الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

من أجل تنوير عربي:ليس بمناهضة الحُكام ستتحرر الثقافة من احتواء السياسة لها بقلم:محمد الحمّار

تاريخ النشر : 2010-01-03
من أجل تنوير عربي:ليس بمناهضة الحُكام ستتحرر الثقافة من احتواء السياسة لها بقلم:محمد الحمّار
تعرضنا في دراسات ومقالات سابقة إلى أنّ الثقافة العربية في حالة رهيبة من الاحتقان والاحتباس قد "انتعشت" على حسابها السياسة ولكن انتكس بسببها الوجود العربي والإسلامي. إذْ لا انتعاش للسياسة إلاّ بتقديم الفكر(الأداة) والفكر(الثقافة) على الفكر السياسي. ورأينا أنّ من مظاهر ذلك الرسوب، الاحتباس التواصلي، الذي ما زال يفصل بيننا وبين الحضارة، أي بيننا وبين التحرك من داخل الوعي بكامل الوجدان وليس بنصفه أو برُبعه أو بعدمه.

ويمكن مقارنة احتقان الثقافة باحتقان اللسان وإحجامه عن الكلام. فالتحرر الخطابي في كلتا الحالتين رهن إصلاح ما فسد عند الناطق وليس بالتفتيش عن العلّة في منظومة الكلام . لكن من الأرجح أن يكون افتقار الناطق لمنظومة للكلام قائمة بحالها سببا في الاحتقان، إلاّ أنّ، في هاته الحالة أيضا، الغياب يُلام بشأنه المتكلم وليس المنظومة. وحينئذ، ما على المتطلّع إلى التواصل إلاّ أن يندمج في المنظومة، أو أن يبحث عن سبل تأقلمه معها أو أن يشارك مع أمثاله في تأسيس منظومة تليق بمقامهم وبقامتهم.

وإذا اعتبرنا، حسب ما تلقّيناه إلى هذا اليوم من تربية تجمَع بين الأصالة والحداثة، أنّ الحريات الأساسية من تفكير وتعبير واختيار وتجمّع وغيرها، تشكل نظريا منظومة متكاملة، فلا مناص من التساؤل هل تتمتع الثقافة العربية بمنظومة للكلام والتواصل. هل تتمتع بمنظومة وظيفية خاصة بها تكون منبثقة انبثاقا من محصول الانصهار بين المنظومة العالمية الأم والموروث الثقافي الحي؟ وإن كان الجواب بالإيجاب، لماذا يذهب معظم المثقفين العرب والمسلمين، إلى توجيه أصابع الاتّهام بالتسبب في الاحتقان والاحتباس، إلى من يحكمونهم وليس لأهل الثقافة بالذات؟ وهي تعلّة تكاد تكون علكة العقود الثلاثة المنقضية وشماعة مستخدمة بخاصة من طرف المعارضة السياسية.

أنا مع أي جهة تقول إنّ المثقف لا بُد له أن يعمل من أجل استقلالية الثقافة والفكر عن السياسة ثم تقديمهما عليها. وهذا ما يجعلني لا أبالي بما يقوله السياسيون المعارضون بشأن تدهور الثقافة العربية وعدم قدرتها على اعتلاء رُكح التعبير العالمي. وهم الذين لا يفعلون سوى أنهم يُوَجهون اللوم إلى السلطة الحاكمة في بلادهم بدعوى أنها المسئولة عن الاحتقان الثقافي. فهُم بذلك يزيدون الطين بلّة نظرا لنظرتهم الضيقة، وهي نظرة متأثرة مباشرة بالعلة الأصلية. وهم بذلك يريدون ربحا قليلا. وموقفهم هذا يولّد نوعا آخر من الاحتقان يجعل السلطة متفرغة، لا للبحث في سبل التسريح التواصلي وتخليص الثقافة من براثن الآفة، بل بالتماسك للدفاع عن حقها في الوجود أمام من يتهمُها بما هو ليس من مشمولاتها.

فالعلّة في الثقافة. ولمّا هي هناك فهي في المثقف بالأساس، ومنه في الشخصية العربية الإسلامية. ولمّا نقول إنّ الثقافة في حالة إعاقة لدى العربي المسلم، وجب الاعتراف بأنّ العوز في الثقافة هو في الأصل عبارة على حالة من الاحتشام إزاء منظومة التواصل الكونية. نحن لا نقترب منها ولا نغازلها حتى المغازلة. فقط نحن نتشبث ببعض فروعها (راديو، تلفزيون، حاسب، لغة أجنبية وما إلى ذلك) شكلا. فقط نحن نستعمل أجنحتها مُحاولين الإقلاع ثم الطيران، إلاّ أننا سرعان ما نصطدم بحائط و نُصدمُ بإنذار يقول " لا مكان في هذا الزمان لطيّارين يكتفون بالأجنحة من دون أن يسيطروا على جسم الطائرة بأكمله؛ أو أن يصنعوا ما يضاهيه وينافسُه". إنّ منظومة تواصل وظيفية خاصة هي التي من شأنها أن تكون أداة التحرر من الاحتقان لدى ثلاثتهم: العربي المسلم و المثقف و الثقافة ذاتها. ولم تكن علّة الاحتقان موجودة عند السياسة والسياسيين إلاّ بعد أن تغلغلت في داخل النسيج الثقافي بأكمله، وفي أعوانه أجمعين بما فيهم السياسي؛ السياسي الموالي للسلطة والسياسي المعارض لها وسياسيو السلطة أنفسهم. فلماذا اللوم على السياسيين من دون تموينهم، هم وسواهم، بأدوات التمييز بين ما هو حق وما هو باطل، ما هو حق وما هو واجب، ما هو ضرورة وما هو تكميل، بين ما هو عاجل وما هو آجل؟

بالتأكيد، يتمثل الوباء المتغلغل في الثقافة العربية الإسلامية في كوننا غير قادرين على التعبير عن حقوقنا بالصورة التي تُرضينا نحن من ناحية، وتُقنع من لهم واجب إزاءنا. فنحن قوم لم نتوصّل إلى إقناع العالم أنّه لا يمكن بأية حال أن تواصل فئة قليلة من اليهود ممّن اغتاظوا بسبب اضطهاد أجدادهم عبر التاريخ على أيدي غير العرب والمسلمين (وهذا رُبما من حقهم)، أن يُسقِطوا أتراحهم علينا، نكالة فينا واستعمارا لأراضينا. وهذا ليس من حقهم. بل قُل هم الذين نجحوا، على قلّة عددهم، في إحراز تعاطف العالم بأسره، قسرا وطوعا، مع سالف مآسيهم. و قُل إنّ ثقافتنا المدمَّرة بلغت حدّا من الانهيار صارت تسمح فيه لكثير من مثقفينا بأن يقعوا في فخ البكاء إلى جانبهم، على حائط خاوٍ وهش. ثمّ قُل إنّ عددا كبيرا من سينمائيينا ومسرحيينا وأدبائنا وصحافيينا وقعوا في فخ تلميع صورة هؤلاء أكثر مما يلمعونها هم بأنفسهم، وفي فخ معاتبة الذين لا يعبّرون عن ثقافتهم الذاتية إلاّ عبر الترحاب بهؤلاء المعذبين على غير أيدينا. ونحن قوم لم ننجح في تكذيب شخص واحد (بوش الابن) بأنّ العراق لم يكن يملك أسلحة الدمار الشامل. كذبه نفر واحد (السينمائي الأمريكي مايكل مُور) ولم يقدر على تكذيبه بليون ونصف من أمة "اقرأ". فهل نحن قارئون للتاريخ حقا؟

وما من شك أننا ضيّعنا الخيط المتأصّل في أعماق الشخصية الذاتية، ومنه المُوصِل إلى ما انتصب خارجها من بوتقات للتواصل مع الآخر ومع الكون ومع الذات نفسها، بالدين وبالعقل وباللغة وبالمعرفة. لقد ضيعناه في تراجيديا لا تُعادلها تراجيديا، لا في القسوة ولا في الساديّة ولا في الزينونية ("ستُوِ(سِـ)زْم"): نُحابي اليهود (وغيرهم من صَدّقنا أنهم معذبون في الأرض ومستضعفون) ونُجاملهم في أدبياتنا وفي رواياتنا وفي مسرحياتنا وفي أفلامنا وفي أغانينا؛ والحال أننا نأبى أن نعترف لأنفسنا ثمّ أمام الملأ أننا نحن المُستحقون، اليوم وأكثر من أي وقت مضى، إلى التعريف بأنفسنا والتعبير عن عُمقنا المعرفي والعلمي والتربوي. فهل من أحدٍ سوانا بقي محروما من أن يُبلّغ عن نفسه ثمّ أن يبَلّغ نفسه إلى العالم؟

وبالضرورة، يتمثل الوباء المتغلغل في الثقافة العربية الإسلامية في كوننا غير قادرين على التعبير عن حقوقنا بالصورة التي تتلاءم مع المنظومتين: منظومة التواصل الكوني العام ومنظومة التواصل النسبية والذاتية، أي القبلية والعشائرية والطائفية والقُطرية والقومية والإقليمية. في الحقيقة، لا ضير في أن تكون الأولى مكملة للثانية أو العكس.المُهم هو السيطرة على المهارات والآليات التي يفرضها تأصّلنا في تربة تندمج فيها مكوناتها الحداثية بمكوّناتها التراثية. ومن أجل ذلك، المُهم أن نَبلُغ الامتياز في استخدام أساليب التربية والتخاطب والتحاور والمناقشة وغيرها من وسائل الأداء التواصلي، ابتغاء البلاغ والتبليغ.

محمد الحمّار
[email protected]

باعث "الاجتهاد الثالث/الاندماجي" و"الإسلاميات اللغوية التطبيقية"
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف