الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الحاكمية بين سيد قطب ونصر ابوزيد صراع في الصياغات ..الفصل الثاني بقلم: اثير طاهر الخاقاني

تاريخ النشر : 2010-02-15
الحاكمية بين سيد قطب ونصر ابوزيد صراع في الصياغات ....الفصل الثاني
الحاكمية والتكفير عند سيد قطب
تعريف الحاكمية :
أولاً : حقيقة الحاكمية في اللغة , و الاصطلاح :
أ . حقيقة الحاكمية في اللغة :
الحاكمية: مشتقه من الفعل: (حكم) , وتأتي علي عدة معان ؛ منها:( )
1. القضاء , و منه حكم بين القوم , إذا قضى بينهم و فصل الأمر ؛ ومنه قوله تعالى:﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾( )
2. العلم و الفقه ؛ ومنه قوله تعالى:﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ﴾( ) , أي علماً وفقهاً .
3. المنع و الرد ؛ يقال: حكمت الدابة , و أحكمتها , أي: منعتها بالحكمة ؛ و لذلك يقال : للحاكم بين الناس حاكم ؛ لأنه يمنع الظالم من الظلم .
4. الإتقان , يقال: أحكمت الشيء إذا أتقنته , و الحكم : متقن للأمور .

ب . حقيقة الحاكمية في الاصطلاح :
عرف العلماء الحاكمية بتعريفات متعددة , تتفق في مفهومها , و تختلف في ظاهرها بزيادة قيد أو شرط , كما يلي :
1. عرف ابن أميرالحاج الحاكمية بأنها:" الحكم علي الأفعال والأشياء من حيث الثواب والعقاب ".( )
2. عرف السبكي الحاكمية بأنها: " حكم الشرع دون العقل ".( )
3. عرف الآمدي الحاكمية بأنها :" طاعة الله وحده , و الالتزام بأوامره , ولا طاعة و لا التزام بأمر أحد إلا بأمر الله ".( )
4. عرف سيد قطب الحاكمية بأنها :" إفراد الله سبحانه بالإلوهية , والربوبية , والقوامة , و السلطان ؛ إفراده بها اعتقاداً في الضمير , وعبادة في الشعائر , وشريعة في واقع الحياة ".( )
5. عرف زيدان الحاكمية بأنها :" مصدر السلطات في الشريعة الإسلامية و هو الله تعالى" .( )
التعريف المختار:
بالنظر في التعريفات السابقة يظهر أن التعريف المختار للحاكمية هو ما ذهب إليه الآمدي وهو :" طاعة الله وحده , و الالتزام بأوامره , ولا طاعة و لا التزام بأمر أحد إلا بأمر الله " .

ثانياً: مشروعية الحاكمية , والحكمة من مشروعيتها :
1. مشروعية الحاكمية:
ثبتت مشروعية الحاكمية في القرآن , و السنه , و الإجماع , كما يلي :
أ‌- القرآن الكريم :
وردت آيات كثيرة توجب الحكم بما أنزل الله , و التحاكم إليه , وبيان التحذير من التحاكم إلى الطاغوت , و منها:
1. قال تعالى:﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ﴾( )
وجه الاستدلال:
قرر الله عز و جل اختصاصه و تفرده بالحكم في هذه الآية , فبين أن لا حكم لسواه من الخلق , وليس لأحد أن ينازعه في الحكم و التشريع, فدلت الآية علي مشروعية الحاكمية .
2. قال تعالى:﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾( )
وجه الاستدلال:
يقسم الله عز وجل بنفسه المقدسة , أنه لن يتحقق الإيمان للمسلمين حتى يحكموا النبي صلي الله عليه وسلم فيما اختلفوا فيه , ثم يقبلوا بما حكم به , ويسلموا لحكمه تسليماً تاماً , و هذا فيه دليل علي مشروعية الحاكمية لله .( )
3. قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾( )
وجه الاستدلال:
تضمنت الآية خطاباً للشعب , أو الرعية بطاعة الله و رسوله , و أولي الأمر منهم , و خطاباً للسلطة الحاكمة و الشعب , في حال الاختلاف , في جعل كتاب الله و سنة رسوله حكماً بينهما , و هذا دليل علي مشروعية الحاكمية.( )
4. قال تعالى:﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾( )
وجه الاستدلال:
الآية السابقة فيها دليل علي وجوب الحاكمية لله عز وجل .
هذه التعاريف والمصطلحات وأوجه الاستدلال أخذناها لطالب في إحدى المدارس الثانوية الفلسطينية . هكذا كتب في بحثه الدراسي هل تحس من فرق بينه وبين سيد قطب في طرح الحاكمية . ياترى لو كان سيد قطب في محل هذا الطالب والطالب في محله آنذاك في مصر هل نتفاجأ حينئذ بان الطالب سيعدم بقرار جمهوري و يعيش سيد قطب في قرية يكتب عن أفراح الروح والظلال الى آخر جزء منه ربما بقى في ذهنه لم يفصح عنه !!



سيد قطب بين الحاكمية والتكفير
رؤية سيد قطب للحاكمية :
رؤية سيد قطب للتوحيد والحاكمية وعلاقة بعضهما مع بعض وإليك نماذج يسيرة ومختصرة لهذا المفهوم الذي تحول الى صراع واقعي دامي بين الدولة وبعض الحركات الاسلامية :

التوحيد والحاكمية بنص سيد قطب في تفسيره الظلال :
(... هذه الوحدانية الحاسمة الناصعة هي القاعدة التي يقوم عليها التصور الإسلامي؛ والتي ينبثق منها منهج الإسلام للحياة كلها . فعن هذا التصور ينشأ الاتجاه إلى الله وحده بالعبودية والعبادة . فلا يكون إنسان عبداً إلا لله ، ولا يتجه بالعبادة إلا لله ، ولا يلتزم بطاعة إلا طاعة الله ، وما يأمره الله به من الطاعات . وعن هذا التصور تنشأ قاعدة : الحاكمية لله وحده . فيكون الله وحده هو المشرع للعباد؛ ويجيء تشريع البشر مستمداً من شريعة الله ) البقرة/253
(... إن وجود هذا الدين هو وجود حاكمية الله . فإذا انتفى هذا الأصل انتفى وجود هذا الدين . . وإن مشكلة هذا الدين في الأرض اليوم ، لهي قيام الطواغيت التي تعتدي على ألوهية الله ، وتغتصب سلطانه ، وتجعل لأنفسها حق التشريع بالإباحة والمنع في الأنفس والأموال والأولاد . . وهي هي المشكلة التي كان يواجهها القرآن الكريم بهذا الحشد من المؤثرات والمقررات والبيانات ، ويربطها بقضية الألوهية والعبودية ، ويجعلها مناط الإيمان أو الكفر ، وميزان الجاهلية أو الإسلام .
إن المعركة الحقيقية التي خاضها الإسلام ليقرر « وجوده » لم تكن هي المعركة مع الإلحاد ، حتى يكون مجرد « التدين » هو ما يسعى إليه المتحمسون لهذا الدين! ولم تكن هي المعركة مع الفساد الاجتماعي أو الفساد الأخلاقي - فهذه معارك تالية لمعركة « وجود » هذا الدين! . . لقد كانت المعركة الأولى التي خاضها الإٍسلام ليقرر « وجوده » هي معركة « الحاكمية » وتقرير لمن تكون . . لذلك خاضها وهو في مكة . خاضها وهو ينشئ العقيدة ، ولا يتعرض للنظام والشريعة . خاضها ليثبت في الضمير أن الحاكمية لله وحده؛ لا يدعيها لنفسه مسلم؛ ولا يقر مدعيها على دعواه مسلم . . فلما أن رسخت هذه العقيدة في نفوس العصبة المسلمة في مكة ، يسر الله لهم مزاولتها الواقعية في المدينة . . . فلينظر المتحمسون لهذا الدين ما هم فيه وما يجب أن يكون . بعد أن يدركوا المفهوم الحقيقي لهذا الدين!) الأنعام/136

(... ذلك لم يبدأ المنهج الإسلامي في علاج رذائل الجاهلية وانحرافاتها ، من هذه الرذائل والانحرافات . . إنما بدأ من العقيدة . . بدأ من شهادة أن لاإله إلا الله . . وطالت فترة إنشاء لا إله إلا الله هذه في الزمن حتى بلغت نحو ثلاثة عشر عاماً ، لم يكن فيها غاية إلا هذه الغاية! تعريف الناس بإلههم الحق وتعبيدهم له وتطويعهم لسلطانه . . حتى إذا خلصت نفوسهم لله؛ وأصبحوا لا يجدون لأنفسهم خيرة إلا ما يختاره الله . . عندئذ بدأت التكاليف - بما فيها الشعائر التعبدية - وعندئذ بدأت عملية تنقية رواسب الجاهلية الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والأخلاقية والسلوكية . . بدأت في الوقت الذي يأمر الله فيطيع العباد بلا جدال . لأنهم لا يعلمون لهم خيرة فيما يأمر الله به أو ينهى عنه أياً كان!
أو بتعبير آخر : لقد بدأت الأوامر والنواهي بعد « الإسلام » . . بعد الاستسلام . . بعد أن لم يعد للمسلم في نفسه شيء . . بعد أن لم يعد يفكر في أن يكون له إلى جانب أمر الله رأي أو اختيار .) المائدة/87
الأنداد
قال تعالى [فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون )
(...تعلمون أنه خلقكم والذين من قبلكم . وتعلمون أنه جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء . وأنه لم يكن له شريك يساعد ، ولا ند يعارض . فالشرك به بعد هذا العلم تصرف لا يليق!
والأنداد التي يشدد القرآن في النهي عنها لتخلص عقيدة التوحيد نقية واضحة ، قد لا تكون آلهة تعبد مع الله على النحو الساذج الذي كان يزاوله المشركون . فقد تكون الأنداد في صور أخرى خفية . قد تكون في تعليق الرجاء بغير الله في أي صورة ، وفي الخوف من غير الله في أي صورة . وفي الاعتقاد بنفع أو ضر في غير الله في أي صورة . . عن ابن عباس قال : « الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل . وهو أن يقول : والله وحياتك يا فلان وحياتي . ويقول : لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص البارحة ، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص . وقول الرجل لصاحبه : ما شاء الله وشئت! وقول الرجل : لولا الله وفلان . . هذا كله به شرك » . . . وفي الحديث « أن رجلاً قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله وشئت . قال : أجعلتني لله نداً؟! »
هكذا كان سلف هذه الأمة ينظر إلى الشرك الخفي والأنداد مع الله . . فلننظر نحن أين نحن من هذه الحساسية المرهفة ، وأين نحن من حقيقة التوحيد الكبيرة!!! ( انظر تفسير بداية البقرة من خلال في ظلال القرآن)

دراسة في المقاطع السابقة :
يلاحظ ان سيد قطب – وربما هذه من مثالب منهجه – اعتمد النصوص كلية فقط في الحكم دون انطباقاتها على مصاديقها بل دون استثناءاتها وتفراعاتها البعيدة عن اصل القاعدة فتولدت لديه قناعات بالكليات صورت للقارى والسامع دون الباحث ان هذا المفكر يريد الانتقام من الحكام – الطواغيت – ومن المجتمع – الجاهليون – بهذه الايات وتفسيراتها ولكن رغبة سيد قطب لم تتعد المفهوم وهذا مايدركه الباحث في دراسات وافكار سيد دون مباحث الامن التي تعقد الامور في كثير من الاحيان ! الحقيقة ان سيد قاس ماراه في المجتمع المصري من مفاسد بحكم مخالفتها لنص الشريعة وحالة السيطرة الكاملة لنظام الحكم آنذاك في مصر والتي اخذت تامم كل مرفق وتوزع عليه الارادة الحكومية وهذا ليس بخفي فقد اعترض الاستاذ هيكل على الرئيس جمال عبد الناصر حين اراد تأميم الصحافة واستطاع بمشقة بالغة تحويلها الى شراكة بين الحكومة والقطاع الخاص ..مضافا الى هذا عملية الضغط المبرمج على الحركة الإسلامية والتي وصل بها الحال ان أصبحت في معظم قادتها رهينة حبس او معتقل مؤجل او في اقامة جبرية عدا من فر بجلده الى دول اخرى ..ينسى الكثير ومنهم نصر ابو زيد ان سيد قطب كتب المعالم وهو في عوالم السجون المرة وانطبعت الضغوط على الورق لتبدو نصوص وماهي كذلك بل هي الضرب المبرح والتنكيل بقيمة علمية !! واذكر الكثير ان سيد قطب كان من اعمدة ثورة يوليو 1952 م وبمثابة منظر ومفكر إسلامي للضباط الأحرار ولكن جرت أمور أهمها توسع الثورة على الخارج والتأثير الدولي عليها مما غير بعض برامجها هذا وغيره رسم حالة الفراق بين الاثنين سنذكرها في الحاكمية والسياسة في الفصل القادم .
ونعود الى مقاطع تفسير الحاكمية لدى سيد قطب ونستخلصها في ثلاث عناصر أساسية تركزت عليها المقاطع اجمع هي :
1. الدعوة الى حاكمية الله في كل شي اي تحكيم الشريعة في مفاصل الحياة .
2. رفض مظاهر الفساد والانحراف في المجتمع المصري بالتحديد والعالم العربي بصورة عامة .
3. التاكيد على رفض النديّة التشريعية الوضعية للتشريع السماوي وهذه النقطة ترجع ايضا الى التركيز على دور الحاكمية لدى سيد قطب ونتيجة طبيعية للحصار الدولي على جمال عبد الناصر فالتشريع الحكومي يتحول الى حقيقة غير قابلة للمس في حين يتحول هذا التقديس السياسي للقانون الى تأليه مرفوض عند قطب .
ان سيد قطب لم يمنح فرصة للفهم عنه او بالأحرى ان يتفهم هو ماعليه تجاه ماجاء به فهناك بالطبع الرأي الآخر كنقد او تشذيب للحاكمية كان لابد من ايصالها الى سيد قطب تجاه الحاكمية كمفهوم تبناه ولم يات به لانه قديم على زمانه بالتاكيد ولكن عندما تحال الحاكمية الى شعبة مخابراتيه او مباحث الامن كما حدث في حينه فانها تاخذ منحى سياسي امني لايقبل النقد او تسويغ الفرصة في حق قطب .
هذه الفرصة اخذت من بعض الكتاب مسلك التساءل الملي بالحسرات .. ماذا لو كان قد قدِّر له أن يذهب إلى العراق تلبيةً لدعوة رئيسها عبد السلام عارف بعد خروجه من السجن عام 1964م.. أما كان لهذه الرحلة إلى مجتمع جديد ومناخ جديد من أثر في تكوين رؤى وأفكار مختلفة، كما تكونت آراء وفتاوى مختلفة للشافعي - رحمه الله - حين رحل من العراق إلى مصر؟!!
