الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الرومانسية الاميركية بقلم:كلاديس مطر

تاريخ النشر : 2005-04-23
الرومانسية الاميركية بقلم:كلاديس مطر
الرومانسية الاميركية

تزور الولايات المتحدة الأميركية، كشبح لا مرئي غرف نوم الشعوب ، تحمل مكبراتها و العدسات، و ترقب أنفاسهم النائمة ، تتلصص على خصوصياتهم، و تسترق النظر من ثقوب أبوابهم، و تدني أذنها من الهمسات و الاعترافات و حركة الدموع و قهقهات الفرح .

انها هناك في ماء المزهريات الصغيرة، و في لفائف السجاد المليء (بالنفتالين ) ، في زوايا حقائب الاطفال المدرسية، تقبع مع بقايا الخبز اليابس المكسر و الاقلام ، في ظروف الرسائل ، في المحبرة ، في خوابي زيتنا ، في حبكة خيزران كراسينا أمام فسحات ابوابنا المشرعة على الشمس ، في هدأة بعد الظهر، و في دروب العشاق القليلة في قرانا الهادئة .

لا تعاني اميركا من نوبات رومانسية طارئة ، و لا خطر ببالها، ان تستلقى لوجه الله، تحت شمس سنابل قمحنا، و تقرأ كتاباً ، و لا مر بخاطرها أن تعين سيدة على رفع جرة ماء على كتفها ، و لا دفعها الحماس لتساعد طفلاً في حل مسألة حساب صغيرة .

لاتلتفت اميركا الى سوق رقيقنا المعاصر ، و لا يقلقها البتة ان كان للمرأة العربية دور في الحياة السياسية أو أي حياة على الإطلاق ، و لا هي معنية بأميتها أو عزلتها أو حجابها، و لا حتى الختان . و لا يعدل في حساباتها المتشعبة الفسيفسائية نسبة وفيات الأطفال في الدول الفقيرة، و لا التضخم السكاني و لا حتى ازمة المياة . و لا هزت عرشها الأوبئة المنشرة و لا ربما الكوارث الطبيعية .

اذاً، ماذا أتت تفعل مع عدساتها المتطورة هنا؟ ، و لماذا ركزت عيون ( غاليله ) الميكروسكوبية على مفترق شوارع مدننا العربية؟ ، و لم كان لها رأي في تصميم جلاليبنا و قبعاتنا الريفية و فساتين النساء ؟! و لم استبدلت شراب العرق سوس بالكولا ؟، و نوك الجمال بالجعة المزة ؟، و حبوبنا بالاجبان المهدرجة البترولية المنشأ ؟!!! لماذا تريدنا ان نستبدل الحنان المنزلي بجيوش الخادمات السرلنكيات و حفاضات بامبرز؟ – و انا هنا اتحدث بشكل رمزي – و طعامنا التراثي بالبيتزا و شطائر ماكدونالدز و ازياءنا المريحة بمقاسات الجينز الضيقة و خفر بناتنا بعري الأزياء الموحدة ؟!

لا تقض مضجع اميركا الديمقراطية المنقرضة في البلاد العربية ...هذه الديمقراطية التي ان تحققت فانها ستطيح اول ما تطيح بها هي. و ليست منكبة كتلميذ دؤوب مثابر على تلقين مفكرينا الملتحين مساوئ الارهاب، و هي المدرسة الاولى المؤسسة للارهاب في العالم و الراعية الرسمية السرية له !، ولا حتى يرف جفنها من فساد أو سوء اصلاح أو تزوير في انتخابات، ولا حرك سكونها ظلم أو عملية اغتيال أو حتى قنبلة نووية تجريبية صغيرة محت جزراً عن الخارطة ! !!!

اذا ، مرة ثانية ماذا تفعل عدساتها و المكبرات هنا في غرف نومنا؟ تحصي انفاسنا و تعد علينا دقائق يومنا و تشير ، حسب قانون عيبها الخاص ، لما هو خطأ و لما هو صواب ؟!!!

الحق ، ان اميركا يجرفها تيار آخر . و اجندتها قد ساهم في خلقها مستشارون أميون لا يعرفون الف باء ثقافة الدول العربية أو الشرق الاوسط الكبير كما يدعون ، و مراكز دراسات استراتيجية لا تعرف ان تقرأ التاريخ أو تقوم برحلة استشراقية و لو قصيرة الى ( الميدان ) فتكتب عما تراه، لا عما تظنه أو تتخيله ! اقول ان اميركا التي تتلصص بعيون يهودية على مصادر الطاقة و النفط في العالم ، بينما تفرك كفيها للحظة الانقضاض ، تطرح اجندة ( رموز و شيفرات لا تفك ) امام الشعوب العربية و القادة العرب!

لقد نسيت( البوشية الحديثة ) ، نسبة لبوش ، في حمأة وضع يدها على النفط ان كل الحركات التي ظهرت في القرن الماضي الى يومنا هذا ، وا قصد التاريخ القريب ، من البلشفية الى النازية فالصهيونية ثم الشيوعية .. و حتى ظهور اميركا كقوة قطبية واحدة قد انتهت الى غير رجعة، و ان صيرورة التاريخ قد فككت هذه الحركات و من بينها الاتحاد السوفيتي القوي كما يفكك طفل عربته الخشبية الصغيرة الى قطع .

لا نستطيع ان نلوي رقبة التاريخ مدفوعين بسرعة التحرك تحت مبرر ( قبل فوات الاوان ) فصدام حسين كان يمكن ان يقضى عليه باقل الوسائل دموية، ان كان النظام الديمقراطي بالفعل ما تتطلع اميركا لكي تنشره في العالم . و لكن بعد هذا الدخول الاحتلالي المريب طفت على السطح النوايا الدفينة و بدت الاجندة – الشيفرة غير المفهومة للعرب و كأنها هي الغاية و ليس احتلال مصادر الطاقة .

لقد تحدثت الاجندة الاميركية عن :

اولا : عراق مستقل ديمقراطي ( و كانه الدكيتاتورية الوحيدة في الشرق الاوسط ..) فبررت التدخل تحت عنوان نبيل لانقاذ اغنى بلد عربي نفطي !

ثانيا : عن قواعد عسكرية امنية في ليبيا و ديمقراطية في كل من السعودية و مصر.

ثالثا : خلق حالة تعاون اقتصادي سلمي تفاعلي بين اسرائيل و جيرانها العرب و على رأسهم الاردن طبعا .

رابعا : القضاء على كل المنظمات الفلسطينية الاصولية وغير الاصولية المعارضة لاسرائيل، و لعملية السلام، و اولها حزب الله، عن طريق الضغط عليه و تصفيته تماما و اغلاق مكاتب كل المنظمات الفلسطينية في سورية و اخراج سوريا في الحال، و بكل الطرق الممكنة من لبنان، و فتح الطريق عميقا امام توقيع اتفاقية سلام كاملة شاملة و تطبيعية مع اسرائيل .

خامسا : الخطة الاعلامية الكبرى الترويجية لاميركا في الشرق الاوسط باعتبارها راعية الديمقراطية و الحريات و حقوق الانسان في العالم . و قناة الحرة مثلا دليل على واحدة من هذه القنوات الترويجية الاميركية الدعائية .

ان العرب يتلهون اليوم بهذه الاجندة الغريبة السريعة و المفاجئة التي اتت على رؤوسهم بكل تداعياتها كالضربة القاضية ، و لم تعد الغاية الاولى للتدخل الاميركي هي الطاغية على الجدل و انما الخطوات التي اصبحت هي الهدف الذي يحاول الكل مصارعته .

و في سوريا، كمثال على ذلك اقول ، كان سوء التقدير هو المطب الذي وقع فيه اصحاب القرار . فلقد كان الاعتقاد السائد ان تبادل المعلومات الامنية مع اميركا بعد احداث 11 ايلول هو مفتاح الحل بالنسبة لتخفيف الضغط الاميركي عليها . لكن هذا لم يحصل ابدا ، فلقد غدا ضرب النفوذ الاقليمي السوري احد بنود الاجندة الاميركية في المنطقة. فسوريا كانت تمسك كلا من حزب الله و لبنان، و حتى حماس و الجهاد في يدها، كمحاور توازن، بالاضافة الى صوتها القومي العالي المعارض ليلا نهارا للسياسة الاميركية !

و الطريف ان اميركا تتامل ان تلعب سوريا تحديدا دورا ثابتا، و واضحا في تنفيذ اجندتها عامدة الى الضغط عليها في لبنان من اجل بعض التنازلات في العراق .. العراق الذي يعتبر سببا لوجود هذه الاجندة بالاصل .

غير ان اميركا التي تركض في سهول بلاد الشام و الرافدين و هي تضع على عينيها عصابة الأمي الأخرق! تثقل كاهليها كوابيس اكثر حدة من تعداد خسائرها البشرية و العسكرية اللحظوية القاسية في العراق : غرقها في مستنقع حساباتها الخاطئة و سوء التقدير !

فسوريا تتمتع بعنصر قوة استراتيجية فعالة لا يمكن اهمالها ، فهي دولة علمانية ، مستقرة و امنها الداخلي كدولة، قوي مهما كانت اسبابه، و هو امر واقع و حقيقي ، و لقد كانت ، شاؤوا ام ابوا ، عامل استقرار في لبنان و حتى في الشرق الاوسط، و لقد كانت بالفعل تحارب الاصولية الاسلامية بالتعاون مع الاميركيين ضد تنظيم القاعدة . حتى ان المفوضية الأوروبية وسورية قد توصلوا في 9 كانون الاول (ديسمبر) الماضي الى مسودة اتفاق الشراكة السورية - الأوروبية, غير ان هذه الدول جمدت توقيع الاتفاق تحت اعذار كثيرة ابتداءا من المطالبة بتوقيع سوريا على "جميع" الاتفاقات الدولية الكيماوية والبيولوجية والنووية والجرثومية، و مرورا بموقفها من الحرب على العراق أو موضوع حقوق الانسان و انتهاءا بعقدة السلام بينها و بين اسرائيل بينما كان يلوح قانون ( محاسبة سوريا ) في الافق !!!

انه الجشع و سوء التقدير الاميركي ، كما انه الانغلاق العربي المقيت على الذات و نبذ ثقافة الاخر و الميل للاصلاح ! لقد وجدوا في دولنا العربية كل ما يسمح لهم بالتدخل، و عندما وصلوا الى عتبة باب البيت ، كان لا يزال المفتاح في جيبنا فظننا اننا لا زلنا اصحاب الدار ! اليوم نحن على العتبة و هم في الداخل ، يرتاحون فوق اسرتنا ، و يعيدون ترتيب بيتنا بحسب هواهم .. لقد تركونا نلهو بالمفتاح مقتنعين ان البيت لازال ملكنا بينما يمعنون هم في جر الاثاث و تغيير الديكور .

قد تبدل المستجدات من تكتيك تنفيذ هذه الاجندة أو لنقل في خطواتها، و لكن الاجندة هي الاجندة و ما يجب ان يحسم في العراق لا بد ان يحسم و لو دفع الجميع ثمنا لذلك! فليس النظام السوري ما يقلق اميركا اليوم، و انما سياسة هذا النظام الذي اصبحت حجر عثرة في الوصول براحة ( و ديمقراطية ) الى مصادر النفط العربية ؛ و هو السبب الرئيسي لاية اجندة اميركية في المنطقة. ان تسوية شاملة لابد ان تمر كقطار سريع مدجج فوق الجسد السوري المكلوم اصلا ! هذا الجسد الذي يحاول اليوم ان يراهن على شيىء من العفة العربية، التي مرت عليها هي الاخرى رياح التغيير البوشية .

مرة ثانية ، اسأل : ماذا تفعل اميركا بعدساتها و المكبرات المدسوسة في غرف نومنا !



كلاديس مطر
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف