الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الطريق إلى بعكورة - مقطع من رواية تيسير نظمي الجديدة

تاريخ النشر : 2007-05-26
الطريق إلى بعكورة

1-الحافلة

هكذا فجأة انخرطت في بكاء مرير صعب على ركاب الباص صبيحة ذلك اليوم تفسيره. فقد مضى على ركوبها للحافلة سنتان، تدخل متجهمة بعض الشيء ونادراً ما تبتسم، تجلس في المقعد المحاذي للنافذة بانتظار صديقتها أو زميلتها في العمل أن تحتل المقعد المحاذي على يمينها . لم يخطر على بال أي من المدرسين أن مثل تلك المعلمة سوف ينهار جبل صمودها القاسي مرة واحدة. فقد أصبحت مع الأيام وانضباط المواعيد وتوقيت حركة الباص، كونه وسيلة النقل الوحيدة لقرية نائية، جزءاً من الروتين اليومي المعتاد للجميع.كان أن حصلت على تعيينها معلمة بعد أن أودعت زوجها السجن لتظهر بثياب الناسكين حتى في لباسها الميال دائماً للألوان القاتمة وفي أحاديثها ولفتاتها ونظاراتها السميكة التي توحي فورا بمعاناتها من الاستجمتزم، أصبحت مألوفة لدرجة مقيتة بحيث لا تدعوا أيا من الركاب في أي من الأيام أن يتساءلوا من باب الفضول عن مزيد من المعلومات عنها غير كونها: مطلقة، ولها أطفال، ولم تتزوج منذ طلاقها بعد معاناتها من التردد على مراكز الأمن نتيجة خلافات مع طليقها أو مع زوجها قبل أن يصبح طليقها، كل هذه التفاصيل باتت معروفة منذ سنتين فما الذي يدعوها اليوم لمثل هذا الانفجار البكائي المرير، كلما أسكتوها ازدادت بكاء وكلما تساءلوا عن السبب انهارت أكثر بالعويل، هكذا فجأة تفجرت ينابيع غير محسوبة من داخلها. براكين من الألم الذي كانت تدفنه وتحرص على عدم نضوجه من خلف تقاطيع هادئة أحيانا ومتجهمة دائماً ولكن ليس لدرجة العبوس المنفر. وحده الرجل الصامت كان يعرف أكثر مما يعرفه الجميع.

لذلك لم يتحرك من مقعده ولا تساءل ولا واساها ولا تدخل في شيء .عندما نزلت من الباص في منتصف الطريق لتقفل عائدة إلى أطفالها الذين ادعت أن أحدهم مريضأ

وأنها تبكي عليه، وحده الرجل الصامت كانت عيناه قد بدأتا تغيمان وتتحدر الدموع على وجنتيه بصمت لأنه وحده الذي يعلم من المنضبطين في الحزب بحكاية تعاونها وتلفيق التهم لزوجها السابق الرفيق والمناضل الذي قدم شبابه لها وللحزب ولقضيته. وحده الذي أدرك مأساة أن يصدقها كل الناس إلا نفسها. فقد اقنعت مع الأيام كل من لا يعرف طليقها أنه رجل سيء وسكير ومبذر واتكالي ويطمع في نقودها ويتوكأ على وظيفتها. في حين كان يعلم الرجل الصامت عكس ذلك، بل عكس ذلك تماماً.

فالرفيق تزوج منها تلميذة وعاملها بما افتقدته خلال ثماني عشر عاماً من حنان وأبوة فكان لها أبا وأخا وأستاذا ومربياً ولم تكن تحبه، فقط هربت من المعتقل الذي كان يسمى منزل والدها إلى الحرية والبحر. إلى الجماعة والحزب والى القضية التي كانت تؤرق الرفيق.

وكان يعلم الزوج بتحولاتها كما لو زهد في الحياة كلها ويعلم أن لا عرس حقيقياً له في دنياه، فقط عليه أن يكون ملتزماً بالواجب، أن يكون نزيهاً في علاقاته وأن لا يجرح شعورها بمجرد التفكير بالخيانة. فماذا يقول الرجل الصامت للآخرين معه في الحافلة؟ هل يقول لهم أنها قتلته، وأمعنت في قتله؟ لعلها إذن تذكرت أنها غير