أو.. ماذا لو أمدَّ الله في عمره ووافق الرئيس عبد الناصر على تخفيض الحكم من الإعدام إلى السجن، كما طلب منه الكثيرون وقتها داخل مصر وخارجها.. أما كان الزمن وطول التفكر يمنحانه الفرصة للمراجعة وإعادة النظر فيما ذهب إليه من استنتاجات ومفاهيم؟! وهو ما حدث مع كثير من المفكرين في مراجعات عظيمة لما اعتقدوا في صوابه في فترات سابقة من حياتهم..؟! لكن الله سبحانه أراد له أن يكون شهيدًا، وهو سبحانه يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، وخلق كل شيء فقدره تقديرًا.(مقال للدكتور عبد المنعم ابو الفتوح )

ويلاحظ ان هناك العديد من المفكرين ذهبوا الى قريب من نظرية سيد قطب ولم تحمل نصوصهم ماحمّل "معالم في الطريق" مثلا فهذا طه جابر العلواني في حوار معه على موقع اسلام اون لاين يذكر فيه في معرض إجابته على سؤال طرحه موقع اسلام اون لاين عليه وصف د. طه جابر العلواني -رئيس المجلس الفقهي لأمريكا الشمالية سابقا ومدير المعهد العالمي للفكر الإسلامي- الحاكمية بوصف فيه شيئا من الاثارة لو كان محل سيد قطب لكان دافعا لحراك الاقلام والالسن ايجابا وسلبا وهذا نص السؤال :
* إذا كانت النظرة للإسلام كدين بهذا المعنى، فهل هناك محددات وخصائص لهذه الرسالة العالمية الأخيرة تضبط إيقاع تلك النظرة الشمولية؟
-نعم بالطبع.. فرسالة الإسلام الخاتمة بها خصائص هامة مميزة، لعل أهمها: عالمية الخطاب، وحاكميه الكتاب، وختم النبوة، وشريعة التخفيف والرحمة.-هذه الخصائص تعني الكثير.. فلكي تكون هذه الرسالة رسالة عامة تستوعب البشرية كلها وتهيئها لكي تقبلها، فهي في حاجة إلى أن ترتبط ليس بحاكميه إلهية كما اقتضت ظروف الدعوة في بني إسرائيل، وإنما ترتبط بحاكمية الكتاب..
الفارق كبير بالطبع.. فالحاكمية الإلهية تقوم على خوارق في العطاء وخوارق في العقوبة، فالله تبارك وتعالى يقول: "ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات.." ، "..أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا" دعوة قامت على خوارق، هذه الخوارق يقابلها خوارق في المسئولية والعقاب، ولذلك لما قال لهم "اسمعوا وأطيعوا" وقالوا "سمعنا وعصينا" ".. نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم" لماذا؟ لأن الحاكمية لله سبحانه وتعالى.. تريد أن تأكل.. أنزل لك المن والسلوى من السماء، وعندما تخالف أعاقبك بأقصى أنواع العقوبة. فالحاكمية الإلهية تقدس الشعب فيصبح غير مسموح بالمعصية، والمعصية تأخذ أقصى عقوبة، فمن قتل كأنما قتل الناس جميعا، وإذا سرق قطعت يده، وإذا زنا رجم في الشريعة الإسرائيلية، لا يوجد عفو ولا أي شيء آخر؛ لأن الحاكمية إلهية، والأرض مقدسة، والشعب يرتقي لأن يكون رعية لله تعالى.
فهذه مرحلة من مراحل البشرية كانت في حاجة لهذه الحاكمية الإلهية، أما عندما تضع البشر كلهم في رسالة واحدة على اختلاف عقولهم وأماكنهم وأزمانهم، فلابد أنك تحتاج لنوع آخر من الهيمنة والحاكمية، فتحولت الحاكمية من حاكميه إلهية مباشرة إلى حاكميه للكتاب بقراءة بشرية.
وهنا جاءت الرسالة العالمية الخاتمة، أو الإصدار الأخير للإسلام، فجرت عمليات التخفيف، وانتقلت الحاكمية من إلهية إلى حاكمية للكتاب بقراءة بشرية، وكان هذا يستوجب ضمانا بعدم تغيير هذا الكتاب أو تحريفه، لذا أنزل الكتاب في أرض محرمة؛ ليحرم تحريفه ويستحيل، لاتصالها بالله سبحانه وتعالى، وأرض الحرم محرمة وهي بذلك أعلى من المقدسة؛ لأن هذا هو الحريم أو الحرم، والعرب كان يطلق الواحد فرسه ويقول: إلى أن يقف فرسي فهو حرمي، لا يدخل أحد المكان إلا بإذنه، وإذا جرى اعتداء فهذا الشخص مسئول عن رد المعتدي عن حريمه.
فالله تبارك وتعالى قال :"أولم نمكن لهم حرما آمانا ويتخطف الناس من حولهم" هناك مسئولية تفضل الله بنسبتها إلى نفسه، حيث قال إنه حرمي، ولذلك بدأ نزول القرآن في الحرم، فحفظ منذ اللحظة الأولى، أما الكتب الأخرى فيشير إليها بقوله " بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء" فضيعوه " يحرفون الكلم عن موضعه ونسوا حظا مما ذكروا به."
من هنا وبهذه الضمانات أصبحت الحاكمية للكتاب بقراءة بشرية، تخطيء هذه القراءة وتصيب، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم قال عن المجتهد إذا اجتهد فأصاب له أجران وإذا اخطأ له أجر، لأنه اجتهد في فهم المعنى المراد.)انتهى .
فالحاكمية اصبحت حاكمية نصوص تستفيد البشرية منها بوساطة العلماء والفقهاء ومكن الله سبحانه من هذه النصوص بجعلها في دائرة الوسع البشري والتي قد تخطأ فيكون معفواً عنها في حكم الفقه قطعا دون العقائد الثابتة بداهة . وهذا رأي مخالف لسيد قطب في قراءة الحاكمية او قل تفصيل لما تبناه مجملا لهذا المفهوم – الحاكمية – اذ اسند الحاكمية للنصوص ثم ترك الطاعة للبشر في الاخذ منها على أساس قاعدة الثواب والجزاء الاخروي دون ان تسلط الحاكمية الالهية مباشرة على الانسان لان تفسير المفاهيم وروابطها بالنفس البشرية هو المقصود منها وليس هي بحد ذاتها كما يرى قطب نفسه في الحوادث قوله "التاريخ ليس هو الحوادث، إنما تفسير الحوادث، ومعرفة الروابط التي تجمع بين شتاتها، وتجعل منها وحدةً متماسكةَ الحلقات.. وفهم الحوادث وتفسيرها مرتبط بإدراك مقومات النفس البشرية؛ روحيةً وفكريةً وماديةً، وفهم مقومات الحياة الدنيا؛ غيبيةً وماديةً وأدبيةً..".
الحاكمية التي اصرَّ عليها سيد قطب جاءت من وحي افتراق المجتمع المصري الى طائفتين مستقلتين في كل النواحي فالطائفة الاولى تمثل الطبقة الثرية والبرجوازية والملاكة وابناء المدن الكبيرة و شريحة الإقطاعية ونحوهم والذين تسنموا مقاليد الحكم في العهد الملكي الموصوف بالانغماس في المغريات وبذل المال العام في سفريات السياحة الصيفية الى أوربا والأطعمة والاشربة ونحو هذه من ألوان العصر ومبتغياته..هذه الطبقة وضعت لنفسها منهجا متكاملا من التعليم الى التربية الأسرية وما يترتب عليها ثم التعامل مع المجتمع وحتى العلاقة مع الخالق اتخذ هذا المنهج بكامل تفاصيله ومفاصله مبدأ الحضارة الغربية كليا من النظرية الى التطبيق وأضحت حدود التأثير لهذا المنهج ليست مؤثرة في الحياة اليومية فحسب بل تعدتها الى التوبيخ على تركه او حتى التجريم وانفصل المنهج عن الحياة السياسية فرحيل ملك وتغير حكومة لا يغير من واقع هذه الطبقة شيئا لقد استحالت طائفة تتحرك باستقلال عن الحكم ونظريته ..
اما الطائفة الأخرى فهم "الغلابه" كما في اللهجة المصرية ومنشأهم من أبناء الصعيد "أسرة الفلاح" وأصحاب الدخل المحدود من الموظفين البسطاء والعمال الذين يعملون كما لولم يعملون فالحاجات بازدياد لأنهم بكسب أبناء الريف ويعيشون في غلاء القاهرة والإسكندرية وغيرها من حواضر مصر ..اما المنهج الذي طوعت هذه الطبقة نفسها له ذاتيا فكان في العهود الملكية حكم الأعراف واحترام الدين ثم تحول المنهج الى مثلث شبه متساوي هو حكم الأعراف واحترام الدين والوطن ثم تحول احترام الدين الى عقيدة بعد ظهور الإخوان المسلمين كظاهرة في المجتمع المصري الريفي أولاً؛ ثم تسللت الى المدينة من صغار الموظفين الى كبارهم ولكنها لم تتوسع كثيرا عند المهن والحرف والوظائف العليا ..ثم تحول احترام الوطن الى حب وبقى حكم الاعراف باقيا على حاله ثم اندلعت أحداث يوليو 1952 لتأتي بمجموعة من الضباط أبرزهم محمد نجيب وجمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وغيرهم وما ان استقرت الثورة بمن تبقى من الضباط والثوار وكان الزعيم عليهم وعلى مصر جمال عبد الناصر حتى تبينت لجمال حقيقة المجتمع المصري الوجه الآخر الطائفة ذات المنهج الغربي الناعسة على شواطئ ايطاليا وجزر الكناري وليالي باريس الحمراء توقع جمال ان هذه الطائفة لاتعني لها الثورة شيئا سوى شريط باللون الأحمر في صحف الصباح المصري ،ولكن لم يتصور ان هذه الطبقة الطائفة هي وبشكل ذاتي تعني في الرياضة السياسية الاختراق الغربي بقربه وعلى مدى وجوده ووجودهم بل توجه الى القوى المنبعثة من تلك الطائفة المتجذرة في مثلث تحول كليا باتجاهه "الدين والاعراف والوطن " هل تصور جمال ان اسرائيل يمكن ان تستطيل لتصل اليه بثوب صعيدي او على هيئة فرد من الاخوان ولكن تحقيقا عاش جمال تحت مدلك من طبقة الاثرياء وصديق منهم وعدو منهم ووزير منهم ولئيم منهم ومشير منهم وبقى الفدائي والطيار والنموذج مما تصوره عدوا دائما صديقه ...وحتى سيد قطب لو لم يعدم هل تصل به الامور ان يكون صديقا لاسرائيل ام امريكا ام فرنسا ام بريطانيا ام الشيوعية الحمراء كلا ان سيد قطب اقصى مايستطيع ان يحارب به هو القران وهو دستور يحترم سعي الناس ولا يظلم أحدا..من هذا الواقع الصعب من جهة طائفة الأثرياء والملاكين "دراكولا" المجتمعات ومواهبها ،ومن جهة الحكم المرتقب الذي مدت له الأيدي إعجابا وإذا عرفنا ان سيد قطب كان صديقا لجمال وكان الأخير يلقب الأول سيدنا .!!! لكنه في النهاية حدد الدولة وأمم مجالات الدولة إلاّ شيئا واحدا بقى بلا تأميم يتلاعب به جمّاع المال ..انه تحديد العدو والصديق من على الثورة ومن هو لها ؟ من يثور من اجل من ؟ بقوا بعد إعدام سيد قطب يقتلون الصعيدي والعروبي والإسلامي وجمال عبد الناصر أخيرا !!
فكرة الحاكمية أسيء فهمها كثيرًا، وحملت أكثر مما يراد منها فهمًا وتطبيقًا وهذا واذهب اليه جملة من باحثين ومفكرين وفقهاء ؛ فالحاكمية التي ركَّز عليها سيد قطب هي الحاكمية (التشريعية)، والتي مفهومها أن الله سبحانه هو المشرِّع لخلقه، وهو الذي يُحلّ لهم ويُحرِّم عليهم، وهذا ليس من ابتكار سيد قطب ولا حتى المودودي الذي اشتهر هو أيضًا بالكتابة في هذا الموضوع كثيرًا، بل هو أمر معلوم بالضرورة عند المسلمين جميعًا، وقرَّره علماء الأصول واتفق عليه أهل السنة والشيعة جميعًا. نقاط الخلاف بيننا وبين سيد قطب في هذا الحاكمية هو استعماله المفهوم بلا وسائط وانزاله بكلياته الى الواقع في حين لابد من انزاله على العقائد جميعا ثم على النصوص ثم الفصل بين الإسلام كهوية والإسلام كحقيقة عملية والتعامل مع الاثنين بنفس الوتيرة فيما يخص الدماء والأعراض والأموال من حيث العصمة ، ومن حق سيد قطب ان يتعامل مع المجتمعات بالحاكمية في الإسلام الحقيقي الواقعي عند الله تعالى والذي يعد كثير من المسلمين ليسوا كذلك ولكن في عالم الغيب وميزان الإعمال ومجريات الحساب عند الله وظهور ذلك في يوم القيامة .
وبالرغم من مماقيل فان سيد قطب تبنى الحاكمية و لم يشترط فيه رجال باعيانهم من علماء ومفكرين او ساسة وهو ما أكده سيد قطب بوضوح حين قال: "ومملكة الله في الأرض لا تقوم بأن يتولى الحاكمية في الأرض رجال بأعيانهم - هم علماء الدين - كما كان الأمر في سلطان الكنيسة، ولا رجال ينطقون باسم الآلهة كما كان الحال فيما يُعرف باسم الحكم الإلهي المقدس!! ولكنها تقوم بأن تكون شريعة الله هي الحاكمة، وأن يكون مرد الأمر إلى الله وفق ما قرَّره من شريعة مبينة".
بل المقصود بها (الحاكمية التشريعية) فحسب. وباعتقادي بان هناك أنظمة قائمة على الحاكمية التي قال بها سيد قطب وبشكل مساو كالمملكة العربية السعودية وهي بمثابة حامية للدول الإسلامية بما فيها الحرمين الشريفين .
أما مصدر السلطة السياسية فهو للأمة.. الأمة هي التي تختار حكامها، وهي التي تحاسبهم وتراقبهم، بل وتعزلهم، وهذا الفهم عليه كثير من الضباب، ويصرُّ كثير من العلمانيين على تلبيس هذا الموضوع تلابيس خاطئةً؛ بغرض الوصول إلى النتيجة التي يريدونها من إقصاء الدين عن الحياة؛ فليس معنى الحاكمية الدعوة إلى دولة دينية على الإطلاق، بل هذا ما نفاه كل من سيد قطب والمودودي ،
والحاكمية - بهذا المعنى كما يرى الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح (احد مفكري الإخوان حاليا ) معللا عن سيد قطب مفهوم الحاكمية - لا تنفي أن يكون للبشر دور في التشريع أذِن به الله لهم؛ إنما هي تمنع أن يكون لهم استقلال وتفرد بالتشريع من دون الله، وهذا ما لا يقبله أي مسلم ولا يرضى به؛ كالتشريع في أمر العبادات والتشريع، الذي يحلُّ ما حرم الله ويحرم ما أحل الله، ويسقط ما فرض الله، أما التشريع فيما لا نص فيه أو في المصالح المرسلة؛ فهذا من حق المسلمين؛ ولهذا كانت نصوص الدين في غالب الأمر كليةً.. إجماليةً.. لا تخوض في التفاصيل المتغيرة بتغير الزمان والمكان والبشر، وتركت مساحة كبيرةً مما يسميه العلماء (الفراغ التشريعي او قاعدة الفراغ التي اسهب فقهاء الشيعة في تفصيلها في علم أصول الفقه وبالذات الجهود المتميزة للمفكر محمد باقر الصدر ) ليتاح للناس أن يشرعوا لأنفسهم ويملئوا هذا الفراغ التشريعي- الذي أفرغ قصدًا ورحمة- بما يناسبهم ويناسب تطور أمور حياتهم.

اثير طاهر الخاقاني
كاتب ومحلل
[email protected]
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف