الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

كبش بلا أسنان بقلم : تيسير نظمي

تاريخ النشر : 2010-02-18
كبش بلا أسنان

يا شطار في قديم الزمان .. وكان يا مكان . كبش عجوز وحيد يراقب بصمت من مخبئه سهولا مترامية الأطراف . كبش وحيد في عزلته / يعد السنين، وملايين من قبله ذبحت. كبش أنهكه الركض خوفاً من الذئاب .. وجد نفسه ذات يوم يتخلف عن القطيع ولا يسأل عنه أحد. لجأ إلى كهف في سفح الجبل . استعاد في عزلته أنياب الذئاب التي رآها ، حادة كبيرة قاسية مدببة . عندما رآها أول مرة ذهل تماماً وعندما تكرر المشهد آلمته الخراف التي تمزق لحمها . قلت ساعات نومه . صار يرى الأعشاب أنيابا . أقفلت شهيته. تساقطت يوماً بعد يوم أسنانه. ظل معتكفاً تؤرقه الدماء.وأنياب تسح منها الدماء .
وذات يوم يا شطار اجتمعت الخراف سمينها بهزيلها ، وصغيرها بكبيرها ، لتناقش أمر الذئاب الأعداء . في البدء ألقيت الخطب والقصائد . وهتفت عشرات الخراف " الموت للذئاب .. الموت للذئاب " .. كان الكبش يا شطار يراقب الحشود من مخبئه حزيناً في ذلك الكهف المطل على السهول الخضراء . وكان يسمع ضجيجهم .. ويفكر كيف .. عميقاً عميقاً. بصمت تؤرقه الأنياب ..
في الاجتماع يا شطار .. اتفقت الخراف أن تعمل سوياً دون تفرقة بين أسود وأبيض، وبين سمين وهزيل. وكان القرار .. أن تنقض دفعة واحدة بأسنانها على الذئاب إذا خرجت . فرحت للقرار . نطت ، رقصت ، غنت لساعة الصفر المقبلة .
وانفض الاجتماع على أن يخبر الحاضر الغائب والداني القاصي وانتشرت الخراف في السهول والبراري تخبر بعضها بعضاً وتبلغ القرار.

- 2 -

كان الكبش العجوز قابعاً بمفرده . محصناً في عزلته . فلما وصلوا ليعلموه بالأمر خرج إليهم متوقفاً عن عمله. خاوياً هزيلاً . يداه معفرتان بالتراب .
قالوا بعتب : أما سمعت النداء ؟ فلما هز رأسه الأشيب ، قالوا :
- ليس علينا على أي حال سوى أن نبلغك بالقرار.
وكان الكبش آنذاك عطشاً جائعاً منهكاً يتأمل أبدانهم الممتلئة ووجوههم المتوردة وصوفهم الكثيف .
- أيها الكبش يا ابن ملتنا المنكوبة، لقد اجتمعنا اليوم من كل حدب وصوب.. وكان الكبش يا شطار منهكاً ، لا يطيق سماع الخطب ، قاطعهم ل .. فقاطعوه طالبين منه أن يخرج من مخبئه ليقابل معهم الأعداء .
قال بألم :
- وماذا تطلبون مني أن أفعل ؟
- أن تلتزم بالقرار .
- أي قرار ؟
- أن نهجم على الأعداء مرة واحدة بأسناننا وأيدينا وأرجلنا.
فحزن الكبش الحزن الأشد . عجوز دعكته السنين .. وبلا أسنان يدافع بها عن نفسه .
لكنه سألهم :
- هل رأيتم أنياب الذئاب ؟
فصمتوا جميعاً . فحزن الحزن المر .
قالوا: أيها الكبش العجوز ماذا قررت ؟
فقال :
- ألا ترون أن ليس لي أسنان أخوض بها المعركة ؟
- تقاتل بيديك وقدميك .
قال : يداي لعملي .. أنحت في الصخر كما ترون.
قالوا : بقدميك .
فابتسم العجوز من فكرة أن يدير للأعداء قفاه.
فنظروا إليه نظرة ازدراء حزت قلبه، ثم انصرفوا يهمهمون وتهتز اقتفيتهم السمينة. وانصرف هو إلى عمله ينحت الصخر بيديه . تشغل مخيلته ملايين الخراف التي ستنهشها الذئاب من بعده . وتدمي قلبه صورة صغارها الذين سيولدون لحماً بما يفكر فيه ، ولا يشغلهم ما يشغله ، أو يؤرقهم ما يؤرقه . انصرفوا عنه قائلين .
- عجوز جبان .
- متخاذل.
- أناني.
فظل حزيناً، في عزلته احتشد الماضي والحاضر والآتي. وكلما مروا به يسألهم :
- أرأيتم أنياب الذئاب ؟
فيسخرون منه قائلين :
- لو رأينا أسنانك لرأيناها.
ويزداد الكبش يقيناً أن الخراف لم تر ما رآه ، فينكب على عمله يحفر بالصخر خروفاً مكتنزاً يغري ناظره بالذبح . وعندما تمر به الخراف وتراه منكباً على عمله تهزأ قائلة :
- انظروا العجوز الخرفان.. يظن نفسه فناناً يستطيع أن يصنع خروفاً لا يغني ولا يسمن من جوع. ولا يصد هجمات الأعداء .
لكن الكبش تمسك بعزلته أكثر . لم يكترث بما يقولونه . وكان كل يوم يحفر قليلاً في الصخر . وينهكه العمل بمفرده كثيراً .
- 3 -

خرجت إليهم الذئاب وحانت ساعة الصفر.. وسمعت ضوضاء وجلبة وثغاء معذب، فاشتد الحزن بالعجوز، وعرف أن ما رآه وأرقه طيلة السنين الماضية تراه الآن الخراف في وقت متأخر. وكم كانت أنياب الذئاب في ذلك الليل الطويل مؤلمة حادة تمزق اللحم عن العظم . وظل الكبش وحيداً في اليوم التالي . لا يؤنس وحدته سوى الكبش الصخري السمين قبالته يعمل فيه يديه وأحيانا يحاوره أو يحدثه عن المأساة . فلما أحس الكبش باكتمال عمله خرج حذراً من عزلته ليجلب لخروف الصخر جلداً حقيقياً من تلك التي لا تعد ولا تحصى . وضع الجلد على الصخر العاري وأحكمه ليبدو للناظر خروفاً كآلاف الخراف. لم يهتم حينذاك بأن يجعل له أسناناً .
- 4 -

مرة أخرى خرجت الذئاب تطارد الخراف الباقية المذعورة . وفي أنيابها مذاقات الأمس للحوم شهية يلذ أكلها .
دخلت الذئاب إلى مخبأ الكبش الذي أتم عمله، فوجدته ضعيفاً وهزيلاً ما كادت تضربه حتى تهاوت قوائمه النحيلة على الأرض، لكنه كان قبل أن بلفظ آخر أنفاسه ينظر إلى الخروف الذي نحته مبتسماً. وعندما انطلقت الذئاب واحداً تلو الآخر لتنهش الخروف المكتنز بدأت أنيابها الحادة تصطدم بشيء صلب وتتحطم. فتعيد الكرة تلو الكرة . وتتحطم أنيابها ورؤوسها وتتهاوى واحداً تلو الآخر .. وتحاول مرات ومرات بمخالبها الحادة فتتحطم مخالبها . وحين عادت الذئاب بلا أنياب وبلا مخالب قالت: إن لحم الخراف قاس مثل الصخر. فلم يعد لحم الخراف شهياً ولذيذاً . ويوماً بعد يوم ، صارت تعتقد الذئاب أن الخراف تحطم الأنياب وتقلع المخالب وتدوخ الرؤوس . وظلت الذئاب محطمة الأنياب توصي أبنائها جيلاً بعد جيل بألا تقترب من الخراف. وساد بينها اعتقاد بان الخراف لا لحم لها . ويوما بعد يوم وسنة بعد سنة صارت الخراف أقل خوفاً. وذات يوم يا شطار شاهد ذئب أنياب الذئاب التي تحطمت ملقاة بجانب الخروف الصخري . فهاله ما شاهده وفر هارباً، وكان كلما شاهد ذئباً من بني جنسه يقول له " الخراف تأكل الذئاب وتلقي بأنيابها الكبيرة على الأرض ".
فلما شاهدت الذئاب ذلك فرت هاربة . وكلما كانت تشاهد خروفاً يحل بها الذعر وتولي الأدبار . فتقهقه الخراف وتضحك من الذئاب . ومع مر الزمان يا شطار، تختفي الذئاب، وتعيش الخراف بسلام على السهول الخضراء، فقد كان ما صنعه الكبش العجوز صخرا ملتحماً بجبل صلد.
أيار 1980
www.tayseernazmi.com
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف