الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

صعاليك في حفل تأبين اسماعيل شموط العماني !! بقلم:محمد لافي

تاريخ النشر : 2007-08-13
أهديك يا تيسير هذه المادة.. فلا تغضب كلنا في البحر ماء



صعاليك في حفل تأبين

محمد لافي "الجبريني"



لو لم أكن أنا ما أنا، لما تمنيت ان أكون أنا.. اعوذ بالله من قولة أنا ، لكن أناي تغيظني في مناسبات كثيرة، الى حد البوهيمية وأقصى يسار تطرفها الفوتشيكي!

على كل حال الحق على تيسير، ومحمد الذي أعادني لنزعات تيسير الذي ليس له من اسمه نصيب..

كان علي أن أكون أكثر مللا وفراغا حتى اقبل دعوة محمد لحضور ذكرى تابين الراحل إسماعيل شموط في المركز الثقافي الملكي.

علمت بداهة أن المكان سيعج بالمتانقين، ذوي الكنادر الجلدية الباهظة، وبدلات السموكينغ التي لن اجرؤ على السؤال عن ثمنها، وبعض البارفان، قررت الذهاب..

***

الزمن يضيق ويرحب مثل بنطلون الشارلستون، وفق هوى الصانعين، وتجار القماش والهواء، خاصة في فصل السعودية -الذي يجيء بعد الشتاء بعد أن لغى الربيع- العابق بالدشاديش البيضاء، الشفافة، الهفهافة، التي تشف جيوبها الصدرية عن اوراق نقدية من فئة الخمسين، وجيوبها الجانبية عن مسبحة خزفية،مفاتيح توحي بالكثير، وعلبة الحبوب الزرقاء، مرادفة البروتيلات في كوفي شوبات عمان، والغبار المرادف لسيارات ال(gms) والشفرولية والهمر، ودوريات البحث الجنائي، شباشب البلاستيك موديل تويوتا، اعلانات الراقصات في الفنادق، وحملة أمانة عمان لدهن أرصفة المدينة وتجديد حاوياتها... الى آخره يا صاح.

إنه فصل بترولي بحق، أكرهه بكل أسعاره وخضاره وبطيخه المبسمر، وزجاجات الوسكي الفاخر على قارعة الطريق في راس العين –بالغلط- أو وادي عبدون –بالصح!

***

قلت.. إذن أغتنم إتساع الشارلستون من الوقت، بعد أن مللت مكتبي المحاط بثرثارات لا يلقن بساعات بوهيميتي، فأقتنص الوقت وأبذر عشرين قرش أخريات لزيارة هشام عودة في الأنباط الذي لم يقبض راتبه منذ أربعة اشهر، بعد ان عاد لمن لم يعطوني مستحقاتي منذ اكر من سنة ونصف.

مش خسارة فيك يا أبو الطيب، بعدما خسرت القومية في رابطة الكتاب، خططت لربح صحن حمص في حمادة، يساعدني على فهم ما سيقال في التابين.

***

على باب العرب اليوم بجنب الانباط مقابل المختار، في الطريق الى ستاد عمان لم أجد أبو الطيب، وحمادة كان يشطف المحل،ومحمد فاجئني بانه لم يكن ينتظرني بل ينتظر تيسير نظمي، الذي طل من تحت جسر المدينة بمشيته الصعلوكية..

مؤخرة مشدودة للأعلى، مرتخية الى الامام، يساعدها على ذلك ورك يعرج بخرينة مقصودة، يقطع الشارع أمام الجيمسات والشفرات، يد في جيب والاخرى تتطوح بزناخة مفرطة مثل إصبع وسطى عملاقة تشير الى من هم خلف الزجاج المعتم وتتحداهم أن يدعسوا صاحبها.

بنطلون على وشك الانفراط مجددا وشبشب يشحط الارض شحطا كأنه يسعى الى تخريبها بالتقادم.. مظاهرة تدل بطبيعة الحال أن تيسير مبسوط أو أن مزاجه عالي، أما لماذا مبسوط، فلأنه حسب قوله ساعد في دحدلة محمد دحلان، في مقاله الاخير على موقعه الفوضوي، وربما ظفر بموقعة مسخن في أحد البيوت البرجوازية التي يتملقها عند موعد الغداء او العشاء، ويلعن ابو اللي نفضها في خطبه العصماء.

كنت بصدد كتابة مادة انخل فيها محمود درويش وألعن أبو سنسفيل حصار بيروت إللي خلانا نصدق أن محمود درويش حواري الثورة، منعته الرقابة الداخلية، الذاتية كوني صاحب عيال بلا ظلال في الخزان، حتى جارتي لما عرفت بالامر استنكرت علي ذلك، فهو (درويش) على باب الله ولا يجوز أذيته لأن (الله) الذي عرفنا اخيرا من أعطاه هذا السر من اعلاه، ومن رفعه على جراحنا ليراه، سوف ينتقم مني بأسرع من وصول الجريدة الى المطبعة!

***

كل شيء كان يوحي له بالسعادة في ذلك اليوم لولا غضبه وانزعاجه لإختياره في مؤتمر منظمة الرابطة العالمية للنقد الأدب في باريس كعربي وحيد فيها دون أن يلتفت أحد من الصحافيين للأمر، وليعده مؤامرة تهدف الى محاربته.

لم أحتج ان أكتب شيئا، عندما قررنا أن موعد التأبين بقي له نصف ساعة، هي المدة التي سنستهلكها مشيا من الجسر الى الدوار، حيث ستدور فينا الخطب، بصدق تمنيت لو أن عندي سيارة، ليس لشيء، فقط لأن تيسير لم علينا كل صواوين الآذان المشنفة، لم تبق مخبرا في البلد إلا واستعد لكتابة تقرير دسم ومنى نفسه بعشرين دينار زيادة، لكنه تيسير وشعار كل خصومه .. الله يبعده ويسعده!

مررنا من بوابة المركز الثقافي الملكي، وتيسير يعرج متعمدا أن يمسح مؤخرته بسيارات الشبح والرينغ روفر والخنفساء، المصطفات على باب المركز، كأنه يتحركش في زوامير الانذار!

كان الاوان على التراجع قد فات، تيسير بمظهره الاستفزازي على كل حال، لم يكن بأسواء من بوهيميتي النكدة في ذلك اليوم، فرطوبة العالم لن تساعد شعري المقاوم لمقصات الحلاق منذ زواجي حتى اليوم على الانضباط في الصف، خاصة وأن لحية غير مفهومة تؤازره عبر خطين كثين من السوالف الهبيية.

كل ذلك ربما يمكن تجاوزه على إعتبار انه قد توضع في خانة مظهر المثقف الثوري الفوضوي صاحب لون جنوني في الرؤيا، الا أن مزق الحذاء وضرب النعل في أسفل قدمي التي ترك ثقب الجوارب فيها مساحة تجعل لذلك الضرب صوتا يسبه الصفيق مع كل خطوة اذا لم اجرها جرا، وبالتالي فالمظهر الثوري الفوضوي سيغدو ببساطة مظهرا تسوليا، يجعل اول من يقابلني يطردني بكلمة "الله يعطيك"!

ولولا لطف الله وان لتيسير معارف حتى من قمة الهرم البرجوازي الوطنجي لطردنا شر طردة.

***

توقيت دخولنا للبهو لم يعط احدا الوقت ليتفرس وجوهنا ويرمقنا شزرا، فالحضور بداوا يدلفون الى المسرح في صف منتظم من الملابس السوداء، قبل التسليم على عائلة الفقيد.

كان الامر بمثابة ندة بروتوكولية لنا، وأنا شخصيا كنت بين نارين، أن أبدأ انا بالتسليم، وكانت العادة الجارية بين أبناء طبقتي هي من شاكلة "عظم الله أجركم" أو "يسلم راسك" وفي حالات اكثر غوغائية خاصة اذا كان إبن الفقيد ذي شعبية "ورعرظ إمي عادي يا كبير"، والنار الثانية ان يسلم تيسير اولا وهو ما يمكن الاعتماد عليه، خاصة وان محمد رفض التقدم تحت اي ظرف، قبلنا بأهون النارين فسلم تيسير وحرصت أن اسمع ما يقول في هذا الموقف، فلم يقل شيئا ولم اقل انا شيئا، وقال الجميع عدانا عظم الله اجركم!!

***

شحطنا شباشبنا، وأنصاف الكنادر على الموكيت الناعم، مررنا بين صفوف الكراسي، وقفنا بالمنتصف إختار تيسير الجلوس أقصى اليسار ليتناسب موقفه مع وقفته، إختار محمد الوسط ليتناسب مجال الرؤيا مع مادته الصحفية، وإخترت اقصى اليمين، إيمانا مني بالمرحلية التي يقتضيها حفل التابين، وللإقتراب اكثر من الصف الأول الذي لا شك سيفيض بالمهمين، فوافق تيسير شرط أن يتم إعتباره يسارا من قبل المنصة المقابلة، ونعتبره نحن يمينا عند حزها ولزها، فلم يجد محمد الا ان ينصاع.

المكان مثل علبة سلطة فواكه فيها، الاجاص والكمثرى!! البرقوق، البابايا، الكيوي والاناناس وهكذا كان الناس، نبت بينهم فجأة ثلاث حبات فول على حين احتفاء برمز وطني..

تيسير حاول ان يتذكر الفقيد، فتذكر سجاده العجمي الكثيف كغابات السافانا، أعجبني الراحل وازعجني أن موقعه الالكتروني محمي ممن يبحثون عن صور رمزية لمقالاتهم، فكانت الرسالة ان ادفع بالتي هي أحسن.

تذكر محمد الفقيد،وقال أنه سمع ان اللوحة تباع بمائة ألف!

فقلنا الله يرحمه، يكفي انه رسم لفلسطين وإن كانت تلك البرجوازية.

لم أعتقد أني سأتفق مع تيسير سياسيا في يوم من الايام، فبقدرا ما أثار هذا التروتوسكي اللعين فضولي ورغبتي في صحبته –احيانا- بقدر ما ازعجتني مواقفه –احيانا. ولكن أن أتفق فذلك اليوم سيكون مشهودا.

وكأن تيسير اللعين وجد فرصته ليمارس هوايته في الخرينة الصعلوكية، وكأن بينه وبين الموجودين ثأر شخصي، في خضم حديث عريفة الحفل، أطلق ضحكة هوجاء، أثارت استنكار من لا يعرف تيسير، وصبت العرق على وجوه من يعرفونه، عندما بدأ اسعد عبد الرحمن الحديث، توجه الى الصف الامامي وإختطف زجاجة ماء وبدأ يصب لنا كأنه في جلسة صعلوكية على احد الجبال، كان علينا ان نمارس الضبط وهو يسخر من أحمر الشفاه على كوب الماء، فلم تسعفنى قصيدة سميح القاسم التي جاء دورها لتزيد من سخريته الفظة، فكان علينا الانسحاب قبل أن يأتي دور الاب عطا الله حنا ونفتح جبهة اخرى من الاتهامات التي ستنالنا.

***

الاحاديث بدات تاخذ كالعادة، الحدث كإسقاط على النظرية السياسية، ولأن الصراع الفلسطيني الفلسطيني في غزة هو الباب الافضل للبحث عن الحل الشخصي، فقد كان لا بد من إشهار جزء من الخطاب في التملق السياسي من قبل البعض، الذي لم نفهم سببه بوضوح في البداية، ريثما هممنا بالذهاب، بحجة السيجارة، التي جعلت عينا تيسير تقدحان شررا في مواجهة محمود درويش، القابع بصمت في المقاعد الخلفية.

بعد ذلك لا بمكننا الجزم بما حدث، هل نقل تيسير مع نظره من المنصة الى عيني درويش ما كان يقوله عبد الرحمن، ففهمه درويش؟

هل كانت نظرات تيسير تهديدا ضمنيا لدرويش نفذه في قصته الاخيرة "عزرا"؟

هل كان رحيل درويش السريع بعد تلك المواجهة البصرية، تلاشيا لزوبعة يثيرها تيسير؟

لم نعلم على الارجح، خاصة أن تيسير قطع الطريق على المغادرين..

قابل رفيقا قادما اخشى ان يقاضيني ان ذكرت اسمه قائلا.. هل صار اليسار من الوقاحة الى الحد الذي يبارك فيه اوسلو..

غادرنا وكان يوما جميلا بحق، لأن ذاكرته لم تحفل بعلقة، ولا زنزانة...

غادرنا ولم نعرف مالذي يبرر لحماس بذات الايديولوجيا التي يبرر فيها شيوعي آخر لمليشيا دايتون.. بالنتيجة والمهم.. للصعاليك على الاغلب أديولوجيتهم المكتوبة بحبرهم السري..

ولم يعد مهما من سرق العمود الذي كان في آخر الشارع...

www.nazmi.org/books.html
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف