرني أنه سيذهب إلى أخته في مخيم الدهيشة والياس سيعود إلى علي أبو شنب في بيرزيت فقلت لهم أنا سأعود إلى غزة وسنبقى على اتصال بإذن الله .
ذهبت إلى كراج السيارات في رام الله وسألت السائق إن كان يوجد شيء في الطريق فقال لي لا يوجد شيء فقلت في سري " بسم الله الرحمن الرحيم توكلت على الله " وركبت بجوار السائق ووصلنا غزة سالمين بأمر الله .
وبعد ثلاثة أيام التأم شملنا أنا والأخ توفيق أبو شاويش ولم نلتق بالأخ الياس حمدان بعد ذلك أبداً .
فاتفقت أنا وتوفيق على السفر إلى مدينة العريش على أن يوصلنا الدليل إلى شخص هناك يدعى أبو عطية الإيحيوي في جبل الراحة في سيناء .

للعلم بعد عودتي إلى فلسطين عام 1996, علمت ان (ع.م) حي يرزق فأرسلت تقريرا للمخابرات الفلسطينية جاء فيه ان (ع.م) يعمل لصالح الموساد الإسرائيلي .

ولكن .. قد أسمعت لو ناديت حياً .

***

الفصل الثاني
ـــــــــــــــــــــ


فور وصولنا إلى جبل الراحة جاء دليل آخر ليأخذنا من جبل الراحة إلى إيلات وبعد إيلات عبر وادي اليتم إلى إمعان في جنوب الأردن أخيراً وبعد 30 يوماً من المسير سيراً على الأقدام وصلنا بعد أن تقطعت نعالنا تعباً, ما زلت أذكر كيف كنا نشرب المياه الملوثة التي ملأناها من بئر وادي العريش مما أدى إلى إصابتي فيما بعد بمرض البلهارسيا .



أذكر أيضاً كيف كنا نعجن الطحين الذي كان بحوزتنا مع القليل من المياه الملوثة لنخبز رغيفاً كبيراً يسمى عند بدو سيناء " لبه" وكان سميكاً بحيث يكفينا نحن الثلاثة .
وصلنا إلى جماعة من عرب الإيحيوي والذين اتصلوا بتنظيم فتح في العقبة فأرسل التنظيم سيارة لتقلنا إلى معان ومن ثم إلى عمان حتى أبو العز مسؤول مكتب فتح للقطاع الغربي في جبل الويبدة, نقلنا أبو العز بدوره إلى فندق العربي في عمان للراحة وطلب منا تقاريرعن وضع القطاع, قطاع غزة وعن تفاصيل رحلتنا عبر سيناء و التي تزامنت مع حرب الاستنزاف في ذلك الوقت .
بعد تقديم التقارير أخبرنا ابو العز بأنه سيتم إلحاقنا بدورة عسكرية لحركة فتح في معسكر منعم بشارع الرشيد في بغداد للتدرب على جميع أنواع الأسلحة العسكرية, وبعد أسبوعين من إقامتنا ذهبنا إلى مكتب الإدارة العسكرية في جبل الحسين ومن هناك أقلتنا الباصات إلى العراق حيث كان آمر معسكر التدريب هناك الأخ ابو خالد العملة.
في أثناء الدورة حضرت مجموعة من مكتب تنظيم فتح في الكويت ولفت انتباهي في هذه المجموعة رجل طاعن في السن , فتقدمت نحوه وسألته عن أصله فأجاب : " أنا أبو السعيد نور الدين من جنين ، كنت في الحزب الشيوعي الإسرائيلي ثم طردت من قبل الحكومة الإسرائيلية إلى الأردن ، وفي الأردن حصلت على الجواز الأردني وأنا الآن أعمل في الكويت " .
* احفظوا هذا الاسم جيداً " أبو السعيد " .

دامت الدورة ثلاثة أشهر وفي حفلة التخرج حضر السيد حردان عبد الغفار التكريتي رئيس أركان حرب الجيش العراقي في ذلك الوقت ، رحّب بنا في العراق وأشاد بالثورة الفلسطينية وقال إن الحكومة العراقية والشعب العراقي سند للثورة الفلسطينية فعلاً وليس قولاً , ثم قال إن كل الأسلحة التي تم تدريبكم عليها هي هدية من الجيش والشعب العراقي إلى الثورة الفلسطينية .
وفيما بعد كتبت الصحافة العراقية " تم تخريج دورة ضباط لفتح في العراق " .
لكن في حقيقة الأمر لم تكن هناك رتب عسكرية في الثورة الفلسطينية حيث كان اللقب الذي ننادى به في ذلك الوقت هو الأخ المناضل أو الأخ الفدائي ، أذكر مثلاً بعد عودتنا من العراق إلى قاعدة الشهيد منهل برميمين في الأردن أن الأخ موسى العراقي قال لنا " اختاروا واحداً من بينكم مسؤولاً عنكم "
فاخترنا أكبرنا سناً وهو أبو السعيد ليصبح مسؤولاً عنا إدارياً " أبو السعيد " مرة ثانية !!
في نهاية عام 1969 تم التجهيز لعمل مناورة بالذخيرة الحية في صحراء الأزرق شرق المفرق على الحدود بين العراق والأردن .
وفي تاريخ 1/1/1970 تمت أول مناورة في ذكرى انطلاقة فتح وبعد هذه المناورة تشكلت القوة المحمولة وكنت أحد عناصر هذه القوة آمر طاقم دوشكا " تحت إمرة القيادة العامة لقوات العاصفة حيث
تعتبر هذه القوة الذراع الضاربة للثورة الفلسطينية .
أذكر قبل البدء بالمناورة القسم الذي كنا نردده وراء القائد العام لقوات العاصفة الأخ الشهيد ممدوح صيدم وكانت هذه المناورة على مرأى من وسائل الإعلام والصحافة, تشكلت القوة المحمولة من ثلاث وحدات عسكرية كنت أنا في الوحدة الثالثة "إسناد للعمليات العسكرية " .
وشاركت بأول عملية عسكرية في القطاع الأوسط تلة النجار لمساعدة انسحاب الفدائيين الفلسطينيين إلى منطقة الأمان شرق نهر الأردن بعد ضرب أهداف إسرائيلية .
بعد هذه العملية قمنا بسلسلة من العمليات العسكرية ، أذكر منها :
· ضرب صواريخ الكاتيوشا على المستعمرات الإسرائيلية في غور بيسان .
· ضرب مطار الجفتلك في القطاع الأوسط بصواريخ جراد 122
· معركة مع القوات الإسرائيلية في غور صافي شمال الكرك .
· عملية نوعية مشتركة مع الاستخبارات العسكرية المصرية تمثلت بضرب 8 صواريخ كاتيوشا عيار 130 ملم من غور بيسان على مستعمرات إسرائيلية في الشمال .



******

في شهر 5/1970 صدرت لنا الأوامر بالتحرك من الأردن إلى لبنان للدفاع عن قواعد الثورة في العرقوب ( الجنوب اللبناني ) بعد أن قرر الجيش الإسرائيلي مهاجمة هذه القواعد على إثر ضرب مستعمرة " كريات شمونا " شمال إسرائيل بصواريخ الجراد من قبل وحدة القوة المحمولة هناك بإمرة القائد محمد ابو الأمين آمر وحدة الصواريخ في ذلك الوقت, وبالفعل بدأنا بالتحرك من الأردن إلى لبنان عبر الحدود السورية وإذا بوزير الدفاع السوري حافظ الأسد يأمر بعدم مرورنا عبر الحدود السورية, وبعد مفاوضات قيادة الثورة مع النظام السوري سمح لنا بالمرور إلى لبنان عن طريق سوريا ،كما عند وصولنا إلى حاجز بيادر العدس اللبناني منعنا من الدخول إلى لبنان وبعد المفاوضات أيضاً سمح لنا بالتوجه إلى العرقوب وكان قائد القوة المحمولة في ذلك الوقت الأخ ابو المجد وعند وصولنا إلى جسر الحاصباني كانت القوات الإسرائيلية قد بدأت هجومها على العرقوب فوقفنا عند الجسر ودخلنا إلى أحراش الزيتون لتغطية سياراتنا المحملة بالأسلحة وفي هذا الوقت تمكن الجيش الإسرائيلي من احتلال رويسات العلم والهبارية وقاعدة الشهيد صلاح ، وتمكن من دحر المقاتلين الفلسطينيين إلى الوراء, وأذكر في ذلك الوقت أن الطيران السوري قام بضرب مصفاة حيفا ، إلا أن الطيران الإسرائيلي لاحق بدوره الطائرة السورية وأسقطها فوق الحدود السورية .
وبعد 36 ساعة من وجودنا في منطقة الحاصباني عدنا أدراجنا إلى الأردن .
في شهر 7/1970 كنا في قاعدة الشهيد غازي في الشؤون الجنوبية منطقة الأغوار وكان هناك شباب يمنيون قد التحقوا بحركة فتح للمشاركة في الثورة الفلسطينية ومن الجدير بالذكر أن الشعب اليمني والحكومة اليمنية بصفة خاصة كانت تدعم الثورة الفلسطينية بكل طاقاتها ولا ننسى الشعب العراقي الذي قدم الكثير الكثير للثورة الفلسطينية فمن التدريب العسكري إلى الإمداد بالأسلحة والعتاد, أيضاً لا تجد قاعدة عسكرية إلا وفيها جنود عراقيون فكانت قواعد الثورة الفلسطينية تجسد الوحدة العربية فعلاً وليس قولاً, فمن ليبيا,المغرب ,العراق , اليمن ، عمان ، السودان ، مصر ، لبنان ، سوريا حتى الباكستان .
كانت مهمتنا في قاعدة الشهيد غازي إسناد المقاتلين في أثناء مهمتهم العسكرية غرب نهر الأردن ضد العدو الصهيوني وما زالت أذكر تلك العملية المشتركة في منطقة المغطس بين شباب فتح وشباب الجبهة الشعبية الديمقراطية ضد أهداف إسرائيلية وعلى إثر هذه العملية النوعية تقدم الجيش الإسرائيلي لأول مرة حتى دير المغطس إذ لم يكن يفصله عن الجيش الأردني إلا النهر,وما زلت أذكر الأخ عزمي الصغير وهو يصرخ على كتيبة الجيش الأردني الموجودة في المراقبة رقم(3) :"لماذا لا تطلقون النار على الجيش الإسرائيلي, لماذا لاتغطون انسحاب الشباب ؟ " فرد عليه ضابط الجيش الأردني " نحن عندنا أوامر بعدم إطلاق النار على الجيش الإسرائيلي حسب اتفاقية روجرز" .

في شهر 8/1970 صدرت لنا الأوامر بالذهاب إلى عمان ومن ثم إلى مخيم الوحدات, وبدأت قوافل المقاتلين تتوافد إلى المخيمات الفلسطينية في الأردن لأن الجيش الأردني بدأ يعد العدة للانقضاض
على الثورة الفلسطينية .

في شهر 9/1970 بدأت الحرب, كان الهدف منها تصفية الثورة الفلسطينية,فدخلنا الحرب مرغمين لأنها كانت بين الأشقاء الفلسطينيين والأردنيين, والمستفيد الوحيد منها هو العدو الصهيوني.
بالنسبة لي كان موقعي شرق مستشفى الأشرفية, وكانت مهمتنا الدفاع عن مخيم الوحدات وجبل الجوفة, وبدأ الجيش الأردني بضربنا في قذائف الهاون والمدافع الثقيلة وصبّ جام غضبه على هذا المخيم فسقط عدد كبير من القتلى الفلسطينيين وأصيب العديد من الجرحى الذين نزفوا حتى الموت حيث كان من
الصعب إسعافهم تحت وابل الرصاص المنهمر كالمطر في سماء المخيم وقذائف المدفعيات الثقيلة التي لم تهدأ على مدار 13 يوماً, وبعد سقوط المخيم انسحبنا إلى مستشفى الأشرفية وكنا نراقب بألم شديد أفراد الجيش الأردني وهم يحفرون خندقاً كبيراً جنوب المستشفى حيث قاموا بدفن رفات القتلى من هنا وهناك, وأخذت جرافاتهم بردم هذا الخندق لإخفاء معالم الجريمة, أذكر أن رجال الثورة فيما بعد أقاموا نصباً تذكارياً على هذا الخندق إلا أن السلطات الأردنية قامت بجرفه ظانة أنها بهذا العمل تستطيع أن تشطب جريمتها من الذاكرة الفلسطينية .
أثناء الحرب دخلت قوات سورية لمساعدة القوات الفلسطينية في ظل نظام سوري وطني بقيادة الأتاسي, ووصلت الدبابات السورية إلى قرية النعيمة جنوب إربد في طريقها إلى جرش ومن ثم إلى عمان وهناك حصل انقلاب داخل الجيش السوري بقيادة حافظ الأسد الذي كان وزير الدفاع وقائد سلاح الجو السوري في ذلك الوقت فأمر القوات السورية بالعودة إلى الأراضي السورية وتزامن هذا الأمر مع دخول قوات عين جالوت الفلسطينية الموجودة في مصر عبر الحدود السورية إلى الأردن لمساندة رجال الثورة الفلسطينية التي كانت تتعرض لمجزرة جماعية, وبنجاح الانقلاب السوري تم منع قوات عين جالوت من الدخول إلى الأردن لمساندة
أشقائهم هناك.
أيضاً كان هناك انشقاق آخر داخل الجيش الأردني من قبل الفلسطينيين الذين يعملون داخل الجيش الأردني وكان هذا الانشقاق بقيادة القائد سعد صايل أبو الوليد, فشكلت هذه القوات التي انضمت إلى الثورة الفلسطينية قوات اليرموك .
وعلى إثر هذه الحرب عقد مؤتمر القمة العربية في القاهرة برعاية الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر, واتخذت عدة قرارات منها إرسال لجنة عربية إلى الأردن لنقل قوات الثورة الفلسطينية المتواجدة في عمان إلى أحراش جرش, وهذا ما تم فعلاً حيث أقلتنا الباصات التابعة للجنة المتابعة العربية إلى أحراش جرش, ورغم
مغادرتنا عمان إلا أن النية كانت مبيته لتصفية الثورة الفلسطينية وسحقها إلى الأبد, وفي ذلك الوقت وصلت إمدادات تموينية من الجيش العراقي لكن للأسف بعد فوات الأوان وفرض الحصار علينا في جرش والذي دام عاماً كاملاً .

***

أثناء الحصار كان قائد القوة المحمولة الأخ فراس حسن والذي قام بتشكيل مجموعة من المقاتلين وكنت واحداً منهم, أذكر من أفراد هذه المجموعة سامي النميري , أبو العبد, أبو خالد ومنذر خليل وكان بحوزتنا هاون 120 ودوشكا, فأخذنا من جبل طلوزة قاعدة لنا وهذا الجبل يقع غرب مخيم البقعة وكان يشرف على محطة
الاتصالات للأقمار الصناعية الأردنية, بعد شهر من وجودنا هناك طلبت السلطات الأردنية من قيادة فتح إخلاء الموقع حسب اتفاقية القاهرة لأن الموقع لا يبعد عن الشارع العام عمان ـ إربد مسافة 3 كلم
وكانت هناك نية عند السلطات الأردنية بأخذ هذا الموقع والسيطرة عليه .
فصدرت لنا الأوامر بإخلاء الجبل والتوجه نحو موقع آخر يطل على شارع عمان ـ جرش مباشرة, وعينت أنا مسؤولاً عن هذا الموقع وفيما بعد حضر لطرفي الأخ فراس حسن وطلب مني حفر خندق لقطع كابل اتصالات المحطة الأردنية وهذا ما تم فعلاً بناءً على أوامر الشهيد القائد ممدوح صيدم .

وبعد 48 ساعة حضرت قوة عسكرية من الجيش الأردني مع خبراء أجانب لتوصيل الكابل, وإذا بقوة عسكرية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كانت متواجدة عند مغفر ام الرمان غرب قاعدتنا العسكرية
تطلق النار على الجيش الأردني من رشاش 500 وأذكر أن الذي أطلق النار هو "أبو خالد دمّر" الذي شارك بخطف الطائرة مع ليلى خالد في العملية النوعية المعروفة للجبهة الشعبية .
ولم يصب أحد بأذى فقام الجيش الأردني بإمطارنا بأكثر من 190 قذيفة مدفعية وعلى إثر هذا القصف العنيف تم إخلاء المحور من المقاتلين والتجمع عند جسر سيل الزرقة القديم, وعند هذا الجسر حضر الأخ ياسر عرفات والأخ جمعة الجملة أبو هاني قائد قطاع 201 جرش .
فوضعنا الأخ ياسر عرفات بصورة الأحداث ابتداءً من جبل طلوزة حتى إطلاق النار من أبي خالد دمر على الجيش الأردني كما أخبرناه بأن عناصر الجبهة الشعبية يقولون أن فتح باعت جبل طلوزة وأكلت عليه الخراف, فحصلت مشاداة كلامية بين عناصرنا وعناصرهم الذين كانوا موجدين في هذا المحور.

فقال لنا القائد أبو عمار " يا إخواننا إن غاية الجيش الأردني من وراء إخلاء جبل طلوزة هو السيطرة عليه لضرب مخيم البقعة من محور موبس ومرصع وعين الباشا ومفرق صويلح"
فقال الأخ جورج حبش الأمين العام للجبهة الشعبية:إذن سنقاتل
فردّ عليه ياسر عرفات: تقاتل من ؟ وما هي الأسلحة الموجودة لديكم
كل ما بحوزتكم مدفع هاون ورشاش 500 وبعض الأسلحة الخفيفة
نحن في فتح نستطيع أن ندافع عن هذا المحور, لكننا نريد أن نجنب مخيم البقعة الدمار, لذلك سأرسل لهم المحامي إبراهيم بكر " كان حلقة الوصل بين الثورة الفلسطينية والسلطات الأردنية"
ليخبرهم بأننا مستعدون لإخلاء جبل طلوزة على أن تكون هناك قوة مشتركة من فتح والجيش الأردني, وهذا ما تم فعلاً .

في شهر 6/1971 انتقلت من القوة المحمولة إلى القطاع الغربي للمشاركة في تنفيذ عملية نوعية تتمثل بضرب العمق الإسرائيلي بصواريخ جراد عيار 122 ملم, كان قائد هذه العملية الأخ الشهيد أحمد حبش رحمه الله, أذكر من أفراد المجموعة الشهيد عمر فهمي والأخ سمور حيث كنا 10 أشخاص وكنت أنا ضمن مجموعة الإسناد وقبل انطلاقنا كتب الشهيد القائد أحمد حبش تفاصيل هذه العملية وأسماء المشاركين بتنفيذها على ورقة بيضاء ووضعها بظرف صغير وطلب من الأخ أبو هاني تسليم الظرف لأبي القاسم مسؤول تنظيم حركة فتح في مخيم البقعة وأمر بعدم فتح هذا الظرف إلا بعد أن تعترف الإذاعة الإسرائيلية بهذه العملية .
انطلقنا باتجاه نهر الأردن وعند وصولنا إلى النهر رفضت البغال التي نحمل عليها الصواريخ أن تعبر النهر فأشرت على الأخ أحمد حبش أن نقوم بتغميتها بلثماتنا الفتحاوية وهذا ما تم فعلاً مما سهل علينا عملية العبور باتجاه الضفة الغربية حيث الأراضي الفلسطينية وعند هذه اللحظة انكب الجميع على الأرض لتقبيل ثرى فلسطين الطاهر أذكر أننا بعد قطع النهر قمنا بلفّ حوافر البغال بجلود الخراف الميتة المخمرة بالفلفل الأسود, كما كان معنا وعاء نضع فيه فضلات هذه البغال كلما أخرجت كي لا نترك أي أثر لخط مسيرنا أمام الجيش الإسرائيلي وكلابه البوليسية المدربة .
وحين وصلنا الى حقل الألغام, فتح لنا الأخ أبو الوفا رحمه الله طريقاً وهو مهندس متفجرات فعبرنا الحقل وكتب الأخ أبو هاني على عدد من الأوراق" فتح مرت من هنا " .
وصلنا الى نقطة الأمان وتم الوداع على الشارع العام قرب مطار الجفتلك بالقرب من قرية عقربة ، ثم عدت أنا وفرقة الإسناد أدراجنا حتى وصلنا الى قواعدنا في أحراش جرش .
وفعلاً تمت العملية بحمد الله واعترفت إسرائيل بأن الصواريخ أصابت مستشفى للأمراض العقلية, وفور هذه العملية صرح موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت بأنه سيتمكن من المخربين ,وفيما بعد عندما قابلت الأخ سمور في لبنان, سألته عن أحداث العملية فقال لي :" بعد تنفيذ العملية عدنا من حيث أتينا وفي منتصف الطريق أشرت على الأخ أحمد حبش أن نغير طريق العودة وبينما نحن واقفون نتشاور بالأمر ، وإذ بكمين للجيش الإسرائيلي يطلق علينا النار من جميع الجهات فأصبت إصابة متوسطة وتمكنت من عبور النهر بشق الأنفس إلى الضفة الشرقية ، أما باقي أفراد المجموعة فجميعهم استشهدوا .
*****
في شهر 7/1971 قام الجيش الأردني بشن هجوم على قواعد الثورة في أحراش جرش وعجلون وتمت السيطرة على كافة القواعد وتم أسري مع مجموعة من الثوار والمقاتلين حيث قاموا بجمعنا في القاعدة الجوية بالمفرق ومن ثم نقلنا الى معتقل الجفر في صحراء الأردن, ودام اعتقالي 45 يوم .
في السجن تذكرت المرة الأولى التي أوقفني فيها الاحتلال الإسرائيلي عام 1967, فبعد الاحتلال سمحت إسرائيل لنا بالعمل داخل الضفة الغربية, فعملت كاتباً في ورشة لتعبيد الطرق قرب مطار الجفتلك ، كان عمري في ذلك الوقت 19 عاما وأثناء مغادرتي الى غزة كنت أحمل معي كرت العمل وصورة لياسر عرفات وأخرى لأحمد الشقيري وصورة صغيرة لابن أختي جمعة أبو مراحيل الذي استشهد في عملية شعشاعة النوعية والتي احتلوا بها برج المراقبة الإسرائيلي ورفعوا عليه العلم الفلسطيني,وهذا ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى حمل جثته عبر الطائرة المروحية ليطوف بها ابتهاجاً بقتله في سماء أريحا .
وعلى الحاجز أوقفني الجندي الإسرائيلي بعد أن شاهد هذه الصور معي وأخذني الى ضابط المركز ,وحين سألني الضابط عن صورة ياسر عرفات قلت :" هذا لاعب كرة قدم مصري".
فصفعني على وجهي وقال " هذه صورة أبو عمار انه حمار مثلك " .

***

الفصل الثالث
ـــــــــــــــــــــ



بعد الإفراج عني عملت في شركة الهندسة الميكانيكية الأردنية بقسم المبيعات حيث لم تكن في ذلك الوقت أية قاعدة عسكرية لقوات الثورة الفلسطينية على الساحة الأردنية , بعد أن أجهزت عليها السلطات الأردنية في الحرب الأخيرة .

في عام 1973 قررت الالتحاق بقواعد الثورة الفلسطينية الموجودة في لبنان ,وحين وصلت إلى الحدود السورية رفض السوريون دخولي بشكل رسمي لأني أحمل وثيقة ( فلسطينية ـ مصرية ) لا يوجد عليها تأشيرة دخول للأراضي السورية , وقاموا بوضعي في سيارة عائدة إلى عمان بطريقة عنيفة وهددوني بالسجن في حال عودتي مرة ثانية,وأثناء العودة سألت السائق عن طريق التهريب إلى سوريا وبعد أن أرشدني السائق دخلت سوريا سيراً على الأقدام في أقسى ليالي الشتاء وأشدها برداً, وصلت مدينة "درعا" ليلاً فتوجهت إلى الأخ محمد سليمان درويش الذي أرسلني إلى مكتب التنظيم والإدارة في السبع بحرات بدمشق ومن هناك غادرت سوريا متوجهاً إلى لبنان عبر باصات الثورة حتى وصلت على العرقوب لالتحق هناك بالقوة المحمولة التي كانت متواجدة في خربة روحا,ام دوخا,راشيا الوادي,ينطا وكفركوك وكان قائد القوة المحمولة في ذلك الوقت الأخ حمزة عواد الذي اختارني أنا والأخ خالد حسنين لتدريب الشباب الملتحقين بالثورة في معسكر حلوة .
وبعدها تم اختياري أيضاً أنا والأخوة محمد مجاهد وعبد الرحيم محمود لتدريب تنظيم فتح في ثعلبايا بالبقاع .
في إحدى الإجازات واثناء وجودي بيروت التقيت صدفة بابن خالتي يوسف الأشرم الذي كان يعمل في جهاز الـ 17تحت إمرة الشهيد حسن سلامة , فأخبرني أن صديقي" أبو السعيد" هو الآن مدير مكتب ياسر عرفات في الفكهاني, فذهبت فوراً لرؤيته لأنني لم أشاهده منذ حرب أيلول ,وفي مكتب الـ 17 كان اللقاء الحار بيننا لكني لاحظت من تصرفاته أنه غير راغب بوجودي عنده حين أخبرني بأنه يعد نفسه للسفر إلى ألمانيا , فغادرت المكتب وعدت أدراجي إلى العرقوب, وفيما بعد أخبرني صديقي سليمان الحسنات والذي كان يعمل في جهاز الأمن والمعلومات ببيروت, أن أبو السعيد قد أعدم بعد أن أكتشف الشهيد حسن سلامة انه يهودي يعمل لصالح الموساد الإسرائيلي .

في عام 1974 وأثناء وجودنا في العرقوب جاءت الأوامر لقوات الكرامة بالتحرك إلى شمال لبنان لحماية المخيمات الفلسطينية حيث كانت هناك مؤامرة من النظام اللبناني لضرب الثورة الفلسطينية والحركة والوطنية اللبنانية.

فسلكت قواتنا العسكرية طريق حمص حتى المنطار جنوب طرطوس حيث يوجد هناك قاعدة للبحرية الفلسطينية بقيادة الأخ الشهيد منذر أبو غزالة,وكانت القوة المحمولة في ذلك الوقت بقيادة الأخ طارق زيد الذي أمر بنقل صواريخ الجراد عيار 122 و 130 عبر البحر إلى الشمال حيث أحضر لنا زورقين من البحرية الفلسطينية وكنت واحداً من المجموعة التي قامت بهذه المهمة, أذكر منهم: نبيل البيوك, فايز النخالة وأبو خالد سليم .

وصلنا عبر البحر فجراً إلى قرية المنية وكان في انتظارنا تنظيم فتح في الشمال وبعد تنزيل الصواريخ أخذنا قسطاً من الراحة في قاعدة الثلاثي بمخيم البداوي وكان آمر القاعدة الأخ المناضل حسين قشطة(أبو محمد), ثم عدنا عبر البر إلى المنطار للالتحاق بالأخوة هناك وفور وصولنا صدرت لنا الأوامر بتطويق الجمارك اللبنانية لأنهم كانوا قد رفضوا دخولنا إلى الشمال وحين تفاجئوا بالقوات العسكرية الكبيرة التي تحيط بهم سمحوا لنا بالدخول لنصل إلى مخيمي البارد والبداوي حيث تمركزنا هناك وكنت أنا في فصيل صواريخ الجراد ضمن القوة المحمولة التي كانت تحت إمرة القائد طارق زيد كما كانت كتيبة الجليل بقيادة عبد الإله الحاج حسن وقوات الإسناد بقيادة عبود أبو إبراهيم وكان القائد العام لكل هذه القوات الأخ أبو هاجم .
وبدأ توزيع القوات على المحاور الأساسية في طرابلس وجبل تربل والكورة للتصدي للقوات الانعزالية , قوات الكتائب والمردة من جهة والجيش اللبناني من جهة أخرى .

وكانت الحركة الوطنية اللبنانية تتمثل في الحزب القومي الاجتماعي وحركة التوحيد الإسلامية والناصريين والمرابطين وحزب البعث العراقي وللعلم كانت الحركة الوطنية اللبنانية مع قوات الثورة الفلسطينية تحت قيادة الأخ أبو هاجم والشهيد منذر أبو غزالة.

أذكر أن أول معركة بدأت هي معركة الثكنات بعد الانشقاق الذي حصل داخل الجيش اللبناني حيث تمت السيطرة على ثكنات الجيش اللبناني في الشمال وتمركز فيها الجيش اللبناني العربي بقيادة الضابط أحمد الخطيب, ثم بعدها كانت معركة مجليّة التي تم فيها دحر القوات الانعزالية إلى زغرتا,ثم معركة الكرملية نسبة إلى مدرسة الكرملية التي كانت تتحصن فيها القوات الانعزالية وبعد معركة عنيفة فرضنا السيطرة على كل من الكرملية , ,رشعين ومدخل بيت عوكر لتصبح كل هذه المناطق تحت رحمة أسلحة القوات الفلسطينية, وحين علمنا بسقوط مخيم تل الزعتر في يد القوات الانعزالية بمساندة القوات السورية أمرنا القائد طارق زيد بحمل الصواريخ عبر اللنشات لضرب مدينة "شكا" وكان قائد الدورية التي كنت ضمن طاقمها الأخ عابدين , ففي العاشرة صباحاً توجهنا لضرب المدينة إلا أن الجيش اللبناني استطاع أن يكتشف أمرنا حيث كان متمركزاً على الجبل هناك وقام بضربنا بالقذائف المدفعية مما جعلنا نعود أدراجنا إلى مدينة طرابلس.
***

كان يفصل مدينة طرابلس عن مخيم البداوي لللاجئين الفلسطينيين حيّ يدعى جبل بعل محسن وكانت طرابلس وسكانها حاضنة للثورة الفلسطينية حيث توجد حركة التوحيد الإسلامي والحزب القومي السوري الاجتماعي ومجموعة من الأحزاب التقدمية في هذه المدينة جميعها كانت تساعد الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية وبالمقابل كان سكان حي جبل بعل محسن دائما ما يكيدون للثورة الفلسطينية فهم علويون موالون للنظام السوري وكان زعيمهم في ذلك الوقت المدعو " علي عيد " حيث كانوا يطلقون النار على سكان مخيم البداوي بين الفينة والأخرى كما كانوا يطلقون النار على سكان منطقة التبانة وبعض السيارات الفلسطينية المارة بالقرب منهم فكان أولئك العلويون مصدر إزعاج لنا ولحلفائنا وأشقائنا في مدينة طرابلس ، فجاءت الأوامر لنا بتطويق حي جبل بعل محسن بالأسلحة الثقيلة والصواريخ وقمنا بتطويقهم فعلاً وتخييرهم ما بين تسليم أسلحتهم وتسليم أرواحهم فسلموا أسلحتهم وبالأرقام وذلك بناء على طلب قائد القوة المحمولة في ذلك الوقت الأخ / طارق زيد وقمنا بعد ذلك بوضع مفرزة من عناصر ا لكفاح المسلح الفلسطيني في حي جبل بعل محسن لحفظ الأمن وضمان عدم التعرض لنا ولحلفائنا في مدينة طرابلس .
فكان لفتح ما أرادت من هذه البؤرة وذلك بفرض السيطرة على هذا الحي الذي كان سكانه يساعدون حزب الكتائب اللبناني وحزب المردة الزغرتاوي ضد الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية .

***

في شهر 2 / 1975 قصف الطيران ا لإسرائيلي مواقعنا في مخيم البداوي بالقنابل العنقودية وأصبت إصابة بليغة كادت أن تفتك بأحد أطرافي, وفي مستشفى المظلوم بمدينة طرابلس علمت بعد أن كنت غائباً عن الوعي أن عدداً كبيراً من الأطفال والنساء والمقاتلين قد استشهدوا في هذا العدوان الغاشم .

في عام 1976 وبعد زواجي بأربعة أشهر تم اختياري للذهاب الى مصر في دورة عسكرية للتدرب على صواريخ الموليتكا الروسية الصنع المضادة للدروع ، دامت الدورة 3 أشهر, وعند عودتي الى لبنان كانت فتح قد بدأت بمنح الرتب العسكرية للمقاتلين وذلك للمرة الأولى في تاريخ الثورة ، فمنحت رتبة مساعد في 1/3/1977 وتم اختياري لتدريب العناصر الملتحقة بالقوة المحمولة في معسكر أشبال البداوي .

في عام 1978 بدأت معركة الخيام وكان قائد القوة المحمولة في ذلك الوقت الأخ الشهيد عبد المعطي السبعاوي ، في هذه المعركة تمت السيطرة على مدينة الخيام وإبل السقي وتلة شريكة وتم دحر القوات الانعزالية والجيش اللبناني .


في عام 1979 انتقلت الى مؤسسة الأشبال والفتوة وكان قائد هذه المؤسسة الأخ صلاح التعمري وكنت ضابط إدارة المؤسسة في الرواس ببيروت ، وفي نفس العام تم ترشيحي لعمل دورة توجيه سياسي في مدرسة الكوادر للتثقيف السياسي ببيروت " دورة الشهيد أبو علي إياد " دامت الدورة 3 أشهر لأتخرج بعدها بشهادة مفوض سياسي الى كتيبة,ومن هنا أنصح كل مقاتل فلسطيني بخوض هذه الدورة لأن
" البندقية الغير مسيسة قاطعة طريق " على حد قول الأخ الشهيد ياسر عرفات .
اثناء الدورة وفي إحدى المحاضرات قال لنا الأخ الشهيد صلاح خلف أبو إياد " في عام 1974 طلب النظام السوري من القيادة الفلسطينية بعمل وحدة اندماجية من قوات الثورة الفلسطينية والنظام السوري
وكان القائد العام للثورة ياسر عرفات قد كلفني شخصياً لمتابعة هذا الملف فقلت للمفاوض السوري ما هي طبيعة هذه الوحدة ووحدة من مع من ، نحن قوات الثورة الفلسطينية مقاتلون فدائيون وأنتم جيش نظامي كلاسيكي, أعرف أنكم تقصدون من هذا المشروع الوحدوي استقطاب قوات الثورة الفلسطينية والسيطرة عليها, ثم قلت له فرضاً نحن وافقنا على هذه الوحدة فمن المخول للتوقيع على هذا الاتفاق فقال التوقيع للقيادة القومية لحزب البعث وليس للقيادة القطرية فقلت له نحن لا نقبل إلا بتوقيع قائد الثورة الفلسطينية ياسر عرفات والرئيس حافظ الأسد وانطوى هذا الملف على مؤامرة لضرب الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية من قبل القوة الانعزالية اللبنانية " .
أيضاً أثناء إحدى المحاضرات أبلغنا الدكتور إلياس شوفاني انه اثناء
اللقاء الثاني بين الوفد المفاوض السوري مع الطرف الإسرائيلي لفضّ الاشتباك الثاني بعد القنيطرة, أبلغ الوسيط الأمريكي الوفد السوري بأن على الجيش السوري أن يدخل إلى لبنان لمساعدة النظام اللبناني في صد الثورة الفلسطينية والحركة والوطنية اللبنانية وبعد انتهاء هذه المعركة وحسمها نتفاوض عن الجولان , وفعلاً دخلت القوات السورية الأراضي اللبنانية بموافقة الولايات المتحدة الأمريكية دون رجعة بعد أن تورطت في الوحل اللبناني فنسيت الجولان ولواء الاسكندرونا, وهذا الموقف للنظام السوري أحد أسباب الخلاف بين
القيادتين الفلسطينية والسورية, لأن هذا النظام عمل على إضعاف الحركتين الوطنيتين الفلسطينية واللبنانية في سبيل تحقيق مصالحه الخاصة.
وفي إحدى المحاضرات أيضاً قال لنا الأخ هاني الحسن:" اثناء زيارتي إلى رومانيا لمقابلة الرئيس الروماني نيكولاي تشاوشيسكو, أبلغني بأن الرئيس المصري أنور السادات سيقوم بزيارة إلى إسرائيل
ليبرم اتفاقية سلام مع إسرائيل, فطلبت منه السماح لي بتدوين هذه المعلومات لأنه وحسب البروتوكول لا تجوز الكتابة في مثل هذه اللقاءات فسمح لي بالكتابة وقال لي إذا نشرت هذا الخبر سأكذبه ، وبعد انتهاء اللقاء أخبرت القائد العام للثورة الأخ ياسر عرفات بهذه المعلومات لأنها هامة وخطيرة فعقد الأخ ياسر عرفات اجتماعاً للمجلس المركزي الأعلى للجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية وأبلغهم بهذه المعلومات, فقام السيد نايف حواتمة بإشاعة هذا الخبر إلا أن الرئيس الروماني تشاوشيسكو كذب الخبر " يذكر ان تشاوشيسكو من أصل يهودي وقد مات في انقلاب عسكري قام به الجيش الروماني .

في نهاية 1979 وحين سمحت الإدارة الأمريكية لموظفيها بلقاء أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية, حضر إلى بيروت القس الأمريكي جيسي جاكسون على رأس وفد كبير من الحزب الديموقراطي الأمريكي لمقابلة قائد الثورة ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الأخ ياسر عرفات وذلك للاطلاع على أوضاع القضية الفلسطينية ، فكلفني الأخ صلاح التعمري مسؤول مؤسسة الأشبال والفتوة في ذلك الوقت أنا والأخت فاطمة برناوي باستقبال القس جيسي جاكسون والوفد المرافق له في مطار بيروت فقمنا باصطحاب مجموعة من الأشبال والزهرات لاستقبال هذا الوفد حيث كان استقبالاً حضارياً ينمّ عن أخلاقيات الحركة التي كانت وما زالت تحمل غصن الزيتون في يد والبندقية في اليد الأخرى .
وعلى إثر هذه الزيارة بدأت الجاليات الفلسطينية في الولايات المتحدة بالتوافد إلى بيروت لدعم القضية الفلسطينية مما أدى إلى إشعال حفيظة اللوبي الصهيوني الذي بدأ بالضغط على جيسي جاكسون للحد من تحركاته الرامية الى إسناد القضية الفلسطينية .
وفي نفس العام كلفني الأخ صلاح التعمري باستقبال الدكتور كلوفيس مقصود الذي كان مندوباً للجامعة العربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد ان دعاه للاطلاع على نشاط مؤسسة الأشبال والفتوة في معسكر أشبال شاتيلا ، ومن والجدير بالذكر أن الأخ صلاح التعمري كان يعمل جاهداً لتجهيز هؤلاء الأشبال والزهرات حيث يعتبرهم رديفاً للثورة الفلسطينية ، فهؤلاء الأشبال هم أشبال الآر بي جي ، هم جنرالات الثورة كما كان دائما يصفهم الأخ القائد ياسر عرفات .
اذكر اثناء عملي كضابط في معسكر الأشبال ببيروت حضر لطرفي مدير الإدارة العسكرية الحاج مطلق, وطلب مني الالتحاق بمكتب فتح في ألمانيا حيث الأخ عبد الله الإفرنجي فرضت هذا الطلب لأنني ألفت العيش في أجواء الثورة وقواعدها .
أيضاً حضر لطرفي نائب قائد قوات الكرامة الأخ نصر يوسف وطلب مني الانتساب الى الجامعة العربية ببيروت إلا أني رفضت هذا الطلب أيضاً حيث كنت متزوجاً وكان من الصعب علي التوفيق بين الدراسة وبين التزاماتي الأسرية .

في عام 1980 تم ترشيحي لعمل دورة عسكرية في الأردن للتدرب على صواريخ م/د تاو الأمريكية حيث كانت أحدث الصواريخ الأمريكية في ذلك الوقت .
دامت هذه الدورة 20 يوماً وبعدها تم تشكيل وحدة صواريخ م/د تاو الأمريكية بأمر من الأخ الشهيد أبو جهاد وبقيادة الأخ الشهيد سرحان , أذكر أن الأخ أبو جهاد أوصانا قبل مغادرتنا في مكتب الـ 17 ببيروت وبحضور الأخ الشهيد ياسر عرفات بتدوين كل معلومة ينطق بها المدرب الأردني, كما أخبرنا انه أصر على أن نسافر بهوية فتح عبر خط لبنان سوريا الأردن والعودة , حيث كانت هوية فتح في ذلك الوقت هي جواز السفر للمناضلين الثوار, هكذا كان أبو جهاد رحمه الله .
أذكر أيضاً أثناء وجودنا في الأردن أن المخابرات الأردنية طلبت الأخ سرحان للتحقيق, فرفض طلبهم وأخبرهم أنهم يستطيعون طلبه فقط من خلال قيادة فتح فقالوا له وبالحرف الواحد "جماعتك حيصفوك"
وهذا ما كتبه الأخ سرحان في تقاريره إلى أبي الوليد وأبي جهاد رحمهم الله .
وعند عودتنا كانت قاعدتنا في سوق الغرب بجبل لبنان وكان قائد الوحدة الأخ الشهيد سرحان وكنت أنا ضابط الإدارة في هذه الوحدة وكان بالقرب منا مكتب تسليح تابع لحركة فتح وكان حارس هذا المكتب و يدعى أبو جسار يفتعل المشاكل للأخ سرحان الذي طلب من المسئولين عن أبي جسار بنقله من المنطقة , فلم يستجيبوا لطلبه وقبل عيد الأضحى بيوم واحد وأثناء ذهابنا أنا والأخ سرحان لإعطاء الشباب إجازة العيد , تفاجئنا بأبي جسار يعتلي سطح التسليح مدججاً بسلاحه, وما هي إلا لحظات حتى قام بقنص الأخ سرحان في رأسه وفر هارباً فقام شباب القاعدة بملاحقته حيث دخل إحدى المغارات ليحتمي بها وهناك تم إعدامه بسيل من العيارات النارية والقنابل اليدوية.

بعد هذه الحادثة أمر الأخ أبو الوليد رحمه الله بتوزيع عناصر وحدة الصواريخ على القطاعات العسكرية الأخرى , فتوجهت إلى الشمال حيث تم تعيني آمر معسكر الأشبال في مخيم نهر البارد.
***
بعد زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى القدس وإبرامه
اتفاقية كامب ديفيد هناك مع الكيان الصهيوني , شكلت هذه الدول ( العراق, سوريا, ليبيا ) جبهة الصمود والتصدي لمجابهة هذه الاتفاقية, وقامت هذه الدول بالضغط على بعض التنظيمات الفلسطينية مثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة جورج حبش والجبهة الشعبية- الديمقراطية بقيادة نايف حواتمة والجبهة الشعبية- القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل وقوات الصاعقة بقيادة زهير محسن وجبهة تحرير فلسطين بقيادة أبو العباس وجبهة النضال الشعبي بقيادة سمير غوشة والجبهة العربية لتحرير فلسطين
كل هذه المنظمات المذكورة شكلت جبهة الرفض أمام سياسات حركة التحرير الفلسطيني (فتح) لأن سياسة حركة فتح كانت تسير على نهج (لا,نعم) حيث كان قرار فتح قراراً سياسياً مستقلاً لا يقبل الإملاءات, من هنا بدأ الانشقاق داخل صفوف أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية أو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد أن فرض النظام السوري ومعه النظام العراقي السيطرة على قرار هذه المنظمات المذكورة .
وبدأت جبهة الرفض بحملة إعلامية ضد حركة فتح, فتارة تتهمها بالعمالة وتارة تتهمها بالاستسلام بعد ان وافقت على إقامة دولة فلسطينية في غزة وأريحا حسب اتفاقية كامب ديفيد, حيث كان
هناك تصريح للأخ القائد صلاح خلف أبو إياد يقول فيه " اننا نقبل بدولة فلسطينية حتى لو على صينية" .
كانت نظرة الأخ أبو إياد نظرة إستراتيجية بعيدة المدى لإيمانه بأن الثورة يجب أن تكون في الداخل على أرض الوطن ومن ثم تبدأ بالانتشار من هذه المساحة الصغيرة للتخلص من ذل الأنظمة العربية
ومطاردتها للثوار الفلسطينيين ووضعهم في المعتقلات .
وردّ الأخ صلاح خلف على إعلام جبهة الرفض قائلا " فدائي وخائن .. هذا تناقض ، اما أن تكون فدائياً واما أن تكون خائناً " عندئذ قامت عناصر من جبهة الرفض بأعمال استفزازية لحركة فتح
وكان العمل الأخطر ما قام به ضابط الأمن في الجبهة العربية حيث قام بتعذيب أحد عناصر فتح القوة 17 بكيّ ظهره بمكواة الكهرباء وهذا الضابط يدعى توفيق السنكري وكان عميلاً للمخابرات العراقية
ولم تكن فتح يوماً تقبل الاهانة لأحد من مقاتليها, فقامت بجمع قوات الكرامة لضرب مواقع جبهة الرفض في الشمال وهذا ما تم فعلاً بعد حجز عدد كبير من عناصر الجبهة في مكتب الأمن والمعلومات في مخيم البداوي والذي كان تحت إمرة الأخ أحمد العفيفي أبو نضال , وبعد المفاوضات مع كوادر الحركة تم الإفراج عنهم وتسليم أسلحتهم لمنظماتهم .
وفيما بعد أمر القائد العام ياسر عرفات بتشكيل قوة مشتركة في الشمال من جميع الفصائل الفلسطينية على أن تكون قيادة هذه القوة عسكرياً تحت إمرة قيادة جيش التحرير الفلسطيني في منطقة الشمال وكنت أنا ضابط إدارة هذه القوات المشتركة .

في عام 1983 وبعد انتهاء حرب لبنان انسحبت بعض قوات الثورة الفلسطينية الى دول المنافي ( الجزائر ، تونس ، السودان ، اليمن ، العراق ) والبعض الآخر انسحب مع الجيش السوري الى البقاع اللبناني وكان من ضمن هذه القوات عناصر من حركة التحرير الوطني الفلسطيني وبالذات قوات اليرموك وعلى رأسها " ابو خالد العملة " الذي أعلن ومعه بعض الكوادر من الحركة الانشقاق عن حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) وكانوا يطالبون بمحاسبة المفسدين والبحث في موضوع الحرب الأخيرة مع العدو الصهيوني والنتائج التي أدت إليها هذه الحرب, قد تبدو هذه المطالب منطقية ولكن كما يقال كلمة حق يراد بها باطل .
مع اننا جميعاً في حركة فتح كنا مع مطالب هذه المجموعة, مع معرفة المسؤول ومحاسبته, مع تنظيف البيت الفلسطيني الفتحاوي من كل الشوائب التي علقت به في ذلك الوقت, لهذا أمر الأخ ياسر عرفات قائد الثورة الفلسطينية بتشكيل لجنة من كوادر فتح وكان على رأسهم الأخ الشهيد سعد صايل أبو الوليد للبحث مع المنشقين في مطالبهم إلا أن النظام السوري والذي كان يحتضن هذه الحركة التصحيحية, دائماً ما كان يشعل فتيل الفتنة بينهما حيث كان يرسل من يطلق النار باتجاه المنشقين تارة ومناضلين فتح تارة أخرى مما أدى إلى اندلاع الاشتباكات المسلحة وعمليات الخطف المتبادل بين الطرفين وبهذا تحقق مشروع النظام السوري الساعي الى توتير الساحة الفلسطينية في لبنان للقضاء على حركة التحرير الفلسطينية وذلك بمساعدة أعوان هذا النظام داخل الثورة الفلسطينية مثل عناصر الجبهة الشعبية القيادة العامة وقائدهم احمد جبريل وعناصر منظمة الصاعقة ومن الجدير بالذكر هنا أن هذه المنظمة كانت ركناً أساسياً في جهاز الاستخبارات السوري ، كما خرجت علينا أيضا منظمة أبو نضال البنا ـ فتح المجلس الثوري وكان يدعمها النظام العراقي حيث كانت بنادقهم بنادق مأجورة لا علاقة لها بالثورة الفلسطينية أو حركة فتح لا من قريب ولا من بعيد ، وحينما اشتد الضرب والضغط علينا من كل حدب وصوب استدعى الأخ ياسر عرفات بعض القوات التابعة لنا في اليمن والسودان للحضور إلى طرابلس ومساعدتنا في صد هذا الانشقاق.
وحين كان الأخ ابو الوليد يسعى للمصالحة والحوار مع قيادة المنشقين وإذ بكمين مسلح بانطليا جنوب مخيم بعلبك يطلق على موكبه النار مما أدى إلى استشهاده ,رحمة الله عليه .
وفي الوقت الذي حضر فيه ياسر عرفات الى مخيم البداوي بعد ان عاد من سوريا ، كان الشارع الفلسطيني يغلي حقداً على النظام السوري والمنشقين ومن سلك طريقهم لإيمان هذا الشارع بأن النظام السوري وراء عملية الانشقاق وتغذيته بما يخدم مصالحه في لبنان لأن النظام السوري كان وما زال يطمح في السيطرة على لبنان إذ يعتبره جزءاً لا يتجزأ من سوريا, فكانت هناك مظاهرة شعبية عارمة في مخيم البداوي لاستقبال ياسر عرفات لتأييده والوقوف معه لصد هذا الانشقاق ، إلا أن الأخ ياسر عرفات وحين حضر الى قواعدنا في جبل تربل أخبرنا بأن هناك اتفاق مع فيليب حبيب على إزالة كل القواعد العسكرية للثورة الفلسطينية جنوب خط بيروت دمشق,وكان هذا الاتفاق يحمل الكثير من الدلالات بين طياته.
وبعد هذا الاجتماع طلب الأخ الطيب عبد الرحيم أن نجمع له المقاتلين ليشرح لهم ظروف الانشقاق ودوافعه وحين قمنا بذلك بدأ
بشرح حيثيات الانشقاق وكان معظم حديثه تمجيداً لياسر عرفات فقاطعته قائلاً:" يا أخ طيب العيب فيكم أنتم, اما المقاتلون فنظافتهم كنظافة الثلج" , فامتعض الطيب عبد الرحيم من كلامي خصوصاً وأن حديثي جاء على مسمع من المقاتلين الموجودين في هذا اللقاء .

وبعد هذا اللقاء وبالتحديد في شهر رمضان كان هناك لقاء آخر مع الأخ ياسر عرفات في قاعدة الـ17 بأحراش الزيتون مقابل العيرونية وحضر هذا اللقاء عدد كبير من قيادات المنطقة وكوادر الحركة حيث كان ضمن الحضور الأخ أبو هاجم قائد قوات الكرامة والأخ الشهيد عبد المعطي السبعاوي وأحمد عبد الرحمن وشاعر الثورة يونس أبو جابر ,وقد لاحظت من خلال حديث الكوادر اللامبالاة إزاء ما يحدث وعدم وجود الرغبة عندهم لصد هذا الانشقاق , واثناء اللقاء قال الأخ يونس أبو جابر بيتاً من الشعر لم أعد أذكره إلا إنني أذكر أن الأخ أحمد عبد الرحمن قال للقائد ياسر عرفات أن يونس أبو جابر يهاجم بأبياته الاتحاد السوفيتي , عندئذ قلت للأخ ياسر عرفات " يا أخ أبو عمار, سبب البلاء في حركة فتح هؤلاء الكوادر"
وهمست في أذن الأخ الشهيد عبد المعطي السبعاوي أن يطلب من ياسر عرفات المبيت عندنا هذه الليلة في القاعدة – قاعدة صواريخ الجراد ,لا أدري لماذا كنت أشعر بالخوف على حياته في تلك الليلة إلا أن الأخ ياسر عرفات أخبره بأنه سيبات في مدينة طرابلس عند الحاج الشناوي, أذكر أني في تلك الليلة كتبت مقالاً مطولاً يتناول أسباب الخلاف بين حركة فتح والنظام السوري لأنشره في مجلة فلسطين الثورة في عدة حلقات تحت عنوان "حديث الشارع الفلسطيني"
إلا أن رئيس تحرير المجلة وحين اطلع على المقال قال لي : لا نستطيع في هذه المرحلة أن ننشر هذا المقال لوجود مساع للمصالحة مع النظام السوري.
فقلت له :عن أي مساع تتحدث والسوريون يتآمرون علينا على مدار الساعة .
وبعد الشد والجذب , انتهى اللقاء دون أن ينشر المقال وما هي إلا أيام قليلة حتى انتشرت قوات الثورة الفلسطينية في جبل تربل , العيرونية, الفوار , ميناء طرابلس, مخيم البداوي,مخيم نهر البارد
المنية ودير عمار وذلك لمجابهة المنشقين, وحين اشتدّ الضغط علينا وعلى قواعدنا العسكرية قلت للأخ عبد المعطي السبعاوي اننا تدربنا على صواريخ التاو الأمريكية فلماذا لا يتم شراء هذه الصواريخ إذ نستطيع الحصول عليها وبسهولة لاستخدامها في صد أي قوة سواء من المنشقين أو من النظام السوري, إلا انه أجاب بالصمت وهذا ما عزز شعوري بأن هناك فعلاً مؤامرة تحاك ضد وجود الثورة الفلسطينية على الساحة اللبنانية,ففي حرب أيلول صمدنا في مخيم الوحدات 13 يوماً تحت أعتى الأسلحة العسكرية التي استخدمها الجيش الأردني ضدنا ولم نخرج من الأردن إلا اننا في لبنان لم نصمد أكثر من يومين, حيث كانت هناك معرفة مسبقة لدى كوادر فتح بأن السفن قادمة إلى ميناء طرابلس لتقل المقاتلين الفلسطينيين وعائلاتهم إلى دول المنافي ( الجزائر, السودان, تونس, العراق,مصر واليمن ) وهذا ما تم فعلاً , وأنا شخصياً كنت على متن السفينة التي أقلت قائد الثورة الفلسطينية ياسر عرفات إلى صنعاء, وعلى متن السفينة تذكرت ما قاله الأخ القائد أبو إياد رحمه الله يوماً

" أكلت عندما أكل الثور الأبيض".


***

الفصل الرابع
ــــــــــــــــــــــ



فور وصولنا إلى اليمن وبالتحديد إلى مدينة صنعاء ـ منطقة الحصبة استأجرت لنا منظمة التحرير مباني سكنية للمكوث فيها وقاموا بتجهيزها بالأثاث والماء والكهرباء لتصبح صالحة للسكن لنا ولعائلاتنا.
وفي صنعاء تواجدت قوات الثورة في معسكر صبرا والذي كان بإمرة الشهيد أحمد مفرج أبو حميد رحمه الله,وكان يضمّ القوات التي نزحت من لبنان على إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982
أما قواتنا فكانت تسمى قوات شقيف وكانت تحت إمرة الأخ صائب العاجز , وهنا بدأ الصراع مع النفس, بدأ التساؤل , أين كنا وإلى أين نحن الآن سائرون , كيف ولماذا وإلى متى , وهذا ما انعكس سلباً على أدائنا وسلوكنا مما أدى إلى توتر الساحة الفلسطينية في صنعاء وكان لا يراودنا أثناء التفكر في أزمتنا إلا الرجوع إلى الساحة اللبنانية, فمن الصعب على الفدائي الذي تربى وترعرع في قواعد الثورة أن تجعل منه جندياً كلاسيكياً كباقي الجنود في الجيوش العربية , كما كان من الصعب علينا أيضاً التأقلم مع هذا المناخ التجيشي مما أدى إلى تخلفنا أو عدم التزامنا بمواعيد الدوام في معسكر صبرا وهذا ما أوجد نوعاً من العصيان والتمرد في صفوف المقاتلين,فأنا شخصياً رفضت أن أعلق شعار (النسر) وهو شعار جيش التحرير الفلسطيني لأنني متعصب لحركتي وشعارها (العاصفة) .

أصبحت أتساءل هل يمكن لثورة شعب أن تنتهي بهذه الطريقة, لم تكن هذه نهاية الثورة الفيتنامية كما لم تكن نهاية الثورة الجزائرية هذه الثورة التي انطلقت عام 1965 انتهت بعد 18 عاماً في المنافي والشتات من المسؤول نعم .. من المسؤول .
أذكر أني في إحدى الأيام أثناء مراجعتنا أنا وصديقي عبد الحليم المارديني ( كامل حسن ) لحال الحركة ومقاتليها, قلت له (نحن في حركة فتح فشلنا فشلاً ذريعاً والدليل على ذلك هو وجودنا هنا الآن, وقيادة فتح هي المسؤولة الأولى عن هذا الفشل بسبب تغييبها الدائم لسياسة الثواب والعقاب , فحين يكون هناك خطأ في المسلكية يكون هناك خطأ في السياسة هذا ما قاله لنا الدكتور الياس شوفاني في إحدى المحاضرات بدورة التوجيه السياسي ببيروت) وحين سألني صديقي كامل حسن عن البديل قلت له (يجب أن تنطلق الشرارة الثورية من الداخل,من قلب فلسطين على ألا تتدخل القيادة الموجودة خارج فلسطين في هذه الثورة لأنها قيادة فاشلة) .


بعد المد والجذر في نقاشات المناضلين وتذمرهم الدائم وعدم التزامهم بمواعيد دوامهم في معسكر صبرا بدأت قيادة الساحة اليمنية في صنعاء بتوجيه رسائل شكوى لقائد الثورة ياسر عرفات الموجود بذلك الوقت في تونس ، تعلمه فيها بوجود مجموعة من الفتحاويين وبالذات من قوات شقيف غير ملتزمين بالأوامر ,لا يحضرون إلا لأخذ رواتبهم أي في نهاية الشهر فقط ,وعلى إثر هذه الرسائل حضر الأخ ياسر عرفات الى صنعاء وأمر بعقد اجتماعاً مع كوادر فتح في بيته الخاص بصنعاء فذهبنا لحضور هذا الاجتماع وكنا قد كتبنا مطالبنا على ورقة بيضاء .
أذكر أثناء الاجتماع أن الرائد حسين كلاب وهو من جيش التحرير الفلسطيني ( قوات عين جالوت) قد وقف أمام الأخ ياسر عرفات وقال (هناك شباب من حركة فتح متمردون لا يحضرون الى المعسكر إلا ليأخذوا رواتبهم) ، فقلت لياسر عرفات أنا من أولئك المتمردين ووقف معي أيضاً الأخ أبو الفتح وقال (يا أخ أبو عمار هل أحضرتنا هنا لنمسح أحذيتنا ونحلق ذقوننا كل صباح) .


فتوترت أجواء الجلسة وقال ياسر عرفات للأخ ابو الزعيم وهو مدير الاستخبارات العسكرية لحركة فتح (صار الانشقاق عليّ لأنك معي)
ثم طلب ياسر عرفات من الأخ أحمد مفرج أن يوفر لنا باصات لتقلنا من و إلى المعسكر وهذا ما تم فعلا .
وفيما بعد كان يطلب منا الأخ أحمد مفرج أن نلتحق بدورات عسكرية متنوعة إلا اننا كنا نقابل أوامره هذه بالرفض وبدأنا نطالب بالعودة للساحة اللبنانية ,وأذكر أن الأخ أبو إياد والأخ أبو جهاد رحمهم الله كانوا مع عودة المقاتلين إلى لبنان على شكل مجموعات صغيرة .
أثناء وجودنا في صنعاء حضر لطرفي الإخوة أبو سرور وأبو مشعل وهم من كوادر فتح من كتيبة الجليل والأخ بديع من تسليح الكرامة وأخبروني بأن الأخ ياسر عرفات بعث برقية يأمر فيها بتسديد فواتير الكهرباء من حسابنا الخاص ، جاء هذا الأمر ونحن في قمة تذمرنا وامتعاضنا من الوضع الذي وصلنا إليه ,فقمت بتشكيل لجنة للاجتماع بكوادر فتح لعقد مؤتمر صحفي نفضح فيه هذا القرار أذكر من أعضاء هذه اللجنة التي كنت على رأسها الأخ الشهيد ناصر بكر رحمه الله والأخ أبو محمد ونّاس, وقمنا بالتعميم على الجميع أننا يوم الجمعة القادم سنعقد مؤتمر صحفي في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية وبدأ الصد والرد بهذا الموضوع على نار حامية وبعد يومين عاد لطرفي الإخوة أبو مشعل وأبو سرور وبديع وطلبوا مني أن أرجئ هذا الأمر لأن الأخ ياسر عرفات أمر بتشكيل لجنة تبحث في حيثيات هذا الموضوع, وفي نفس اليوم حضر لطرفي ليلاً الأخ الشهيد نبيل البيوك (محمد عمر) وكان عنصراً من عناصر القوة المحمولة في لبنان حيث كان يعمل في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في صنعاء ليخبرني أن أبو العبد عياد وهو من جيش التحرير الفلسطيني (قوات عين جالوت) قد حضر الى مكتب المنظمة وقال لصائب العاجز (ان الأخ عبد المعطي السبعاوي سيغتالك على يد شباب القوة المحمولة بكاتم صوت وأحمد ابو مريحيل هو من سينفذ هذه العملية).
بعد يومين وأثناء ذهابنا في الباصات الى معسكر صبرا وقفت في الباص وأبلغت الشباب بما تفوه به ابو العبد عياد لصائب العاجز وفور وصولنا الى المعسكر قام الأخ صائب العاجز باستدعائي لمكتبه
وهو على معرفة شخصية بي لأنني كنت ضابط إدارة القوات المشتركة في الشمال وكانت تحت قيادته في ذلك الوقت
وقال لي :ما الذي تفعله ؟
قلت : كل ما فعلته أنت موافق عليه
أأنت مع تسديدنا لفواتير الكهرباء ؟
قال: وهل اتطلعت أنت شخصياً على هذه البرقية
قلت : لا
فقال: مطلوب القبض عليك وترحيلك الى السودان والأفضل لك ألا تستقبل أحداً في بيتك .
وفيما بعد تناقلت وكالات الأنباء أن هناك محاولة انشقاق ثانية في اليمن على ياسر عرفات, وعلى إثر هذه الأنباء حضر الأخ ياسر عرفات مرة ثانية إلى صنعاء .
فقمت بطلب كتاب نقل إلى الساحة اللبنانية ورفض هذا الطلب الأخ أحمد مفرج أبو حميد رحمه الله ، فقمت بإعطاء كتاب النقل إلى الأخ مازن عز الدين ليقوم هذا الأخير بتقديمه للأخ ياسر عرفات فوافق الأخ أبو عمار على كتاب نقلي الى الساحة اللبنانية وكان قد طلب مني صديقي الحاج حموده مرافقته الى ليبيا للمكوث هناك حيث كان على معرفة شخصية بالقنصل الليبي في ذلك الوقت كما طلب مني أيضاً الأخ عبد المعطي السبعاوي مرافقته الى الجزائر إلا أني رفضت أيضاً, فقد كان ياسر عرفات في ذلك الوقت غاضباً على كل من قال أنا فتحاوي ، وللحقيقة لم تكن هناك أية محاولة لاغتيال الأخ صائب العاجز وإنما هي مجرد أكاذيب نسجتها أكف حاقدة دفعت بالأخ ياسر عرفات إلى نقل الأخ عبد المعطي السبعاوي الى الجزائر في الوقت الذي بدأت فيه مجموعات صغيرة من مقاتلي فتح بالتحرك نحن العودة الى الساحة اللبنانية وذلك بتشجيع من الإخوة أبو جهاد وأبو إياد لإعادة بناء تنظيم فتح في لبنان ، كما بدأت عناصر من قوات شقيف بالتحرك نحو الساحة العراقية .


***


الفصل الخامس
ـــــــــــــــــــــــــ


ها نحن أخيراً نعود إلى لبنان بعد أن وفرت منظمة التحرير الفلسطينية تذاكر السفر لنا ولعائلاتنا من صنعاء الى دمشق ، أذكر أنّا وصلنا إلى مطار دمشق ليلاً وفور وصولنا أقلتنا المخابرات السورية بإحدى الحافلات نحن وعائلاتنا للتحقيق, وفي الطريق حصل المشهد المضحك المبكي حيث كانت المخابرات السورية تهم بفصلنا
عن عائلاتنا لاعتقالنا وتعذيبنا في سجونها, فبدأت نساؤنا بضرب أطفالهن سراً ليصرخوا فيكون هذا الصراخ سبباً في إقلاع المخابرات عن فكرة اعتقالنا وهذا ما حدث فعلاً حيث كان رجال المخابرات
يسألون زوجاتنا إن كان لديهن أقارب في سوريا ليمكثن عندهم لحين الفراغ من التحقيق معنا ، فيجبن لا يوجد لنا أقارب هنا ، أهلنا في لبنان ونحن نرغب بالعودة الى لبنان .
كان هذا الحوار يدور والأطفال لا يكفون عن البكاء, فقامت المخابرات السورية بعد انزعاجها من أجوائنا بتسليمنا الى مكتب قدري للمنشقين ,وبعد أن سألنا عناصر المنشقين عن وجهتنا أطلقوا سراحنا وبعد أن بتنا ليلة في سوريا توجهنا في صباح اليوم التالي إلى لبنان وبالتحديد إلى مخيم البداوي .
عند وصولنا تفاجأ أبناء المخيم بوجودنا في الجامع " صلاة الجمعة " ورددوا ها هم شباب فتح يعودون من جديد .
كان في ذلك الوقت مسؤول تنظيم فتح في الشمال الأخ سليمان حلس " ابو الوليد " وفور وصولنا علمنا انه قد غادر طرابلس متوجهاً إلى تونس بعد ضغط المخابرات السورية عليه وكان تنظيم فتح يتمثل برفعت شناعة لهذا قمنا بتسليمه كتب النقل من الساحة اليمنية إلى الساحة اللبنانية ، في هذه الفترة كان تنظيم فتح غير فعال ، تائه بسبب ضغط الاستخبارات السورية في المنطقة والمنظمات العملية لها كالمجلس الثوري والجبهة الشعبية والصاعقة هذا المنظمات التي كانت تعمل تحت العلم السوري لذلك كان الرأي السائد في اجتماعاتنا السرية مع رفعت شناعة ان نلتزم بيوتنا لتجنب كل الأخطار التي كانت تحيط بنا في تلك الفترة .
فيما بعد قام رفعت شناعة بإرسال كتب النقل الى الأخ علي اللوح في عين الحلوة والذي كان ممثلاً لحركة فتح في لبنان, ونتيجة للفوضى التي كانت سائدة في الساحة اللبنانية والمعارك والجانبية التي كانت تخوضها حركة فتح مع حركة أمل من جهة وحزب الله من جهة أخرى ، لم نتمكن من الحصول على مخصصاتنا, فكنا منسيين في الشمال لذلك بدأنا بالعمل في المهن الحرة لإعالة أسرنا وبقينا على هذا الحال حتى وصول الأخ عبد المعطي السبعاوي الذي استلم قيادة المنطقة بعد الأخ علي اللوح في عين الحلوة, فذهبت إليه وأخبرته بما آل إليه حالنا وعلى إثر هذه الزيارة بدأت تصرف لنا المخصصات سراً كل شهرين وكانت قيمة هذا المخصص 20 دولار أمريكي بما يعادل 30 ألف ليرة لبنانية في ذلك الوقت, وما هي إلا أيام حتى
غادر رفعت شناعة منطقة الشمال متوجهاً إلى عين الحلوة بعد الضغط الشديد الذي تعرض له من قبل المخابرات السورية والمنظمات الموالية لها ، فأخذ وضع التنظيم في الشمال يزداد سوءاً حيث كان أفراد المنظمات الأخرى يشيرون علينا بأصابعهم " هؤلاء زمرة عرفات " .

وفي ظل هذه الأوضاع المتردية اضطررت أن أحمل هوية مزورة باسم ابن خالتي لأنجو من 3 محاولات اعتقال من قبل المخابرات السورية.

في إحدى الأيام حضر لطرفي الأخ عبد الله أبو زايد ليخبرني ان تنظيم فتح في عين الحلوة قام بتقسيم عناصر الحركة في الشمال الى قسمين (أ.ب) فاستغربت من هذا القرار وتساءلت ما هو الدافع وما هي الغاية من هذا التقسيم حيث كنا ساقطين تنظيمياً في الشمال ولم نكن حتى تلك اللحظة نعلم شيئاً عن رتبنا العسكرية ولم نكن نسأل عنها لأننا في وضع أمني لا نحسد عليه .

ثم عاد الأخ عبد الله ابو زايد مرة ثانية ليخبرني بقرار تعييني مسؤولاً عن مجموعة فتح المتواجدة في مخيم البدواي فرفضت هذا القرار لعدة أسباب منها ان أحد أفراد هذه المجموعة كن سيء السمعة حيث كان يبيع المشروبات الروحية علانية في المخيم, ولإبعاد الشبهات عني وعن باقي كوادر الحركة رفضت الأمر فأنا معروف باستقامتي ونزاهتي عند جميع أبناء المخيم .

ولكن رفعت شناعة أصرّ على أن أكون المسؤول عن هذه المجموعة وقام بتخيري بين المسؤولية أو الانفصال من الحركة ، وما هي إلا أيام حتى أرسل لي طلباً بإنهاء علاقتي بحركة فتح فرضت هذا الطلب أيضاً لأنه مخالف لقواعد ومبادئ وأسس الحركة .

واشتد الخلاف بيننا فقررت تجميد عضويتي في الحركة لكن دون الانقطاع أو الانفصال عنها نهائياً ، حيث كانت حركة فتح في ذلك الوقت تعاني من مناخ فاسد يتمثل في المحسوبية والوصولية والعشائرية, أجواء يشوبها التوتر والقلق الدائم الذي يهدد مسيرة الحركة ويسيء لشهداء هذه الحركة الرائدة, وكثيراً ما كانت تحدث مناوشات ومشاجرات نهاية كل شهر بسبب السياسات المالية الخاطئة والاختلاسات الفاضحة في ظل غياب القانون والمساءلة وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة .

بعد 3 أشهر من تجميد عضويتي أرسل لي الأخ عاطف وهو المندوب المالي لتنظيم فتح في عين الحلوة,أرسل رسالة مع الأخ سالم العطاونة يصر فيها على تفعيل عضويتي في الحركة من باب احترام تاريخي النضالي والتأكيد على انه لا أحد يستطيع أن يشطب هذا التاريخ كما لا أحد يستطيع أن يبعدني عن الحركة ، فتجاوبت مع هذه اللفتة الجميلة وعدت لأستلم راتبي من جديد وكان شيئا لم يكن ، (20 دولار أمريكي )، وبقيت أتقاضى هذا الراتب حتى قدومي إلى أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية في 26/11/1996 بتصريح زيارة أنا وأفراد عائلتي .

وهنا في غزة وفور وصولي توجهت لمكتب التنظيم والإدارة , كنت أتخيل أن هناك تغير كبير في مسلكية الحركة عما هو موجود على الساحة اللبنانية وفي دول الشتات, كنت أتصور ان الجميع هنا قد تعلموا من أخطائهم ومن احتقار الأنظمة العربية لهم ، كما كنت أعتقد أن هناك إدارة سليمة ناضجة تعمل في سبيل إنجاز المشروع الوطني والذي يتمثل في بناء الدولة وعاصمتها القدس الشريف
فتفاجأت إذ لم يبق شريف على أرض هذا الوطن سوى القدس .. القدس فقط !!

وفي مكتب التنظيم والإدارة تفاجأت بأن مدير المكتب هو محمد يوسف الذي كان يعمل مراسلاً في مكتب التنظيم والإدارة ببيروت عام 1977,وبعد السلام الحار والقبلات أعلمني برتبتي العسكرية
ـ نقيب منذ عام 1993 وسألني لماذا لم أحضر له كتاب نقل من الساحة اللبنانية, فأرسل برقية إلى سلطان أبو العينين للسؤال عني وطلب مني مراجعته بعد أسبوع , فأخبرته بأني كنت قد طلبت كتاب نقل من سلطان أبو العينين لكنه رفض ذلك رغم أني كنت قد سجلت اسمي ضمن أسماء القوات الفلسطينية التي ترغب بالانتقال إلى أرض الوطن,ثم أني استلمت راتبي قبل شهر من مغادرتي لبنان وهو (20 دولار أمريكي) لماذا لم يخبرني سلطان أبو العينين برتبتي العسكرية في ذلك الوقت وأين كانت تذهب أموالي ولصالح من ولماذا رفض إعطائي كتاب نقل إلى الساحة الفلسطينية .

بعد أسبوع وعند مراجعتي لمحمد يوسف أخبرني بأن سلطان أبو العينين بعث له برقية يقول فيها أني من المنشقين,فانفجرت غضباً واحتدم اللقاء بيني وبين محمد يوسف بعد أن صرخت بوجه بكلمات لم أعد أذكرها وعلى إثر ما حدث حقد محمد يوسف علي حقداً شخصياً فلم يكترث بكل الكتب والتزكيات التي أرسلت له لتبرئتي من ساحة المنشقين وقذارتها, بشهادة الأخ أحمد العفيفي نائب مدير المخابرات العامة والأخ الشهيد عبد المعطي السبعاوي قائد الساحة اللبنانية والمسؤول عني شخصياً والأخ الشهيد أحمد مفرج قائد المنطقة الجنوبية والأخ عبد الله الإفرنجي مسؤول التعبئة والتنظيم في حركة فتح والأخ جمال كايد (ابن عم زوجتي) قائد الأمن الوطني ,مع العلم أن كل هذه الكتب ما زالت (حتى صدور هذا الكتاب) في ملفي داخل التنظيم والإدارة على مكتب محمد يوسف لكن الحقد كان وما زال سيد الموقف .

هنا فقط أتساءل: ما دمت مع المنشقين,لماذا استلمت آخر راتب لي من فتح قبل مغادرتي لبنان ولماذا ترفعت على رتبة نقيب في 1/3/1993 ,هنا أيضا يحضرني الحوار الذي دار بيني وبين الأخ الشهيد صلاح خلف أبو إياد حين قال لنا في إحدى المحاضرات ببيروت " هناك طبقة متسلقة نمت في الثورة الفلسطينية يجب محاربتها" فقلت له: أتكون هذه الطبقة ونحن في فلسطين ؟
قال: نعم
قلت: إذن يجب أن تبقى أيدينا دائماً على الزناد .