مقتنعة بما اقنع الناس، اليوم فقط قد يكون ضميرها تحرك قليلاً، قال الرجل الصامت لنفسه: إنه انهيار جميل.. إنساني جميل.. بدلا ً من هذه الجبال الجرداء والقرية الهادئة الصماء، مكافأة من تعاونت معهم عليه، لها، ما أحقر المكافآت من القتلة للقتلة، ولم ينتبه أحد من الركاب، والباص يمضي روتينه اليومي، إلى دموع الرجل الصامت، فقد كان، كما اعتاد، جالساً في المقعد الخلفي مثلما هو في الحزب. نسي بقية الركاب المفاجأة، والبكاء والمرأة، وعاد الجميع لأحاديثهم اليومية المعتادة، في الطريق إلى المدرسة. مدرسة واحدة فقط، ولا تقول شيئاً واحداًِ عن الحياة. ورجل صامت فقط تصطرع بداخله الحياة ولا يصارع غير الموت. منذ عشرين سنة وهو يخوض نفس النضالات في الحزب ومنذ عشرين سنة وهو يقطع الطريق الممل إلى بعكورة حيث تم تعيينه أول مرة دون أن يشي بأحد ودون أن يكون سببا في حبس أحد، ودون أن يتمتع بإجازة الأحد أو يسمع أجراس الكنيسة ذات أحد.

2-المطرقة والمنجل


دخل إلي في الزنزانة حاملا مطرقة، قال: خذ واحفر في هذا الجدار عالمك، فتناولتها تلبية للأمر وأنا ما زلت أفكر بان البلد أكبر مصدر للاسمنت ولكن هذا الجدار الأسمنتي الصلد المسلح بالخرسانة والحديد الصلب من أين له بكل هذا لو لم أكن شريكاً في صنعه دون أن أقصد، فالبلد الذي أتناول مطرقته لأحفر في جدران زنزانته عالمي جاء بالاسمنت وأنا جئت بالحديد المسلح من غزة. أعدت إليه في اليوم التالي مطرقته بعد أن صقلت بها في الليل روحي. فلولا إرادتي الفولاذية ما جاء بي أحد إلى هذه الزنزانة. قال ساخراً وهو يأخذها من يدي: هل حفرت بها عالمك؟ قلت له بهدوء: عالمي بداخلي.. طرقت فقط بها ندب الروح وصقلت بها كل حديد الإرادة الساخن ولولا أنني من مطرقة ومنجل لما جيء بي إلى هنا، فقال: هل تسخر وتتفلسف! قلت: حاشا، لكن مطرقتك لا تصلح سوى لطرق العملات المعدنية، ولم أعد بكثير حاجة هنا للعملات المعدنية. فمضى بالمطرقة والنياشين ومضيت أنا في الأغنية أدندن:

حن الحديد على حالو وانت ما حنيت، لو كنت تدري بحالي...

في اليوم الثالث لإضرابي عن الطعام جاء نفسه ليخبرني أن المشتكية في قضيتي مرت اليوم بإدارة السجن وفي حقيبتها تقرير طبي يفيد بأنني مختل عقلياً ومريض نفسياً وتطلب مفاتيح السيارة اللادا الحمراء لتسليمها لدائرة الإجراء تمهيدا لبيعها بالمزاد العلني لتحصيل نفقتها الشهرية، ثم ضحك هازئا وقال: هل آتي لك بمطرقة العملات المعدنية؟ قلت: لا حاجة لي بها فمن تريد الطلاق والحرية لا حاجة لها بالإنفاق من العملات الأجنبية، فناولني ورقة مهرتها بتوقيعي ليصار إلى إقراري لها بالنفقة الشهرية. فمضى بها وبنياشينه ومضيت أنا في الأغنية أدندن:

يوم على يوم لو طالت الفرقة

ما نسيت أنا يوم ما نسيت أنا الرفقة...

وفي اليوم الرابع من مواصلتي للإضراب جاءني بلائحة الاتهام وقال ساخرا: شروع بالقتل مع سبق الإصرار والترصد مكرر ثلاث مرات... يعني مؤبد يا فيلسوف عصرك، فما أن قرأت لائحة الاتهام حتى خجلت قضبان السجن الحديدية ولانت لي ولم أشآ استغلال ليونتها والدموع التي ترقرقت من عيني الجدار وهو يراني...

طويت لائحة الاتهام وأنا أتذكر أول مرة أشاهد بها المنجل في يدي أمي في سهوب القرية في الخمسينبات،أيام النتش. وأول مرة أشاهد بها المطرقة في يد والدي في الستينيات في وزارة الأشغال العامة الكويتية بقسم الحدادة والصلب،أيام الهبش. فأدركت جمال أن تكون الابن الوفي للمطرقة والمنجل.

وفي اليوم الخامس جاءني مكفهراً ففتح قفل باب الزنزانة من دون أن يتكلم بشيء ولما لاحظ عيني المستفسرتين قال باقتضاب

: إلى المحكمة،

ولا ادري مع انهمار شمس النهار في عيني دفعة واحدة لماذا تنفست هواء الأغنية هذه المرة دون دندنة:

بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب...

لا مالي ولا ولادي على حبك ما في حبيب.

كنت اشتهي آنذاك قلما واحدا فقط والسماء الزرقاء الصافية

1996

www.nazmi.org/literature/Page_1.html
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف