الأدب المهاجر ( ذاكرة الرحيل ) نموذجاً .. بقلم : سندس شابسوغ
تاريخ النشر : 2008-03-23
الأدب المهاجر .. ( ذاكرة الرحيل ) نموذجاً
-----------------------------------------

تعتمد الكتابةُ المهاجرة على فكرة : إن الكتّاب الذين هاجروا من بلدانهم الأصلية نتيجةَ أسبابٍ مختلفة على رأسها الاحتلالُ الأجنبي، دخلوا بلاد المِهجرِ محمّلينَ بثقافة بلدانهم الأصلية، إضافةً لتأثّرهم بالظرفِ التاريخي والسياسي والثقافي في المجتمع الجديد، ولذلك أنتجوا كتابةً محمّلةً بثقافةِ وهموم بلدانهم الأصلية، ومقتحِمةً بالوقت ذاته ثقافةَ البلدِ الجديد.
يقف المفكرُ الفلسطيني ( إدوارد سعيد ) على رأس الهرم الأدبيّ المهاجر، حيث أثبتَ بطريقةٍ عميقة إنّ الثقافاتِ مكوّنةٌ من خطاباتٍ مختلفةٍ ومتغيّرة ومتناقضة، وربطَ بين العمل الأدبي وشروطِ الكاتبِ التاريخية، ومن هذا المنظارِ يقدِّرُ سعيد التجربةَ الإثنيّة والأقَـلَّويّة باعتبارها فتحتْ ثغرةً في البنيانِ الثقافي لبلد المهجر، فهذه المحاولاتُ الهامشيةُ انطلقتْ من عالم الأدب وإليه، وهذه المسألةُ هامةٌ جداً لأنها تخصُّ شعوباً تريد التحرّر وإثباتَ الذات.
تُعتبرُ روايةُ ( ذاكرة الرحيل ) للكاتب ( أديب بدرخان ) نموذجاً حياً لحكايةِ التهجيرِ القسريّ الذي عرفهُ الإنسانُ منذ أقدم العصور، ومازلنا نشاهده لليوم في فلسطين والعراق في عصر حقوق الإنسان الصُورية، ومنابرِ الإعلام المحكومةِ من الدول العظمى.
وهي روايةٌ اجتماعيةٌ في إطارٍ تاريخيٍّ مُوثَّق، تدور أحداثُها أواخرَ القرن التاسع عشر، عندما تمكنّت قواتُ روسيا القيصرية من احتلال منطقةِ جبال القفقاس، وبعد إحكامِ الحصار العسكري والاقتصادي على شعوب المنطقة، فُرضتْ عليهم الهجرةُ القسريةُ من أرضهم دون رجعة، فاستقرّتْ هذه القبائلُ في بلاد الشام، وبدأتْ علاقاتٍ جيّدةً وجديدةً مع الشعب العربي، وهذه هي هجرةُ الشراكسة، وتبعتها هجرةُ الأرمن بدايةَ القرن العشرين، بعد حروبٍ ومجازرَ وحشيةٍ شرّدتْ هذه الشعوبَ الصغيرة في مجاهيل الدروب.
يمكننا القولُ إنّ رسالةَ الكاتبِ المهاجرِ هي محاولةُ تأريخِ زمنه، كي لايُنسى .. أو ليقولَ كلمتَهُ فيه، فهو ابنُ هذا التاريخِ الجريح، إضافةً لرغبته في التعبير عن الضياعِ والموتِ المعنوي، وعن حُمّى الذكرياتِ التي تجعلُ الكتابةَ مجرّدَ حائطِ مبكى على الماضي.
فذاكرةُ الشعوب لا تشيخ، والأدبُ وسيلةٌ للردِّ على قوى الطغيان الكبرى.


بقلم : سندس شابسوغ / دبي