الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

امريكا المكيافللية- الجزء الثانى بقلم:سيد امين

تاريخ النشر : 2009-07-14
امريكا الميكافللية
دراسة تطبيقية:

لم يدر بخلد نيقولا ميكافيللي فلورنسا 9641 ــ 7251 أن كتابه «الأمير الذي انتهي من كتابته قبيل وفاته بأربعة عشر سنة في 3151 ميلادية سيصبح مرجعا سياسيا مهما لكل حكومات الدنيا عقب الثورة الصناعية العالمية.

بل إنه لم يخيل له أن يصير كتابه صغير الحجم مباشر المعني اعظم كتاب تحدث في فلسفة الحكم السياسية بل انه الدعامة الاولي لفلسفة التاريخ باجماع المحللين.

وكما جاء في مقدمة الكتاب بقلم كريستيان غاوس صار هذا الكتاب سوءة لكاتبه في حياته وبعد مماته.

فقد عاش مكيافيللي فقيرا جائعا أواخر حياته نتيجة غضبة الحاكم عليه رغم أنه سليل أسرة دبلوماسية وكان شخصا وديعا رقيق المشاعر دافق الاحاسيس متوقد الذهن عاشق لم يولد في الدنيا كلها عاشقا مثله.

انه عاشق ايطاليا الموحدة وليست تلك الدولة المقسمة إلي امارات وتيجان كثيرة لا هم لها أو لامرائها سوي تثبيت عرشهم بدم الايطاليين.. كان نموذجا قوميا يحتذي به والدولة القومية التي يطمح اليها ميكافيللي هي نفسها التي اعتبرها هيجل غاية ونهاية للتطور التاريخي وقال عنها (ليس لشعبه من الشعوب ان يتحرك إلا داخل نطاقها وليس له أن يحاول تحقيق مصالحه إلا عن طريقها)«1»

لقد آثر في نفس ميكافيللي أن يري بلاد الرومان العريقة علي هذا النحو من التفكك والانهيار لا لشيء سوي لارضاء نزوات الأمراء المتصارعين والدماء الايطالية المراقة واحدة.

فكتب نصائحه وأفكاره مستشفا فهمه لحركة التاريخ وطبائع النفس البشرية وملاحظاته الجغرافية والإدارية وضمنها جميعا في كتابه الامير مبتغيا في تلك الكتابات وصف الامير الذي تبتغيه وحدة ايطاليا.

لقد كان ميكافيللي شديد الكراهية للظلم عميق الأخلاق وهو ما يتضح من قراءة مسرحيته العجيبة الضاحكة «تفاح الجن» وكان متدينا.. كان متدينا شديد التدين!!

و« لعل تدينه وقوميته جعلاه عرضة طيلة الخمسة قرون الماضية لسهام القبح والتضليل.«2»

إذ ان المستعمر عادة ما يدعو للتدويل والعولمة.. والعولمة هي الحجة الخادعة البراقة لتذويب القوميات وفرض ثقافته عليها بوصفها ثقافة العالم المتمدين.. العارف ببواطن الأمر وما امامها ايضا.

و( حتي علي المستوي الاقتصادي فالاقتصاد القومي للبلدان النامية هو الآن خاضع فعلا لعمليات تدويل مفروضة عليه فرضا من الخارج ولا تراعي مصالح هذه البلدان لأن من يهيمن ويسيطر علي آليات التدويل وعلي تشغيله سيهيمن علي الاقتصاد العالمي وإذا كانت المراكز الرأسمالية قد شيدت شركاتها العملاقة لتتجاوز حدودها القومية ولتنظيم تدويل العمليات الاقتصادية ثم لتأكيد هيمنتها علي هذا التدويل وعلي التقسيم الدولي للعمل بكل تكويناته الاقتصادية والاجتماعية).« 3 »

وربما كانت قومية وتدين ميكافيللي هما سبب الهجوم الظاهري علي نحو ما سنتبينه فيما بعد عليه من قبل قوي الاستعمار حيث ان الاوربيين لم يعتبروا غير الأوربيين كائنات انسانية مثلهم علي حد تعبير نقد باسبرز للاستعمار الأوربي الذي اضاف ان الغرب ينظر علي أن المسيحيين هم وحدهم لهم حق الحياة والبشر اما عداهم فهم متوحشون. « 4 »

وكانت قومية مكيافيللي في حد ذاتها هدف نبيل إلا أن الساسة فيما بعد استخدموا تلك النصائح للاعتداء علي القوميات الأخري ولعل بيان هذه النقطة هي السبب الرئيسي لهذه الدراسة فلسنا بصدد الدفاع عن شخص مكيافيللي هنا ولكن بما اتيح لنا من رصد مواقف سياسية دولية واضحة خاصة لدول كبري كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا واسرائيل وروسيا ..سنتناول تطبيقاتها لنصائح مكيافيللي الواردة في كتابه «الامير» الذي يحتوي علي ستة وعشرين بابا محاولين بذلك استشفاف مدي التطابق أو التطبيق بين سياسة تلك الدول علي أرض الواقع وبين نصائح مكيافيللي بين سطور كتابه مع اعتبارنا لكل ما تقدم مجرد مقدمة.

(1)

تناول مكيافيللي في هذا الباب أنواع الحكم المختلفة ووسائل اقامتها ويقول (والممتلكات التي اكتسبت بهذه الطريقة -أي بالضم -إما انها قد ألفت حكم أمير آخر فيما سبق أو كانت ولايات حرة يلحقها الامير بممتلكاته.. إما بقوة أسلحته هو أو بقوة اسلحة غيره أو يسقطها في يده حسن الطالع أو قدرة خاصة).

ويقول برنارد شو « مشكلة أمريكا أنها البلد الوحيد في التاريخ الذي انتقل من البربرية إلي الانحلال دون أن يمر بعصر الحضارة » فمن حسن الطالع بالنسبة لأمريكا في طريق استوحاشها وقيادتها العرجاء للعالم هي وراثتها للامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس عقب حسمها للحرب العالمية الثانية حيث ان بريطانيا كانت قد أرادت رفع يدها عن المستعمرات التي تتبعها في العالم والاكتفاء بما نهبته من ثرواتها وما خلفته فيها من قيمها وثقافتها ونخبتها.. الذين هم من بني جنس هذه المستعمرات التي سلمتها مقاليد الحكم. بعد ذلك تنازلت بريطانيا طواعية عن مستعمراتها إلي مستعمرتها الابن (أمريكا) وذلك لأن امريكا التي نالت الاستقلال عام 1081 ميلادية عن بريطانيا ما هي سوي بريطانيين خصوصا وأوربيين عموما جنسا وثقافة ماعدا بعض من الزنوج الذين جلبوا في أساور حديدية من افريقيا لخدمة البيض.

وهذا التنازل الطوعي البريطاني لصالح أمريكا هو ما يمكن ان نسميه «حسن الطالع» وكان قد سبقه نمو الاقتصاد الأمريكي بشكل مذهل بسبب احداث الحرب العالمية الأولي ولقد توافرت لدي الولايات المتحدة بالاضافة لحسن الطالع «القدرة الخاصة » وذلك لأن الشعب الأمريكي هو مزيج من كل مغامري أوربا أو المارقين فيها علي وجه أدق بالاضافة إلي توافر المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية والجبلية مما ميزها بالتنوع والوفرة في المحاصيل والمعادن بالاضافة لقلة عدد السكان وتوافر الأيدي الأفريقية العاملة الرخيصة.

كل ذلك من قدرات خاصة جعل أمر الابداع والابتكار يسيرا خاصة مع تنامي ظاهرة هروب العقول المحاصرة في القارات القديمة بالنظم السياسية والاجتماعية المتخلفة أو المقيدة.

ولما توافرت القدرات الخاصة مع حسن الطالع استطاعت أمريكا أن تصبح احدي القوي الكبري بل إنها القوة الوحيدة في العالم.

تقول مادلين أولبرايت وزير خارجية أمريكا سابقا تصف استعدادات امريكا الحالية ( انني امثل امريكا صاحبة المسئوليات العالمية والأمة المستعدة لفعل كل شيء وقتما تريد وليعلم الجميع اننا نفعل ما نريد وبغير ما نريد لا تقف في طريقنا عقبة واحدة لأن العالم لنا .. العالم لأمريكا.) «5»

ومما يعزز قولنا من وراثة الولايات المتحدة للاستعمار القديم خاصة البريطاني منه ما قاله ج. هالكر وفرجسون في كتابهما المشترك ثورات امريكا اللاتينية حيث قالا «ومع بروز وتعاظم تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في امريكا اللاتينية مع بداية القرن العشرين حل الاستغلال الامريكي محل الشكل الأوربي التقليدي القديم للاستعمار واصبح الوجه الامريكي للاستغلال بديلا عن الوجه الاوربي.»

وكما يقول رضا هلال في دراسته المسيح الأمريكي الصهيوني ان المسيحية التي يدين معظم سكان الولايات المتحدة بما اصطبغت باليهودية فالمهاجرون الأوائل كانوا من البروتستانت الذين حملوا إلي العالم المتهود بتأثير حركة الاصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر في القرن الـ61 ورءوسهم محشوة برؤية توراتية لدرجة جعلتهم يطلقون علي امريكا في البداية بأرض الميعاد واسرائيل الجديدة.

ونقصد من ذلك ايجاد الشبه لرؤية التكامل بين اسرائيل وامريكا من ناحية كما قصدنا من قبل اظهار رؤية وراثة امريكا لبريطانيا. حيث ان ما يزيد علي ثلاثة ارباع المستعمرين البيض كانوا في عهد الثورة الامريكية من ذوي الدم البريطاني) «6» ( علي ان قلة من المستعمرين ظلوا حتي عشية الثورة لا يفطنون إلي أن شخصية امريكية كانت في تطور ونمو وكانوا يرون انفسهم رعايا بريطانيين ذوي ولاء أولا لها ثم فيرجينيين أو نيويوركيين أو أبناء رود ايلاد وفي هذا كتب مؤلف «قلوب بلوط فرجينيا »سنة 6671 يقول: بالرغم من اننا نستمتع بالأطايب ونسمن علي ارض امريكا فإننا ننتمي إلي جزيرة بريطانيا الجميلة كرعايا ومن الذي يبلغ به السخف أن ينكر علينا هذا وثمة بريطاني اصيل في كل عرق من عروقنا)(7ِ)

(2)

تحت عنوان في الامارة الوراثية يقول « يقولا ميكافيللي ان الصعوبة في المحافظة علي الدول الوراثية التي الفت حكم أسرة حاكمة أقل بكثير منها من حكم الملكيات الجديدة لأنه يكفي ألا نتجاوز أوضاع السلف وان نتهيأ للطوارئ المقبلة.

ومجازا لو اسقطنا من الولايات المتحدة صفة الجمهورية واعتبرناها ملكية لقلنا ان المستعمرات البريطانية السابقة ما هي إلا حلائف لها وبالتالي أحلاف امريكية حتي عقب الاستقلال (فحين انسلخت هذه البلدان عن النظام الاستعماري القديم تشكلت علاقات جديدة بينها وبين المراكز الامبريالية عرفت بالاستعمار الجديد وتمت صياغتها علي اساس التخلف ــ الهيمنة واستمر التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ضاربا جذوره في هذه البلدان المستقلة).«8»

ولو كان هذا الاستقلال فاقدا ايضا القدرة علي الفعل السياسي.

وباقتراحنا السابق باعتبار الولايات المتحدة مملكة وليست جمهورية هو اقتراح ظني نابع من ما هو معروف من سيطرة الاقتصاد. الصهيوني علي كافة مجالات الحياة الامريكية مؤثرا في ذلك علي صناعة القرار.. للدرجة التي جعلت «ليسي أسبن » وزير الدفاع الامريكي السابق يقول( ان اسرائيل تواجه تهديدات أمنية جديدة من السكين إلي الصاروخ وأن الرئيس بيل كلينتون تعهد لرئيس وزراء اسرائيل اسحق رابين بالعمل لمواجهة هذه المخاطر.. وكلفه تدعيم الشراكة الاستراتيجية بين البلدين) «9» ويلاحظ لفظ «تعهد »وما يعنيه من علاقة الولاء بل أحد الصحفيين الأمريكان سأل عضوا بالكنيست الاسرائيلي عن قرارها بضم الجولان إليها وهل ستتعرض لمشاكل مع الولايات المتحدة فقال له « الدول الأخري لا تستطيع تجاهل الولايات المتحدة والنفوذ الأمريكي الهائل وهو عنصر في كل قضية دولية لكن ماذا تستطيع الولايات المتحدة أن تحقق في الشرق الأوسط إذا كان الزعماء الاسرائيليون يدركون انهم يستطيعون تهديد المصالح الأمريكية دون خوف من الزعماء الأمريكيين؟)«10»

وتقول صحيفة الرفيق السويسرية ( طالما أن اسرائيل تتبع سياسة الاحتلال في قلب الوطن العربي فالحرب مستمرة ولأن الولايات المتحدة الأمريكية هي الأداة التي يمارس يهوذا بها بطشه فإنه يحتمل أن يهدد كل شعوب العالم حريق عالمي.. إن مؤسسة القهر في ولايات اسرائيل المتحدة لا ترغب في السلام) «11» .

ومع اعتبار امريكا ملكية ومع اعتبارها وريث للملك البريطاني ومع اكتشافنا مدي التأثير اليهودي عليها نستطيع بذلك فهم مدي سيطرة اسرائيل علي امريكا وبريطانيا معا وفهم ان هذه القدرة الصهيونية السرية والعلنية ايضا الضاغطة في الولايات المتحدة تكاد تشكل ملكا حقيقيا خفيا يدير أمريكا عبر الريموت كونترول من جهاز الموساد الاسرائيلي بتل ابيب ومع ايماننا بأن هناك حكومة خفية تدير امريكا نكون قد وصلنا إلي لب ما نحن بصدده من أحقية وراثة الملك في امريكا للملك في بريطانيا متمتعا بكل حقوقها الاستعمارية.

وما أردنا التوضيح له في هذا الباب هو انه لولا التركة البريطانية من السياسات والمستعمرات والأحلاف ما كان للولايات المتحدة الامريكية سلطانها الذي وصلت إليه.

وعذرا لنزق التشبيه بين النظام الجمهوري في أمريكا وبين الملكية لكن ذلك جاء لكي تكتمل الصورة المتقاربة بين نماذج ميكافيللي في كتابه الأمير وبين امريكا محل الحديث هنا وربما اشارت كثير من الدراسات الي تركيز السلطة الاقتصادية والسياسية والاعلامية الامريكية في يد نخبة تعد علي الاصابع طبعا هم اليهود ، وهوما دفعنا لخلق هذا التشبيه.

(3)

«في الامارة المختلطة» تحت هذا العنوان كتب مكيافيللي «ولكن حين نستولي علي ممتلكات في منطقة تختلف معنا في اللغة والقوانين والعادات فإن الصعوبات التي لابد من التغلب عليها عظيمة.»

ثم اشار إلي مزايا اقامة الامير في الأرض الجديدة.. ولما تعذر تطبيق ذلك علي مستعمرات عصرنا فقد أخذوا بالوسيلة الثانية والتي يبقي فيها الامير بداخل امارته الأم مع الاحتفاظ بمستعمرات رمزية في الامارة الجديدة ــ المستعمرة ــ وفي ذلك يقول ميكافيللي «والعلاج الآخر واحسن العلاجين هو اقامة مستعمرات في مكان أو مكانين من تلك الأمكنة التي هي مفاتيح البلاد لأنه لابد من احد أمرين إما أن تفعل ذلك أو تحتفظ بقوة كبيرة مسلحة وهو بذلك لا يضر سوي اولئك الذين قد اخذت منهم أراضيهم ومنازلهم.»

ويكاد مكيافيللي يشير إلي اسلوب الدعاية بالترهيب وهو يتحدث عن أن من لم تؤخذ ارضه منه لاقامة مستعمرة عليها سيحتفظ بالولاء له أي للأمير والخوف من أن تؤخذ منه أرضه مثلهم.

وأسلوب الترهيب اسلوب قديم معتمدا علي الدعاية برع في استعماله الأمويون في مطلع العصر الاسلامي وقبل ظهور مكيافيللي بألف سنة وكان الهدف الرئيسي للأمويين من سياسة التهديد والعنف هذه هو إلقاء الرعب في قلوب المعارضة حتي لا تفكر في الخروج عليهم) .«12»

كما طبقه جوبلز وزير الدعاية في ألمانيا النازية في العصر الحديث «وقد أدي الخوف والرعب اللذان انتشرا من الفوهرر الألماني إلي تدفق اللاجئين إلي الشوارع في فرنسا وعرقلوا بذلك حركة الحلفاء ومعداتهم العسكرية وعجلوا بهزيمة فرنسا).«13»

أما عن التطبيقات الأمريكية والاسرائيلية محل الدراسة فأسلوب الترهيب قد يكون العامل المميز لها.

ففي حرب الخليج الثانية بين العراق وبين الولايات المتحدة الامريكية بشأن المسألة الكويتية استخدمت الولايات المتحدة الترهيب عدة مرات فقد بدا قائد القوات المشتركة (التحالف الأوربي والخليجي) نورمان شواراسكوف واثقا وهو يقول للصحفيين «نحن نقترب من الحرب مع دولة من العالم الثالث ولكننا نضع خططا وكأنها ستكون الحرب العالمية الثالثة »وكذلك ما فعلته باليابان عام 5491 من توجيه ضربة نووية قاصمة لها جعلت العالم كله يشعر بالرعب منها أما اسرائيل فهناك خطر داهم يتهدد الأمة العربية بأسرها بسبب احتكار اسرائيل للسلاح النووي وليس أدل علي ذلك من اعلان زعماء اسرائيل ومنهم شيمون بيريز عام 4891 بأن «جميع العواصم العربية من مراكش إلي بغداد رهينة في يد اسرائيل »ومن اعلان يؤوال نئمان الملقب بأبو القنبلة النووية الاسرائيلية بأن (اسرائيل تستطيع تدمير المنطقة العربية عدة مرات).«14»

إن الأمريكان اعتمدوا علي اسلوب المستعمرات وهي عبارة عن قوات خاصة تنتشر معسكراتها في تلك البلدان بحجة حمايتها من خطر وهمي ولكنها في الحقيقة هي مستعمرات حاكمة لتلك الامارات وربما برضاء خاص من حكام تلك الامارات وذلك لأسباب نوجزها في نص أورده ميكافيللي عند اقترابنا من شروح الباب الخامس.

ومن مزايا انشاء معسكرات تحتل اجزاء من المستعمرة عن نشر قوات فيها أي نشر قوات ضخمة في كل أراضيها وكما هو الحال في الخليج الآن حيث توجد معسكرات امريكية ولكن لا يوجد احتلال وذلك لأن احتلال مساحة من الأرض لاقامة معسكر أقل ضررا للسكان المحللين من نشر قوة ضخمة كما أن القوة الضخمة ستمارس اعمال سلب ونهب لصالحها الشخصي مما قد يحرض السكان علي الثورة ضد الاحتلال فيتم الحاق الضرر بالامير وحده.

كما أن المستعمرات تأخذ أراضي قلة بينما الأكثرية الذين لم تؤخذ أرضهم سيصيبهم الرعب من مصادرة أراضيهم إذا تمردوا فيقوموا بتوخي الحرص والسلامة.. وربما تأمينا لذلك يقومون بالتقرب إلي الأمير ويغدقون عليه العطايا.

وعلي أي متابع أن يلاحظ كيف تتصرف امريكا في الخليج.. فسيجد ثمة تشابها في أفكار مكيافيللي وتطبيقات امريكا لدرجة ان السعودية والكويت ـ حكامهما ــ يدفعان لأمريكا.

ويقول مكيافيللي (ولذا فإن اهانتنا لإنسان لابد ان تكون اهانة تعنينا عن أن نخشي انتقامه )وهو هنا يريد أن يقول التنكيل بالخصم ويقول في موضع آخر ينبغي لحاكم اقليم اجنبي أي مستعمرة لا يتفق معها في لغة أو جنس أن يتزعم جيرانه أي جيران هذه الامارة المستعمرة الضعفاء ويدافع عنهم.. وأن يعمل علي اضعاف جيرانه الاقوياء.. وأن يحذر من أن يغزوهم جار اقوي منه »ويقول «وليس عليه سوي ان يحترس من ان ينالوا سلطانا مفرطا وقوة » ويقول «ويظل هو فيصل تلك المنطقة في جميع الأمور« ويقول« ايضا ان كل من يكون سببا لأن يصبح غيره قويا يهلك هو نفسه».

والمتتبع يجد أن الولايات المتحدة الامريكية هي اكثر الدول في العالم الاستعماري اتبعت اسلوب التنكيل بشكل مفرط.. نكلت باليابان قتلت مائتي الف نسمة في ساعة واحدة.. قتلت 006 فيتنامي ومليون ونصف المليون عراقي عبر سياسة التجويع والحصار والقتل المباشر.. رغم أن الجرم لم يكن بحجم العقاب.. وكأنها تقول يجب إعادة العراق إلي العصر الحجري لأنها تجرأت بالخروج عن الجيتو المفروض علي المنطقة العربية.. نفس ما فعلته بريطانيا واسرائيل وفرنسا تجاه مصر في عصر عبدالناصر فأمريكا خاصة والغرب عامة لا يعادي شخصيات بقدر ما يعادي السياسات المتمردة علي طاعته.

كما أن الولايات المتحدة الامريكية بعدما تأكد لها تأمين وجودها وسيطرتها علي مقاليد الأمور في الخليج و بعدما دمرت قدرة العراق العسكرية وتيقنت من ضعف ليبيا وسوريا وبعدما ايضا حيدت مصر ترأي لها بعد ذلك أن ثمة قوة إيرانية يجب تدميرها ولا أدل علي ذلك التوجه من قول وليام بيري وزير الدفاع الأمريكي الاسبق (علينا أن نبقي مستعدين لمواجهة التهديدات التقليدية من جانب ايران والعراق تلك الدول التي تملك الجيش الأول في المنطقة) وقول الصهيوني باريف (ان نبوخذ نصر ـ ملك بابل ـ قد حارب اليهود الايرانيين قبل ثلاثة آلاف سنة واخذهم اسري ومن مصلحتنا أن نحارب العدو المشترك ـ العرب) «16»

وقول هارون ياريف مسئول المخابرات العسكرية الإسرائيلية ورئيس مركز الدراسات الاستراتيچية بجامعة تل ابيب (لابد أن نعد ايران عضوا في التحالف العربي الاسلامي ضدنا) ورغم أن الولايات المتحدة هي التي دمرت العراق فإنها ذاتها تحميها من أي غزو ايراني أو تركي أو حتي إسرائيلي.. فأمريكا تريد جيرانًا ضعفاء لمستعمراتها وغزو أية دولة للعراق سيزيد من قوتها.. وبخصوص إسرائيل فهي لاتريد التصادم مع أية دعوة للجهاد في العالم الإسلامي.. لأن احتلالها للخليج احتلالاً مقنعا عبر أمراء خلفاء لها.. أما غزو إسرائيل للعراق فهو مكشوف وفاضح ومستفز.

حتي الدول التي تستعمرها أمريكا في الخليج تعاني من الضعف العسكري المخطط من قبل الإدارة السياسية للولايات المتحدة.. فهي تسلح هذه الدول بأسلحة تقليدية مراعية التفوق الإسرائيلي الواجب.. وإن كانت تريد حماية هذه البلدان حقًا لقامت بتسليحها نوويا.

وهي بذلك تعمل بالحكمة المكيافيلية القائلة (من كان سببًا في قوة غيره هلك ).. أما فيما يخص تبنيها لإسرائيل فهو نابع من رؤية دينية توراتية: تقول الباحثة الأمريكية «جريس هالسل» إن الاصولية الانجيلية والمسيحية اليهودية مستعدة بل راغبة بكل قواها في اشعال حرب نووية بشأن إسرائيل. ولايفوتنا أن نذكر أن المهاجرين البيوريتانيين من أصحاب مذهب «جون كالفن» المتأثر بمرشد نيرون الروحي والذي يدعي «سنيكا» الذي تبني نظرية ابادة السكان الاصليين في فتواه.. لايفوتنا أن نذكر أن معظمهم من أنصار واتباع هذا المذهب.. فارين من ملوك انجلترا الكاثوليك ولايفوتنا أيضا أن نذكر تأكيد «هنتنجتون» في اعماله العديدة علي أن الأمريكيين هم العرق البشري الأرقي بيولوجيا.. وبرر ـ بوقاحة ـ عمليات ابادة الهنود الحمر تحت نظرية (الازاحة الطبيعية للعنصر البشري غير الراقي من قبل الانجلوساكسون الحيويين).. لقد ابيدت 004 ثقافة مختلفة في أمريكا راح ضحيتها 21 مليون نسمة في اوسع عملية ابادة منظمة في التاريخ.

(4)

تحت عنوان (لماذا لم تثر مملكة داريوس.. وقد احتلها الاسكندر علي خلفائه عقب وفاته) كتب نيقولا مكيافيلي يقول (الممالك التي عرفها التاريخ قد حكمت بطريقتين.. إما حكمها أمير واتباعه يساعدونه في حكم المملكة كوزراء بفضله وإجازة منه.. او حكمها أمير ونبلاء يتبوءون مراكزهم بدون مساعدة من الأمير.. ولكن لقدمهم.. ولمثل هؤلاء النبلاء ولايات ومواطنون لهم خاصة يعترفون بهم سادة عليهم بطبيعة الحال.. وللأمير في تلك الولايات التي يحكمها أمير واتباعه سلطان أكبر من سلطان الأمير الثاني.. لأنه لايوجد فوقه سواه).

مما لاشك فيه أن غياب العمل الحزبي يعد دليلاً قاطعًا علي مركزية السلطة وعدم تداولها.. وذلك لأن الحزب وكما عرفه كلسن (عبارة عن تلك المنظمات التي تجمع بين رجال ذوي رأي واحد لتضمن لها تأثيرا حقيقيا وفعالاً في ادارة الشئون العامة).«17»

وربما تشهد الساحة العربية مركزية الحزب الواحد.. أي أن هناك احزابا ولكن لاتوجد افكار ولا شخصيات ولا منافسة جدية.

وأردنا أن نخوض تعريفنا للحزب لنثبت أن سبب دوام الأنظمة العربية ـ بخلاف النظر عن ماهية افكارها سوءًا وجدة ـ هي أنها من ناحية يحكمها عادة حزب واحد ولا تداول في السلطة بين الاحزاب .. بل إن الحزب الحاكم في أي دولة لايوجد تداول في قياداته .. الرئيس يظل دائما رئيسا وهو أيضا بالطبع أعلي سلطة في الدولة.. بينما ماعداه في الحزب يمكن تغييره وثمة تشابه في هذا الشكل وبين ما طرحته نظرية مكيافيللي حيث يوجد أمير واتباع وليس أميرا ونبلاء.. بل إن الرئيس ـ الأمير ـ يعتبر وجود نبلاء في دولته مراكز للقوي ويسارع بتصفيتهم جسديا أو يعتمد علي اسلوب تجريحهم وتنفير الناس منهم والحط من شأنهم.

وخطورة هذا الاسلوب رغم أنه يعطي الحرية المطلقة للحاكم هو أنه يكون خطرًا علي المملكة أو الدولة لغياب الصف الثاني.. فالعدو لو أراد دحر هذه الدولة فعليه بأن يتوجه رأسًا نحو أعلي السلطات أميرا أو رئيسًا.. لو اسقطه يستطيع بسهولة تحقيق مآربه.

تماما كما فعل الضباط الاحرار حينما توجهوا للملك فاروق رأسا فلما استطاعوا الوصول إليه اعلنوا نجاح الثورة في مصر.. لأن الملك بلا صف ثاني.

أما في لبنان فلم تنجح كثير من المؤامرات ضدها بسبب أن رئيس الدولة خلفه صف ثان متمثل في طائفيات واحزاب قوية.. رغم أن رئيس الدولة هناك محدود السلطات تنفيذيا.

وفي نموذج لبنان ذلك نفسر أسباب هزيمتها لإسرائيل التي جلت عن جنوبها مجبرة عام 0002 .

حتي أمريكا نفسها ومنذ استقلالها لم يحكمها سوي حزبين يتبادلان السلطة فيها (الجمهوري ـ الديمقراطي) وإن كان هذان الحزبان اليمينيان يتفقان في كل السياسات الخارجية إلا أن ثمة معالجات غير مهمة هي مصدر الخلاف بينهما.. وهذان الحزبان يمثلان قوة المال والسلطة.

فهل خلت أمريكا من الأحزاب؟.

ولايفوتني أن أكرر مقولة برناردشو (أمريكا هي البلد الوحيد الذي انتقل من البربرية إلي الانحلال دون المرور بعصر الحضارة) «18» صدقت.

كما أن النظام الرئاسي الأمريكي ومنذ عصر چورچ واشنطن المؤسس الأول يعتمد علي وجود رئيس للدولة واتباع له.. فچورچ واشنطن استعان بهاملتون كقيادة عسكرية وجيفرسون كقيادة فكرية وفلسفية وكان لقبهما سكرتيري الرئيس .. ولا مناص من استبدالهما وإن كانا هما من أشد المخلصين للدولة وللرئيس حتي أنه لما حدث خلاف بين چورچ واشنطن وهاملتون بسبب معركة مونماوث اثناء حرب التحرير الأمريكية لم يثر چورچ واشنطن له عندما تم قتله في مبارزة بينه وبين آرون بير 4081.. حتي أن چورچ واشنطن لم يكن في الحكم وقتها لكنه كان قادرا علي اتخاذ القرار بوصفه المؤسس للدولة.

(5)

«في طريقة حكم المدن والبلاد التي كانت تعيش قبل احتلالها في ظل قوانينها الوطنية» تحت هذا العنوان كتب مكيافيللي يقول (وعندما تكون تلك الولايات التي قد استولينا عليها معتادة علي الحياة الحرة في ظل قوانينها الخاصة فثمة ثلاث طرق للسيطرة عليها إما أن يخربها الأمير والثانية أن يذهب يعيش هناك بشخصه والثالثة أن يجيز لها أن تعيش في ظل قوانينها الوطنية ويحصل منها علي الجزية ويقيم في داخل البلاد حكومة من عدد قليل يحافظ عليها صديقه له ولما كانت هذه الحكومة صنيعة الأمير فهي تعلم أنها لا تستطيع أن تبقي بدون صداقته أو حمايته).

وما اردنا الاسترسال والتوضيح فيه في الباب الثاني سنوضحه هنا.

فمكيافيللي يطرح ثلاثة اساليب لاخضاع المستعمرات الجديدة التي لانتفق معها في لغة أو جنس.. وهي التخريب ـ نقل السلطة اليها ـ تتويج حكومة عملية.

تخريب الدولة: وتاريخيا من أبشع النماذج التي قامت بسياسة تخريب المستعمرات هو نموذج التتار حتي يخضعوها بشكل حاسم للهيمنة.

أما حديثا فإن الولايات المتحدة الأمريكية اتبعت هذا الاسلوب في مواقع عدة.. في اليابان التي القيت عليها قنبلتان ذريتان.. مما جعل الحكومة اليابانية تسلم بالغزو الأمريكي دون قيد أو شرط اثر مقتل مائتي الف ياباني في ساعة واحدة وتدمير جزيرتين بشكل شامل.

وكذلك في فيتنام حيث اغارت 006 طائرة حربية ولمدة 21 يوما وبشكل متواصل ومكثف مع مساعدة بريطانية.

وفقدت فيها فيتنام 006 ألف قتيل.. معظمهم من المدنيين. وفي العراق.. ومع حد تعبير جيف سيمونز المفكر الأمريكي حيث يقول (أحدث العرض الشامل للأسلحة المتطورة مجزرة جماعية لعدو ـ يقصد العراق ـ لاحول له ولا قوة عموما ووقع معظم القتلة بعد الوقت الذي كانت الدبلوماسية تستطيع فيه وضع نهاية للصراع تضمن تحرير الكويت .. استعملت فيها قذائف اليورانيوم المنضب والنابالم والقنابل العنقودية ومتفجرات الهواء ذات النطاق النووي والقنابل التقليدية التي القت طائرات بي 25 كميات كبيرة منها واسقطت البحرية الأمريكية وحدها أكثر من 0044 قنبلة عنقودية وألقت طائرات الجاكوار البريطانية الهجومية آلاف القنابل العنقودية من طراز بي الـ577 المصممة لتقطيع اوصال البشر)«19» وكذلك اطلاق يد اللصوص لتخريب بغداد عقب احتلالهم لها 2003.

والمعروف أن القنبلة العنقودية الواحدة تنشطر إلي الفي شظية عالية السرعة تمزق الشظية الفرد تمزيقًا.

وقد وصف مايكل كلير خبير أسلحة حرب 0991 المسماة بحرب الخليج بأنها حرب أخذت مستويات شبه نووية من التدمير بدون إثارة اشمئزاز الناس. حتي أن جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا أثناء الحرب أخبر طارق عزيز وزير خارجية العراق في 9 يناير 1991 بأن أمريكا (ستحول العراق إلي دولة متأخرة وضعيفة).«20»

وقد استعملت أمريكا مليون طلقة عيار 03 ملي واليورانيوم الناضب الذي تسبب في تلويث 003 طن متري بالاشعاع مما خفض عمر العراقي الذكر إلي 02سنة والأنثي 11سنة!! وتسبب في وفاة مليوني مواطن عراقي في اوسع حرب ابادة عقب الحروب التتارية.

أما عن نموذج اقامة الأمير بنفسه في المستعمرة فهو نموذج واضح في سياسة إسرائيل وسعيها الدءوب لتهويد القدس من ثم احتلالها ونقل الحكومة إليها.. يقول تيودور هرتزل مفكر الصهيونية (إذا حصلنا يوما علي القدس وكنت ما أزال حيا وقادرا علي القيام بأي شيء فسوف أزيل ماهو غير مقدس لدي اليهود فيها وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها القرون) ويقول شلومو جورين حاخام الجيش الإسرائيلي (إن حلم الأجيال اليهودية قد تحققت فالقدس لليهود ولن يتراجعوا عنها وهي عاصمتهم الأبدية).«21»

ولاننسي كفاح إسرائيل من أجل نقل حكومتها إلي القدس واعتزام أمريكا نقل سفارتها في إسرائيل من تل ابيب إلي القدس مما يعتبر اعترافا أمريكيا لكون القدس عاصمة لإسرائيل.

والمعروف أن العاصمة هي مقر الحكومة وبالتالي الحاكم.

وأما النموذج الثالث وهو الخاص بتولية حكومات عميلة في المستعمرات فحدث ولاحرج.. فلم يكد ينتصف القرن العشرون حتي قامت بريطانيا بالجلاء عن معظم المستعمرات وتولية نظم حكم عميلة لها في هذه البلدان.

في الخمسينيات جلت بريطانيا عن العراق ولكنها نصبت الحكم في عبد الكريم قاسم.. وهو أحد حلفائها.. ولذلك تصدي جمال عبد الناصر له حينما أراد غزو الكويت 2691.. بوصف أن ضم الكويت للعراق هو زيادة لنفوذ المستعمر.وقد تكرر ذات الءمر بعد احتلالها للعراق وافغانستان .

يقول كوامي نكروما (وحقيقة الوضع أن معظم دولنا الأفريقية الجديدةتجد نفسها وقد ولدت من رحم الاستعمار مذعورة من عالم الفقر والجهل والمرض والافتقار إلي الموارد المالية والتقنية التي خلفها الاستعمار فترة وفي قطع الشعرة الباقية التي تشدها إلي الآم الامبريالية التي ولدتها).«22»

والواقع أن هناك نموذجا عربيا بالغ الوضوح علي هذه القاعدة الثالثة في نظرية مكيافيللي ... فالشريف حسين الذي فر من هجمات آل سعود من منطقة الحجاز في اعقاب قيام الدولة السعودية الثالثة مطلع القرن العشرين.. تلقته القوات البريطانية قرابة نهر الأردن وعرضت عليه عدم التعرض لليهود في فلسطين مقابل حمايته من هجمات آل سعود وإقامةحكم محدود له في منطقة شرق نهر الاردن.. فوافق الشريف حسين وقدم لبريطانيا خدمات جليلة اثناء الحرب العالمية الأولي حتي ساعد الجنرال اللنبي في طرد العثمانيين من شبه الجزيرة العربية والشام 6191.. بل إنه ساهم في قمع مظاهرات الفلسطينيين بعد صدور وعد بلفور 7191 طمعا في أن يعطيه الانجليز لقب أمير وحدث له ذلك بعد الحرب ولما توفي خلفه ابنه عبد الله ا لذي سار علي نهج والده في دعم الانجليز طمعا في رفع درجته من أمير إلي ملك وحدث له ذلك إثر تآمرات مكشوفة ضد الفلسطينيين مما حدا بالفلسطينيين إلي الانتقام منه بعد تكفيره وقتله في الحرم القدسي عام 0591.

وخلفه ابنه طلال الذي لم يلبث أن توفي عام 4591 ويتولي ابنه الملك حسين الذي قاد مذبحة بشعة ضد الفلسطينين فيما عرف بحادث ايلول الاسود 0791 .

أما أمريكا فقد وصل ولاء بعض الأمراء الذين تسبغ عليهم حمايتها أن قال علي المؤمن رئيس اركان القوات المسلحة الكويتية (إن الكويت يستطيع الاعتماد علي حزم اشقاء السلاح الغربيين وخصوصا الأمريكيين).. بينما قال بندر بن سلطان سفير السعودية في واشنطن عنهم (إن عائلة الصباح عائلة تجارة .. وليست لهم هوية سياسية محددة والكويت كلها اقرب إلي أن تكون شركة منها إلي أن تكون دولة)«23»

ولا أدل علي وضوح النظرية الخاصة بالشق الثالث هو أن الرئيس الأمريكي چورچ بوش الأب حينما زار الكويت عقب الحرب تلقي هدايا ثمينة تزن عشرات الأطنان أو بحجم بناية كبيرة كما وصفها كاتب أمريكي.

نعم.. الولايات المتحدة سواء أو بريطانيا لايريدون سوي اتباع.. يديرونهم بالريموت ويحصلون منهم علي ما يشاءون.

إن الامراء الذين جاءوا للحكم نتيجة تزكية مستعمرهم بالتأكيد مستعمرون.. سيكونون دائما في خدمة الاستعمارية الأم وسيكونون مستعدين لحرق بلادهم.. بل بلاد الدنيا مقابل عروشهم ليدوموا ويستمروا ويتحالفوا في ذلك مع من يحميهم حتي لو كان عدوا لشعبه هو نفسه..

(6)

في هذا الباب الذي سماه مكيافيللي (في الولايات التي قد اكتسبت بأسلحة الأمير الخاصة وقدراته) يقول (وسوف يصنع المرء صنع الرماة العارفين الذين يصوبون إلي نقطة أعلي من تلك التي يرغبون في اصابتها عندما تكون بعيدة جدًا.. ويعرفون مدي اطلاقهم للسهم.. لا لكي يصيبوا بسهمهم هذا الارتفاع ولكن ليصيبوا بواسطته الهدف المرغوب فيه) ويتحدث عن انتهاز أوضاع الشعب وتسخيرها لإقامة امارة جديدة ويقول (وهكذا كان من الضروري أن يجد موسي شعب إسرائيل عبيدًا في مصر يضيمهم المصريون حتي يصبحوا علي استعداد للسير خلفه لكي يتخلصوا من العبودية) ويضيف (وكان لابد من أن يجد قورش ـ ملك فارس ـ الفرس ساخطين علي إمبراطورية الميديين وأن يجدوا هؤلاء منحلين ومخنثين من جراء السلم الطويل) ويشرح ميكافيلي أن من ينشيء إمارة بصعوبة بالغة يؤمنها بسهولة والعكس صحيح أيضا ويشرح أن الأمير يجب أن يعتمد علي قدراته الخاصة وقوته لتأمين حب الناس له حيث يقول (ومن هنا لزم ترتيب الأمور بحيث يمكننا استخدام القوة لنكرههم علي الايمان بما ارتدوا عنه.. ولو كان موسي وقورش وتيسيوس ورمونوس عزلا لما استطاعوا أن يجعلوا غيرهم يراعون دساتيرهم أمدًا طويلا).. كما يدعو مكيافيللي الأمير إلي مهاجمة خصومة بحماس شديد في كل فرصة.. ويقرر حقيقة ثابتة بأن الناس لايؤمنون بأي جديد ايمانا صادقا حتي يجربونه.. تعرف بريطانيا وأمريكا أنها لكي تصيب الهدف يجب أن توسع دائرة الاشتباه ولا ننسي تاريخيا أن أزمة الطاقة التي تفجرت مابين عامي 1791و 3791 كانت مجرد ذريعة أمريكية لم تكن مقصودة لذاتها ولكن كانت (من أجل اعداد المواطن الأمريكي بوجه خاص والأوربي الغربي بوجه عام اعدادا نفسيا لتقبل أية مخططات عدوانية ضد البلدان المنتجة للبترول وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط.. وتصفية حركات التحرر بهذه الحجة والاستعانة بالأمم المتحدة ـ اذا لزم الأمر في محاولة لتدويل البترول وتحويله من سلعة محلية إلي سلعة دولية استراتيجية بحيث تدخل الأمم المتحدة طرفًا بين المنتج والمستهلك .. كما تستغل الولايات المتحدة الحاجة المتزايدة إلي الطاقة في أوربا لفرض زعامتها وسيطرتها علي القارة الأوربية مع ربط منطقة الشرق الأوسط الغنية بالبترول ربطًا وثيقًا بها)«24» .. فلماذا «ثم تنفجر أزمة الطاقة فيما بين عامي 17 ـ 3791 في أوربا واليابان بالصورة المفاجئة والمدبرة التي تفجرت بها في الولايات المتحدة برغم ان الولايات المتحدة دولة غنية بتروليًا ولديها فائض تدفنه تحت الأرض في حين أن بلدان أوربا تستورده لحاجتها الماسة له) «25»

إذن .. حينما أرادت الولايات المتحدة فرض سيطرتها علي الخليج العربي قامت بإثارة أزمة عالمية اسمتها بالطاقة.

وليس ببعيد نفس الأسلوب الذي فعلته أمريكا باثارة أزمة عالمية عن الإرهاب عام 1002 ليس إلا لكي تتخذها ذريعة إنسانية مهذبة وتحظي بدعم دولي بضرب كل الدول الإسلامية الخارجة عن الدوران في فلكها العالمي .. مع القيام بتصفية الحركات الإسلامية تحت نفس المسمي وهو حرب الإرهاب .. بل تصفية أية حركات للمقاومة ضد المصالح الغربية الامبريالية.

ولا يفوتنا أن الحكومة الفرنسية حتي تستطيع أن تكسب معركتها ضد قوي التحرر في الجزائر تراءي لها أن ضرب مصر يساعدها كثيرًا في كسب المعركة بل إن رئيس وزرائها صرح عام 6591 واثناء العدوان الثلاثي علي مصر بأن «فرنسا تضرب مصر لكي تكسب الجزائر» ... وذلك لأن مصر هي الدولة العاصمة الداعمة في قضايا التحرر لكل البلدان العربية والأفريقية.

أما فيما يخص قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتسخير الشعوب لتحقيق أهدافها فهو يتضح من نموذجين الأول داخليا وهو تسخير شعبها نفسه كما حدث في أزمة الطاقة العالمية عامي 17 ـ 3791 وخارجيًا وهو الخاص بتسخير شعوب الدول المستعمرة ذاتها للوصول منها إلي دعم إضافي.

وذلك عن طريق نسبة كل سييء إلي هذه البلدان ونسبة كل حسن إليها.

ولا يخفي دور الإعلام وتأثيره كسلاح فتاك في يد الاستعمار العالمي الذي تتزعمه الولايات المتحدة بما تحتله من امتلاكها لـ07% من أصول الطيف الإذاعي والتليفزيوني والمطبوع عالميا.

«ولكن الأخطر والأقسي وطأة في العمل الإعلامي الاستعماري هو الوصول بأبناء البلدان النامية إلي كراهية بلدانهم .. ومن ثم يمكن إيجاد المناخ الملائم للاستغلال أمام الاحتكارات العالمية .. ان الصعوبات والأخطاء التي تقابل عملية التنمية تفرض مضايقات شتي لشباب هذه البلدان الذي يصاب بخيبة أمل كبيرة في قياداته السياسية ويصاب بإرهاق نفسي ومادي من سوء الإدارة يوميًا .. ومن هذا الوضع يستغل الإعلام الاستعماري فرصة نادرة لتضخيم النقد والبعد تمامًا عن ذكر الايجابيات حتي يصل المواطن النامي بنفسه إلي كراهية وطنه.) «26»

ولا يتوقف الأمر عند هذا المستوي بل إنها تستغل الظروف الخاصة لبلدان تستعمرها بالفعل ضد بلدان تطمح في استعمارها.

فالذي يغذي الأكراد في شمال العراق بالسلاح هو أمريكا بينما التي تآمرت للقبض علي زعيمهم «عبدالله أوجلان» وسلمته لتركيا ليتم إعدامه هو الموساد والـ«سي.أي.إيه» كما كشفت التحقيقات وقتها.

وكما يقول وزير الدولة الأمريكي «وان كون» بشأن دعم تايوان في انفصالها عن الصين (إذا كانت سياستنا تتشكل من آمال بالاحتفاظ بـ«تايوان» فانها يجب ان تخفي بعناية رغبتها في فصل الجزيرة عن القارة الأم وإذا تحتم علينا أن نتدخل عسكريًا فيلكن ذلك بمساعدة الأمم المتحدة مع اظهار النية في اننا نساند الطلب الشرعي لـ«التايواني» للحصول علي الحكم الذاتي). «27»

إن الولايات المتحدة تبرع عادة في استعمال التقنية الدعائية الخاصة باستثارة روح الكراهية والسخط لدي الجميع ومن الجميع وضد الجميع عداها.

ان الدعاية الأمريكية هي التي صورت لحكام الخليج العربي أن النظام البعثي في العراق ـ إن عاجلاً أو آجلاً ـ سوف يطيح بعروشهم مما دفع هؤلاء الحكام للتضحية بكل غال ونفيس من أجل إزالة نظام بغداد حتي لو كان الثمن مليوني طفل وشهيد عراقي.

يقول «ماكي أوكين» في صحيفة «الجارديان» 61 ديسمبر 5991: (لأنني عرفت سوء ما فعلنا بالحرب والحقيقة والدم .. انها حكاية الأكاذيب في سبيل النصر .. حكاية تسخيرنا نحن العاملين في وسائل الإعلام كما تساق الحمير لكي لا نري سوي ما يريد عسكريو أمريكا وبريطانيا حربا لطيفة .. نظيفة .. انها حكاية الأكاذيب).

والدعاية الأمريكية التي صورت ذلك تساندها المخابرات الأمريكية والحليفة كانت في حقيقة الأمر تطمح لكسب أراض جديدة ... وبكلفة خليجية!! .. ولا أدل ان الحصار المفروض علي العراق قد أقره مجلس النواب الأمريكي طبقًا للائحة 5854 من اللائحة التشريعية بتاريخ 72/7/0991 ـ أي قبيل الغزو أصلاً الذي حدث في 2/8/0991.

ولا يتوقف مبدأ «التسخير» عند حد الأعداء .. بل للأصدقاء .. بل للشعب الأمريكي ذاته.

كتب الصحفي الأمريكي «جايمي روستون» تحت عنوان «مأساة واشنطون الرسمية» (تتمسك بالأشياء الباطلة .. وترمي جانبا العناصر الثابتة .. تصرح بالإيمان ولكنها لا تؤمن).«28» وكما يقول الشاعر المكسيكي العكبير اكتافيوباث « لم تفتقد أمريكا أبدا للقوة ..ولكنها دائما تفتقد الحكمة والرحمة».

فأمريكا علمانية إذا أدان الأمر أمريكيا .. وأمريكا دينية إذا خدم مصالحها .. فريجان كان دومًا يردد ومنذ أن كان حاكمًا لولاية كاليفورنيا:هل نحن الجيل الذي سيشهد هرمجدون نووية؟

وهرمجدون بالعبرية تعني السهل الذي يقع إلي الشرق من عكا في شمال فلسطين .. وذكرت في نبوءة حزقيال في رؤيا يوحنا بأنها ستشهد نهاية الزمان وانتصار قوة الخير اليهودية علي قوي الشر العربية .. ويبني بعدها هيكل سليمان المزعوم .. وبداية الألفية السعيدة.

ويبدو أن كل قرارات ريجان كانت متأثرة بهذا التساؤل..حيث اختار عددًا من نشطاء الانجيليين لمراكز مهمة في إدارته .. بل إنهم كانوا سببا قويا في احراز الفوز علي منافسه جيمي كارتر في انتخابات الرئاسة عبر قوتهم التصويتية.

وتكون في أمريكا عبر التاريخ عشرات الجمعيات التي تتبني وجهة نظر الصهيومسيحية السابقة منها «اللجنة الفلسطينية ـ الأمريكية» التي ضمت 062 عضوًا من مجلس النواب والشيوخ وكذلك «المجلس المسيحي ـ الفلسطيني» عام 2491 و«لجنة فلسطين المسيحية ـ الأمريكية» ولجنة «الاتحاد الوطني للأصولية الانجيلية» عام 2491 أيضًا.

وتلك الجمعيات وغيرها كانت مجرد واجهات لتهيئة الشعب الأمريكي لأي عدوان علي العرب ـ أعداء الرب.«29»

وتعليل مكيافيللي لهزيمة قورش للميديين بسبب تخنثهم جراء السلم الطويل ... هو معناه أن حالة السلام الطويلة للشعوب تجعلها غير قادرة علي الحرب .. وهو الأمر ذاته الذي نرصده بسهولة من ذلك التدخل الأمريكي الصارخ في شئون العالم.

يقول «جون كيلي» وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق: «لا حل إلا نشر الجثث الاقليمية في كل مكان في العالم حتي لا تتآكل الامبراطورية الأمريكية بفعل الزمان .. لتلحق بما سبقها من امبراطوريات».

ويلاحظ لفظ «امبراطورية» وكأنه يدعم فرضيتنا السابقة بشأن أمريكا.

ومن غرب العالم إلي شرقه نلحظ ميل الولايات المتحدة للعدوان ـ في العراق ـ في ليبيا ـ في السودان في كل البلاد التي تحاربها إسرائيل في صربيا ـ في نيكاراجوا ـ في اليابان ـ في فيتنام ـ في كوريا ـ في كولومبيا ـ في بنما .. والكثير.

انها نظرية «الوقاية بالهجوم» لكسب الأراضي الجديدة وبث الرعب في قلوب كل الناس.

ولعلها ولذات السبب ولكي تكره الخصوم علي السلم والإيمان بقدرتها النووية .. فالولايات المتحدة الأمريكية حينما القت بقنبلتيها النوويتين علي هيروشيما وناجازاكي في 6 أغسطس و9 أغسطس عام 5491 كانت تهدف لتأكيد قاعدة ميكافيللي السابقة الخاصة بالتنكيل بالخصم وقاعدته الخاصة باكراه الأعداء بالإذعان والحب .. وهو ما نلاحظه الآن بعد مضي أكثر من نصف قرن .. حيث تتميز اليابان بعلاقة حميمية مع أمريكا .. وكأن إذعانها مكرهة عام 5491 تحول الآن إلي حب حقيقي!!

ويلاحظ مدي التعاون الذي ابداه رئيس وزراء اليابان عام 1002 تجاه ضربات 11 سبتمبر الذي هدم التوءم الأمريكي ـ برجي التجارة العالميين .. حيث بدت اليابان كلها متعاطفة مع أمريكا والضربات اللاإنسانية التي تعرضت لها!!

وقصدت الولايات المتحدة من ضربتيها النوويتين لليابان التأكيد للعالم أن السلاح النووي الذي بحوزتها قادر علي حسم أي معركة .. حتي يري هذا العالم ويجرب حجم المرارة التي يخلقها هذا السلاح الرادع الفتاك.

هنري سيتمون وزير الحرب الأمريكي في عصري روزفلت وترومان والذي اعطي أوامر إلقاء القنبلتين قال: «كانت القنبلة أكثر من سلاح تدميري قوي إذ كان لها تأثير سيكولوجي شديد».«30»

والاشارة واضحة إلي أهمية تلك الضربة القوية في تأثيرها النفسي علي الشعوب سواء الياباني أو غيره.

والاشارة واضحة إلي أهمية تلك الضربة القوية في تأثيرها النفسي علي الشعوب سواء الياباني أو غيره.




ولعبة التأثير النفسي هي فن قديم يقوم علي تكنيك دعائي هدفه الأساسي «تحطيم الخصم باستخدام كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة وذلك للقضاء علي التماسك الفكري لفهم الخصم ومعتقداته ولإشاعة الرعب والخوف والبلبلة وبذر بذور الفرقة أرادته واكراهه علي الاستسلام».«31»

واستخدمت إسرائيل ترسانتها النووية ربما حتي الآن ـ لمجرد الردع السيكولوجي الذي يجعل العرب يقبلون بأي حلول تفرضها علينا ناهيك عن كون تلك الحلول قد تحمل مزيدا من الغطرسة مثل الدعوات الاسرائيلية المتواترة «السلام مقابل السلام» وليس «الأرض مقابل السلام» وهي الدعوة العربية المضادة والتي فقدت احترامها بسبب التفوق النووي الانفرادي لاسرائيل والتي انتجت ما بين 08 ـ 002 قنبلة نووية .. قال الأكاديمي الاسرائيلي شاي فيلدمان بأن 03 أو 04 واجبة منها عيار 02 أو 06 كيلو تكفي لإعادة 6 دول عربية كبري إلي القرون الوسطي. «32»
فالقدرة النووية الإسرائيلية كما يشير د.شلومو أهرونسون «هي التي جلبت السلام مع مصر وكبحت جماح سوريا والعراق».«33»
ان اسرائيل ـ استكمالا لمنهج حليفتها أمريكا ـ تقوم بالترسانة النووية لاستخدامها كقوة إرهاب وقت السلم وقوة تدمير وقت الحرب .. وبما يمكنها من إملاء شروطها كاملة واجبار العرب علي القبول بها.
ان في الاصرار الاسرائيلي المتزايد علي التطبيع مع البلدان العربية التي عقدت معها اتفاق سلام مع التلويح بالتفوق النووي وامكانية استخدامه هو تعبير بشكل أو بآخر عن القاعدة الميكافيلية باجبار العدو علي الإيمان بك أو تخويفه حتي يحبك..لكن كيف الحب؟!
في مؤتمر القمة العربي المنعقد في مارس 1002 بشأن الانتفاضة الفلسطينية كشف العقيد معمر القذافي رئيس الجماهيرية العربية الليبية اثناء خطابه في الجلسة الختامية السرية والتي تسرب منها الكثير للصحفيين عن أن الحكومات العربية في معظمها تسعي لكسب ود اسرائيل .. وان الحج إلي تل أبيب أصبح سرًا وعلانية لدي حكام العرب.
ان التفوق النووي الاسرائيلي اشاع شعورًا عربيًا عامًا بالاحباط وانه لا مفر من تقبل وضعية اسرائيل والإيمان بها والسعي لنيل رضاها .. بل وحبها .. وخاصة بعد خمسة حروب تقليدية معها لم يكسب منها العرب غير واحدة.
اننا نستطيع ان نقرر ان اسرائيل بسبب طول فترة صراعها العربي تطورت عسكريًا ... والعرب بسبب سعيهم للسلام تأخروا.
ان السلم الطويل قد تسبب في التفوق التسليحي كمًا ونوعًا لإسرائيل عن التسلح المصري فرغم ان مصر عقدت سلامًا مع اسرائيل لكن اسرائيل لم تعقد سلاما إلا مع مصر في المنطقة العربية وان كان هو نفسه سلاما مشكوكا في جديته.
لقد آمنت روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل وكل قوي الامبريالية العالمية منذ بدء الخليقة بأن القوة هي أكبر تأمين للنفوذ .. بل للأفكار .. بل لاقناع الخصم بسحق افكاره وقوته واستبدالها بالبدائل الجديدة.
ان الفاشية وكما يقول د.مصطفي النحاس: ( هي نزعة قومية عدوانية تعمل علي خلق أمة متحدة في عداء عدواني للعالم خارج حدودها معتمدة علي القوة).. «34»
والنازية ما كان لها اقناع حلفائها بأهمية نقاء العرق الأري لولا اطمئنان هؤلاء الحلفاء إلي قوة ألمانيا وهو ما دفع اقليم رينانيا بالولاء للألمان وكذلك المجر والنمسا والتشيك وعدة مدن ودويلات تنتمي إلي العرق الأري.
حتي الثورة البلشفية في روسيا الاتحادية ما كان لها ان تنتشر لولا استخدام القوة لنشر افكارها .. بل ان ستالين حينما تقدم لغزو أوربا الشرقية استخدم القوة الشديدة لتأمين افكاره .. وظلت ا



الميكا فللية.doc
179K View as HTML Open as a Google document Download




Reply Reply to all Forward Invite سيد to Gmail





Reply
Reply to all
Forward
Print
Add سيد to Contacts list
Delete this message
Report phishing
Show original
Message text garbled?
سيد امين to ahmed, ali, arabfilmtvscho., arab_bloggers, bakabozaia, e.sakr, journalism_2006, Khaled, marketing_inno., medorefat2005, mirahan_farag, mohhilar0, nehad, Nihad, omargawad2010, saso_gamil88, shiko_4u, titoandrobin, z_star2006, نداء, نداء, نداء, مركز, جروب, شباب, مجموعة
show details Jul 12 (2 days ago)




امريكا الميكافللية

دراسة تطبيقية:
سيد امين

- Show quoted text -
لم يدر بخلد نيقولا ميكافيللي فلورنسا 9641 ــ 7251 أن كتابه «الأمير الذي انتهي من كتابته قبيل وفاته بأربعة عشر سنة في 3151 ميلادية سيصبح مرجعا سياسيا مهما لكل حكومات الدنيا عقب الثورة الصناعية العالمية.

بل إنه لم يخيل له أن يصير كتابه صغير الحجم مباشر المعني اعظم كتاب تحدث في فلسفة الحكم السياسية بل انه الدعامة الاولي لفلسفة التاريخ باجماع المحللين.

وكما جاء في مقدمة الكتاب بقلم كريستيان غاوس صار هذا الكتاب سوءة لكاتبه في حياته وبعد مماته.

فقد عاش مكيافيللي فقيرا جائعا أواخر حياته نتيجة غضبة الحاكم عليه رغم أنه سليل أسرة دبلوماسية وكان شخصا وديعا رقيق المشاعر دافق الاحاسيس متوقد الذهن عاشق لم يولد في الدنيا كلها عاشقا مثله.

انه عاشق ايطاليا الموحدة وليست تلك الدولة المقسمة إلي امارات وتيجان كثيرة لا هم لها أو لامرائها سوي تثبيت عرشهم بدم الايطاليين.. كان نموذجا قوميا يحتذي به والدولة القومية التي يطمح اليها ميكافيللي هي نفسها التي اعتبرها هيجل غاية ونهاية للتطور التاريخي وقال عنها (ليس لشعبه من الشعوب ان يتحرك إلا داخل نطاقها وليس له أن يحاول تحقيق مصالحه إلا عن طريقها)«1»

لقد آثر في نفس ميكافيللي أن يري بلاد الرومان العريقة علي هذا النحو من التفكك والانهيار لا لشيء سوي لارضاء نزوات الأمراء المتصارعين والدماء الايطالية المراقة واحدة.

فكتب نصائحه وأفكاره مستشفا فهمه لحركة التاريخ وطبائع النفس البشرية وملاحظاته الجغرافية والإدارية وضمنها جميعا في كتابه الامير مبتغيا في تلك الكتابات وصف الامير الذي تبتغيه وحدة ايطاليا.

لقد كان ميكافيللي شديد الكراهية للظلم عميق الأخلاق وهو ما يتضح من قراءة مسرحيته العجيبة الضاحكة «تفاح الجن» وكان متدينا.. كان متدينا شديد التدين!!

و« لعل تدينه وقوميته جعلاه عرضة طيلة الخمسة قرون الماضية لسهام القبح والتضليل.«2»

إذ ان المستعمر عادة ما يدعو للتدويل والعولمة.. والعولمة هي الحجة الخادعة البراقة لتذويب القوميات وفرض ثقافته عليها بوصفها ثقافة العالم المتمدين.. العارف ببواطن الأمر وما امامها ايضا.

و( حتي علي المستوي الاقتصادي فالاقتصاد القومي للبلدان النامية هو الآن خاضع فعلا لعمليات تدويل مفروضة عليه فرضا من الخارج ولا تراعي مصالح هذه البلدان لأن من يهيمن ويسيطر علي آليات التدويل وعلي تشغيله سيهيمن علي الاقتصاد العالمي وإذا كانت المراكز الرأسمالية قد شيدت شركاتها العملاقة لتتجاوز حدودها القومية ولتنظيم تدويل العمليات الاقتصادية ثم لتأكيد هيمنتها علي هذا التدويل وعلي التقسيم الدولي للعمل بكل تكويناته الاقتصادية والاجتماعية).« 3 »

وربما كانت قومية وتدين ميكافيللي هما سبب الهجوم الظاهري علي نحو ما سنتبينه فيما بعد عليه من قبل قوي الاستعمار حيث ان الاوربيين لم يعتبروا غير الأوربيين كائنات انسانية مثلهم علي حد تعبير نقد باسبرز للاستعمار الأوربي الذي اضاف ان الغرب ينظر علي أن المسيحيين هم وحدهم لهم حق الحياة والبشر اما عداهم فهم متوحشون. « 4 »

وكانت قومية مكيافيللي في حد ذاتها هدف نبيل إلا أن الساسة فيما بعد استخدموا تلك النصائح للاعتداء علي القوميات الأخري ولعل بيان هذه النقطة هي السبب الرئيسي لهذه الدراسة فلسنا بصدد الدفاع عن شخص مكيافيللي هنا ولكن بما اتيح لنا من رصد مواقف سياسية دولية واضحة خاصة لدول كبري كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا واسرائيل وروسيا ..سنتناول تطبيقاتها لنصائح مكيافيللي الواردة في كتابه «الامير» الذي يحتوي علي ستة وعشرين بابا محاولين بذلك استشفاف مدي التطابق أو التطبيق بين سياسة تلك الدول علي أرض الواقع وبين نصائح مكيافيللي بين سطور كتابه مع اعتبارنا لكل ما تقدم مجرد مقدمة.

(1)

تناول مكيافيللي في هذا الباب أنواع الحكم المختلفة ووسائل اقامتها ويقول (والممتلكات التي اكتسبت بهذه الطريقة -أي بالضم -إما انها قد ألفت حكم أمير آخر فيما سبق أو كانت ولايات حرة يلحقها الامير بممتلكاته.. إما بقوة أسلحته هو أو بقوة اسلحة غيره أو يسقطها في يده حسن الطالع أو قدرة خاصة).

ويقول برنارد شو « مشكلة أمريكا أنها البلد الوحيد في التاريخ الذي انتقل من البربرية إلي الانحلال دون أن يمر بعصر الحضارة » فمن حسن الطالع بالنسبة لأمريكا في طريق استوحاشها وقيادتها العرجاء للعالم هي وراثتها للامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس عقب حسمها للحرب العالمية الثانية حيث ان بريطانيا كانت قد أرادت رفع يدها عن المستعمرات التي تتبعها في العالم والاكتفاء بما نهبته من ثرواتها وما خلفته فيها من قيمها وثقافتها ونخبتها.. الذين هم من بني جنس هذه المستعمرات التي سلمتها مقاليد الحكم. بعد ذلك تنازلت بريطانيا طواعية عن مستعمراتها إلي مستعمرتها الابن (أمريكا) وذلك لأن امريكا التي نالت الاستقلال عام 1081 ميلادية عن بريطانيا ما هي سوي بريطانيين خصوصا وأوربيين عموما جنسا وثقافة ماعدا بعض من الزنوج الذين جلبوا في أساور حديدية من افريقيا لخدمة البيض.

وهذا التنازل الطوعي البريطاني لصالح أمريكا هو ما يمكن ان نسميه «حسن الطالع» وكان قد سبقه نمو الاقتصاد الأمريكي بشكل مذهل بسبب احداث الحرب العالمية الأولي ولقد توافرت لدي الولايات المتحدة بالاضافة لحسن الطالع «القدرة الخاصة » وذلك لأن الشعب الأمريكي هو مزيج من كل مغامري أوربا أو المارقين فيها علي وجه أدق بالاضافة إلي توافر المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية والجبلية مما ميزها بالتنوع والوفرة في المحاصيل والمعادن بالاضافة لقلة عدد السكان وتوافر الأيدي الأفريقية العاملة الرخيصة.

كل ذلك من قدرات خاصة جعل أمر الابداع والابتكار يسيرا خاصة مع تنامي ظاهرة هروب العقول المحاصرة في القارات القديمة بالنظم السياسية والاجتماعية المتخلفة أو المقيدة.

ولما توافرت القدرات الخاصة مع حسن الطالع استطاعت أمريكا أن تصبح احدي القوي الكبري بل إنها القوة الوحيدة في العالم.

تقول مادلين أولبرايت وزير خارجية أمريكا سابقا تصف استعدادات امريكا الحالية ( انني امثل امريكا صاحبة المسئوليات العالمية والأمة المستعدة لفعل كل شيء وقتما تريد وليعلم الجميع اننا نفعل ما نريد وبغير ما نريد لا تقف في طريقنا عقبة واحدة لأن العالم لنا .. العالم لأمريكا.) «5»

ومما يعزز قولنا من وراثة الولايات المتحدة للاستعمار القديم خاصة البريطاني منه ما قاله ج. هالكر وفرجسون في كتابهما المشترك ثورات امريكا اللاتينية حيث قالا «ومع بروز وتعاظم تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في امريكا اللاتينية مع بداية القرن العشرين حل الاستغلال الامريكي محل الشكل الأوربي التقليدي القديم للاستعمار واصبح الوجه الامريكي للاستغلال بديلا عن الوجه الاوربي.»

وكما يقول رضا هلال في دراسته المسيح الأمريكي الصهيوني ان المسيحية التي يدين معظم سكان الولايات المتحدة بما اصطبغت باليهودية فالمهاجرون الأوائل كانوا من البروتستانت الذين حملوا إلي العالم المتهود بتأثير حركة الاصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر في القرن الـ61 ورءوسهم محشوة برؤية توراتية لدرجة جعلتهم يطلقون علي امريكا في البداية بأرض الميعاد واسرائيل الجديدة.

ونقصد من ذلك ايجاد الشبه لرؤية التكامل بين اسرائيل وامريكا من ناحية كما قصدنا من قبل اظهار رؤية وراثة امريكا لبريطانيا. حيث ان ما يزيد علي ثلاثة ارباع المستعمرين البيض كانوا في عهد الثورة الامريكية من ذوي الدم البريطاني) «6» ( علي ان قلة من المستعمرين ظلوا حتي عشية الثورة لا يفطنون إلي أن شخصية امريكية كانت في تطور ونمو وكانوا يرون انفسهم رعايا بريطانيين ذوي ولاء أولا لها ثم فيرجينيين أو نيويوركيين أو أبناء رود ايلاد وفي هذا كتب مؤلف «قلوب بلوط فرجينيا »سنة 6671 يقول: بالرغم من اننا نستمتع بالأطايب ونسمن علي ارض امريكا فإننا ننتمي إلي جزيرة بريطانيا الجميلة كرعايا ومن الذي يبلغ به السخف أن ينكر علينا هذا وثمة بريطاني اصيل في كل عرق من عروقنا)(7ِ)

(2)

تحت عنوان في الامارة الوراثية يقول « يقولا ميكافيللي ان الصعوبة في المحافظة علي الدول الوراثية التي الفت حكم أسرة حاكمة أقل بكثير منها من حكم الملكيات الجديدة لأنه يكفي ألا نتجاوز أوضاع السلف وان نتهيأ للطوارئ المقبلة.

ومجازا لو اسقطنا من الولايات المتحدة صفة الجمهورية واعتبرناها ملكية لقلنا ان المستعمرات البريطانية السابقة ما هي إلا حلائف لها وبالتالي أحلاف امريكية حتي عقب الاستقلال (فحين انسلخت هذه البلدان عن النظام الاستعماري القديم تشكلت علاقات جديدة بينها وبين المراكز الامبريالية عرفت بالاستعمار الجديد وتمت صياغتها علي اساس التخلف ــ الهيمنة واستمر التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ضاربا جذوره في هذه البلدان المستقلة).«8»

ولو كان هذا الاستقلال فاقدا ايضا القدرة علي الفعل السياسي.

وباقتراحنا السابق باعتبار الولايات المتحدة مملكة وليست جمهورية هو اقتراح ظني نابع من ما هو معروف من سيطرة الاقتصاد. الصهيوني علي كافة مجالات الحياة الامريكية مؤثرا في ذلك علي صناعة القرار.. للدرجة التي جعلت «ليسي أسبن » وزير الدفاع الامريكي السابق يقول( ان اسرائيل تواجه تهديدات أمنية جديدة من السكين إلي الصاروخ وأن الرئيس بيل كلينتون تعهد لرئيس وزراء اسرائيل اسحق رابين بالعمل لمواجهة هذه المخاطر.. وكلفه تدعيم الشراكة الاستراتيجية بين البلدين) «9» ويلاحظ لفظ «تعهد »وما يعنيه من علاقة الولاء بل أحد الصحفيين الأمريكان سأل عضوا بالكنيست الاسرائيلي عن قرارها بضم الجولان إليها وهل ستتعرض لمشاكل مع الولايات المتحدة فقال له « الدول الأخري لا تستطيع تجاهل الولايات المتحدة والنفوذ الأمريكي الهائل وهو عنصر في كل قضية دولية لكن ماذا تستطيع الولايات المتحدة أن تحقق في الشرق الأوسط إذا كان الزعماء الاسرائيليون يدركون انهم يستطيعون تهديد المصالح الأمريكية دون خوف من الزعماء الأمريكيين؟)«10»

وتقول صحيفة الرفيق السويسرية ( طالما أن اسرائيل تتبع سياسة الاحتلال في قلب الوطن العربي فالحرب مستمرة ولأن الولايات المتحدة الأمريكية هي الأداة التي يمارس يهوذا بها بطشه فإنه يحتمل أن يهدد كل شعوب العالم حريق عالمي.. إن مؤسسة القهر في ولايات اسرائيل المتحدة لا ترغب في السلام) «11» .

ومع اعتبار امريكا ملكية ومع اعتبارها وريث للملك البريطاني ومع اكتشافنا مدي التأثير اليهودي عليها نستطيع بذلك فهم مدي سيطرة اسرائيل علي امريكا وبريطانيا معا وفهم ان هذه القدرة الصهيونية السرية والعلنية ايضا الضاغطة في الولايات المتحدة تكاد تشكل ملكا حقيقيا خفيا يدير أمريكا عبر الريموت كونترول من جهاز الموساد الاسرائيلي بتل ابيب ومع ايماننا بأن هناك حكومة خفية تدير امريكا نكون قد وصلنا إلي لب ما نحن بصدده من أحقية وراثة الملك في امريكا للملك في بريطانيا متمتعا بكل حقوقها الاستعمارية.

وما أردنا التوضيح له في هذا الباب هو انه لولا التركة البريطانية من السياسات والمستعمرات والأحلاف ما كان للولايات المتحدة الامريكية سلطانها الذي وصلت إليه.

وعذرا لنزق التشبيه بين النظام الجمهوري في أمريكا وبين الملكية لكن ذلك جاء لكي تكتمل الصورة المتقاربة بين نماذج ميكافيللي في كتابه الأمير وبين امريكا محل الحديث هنا وربما اشارت كثير من الدراسات الي تركيز السلطة الاقتصادية والسياسية والاعلامية الامريكية في يد نخبة تعد علي الاصابع طبعا هم اليهود ، وهوما دفعنا لخلق هذا التشبيه.

(3)

«في الامارة المختلطة» تحت هذا العنوان كتب مكيافيللي «ولكن حين نستولي علي ممتلكات في منطقة تختلف معنا في اللغة والقوانين والعادات فإن الصعوبات التي لابد من التغلب عليها عظيمة.»

ثم اشار إلي مزايا اقامة الامير في الأرض الجديدة.. ولما تعذر تطبيق ذلك علي مستعمرات عصرنا فقد أخذوا بالوسيلة الثانية والتي يبقي فيها الامير بداخل امارته الأم مع الاحتفاظ بمستعمرات رمزية في الامارة الجديدة ــ المستعمرة ــ وفي ذلك يقول ميكافيللي «والعلاج الآخر واحسن العلاجين هو اقامة مستعمرات في مكان أو مكانين من تلك الأمكنة التي هي مفاتيح البلاد لأنه لابد من احد أمرين إما أن تفعل ذلك أو تحتفظ بقوة كبيرة مسلحة وهو بذلك لا يضر سوي اولئك الذين قد اخذت منهم أراضيهم ومنازلهم.»

ويكاد مكيافيللي يشير إلي اسلوب الدعاية بالترهيب وهو يتحدث عن أن من لم تؤخذ ارضه منه لاقامة مستعمرة عليها سيحتفظ بالولاء له أي للأمير والخوف من أن تؤخذ منه أرضه مثلهم.

وأسلوب الترهيب اسلوب قديم معتمدا علي الدعاية برع في استعماله الأمويون في مطلع العصر الاسلامي وقبل ظهور مكيافيللي بألف سنة وكان الهدف الرئيسي للأمويين من سياسة التهديد والعنف هذه هو إلقاء الرعب في قلوب المعارضة حتي لا تفكر في الخروج عليهم) .«12»

كما طبقه جوبلز وزير الدعاية في ألمانيا النازية في العصر الحديث «وقد أدي الخوف والرعب اللذان انتشرا من الفوهرر الألماني إلي تدفق اللاجئين إلي الشوارع في فرنسا وعرقلوا بذلك حركة الحلفاء ومعداتهم العسكرية وعجلوا بهزيمة فرنسا).«13»

أما عن التطبيقات الأمريكية والاسرائيلية محل الدراسة فأسلوب الترهيب قد يكون العامل المميز لها.

ففي حرب الخليج الثانية بين العراق وبين الولايات المتحدة الامريكية بشأن المسألة الكويتية استخدمت الولايات المتحدة الترهيب عدة مرات فقد بدا قائد القوات المشتركة (التحالف الأوربي والخليجي) نورمان شواراسكوف واثقا وهو يقول للصحفيين «نحن نقترب من الحرب مع دولة من العالم الثالث ولكننا نضع خططا وكأنها ستكون الحرب العالمية الثالثة »وكذلك ما فعلته باليابان عام 5491 من توجيه ضربة نووية قاصمة لها جعلت العالم كله يشعر بالرعب منها أما اسرائيل فهناك خطر داهم يتهدد الأمة العربية بأسرها بسبب احتكار اسرائيل للسلاح النووي وليس أدل علي ذلك من اعلان زعماء اسرائيل ومنهم شيمون بيريز عام 4891 بأن «جميع العواصم العربية من مراكش إلي بغداد رهينة في يد اسرائيل »ومن اعلان يؤوال نئمان الملقب بأبو القنبلة النووية الاسرائيلية بأن (اسرائيل تستطيع تدمير المنطقة العربية عدة مرات).«14»

إن الأمريكان اعتمدوا علي اسلوب المستعمرات وهي عبارة عن قوات خاصة تنتشر معسكراتها في تلك البلدان بحجة حمايتها من خطر وهمي ولكنها في الحقيقة هي مستعمرات حاكمة لتلك الامارات وربما برضاء خاص من حكام تلك الامارات وذلك لأسباب نوجزها في نص أورده ميكافيللي عند اقترابنا من شروح الباب الخامس.

ومن مزايا انشاء معسكرات تحتل اجزاء من المستعمرة عن نشر قوات فيها أي نشر قوات ضخمة في كل أراضيها وكما هو الحال في الخليج الآن حيث توجد معسكرات امريكية ولكن لا يوجد احتلال وذلك لأن احتلال مساحة من الأرض لاقامة معسكر أقل ضررا للسكان المحللين من نشر قوة ضخمة كما أن القوة الضخمة ستمارس اعمال سلب ونهب لصالحها الشخصي مما قد يحرض السكان علي الثورة ضد الاحتلال فيتم الحاق الضرر بالامير وحده.

كما أن المستعمرات تأخذ أراضي قلة بينما الأكثرية الذين لم تؤخذ أرضهم سيصيبهم الرعب من مصادرة أراضيهم إذا تمردوا فيقوموا بتوخي الحرص والسلامة.. وربما تأمينا لذلك يقومون بالتقرب إلي الأمير ويغدقون عليه العطايا.

وعلي أي متابع أن يلاحظ كيف تتصرف امريكا في الخليج.. فسيجد ثمة تشابها في أفكار مكيافيللي وتطبيقات امريكا لدرجة ان السعودية والكويت ـ حكامهما ــ يدفعان لأمريكا.

ويقول مكيافيللي (ولذا فإن اهانتنا لإنسان لابد ان تكون اهانة تعنينا عن أن نخشي انتقامه )وهو هنا يريد أن يقول التنكيل بالخصم ويقول في موضع آخر ينبغي لحاكم اقليم اجنبي أي مستعمرة لا يتفق معها في لغة أو جنس أن يتزعم جيرانه أي جيران هذه الامارة المستعمرة الضعفاء ويدافع عنهم.. وأن يعمل علي اضعاف جيرانه الاقوياء.. وأن يحذر من أن يغزوهم جار اقوي منه »ويقول «وليس عليه سوي ان يحترس من ان ينالوا سلطانا مفرطا وقوة » ويقول «ويظل هو فيصل تلك المنطقة في جميع الأمور« ويقول« ايضا ان كل من يكون سببا لأن يصبح غيره قويا يهلك هو نفسه».

والمتتبع يجد أن الولايات المتحدة الامريكية هي اكثر الدول في العالم الاستعماري اتبعت اسلوب التنكيل بشكل مفرط.. نكلت باليابان قتلت مائتي الف نسمة في ساعة واحدة.. قتلت 006 فيتنامي ومليون ونصف المليون عراقي عبر سياسة التجويع والحصار والقتل المباشر.. رغم أن الجرم لم يكن بحجم العقاب.. وكأنها تقول يجب إعادة العراق إلي العصر الحجري لأنها تجرأت بالخروج عن الجيتو المفروض علي المنطقة العربية.. نفس ما فعلته بريطانيا واسرائيل وفرنسا تجاه مصر في عصر عبدالناصر فأمريكا خاصة والغرب عامة لا يعادي شخصيات بقدر ما يعادي السياسات المتمردة علي طاعته.

كما أن الولايات المتحدة الامريكية بعدما تأكد لها تأمين وجودها وسيطرتها علي مقاليد الأمور في الخليج و بعدما دمرت قدرة العراق العسكرية وتيقنت من ضعف ليبيا وسوريا وبعدما ايضا حيدت مصر ترأي لها بعد ذلك أن ثمة قوة إيرانية يجب تدميرها ولا أدل علي ذلك التوجه من قول وليام بيري وزير الدفاع الأمريكي الاسبق (علينا أن نبقي مستعدين لمواجهة التهديدات التقليدية من جانب ايران والعراق تلك الدول التي تملك الجيش الأول في المنطقة) وقول الصهيوني باريف (ان نبوخذ نصر ـ ملك بابل ـ قد حارب اليهود الايرانيين قبل ثلاثة آلاف سنة واخذهم اسري ومن مصلحتنا أن نحارب العدو المشترك ـ العرب) «16»

وقول هارون ياريف مسئول المخابرات العسكرية الإسرائيلية ورئيس مركز الدراسات الاستراتيچية بجامعة تل ابيب (لابد أن نعد ايران عضوا في التحالف العربي الاسلامي ضدنا) ورغم أن الولايات المتحدة هي التي دمرت العراق فإنها ذاتها تحميها من أي غزو ايراني أو تركي أو حتي إسرائيلي.. فأمريكا تريد جيرانًا ضعفاء لمستعمراتها وغزو أية دولة للعراق سيزيد من قوتها.. وبخصوص إسرائيل فهي لاتريد التصادم مع أية دعوة للجهاد في العالم الإسلامي.. لأن احتلالها للخليج احتلالاً مقنعا عبر أمراء خلفاء لها.. أما غزو إسرائيل للعراق فهو مكشوف وفاضح ومستفز.

حتي الدول التي تستعمرها أمريكا في الخليج تعاني من الضعف العسكري المخطط من قبل الإدارة السياسية للولايات المتحدة.. فهي تسلح هذه الدول بأسلحة تقليدية مراعية التفوق الإسرائيلي الواجب.. وإن كانت تريد حماية هذه البلدان حقًا لقامت بتسليحها نوويا.

وهي بذلك تعمل بالحكمة المكيافيلية القائلة (من كان سببًا في قوة غيره هلك ).. أما فيما يخص تبنيها لإسرائيل فهو نابع من رؤية دينية توراتية: تقول الباحثة الأمريكية «جريس هالسل» إن الاصولية الانجيلية والمسيحية اليهودية مستعدة بل راغبة بكل قواها في اشعال حرب نووية بشأن إسرائيل. ولايفوتنا أن نذكر أن المهاجرين البيوريتانيين من أصحاب مذهب «جون كالفن» المتأثر بمرشد نيرون الروحي والذي يدعي «سنيكا» الذي تبني نظرية ابادة السكان الاصليين في فتواه.. لايفوتنا أن نذكر أن معظمهم من أنصار واتباع هذا المذهب.. فارين من ملوك انجلترا الكاثوليك ولايفوتنا أيضا أن نذكر تأكيد «هنتنجتون» في اعماله العديدة علي أن الأمريكيين هم العرق البشري الأرقي بيولوجيا.. وبرر ـ بوقاحة ـ عمليات ابادة الهنود الحمر تحت نظرية (الازاحة الطبيعية للعنصر البشري غير الراقي من قبل الانجلوساكسون الحيويين).. لقد ابيدت 004 ثقافة مختلفة في أمريكا راح ضحيتها 21 مليون نسمة في اوسع عملية ابادة منظمة في التاريخ.

(4)

تحت عنوان (لماذا لم تثر مملكة داريوس.. وقد احتلها الاسكندر علي خلفائه عقب وفاته) كتب نيقولا مكيافيلي يقول (الممالك التي عرفها التاريخ قد حكمت بطريقتين.. إما حكمها أمير واتباعه يساعدونه في حكم المملكة كوزراء بفضله وإجازة منه.. او حكمها أمير ونبلاء يتبوءون مراكزهم بدون مساعدة من الأمير.. ولكن لقدمهم.. ولمثل هؤلاء النبلاء ولايات ومواطنون لهم خاصة يعترفون بهم سادة عليهم بطبيعة الحال.. وللأمير في تلك الولايات التي يحكمها أمير واتباعه سلطان أكبر من سلطان الأمير الثاني.. لأنه لايوجد فوقه سواه).

مما لاشك فيه أن غياب العمل الحزبي يعد دليلاً قاطعًا علي مركزية السلطة وعدم تداولها.. وذلك لأن الحزب وكما عرفه كلسن (عبارة عن تلك المنظمات التي تجمع بين رجال ذوي رأي واحد لتضمن لها تأثيرا حقيقيا وفعالاً في ادارة الشئون العامة).«17»

وربما تشهد الساحة العربية مركزية الحزب الواحد.. أي أن هناك احزابا ولكن لاتوجد افكار ولا شخصيات ولا منافسة جدية.

وأردنا أن نخوض تعريفنا للحزب لنثبت أن سبب دوام الأنظمة العربية ـ بخلاف النظر عن ماهية افكارها سوءًا وجدة ـ هي أنها من ناحية يحكمها عادة حزب واحد ولا تداول في السلطة بين الاحزاب .. بل إن الحزب الحاكم في أي دولة لايوجد تداول في قياداته .. الرئيس يظل دائما رئيسا وهو أيضا بالطبع أعلي سلطة في الدولة.. بينما ماعداه في الحزب يمكن تغييره وثمة تشابه في هذا الشكل وبين ما طرحته نظرية مكيافيللي حيث يوجد أمير واتباع وليس أميرا ونبلاء.. بل إن الرئيس ـ الأمير ـ يعتبر وجود نبلاء في دولته مراكز للقوي ويسارع بتصفيتهم جسديا أو يعتمد علي اسلوب تجريحهم وتنفير الناس منهم والحط من شأنهم.

وخطورة هذا الاسلوب رغم أنه يعطي الحرية المطلقة للحاكم هو أنه يكون خطرًا علي المملكة أو الدولة لغياب الصف الثاني.. فالعدو لو أراد دحر هذه الدولة فعليه بأن يتوجه رأسًا نحو أعلي السلطات أميرا أو رئيسًا.. لو اسقطه يستطيع بسهولة تحقيق مآربه.

تماما كما فعل الضباط الاحرار حينما توجهوا للملك فاروق رأسا فلما استطاعوا الوصول إليه اعلنوا نجاح الثورة في مصر.. لأن الملك بلا صف ثاني.

أما في لبنان فلم تنجح كثير من المؤامرات ضدها بسبب أن رئيس الدولة خلفه صف ثان متمثل في طائفيات واحزاب قوية.. رغم أن رئيس الدولة هناك محدود السلطات تنفيذيا.

وفي نموذج لبنان ذلك نفسر أسباب هزيمتها لإسرائيل التي جلت عن جنوبها مجبرة عام 0002 .

حتي أمريكا نفسها ومنذ استقلالها لم يحكمها سوي حزبين يتبادلان السلطة فيها (الجمهوري ـ الديمقراطي) وإن كان هذان الحزبان اليمينيان يتفقان في كل السياسات الخارجية إلا أن ثمة معالجات غير مهمة هي مصدر الخلاف بينهما.. وهذان الحزبان يمثلان قوة المال والسلطة.

فهل خلت أمريكا من الأحزاب؟.

ولايفوتني أن أكرر مقولة برناردشو (أمريكا هي البلد الوحيد الذي انتقل من البربرية إلي الانحلال دون المرور بعصر الحضارة) «18» صدقت.

كما أن النظام الرئاسي الأمريكي ومنذ عصر چورچ واشنطن المؤسس الأول يعتمد علي وجود رئيس للدولة واتباع له.. فچورچ واشنطن استعان بهاملتون كقيادة عسكرية وجيفرسون كقيادة فكرية وفلسفية وكان لقبهما سكرتيري الرئيس .. ولا مناص من استبدالهما وإن كانا هما من أشد المخلصين للدولة وللرئيس حتي أنه لما حدث خلاف بين چورچ واشنطن وهاملتون بسبب معركة مونماوث اثناء حرب التحرير الأمريكية لم يثر چورچ واشنطن له عندما تم قتله في مبارزة بينه وبين آرون بير 4081.. حتي أن چورچ واشنطن لم يكن في الحكم وقتها لكنه كان قادرا علي اتخاذ القرار بوصفه المؤسس للدولة.

(5)

«في طريقة حكم المدن والبلاد التي كانت تعيش قبل احتلالها في ظل قوانينها الوطنية» تحت هذا العنوان كتب مكيافيللي يقول (وعندما تكون تلك الولايات التي قد استولينا عليها معتادة علي الحياة الحرة في ظل قوانينها الخاصة فثمة ثلاث طرق للسيطرة عليها إما أن يخربها الأمير والثانية أن يذهب يعيش هناك بشخصه والثالثة أن يجيز لها أن تعيش في ظل قوانينها الوطنية ويحصل منها علي الجزية ويقيم في داخل البلاد حكومة من عدد قليل يحافظ عليها صديقه له ولما كانت هذه الحكومة صنيعة الأمير فهي تعلم أنها لا تستطيع أن تبقي بدون صداقته أو حمايته).

وما اردنا الاسترسال والتوضيح فيه في الباب الثاني سنوضحه هنا.

فمكيافيللي يطرح ثلاثة اساليب لاخضاع المستعمرات الجديدة التي لانتفق معها في لغة أو جنس.. وهي التخريب ـ نقل السلطة اليها ـ تتويج حكومة عملية.

تخريب الدولة: وتاريخيا من أبشع النماذج التي قامت بسياسة تخريب المستعمرات هو نموذج التتار حتي يخضعوها بشكل حاسم للهيمنة.

أما حديثا فإن الولايات المتحدة الأمريكية اتبعت هذا الاسلوب في مواقع عدة.. في اليابان التي القيت عليها قنبلتان ذريتان.. مما جعل الحكومة اليابانية تسلم بالغزو الأمريكي دون قيد أو شرط اثر مقتل مائتي الف ياباني في ساعة واحدة وتدمير جزيرتين بشكل شامل.

وكذلك في فيتنام حيث اغارت 006 طائرة حربية ولمدة 21 يوما وبشكل متواصل ومكثف مع مساعدة بريطانية.

وفقدت فيها فيتنام 006 ألف قتيل.. معظمهم من المدنيين. وفي العراق.. ومع حد تعبير جيف سيمونز المفكر الأمريكي حيث يقول (أحدث العرض الشامل للأسلحة المتطورة مجزرة جماعية لعدو ـ يقصد العراق ـ لاحول له ولا قوة عموما ووقع معظم القتلة بعد الوقت الذي كانت الدبلوماسية تستطيع فيه وضع نهاية للصراع تضمن تحرير الكويت .. استعملت فيها قذائف اليورانيوم المنضب والنابالم والقنابل العنقودية ومتفجرات الهواء ذات النطاق النووي والقنابل التقليدية التي القت طائرات بي 25 كميات كبيرة منها واسقطت البحرية الأمريكية وحدها أكثر من 0044 قنبلة عنقودية وألقت طائرات الجاكوار البريطانية الهجومية آلاف القنابل العنقودية من طراز بي الـ577 المصممة لتقطيع اوصال البشر)«19» وكذلك اطلاق يد اللصوص لتخريب بغداد عقب احتلالهم لها 2003.

والمعروف أن القنبلة العنقودية الواحدة تنشطر إلي الفي شظية عالية السرعة تمزق الشظية الفرد تمزيقًا.

وقد وصف مايكل كلير خبير أسلحة حرب 0991 المسماة بحرب الخليج بأنها حرب أخذت مستويات شبه نووية من التدمير بدون إثارة اشمئزاز الناس. حتي أن جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا أثناء الحرب أخبر طارق عزيز وزير خارجية العراق في 9 يناير 1991 بأن أمريكا (ستحول العراق إلي دولة متأخرة وضعيفة).«20»

وقد استعملت أمريكا مليون طلقة عيار 03 ملي واليورانيوم الناضب الذي تسبب في تلويث 003 طن متري بالاشعاع مما خفض عمر العراقي الذكر إلي 02سنة والأنثي 11سنة!! وتسبب في وفاة مليوني مواطن عراقي في اوسع حرب ابادة عقب الحروب التتارية.

أما عن نموذج اقامة الأمير بنفسه في المستعمرة فهو نموذج واضح في سياسة إسرائيل وسعيها الدءوب لتهويد القدس من ثم احتلالها ونقل الحكومة إليها.. يقول تيودور هرتزل مفكر الصهيونية (إذا حصلنا يوما علي القدس وكنت ما أزال حيا وقادرا علي القيام بأي شيء فسوف أزيل ماهو غير مقدس لدي اليهود فيها وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها القرون) ويقول شلومو جورين حاخام الجيش الإسرائيلي (إن حلم الأجيال اليهودية قد تحققت فالقدس لليهود ولن يتراجعوا عنها وهي عاصمتهم الأبدية).«21»

ولاننسي كفاح إسرائيل من أجل نقل حكومتها إلي القدس واعتزام أمريكا نقل سفارتها في إسرائيل من تل ابيب إلي القدس مما يعتبر اعترافا أمريكيا لكون القدس عاصمة لإسرائيل.

والمعروف أن العاصمة هي مقر الحكومة وبالتالي الحاكم.

وأما النموذج الثالث وهو الخاص بتولية حكومات عميلة في المستعمرات فحدث ولاحرج.. فلم يكد ينتصف القرن العشرون حتي قامت بريطانيا بالجلاء عن معظم المستعمرات وتولية نظم حكم عميلة لها في هذه البلدان.

في الخمسينيات جلت بريطانيا عن العراق ولكنها نصبت الحكم في عبد الكريم قاسم.. وهو أحد حلفائها.. ولذلك تصدي جمال عبد الناصر له حينما أراد غزو الكويت 2691.. بوصف أن ضم الكويت للعراق هو زيادة لنفوذ المستعمر.وقد تكرر ذات الءمر بعد احتلالها للعراق وافغانستان .

يقول كوامي نكروما (وحقيقة الوضع أن معظم دولنا الأفريقية الجديدةتجد نفسها وقد ولدت من رحم الاستعمار مذعورة من عالم الفقر والجهل والمرض والافتقار إلي الموارد المالية والتقنية التي خلفها الاستعمار فترة وفي قطع الشعرة الباقية التي تشدها إلي الآم الامبريالية التي ولدتها).«22»

والواقع أن هناك نموذجا عربيا بالغ الوضوح علي هذه القاعدة الثالثة في نظرية مكيافيللي ... فالشريف حسين الذي فر من هجمات آل سعود من منطقة الحجاز في اعقاب قيام الدولة السعودية الثالثة مطلع القرن العشرين.. تلقته القوات البريطانية قرابة نهر الأردن وعرضت عليه عدم التعرض لليهود في فلسطين مقابل حمايته من هجمات آل سعود وإقامةحكم محدود له في منطقة شرق نهر الاردن.. فوافق الشريف حسين وقدم لبريطانيا خدمات جليلة اثناء الحرب العالمية الأولي حتي ساعد الجنرال اللنبي في طرد العثمانيين من شبه الجزيرة العربية والشام 6191.. بل إنه ساهم في قمع مظاهرات الفلسطينيين بعد صدور وعد بلفور 7191 طمعا في أن يعطيه الانجليز لقب أمير وحدث له ذلك بعد الحرب ولما توفي خلفه ابنه عبد الله ا لذي سار علي نهج والده في دعم الانجليز طمعا في رفع درجته من أمير إلي ملك وحدث له ذلك إثر تآمرات مكشوفة ضد الفلسطينيين مما حدا بالفلسطينيين إلي الانتقام منه بعد تكفيره وقتله في الحرم القدسي عام 0591.

وخلفه ابنه طلال الذي لم يلبث أن توفي عام 4591 ويتولي ابنه الملك حسين الذي قاد مذبحة بشعة ضد الفلسطينين فيما عرف بحادث ايلول الاسود 0791 .

أما أمريكا فقد وصل ولاء بعض الأمراء الذين تسبغ عليهم حمايتها أن قال علي المؤمن رئيس اركان القوات المسلحة الكويتية (إن الكويت يستطيع الاعتماد علي حزم اشقاء السلاح الغربيين وخصوصا الأمريكيين).. بينما قال بندر بن سلطان سفير السعودية في واشنطن عنهم (إن عائلة الصباح عائلة تجارة .. وليست لهم هوية سياسية محددة والكويت كلها اقرب إلي أن تكون شركة منها إلي أن تكون دولة)«23»

ولا أدل علي وضوح النظرية الخاصة بالشق الثالث هو أن الرئيس الأمريكي چورچ بوش الأب حينما زار الكويت عقب الحرب تلقي هدايا ثمينة تزن عشرات الأطنان أو بحجم بناية كبيرة كما وصفها كاتب أمريكي.

نعم.. الولايات المتحدة سواء أو بريطانيا لايريدون سوي اتباع.. يديرونهم بالريموت ويحصلون منهم علي ما يشاءون.

إن الامراء الذين جاءوا للحكم نتيجة تزكية مستعمرهم بالتأكيد مستعمرون.. سيكونون دائما في خدمة الاستعمارية الأم وسيكونون مستعدين لحرق بلادهم.. بل بلاد الدنيا مقابل عروشهم ليدوموا ويستمروا ويتحالفوا في ذلك مع من يحميهم حتي لو كان عدوا لشعبه هو نفسه..

(6)

في هذا الباب الذي سماه مكيافيللي (في الولايات التي قد اكتسبت بأسلحة الأمير الخاصة وقدراته) يقول (وسوف يصنع المرء صنع الرماة العارفين الذين يصوبون إلي نقطة أعلي من تلك التي يرغبون في اصابتها عندما تكون بعيدة جدًا.. ويعرفون مدي اطلاقهم للسهم.. لا لكي يصيبوا بسهمهم هذا الارتفاع ولكن ليصيبوا بواسطته الهدف المرغوب فيه) ويتحدث عن انتهاز أوضاع الشعب وتسخيرها لإقامة امارة جديدة ويقول (وهكذا كان من الضروري أن يجد موسي شعب إسرائيل عبيدًا في مصر يضيمهم المصريون حتي يصبحوا علي استعداد للسير خلفه لكي يتخلصوا من العبودية) ويضيف (وكان لابد من أن يجد قورش ـ ملك فارس ـ الفرس ساخطين علي إمبراطورية الميديين وأن يجدوا هؤلاء منحلين ومخنثين من جراء السلم الطويل) ويشرح ميكافيلي أن من ينشيء إمارة بصعوبة بالغة يؤمنها بسهولة والعكس صحيح أيضا ويشرح أن الأمير يجب أن يعتمد علي قدراته الخاصة وقوته لتأمين حب الناس له حيث يقول (ومن هنا لزم ترتيب الأمور بحيث يمكننا استخدام القوة لنكرههم علي الايمان بما ارتدوا عنه.. ولو كان موسي وقورش وتيسيوس ورمونوس عزلا لما استطاعوا أن يجعلوا غيرهم يراعون دساتيرهم أمدًا طويلا).. كما يدعو مكيافيللي الأمير إلي مهاجمة خصومة بحماس شديد في كل فرصة.. ويقرر حقيقة ثابتة بأن الناس لايؤمنون بأي جديد ايمانا صادقا حتي يجربونه.. تعرف بريطانيا وأمريكا أنها لكي تصيب الهدف يجب أن توسع دائرة الاشتباه ولا ننسي تاريخيا أن أزمة الطاقة التي تفجرت مابين عامي 1791و 3791 كانت مجرد ذريعة أمريكية لم تكن مقصودة لذاتها ولكن كانت (من أجل اعداد المواطن الأمريكي بوجه خاص والأوربي الغربي بوجه عام اعدادا نفسيا لتقبل أية مخططات عدوانية ضد البلدان المنتجة للبترول وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط.. وتصفية حركات التحرر بهذه الحجة والاستعانة بالأمم المتحدة ـ اذا لزم الأمر في محاولة لتدويل البترول وتحويله من سلعة محلية إلي سلعة دولية استراتيجية بحيث تدخل الأمم المتحدة طرفًا بين المنتج والمستهلك .. كما تستغل الولايات المتحدة الحاجة المتزايدة إلي الطاقة في أوربا لفرض زعامتها وسيطرتها علي القارة الأوربية مع ربط منطقة الشرق الأوسط الغنية بالبترول ربطًا وثيقًا بها)«24» .. فلماذا «ثم تنفجر أزمة الطاقة فيما بين عامي 17 ـ 3791 في أوربا واليابان بالصورة المفاجئة والمدبرة التي تفجرت بها في الولايات المتحدة برغم ان الولايات المتحدة دولة غنية بتروليًا ولديها فائض تدفنه تحت الأرض في حين أن بلدان أوربا تستورده لحاجتها الماسة له) «25»

إذن .. حينما أرادت الولايات المتحدة فرض سيطرتها علي الخليج العربي قامت بإثارة أزمة عالمية اسمتها بالطاقة.

وليس ببعيد نفس الأسلوب الذي فعلته أمريكا باثارة أزمة عالمية عن الإرهاب عام 1002 ليس إلا لكي تتخذها ذريعة إنسانية مهذبة وتحظي بدعم دولي بضرب كل الدول الإسلامية الخارجة عن الدوران في فلكها العالمي .. مع القيام بتصفية الحركات الإسلامية تحت نفس المسمي وهو حرب الإرهاب .. بل تصفية أية حركات للمقاومة ضد المصالح الغربية الامبريالية.

ولا يفوتنا أن الحكومة الفرنسية حتي تستطيع أن تكسب معركتها ضد قوي التحرر في الجزائر تراءي لها أن ضرب مصر يساعدها كثيرًا في كسب المعركة بل إن رئيس وزرائها صرح عام 6591 واثناء العدوان الثلاثي علي مصر بأن «فرنسا تضرب مصر لكي تكسب الجزائر» ... وذلك لأن مصر هي الدولة العاصمة الداعمة في قضايا التحرر لكل البلدان العربية والأفريقية.

أما فيما يخص قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتسخير الشعوب لتحقيق أهدافها فهو يتضح من نموذجين الأول داخليا وهو تسخير شعبها نفسه كما حدث في أزمة الطاقة العالمية عامي 17 ـ 3791 وخارجيًا وهو الخاص بتسخير شعوب الدول المستعمرة ذاتها للوصول منها إلي دعم إضافي.

وذلك عن طريق نسبة كل سييء إلي هذه البلدان ونسبة كل حسن إليها.

ولا يخفي دور الإعلام وتأثيره كسلاح فتاك في يد الاستعمار العالمي الذي تتزعمه الولايات المتحدة بما تحتله من امتلاكها لـ07% من أصول الطيف الإذاعي والتليفزيوني والمطبوع عالميا.

«ولكن الأخطر والأقسي وطأة في العمل الإعلامي الاستعماري هو الوصول بأبناء البلدان النامية إلي كراهية بلدانهم .. ومن ثم يمكن إيجاد المناخ الملائم للاستغلال أمام الاحتكارات العالمية .. ان الصعوبات والأخطاء التي تقابل عملية التنمية تفرض مضايقات شتي لشباب هذه البلدان الذي يصاب بخيبة أمل كبيرة في قياداته السياسية ويصاب بإرهاق نفسي ومادي من سوء الإدارة يوميًا .. ومن هذا الوضع يستغل الإعلام الاستعماري فرصة نادرة لتضخيم النقد والبعد تمامًا عن ذكر الايجابيات حتي يصل المواطن النامي بنفسه إلي كراهية وطنه.) «26»

ولا يتوقف الأمر عند هذا المستوي بل إنها تستغل الظروف الخاصة لبلدان تستعمرها بالفعل ضد بلدان تطمح في استعمارها.

فالذي يغذي الأكراد في شمال العراق بالسلاح هو أمريكا بينما التي تآمرت للقبض علي زعيمهم «عبدالله أوجلان» وسلمته لتركيا ليتم إعدامه هو الموساد والـ«سي.أي.إيه» كما كشفت التحقيقات وقتها.

وكما يقول وزير الدولة الأمريكي «وان كون» بشأن دعم تايوان في انفصالها عن الصين (إذا كانت سياستنا تتشكل من آمال بالاحتفاظ بـ«تايوان» فانها يجب ان تخفي بعناية رغبتها في فصل الجزيرة عن القارة الأم وإذا تحتم علينا أن نتدخل عسكريًا فيلكن ذلك بمساعدة الأمم المتحدة مع اظهار النية في اننا نساند الطلب الشرعي لـ«التايواني» للحصول علي الحكم الذاتي). «27»

إن الولايات المتحدة تبرع عادة في استعمال التقنية الدعائية الخاصة باستثارة روح الكراهية والسخط لدي الجميع ومن الجميع وضد الجميع عداها.

ان الدعاية الأمريكية هي التي صورت لحكام الخليج العربي أن النظام البعثي في العراق ـ إن عاجلاً أو آجلاً ـ سوف يطيح بعروشهم مما دفع هؤلاء الحكام للتضحية بكل غال ونفيس من أجل إزالة نظام بغداد حتي لو كان الثمن مليوني طفل وشهيد عراقي.

يقول «ماكي أوكين» في صحيفة «الجارديان» 61 ديسمبر 5991: (لأنني عرفت سوء ما فعلنا بالحرب والحقيقة والدم .. انها حكاية الأكاذيب في سبيل النصر .. حكاية تسخيرنا نحن العاملين في وسائل الإعلام كما تساق الحمير لكي لا نري سوي ما يريد عسكريو أمريكا وبريطانيا حربا لطيفة .. نظيفة .. انها حكاية الأكاذيب).

والدعاية الأمريكية التي صورت ذلك تساندها المخابرات الأمريكية والحليفة كانت في حقيقة الأمر تطمح لكسب أراض جديدة ... وبكلفة خليجية!! .. ولا أدل ان الحصار المفروض علي العراق قد أقره مجلس النواب الأمريكي طبقًا للائحة 5854 من اللائحة التشريعية بتاريخ 72/7/0991 ـ أي قبيل الغزو أصلاً الذي حدث في 2/8/0991.

ولا يتوقف مبدأ «التسخير» عند حد الأعداء .. بل للأصدقاء .. بل للشعب الأمريكي ذاته.

كتب الصحفي الأمريكي «جايمي روستون» تحت عنوان «مأساة واشنطون الرسمية» (تتمسك بالأشياء الباطلة .. وترمي جانبا العناصر الثابتة .. تصرح بالإيمان ولكنها لا تؤمن).«28» وكما يقول الشاعر المكسيكي العكبير اكتافيوباث « لم تفتقد أمريكا أبدا للقوة ..ولكنها دائما تفتقد الحكمة والرحمة».

فأمريكا علمانية إذا أدان الأمر أمريكيا .. وأمريكا دينية إذا خدم مصالحها .. فريجان كان دومًا يردد ومنذ أن كان حاكمًا لولاية كاليفورنيا:هل نحن الجيل الذي سيشهد هرمجدون نووية؟

وهرمجدون بالعبرية تعني السهل الذي يقع إلي الشرق من عكا في شمال فلسطين .. وذكرت في نبوءة حزقيال في رؤيا يوحنا بأنها ستشهد نهاية الزمان وانتصار قوة الخير اليهودية علي قوي الشر العربية .. ويبني بعدها هيكل سليمان المزعوم .. وبداية الألفية السعيدة.

ويبدو أن كل قرارات ريجان كانت متأثرة بهذا التساؤل..حيث اختار عددًا من نشطاء الانجيليين لمراكز مهمة في إدارته .. بل إنهم كانوا سببا قويا في احراز الفوز علي منافسه جيمي كارتر في انتخابات الرئاسة عبر قوتهم التصويتية.

وتكون في أمريكا عبر التاريخ عشرات الجمعيات التي تتبني وجهة نظر الصهيومسيحية السابقة منها «اللجنة الفلسطينية ـ الأمريكية» التي ضمت 062 عضوًا من مجلس النواب والشيوخ وكذلك «المجلس المسيحي ـ الفلسطيني» عام 2491 و«لجنة فلسطين المسيحية ـ الأمريكية» ولجنة «الاتحاد الوطني للأصولية الانجيلية» عام 2491 أيضًا.

وتلك الجمعيات وغيرها كانت مجرد واجهات لتهيئة الشعب الأمريكي لأي عدوان علي العرب ـ أعداء الرب.«29»

وتعليل مكيافيللي لهزيمة قورش للميديين بسبب تخنثهم جراء السلم الطويل ... هو معناه أن حالة السلام الطويلة للشعوب تجعلها غير قادرة علي الحرب .. وهو الأمر ذاته الذي نرصده بسهولة من ذلك التدخل الأمريكي الصارخ في شئون العالم.

يقول «جون كيلي» وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق: «لا حل إلا نشر الجثث الاقليمية في كل مكان في العالم حتي لا تتآكل الامبراطورية الأمريكية بفعل الزمان .. لتلحق بما سبقها من امبراطوريات».

ويلاحظ لفظ «امبراطورية» وكأنه يدعم فرضيتنا السابقة بشأن أمريكا.

ومن غرب العالم إلي شرقه نلحظ ميل الولايات المتحدة للعدوان ـ في العراق ـ في ليبيا ـ في السودان في كل البلاد التي تحاربها إسرائيل في صربيا ـ في نيكاراجوا ـ في اليابان ـ في فيتنام ـ في كوريا ـ في كولومبيا ـ في بنما .. والكثير.

انها نظرية «الوقاية بالهجوم» لكسب الأراضي الجديدة وبث الرعب في قلوب كل الناس.

ولعلها ولذات السبب ولكي تكره الخصوم علي السلم والإيمان بقدرتها النووية .. فالولايات المتحدة الأمريكية حينما القت بقنبلتيها النوويتين علي هيروشيما وناجازاكي في 6 أغسطس و9 أغسطس عام 5491 كانت تهدف لتأكيد قاعدة ميكافيللي السابقة الخاصة بالتنكيل بالخصم وقاعدته الخاصة باكراه الأعداء بالإذعان والحب .. وهو ما نلاحظه الآن بعد مضي أكثر من نصف قرن .. حيث تتميز اليابان بعلاقة حميمية مع أمريكا .. وكأن إذعانها مكرهة عام 5491 تحول الآن إلي حب حقيقي!!

ويلاحظ مدي التعاون الذي ابداه رئيس وزراء اليابان عام 1002 تجاه ضربات 11 سبتمبر الذي هدم التوءم الأمريكي ـ برجي التجارة العالميين .. حيث بدت اليابان كلها متعاطفة مع أمريكا والضربات اللاإنسانية التي تعرضت لها!!

وقصدت الولايات المتحدة من ضربتيها النوويتين لليابان التأكيد للعالم أن السلاح النووي الذي بحوزتها قادر علي حسم أي معركة .. حتي يري هذا العالم ويجرب حجم المرارة التي يخلقها هذا السلاح الرادع الفتاك.

هنري سيتمون وزير الحرب الأمريكي في عصري روزفلت وترومان والذي اعطي أوامر إلقاء القنبلتين قال: «كانت القنبلة أكثر من سلاح تدميري قوي إذ كان لها تأثير سيكولوجي شديد».«30»

والاشارة واضحة إلي أهمية تلك الضربة القوية في تأثيرها النفسي علي الشعوب سواء الياباني أو غيره.

والاشارة واضحة إلي أهمية تلك الضربة القوية في تأثيرها النفسي علي الشعوب سواء الياباني أو غيره.





ولعبة التأثير النفسي هي فن قديم يقوم علي تكنيك دعائي هدفه الأساسي «تحطيم الخصم باستخدام كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة وذلك للقضاء علي التماسك الفكري لفهم الخصم ومعتقداته ولإشاعة الرعب والخوف والبلبلة وبذر بذور الفرقة أرادته واكراهه علي الاستسلام».«31»


واستخدمت إسرائيل ترسانتها النووية ربما حتي الآن ـ لمجرد الردع السيكولوجي الذي يجعل العرب يقبلون بأي حلول تفرضها علينا ناهيك عن كون تلك الحلول قد تحمل مزيدا من الغطرسة مثل الدعوات الاسرائيلية المتواترة «السلام مقابل السلام» وليس «الأرض مقابل السلام» وهي الدعوة العربية المضادة والتي فقدت احترامها بسبب التفوق النووي الانفرادي لاسرائيل والتي انتجت ما بين 08 ـ 002 قنبلة نووية .. قال الأكاديمي الاسرائيلي شاي فيلدمان بأن 03 أو 04 واجبة منها عيار 02 أو 06 كيلو تكفي لإعادة 6 دول عربية كبري إلي القرون الوسطي. «32»

فالقدرة النووية الإسرائيلية كما يشير د.شلومو أهرونسون «هي التي جلبت السلام مع مصر وكبحت جماح سوريا والعراق».«33»
ان اسرائيل ـ استكمالا لمنهج حليفتها أمريكا ـ تقوم بالترسانة النووية لاستخدامها كقوة إرهاب وقت السلم وقوة تدمير وقت الحرب .. وبما يمكنها من إملاء شروطها كاملة واجبار العرب علي القبول بها.
ان في الاصرار الاسرائيلي المتزايد علي التطبيع مع البلدان العربية التي عقدت معها اتفاق سلام مع التلويح بالتفوق النووي وامكانية استخدامه هو تعبير بشكل أو بآخر عن القاعدة الميكافيلية باجبار العدو علي الإيمان بك أو تخويفه حتي يحبك..لكن كيف الحب؟!
في مؤتمر القمة العربي المنعقد في مارس 1002 بشأن الانتفاضة الفلسطينية كشف العقيد معمر القذافي رئيس الجماهيرية العربية الليبية اثناء خطابه في الجلسة الختامية السرية والتي تسرب منها الكثير للصحفيين عن أن الحكومات العربية في معظمها تسعي لكسب ود اسرائيل ... وان الحج إلي تل أبيب أصبح سرًا وعلانية لدي حكام العرب.
ان التفوق النووي الاسرائيلي اشاع شعورًا عربيًا عامًا بالاحباط وانه لا مفر من تقبل وضعية اسرائيل والإيمان بها والسعي لنيل رضاها .. بل وحبها .. وخاصة بعد خمسة حروب تقليدية معها لم يكسب منها العرب غير واحدة.
اننا نستطيع ان نقرر ان اسرائيل بسبب طول فترة صراعها العربي تطورت عسكريًا .. والعرب بسبب سعيهم للسلام تأخروا.
ان السلم الطويل قد تسبب في التفوق التسليحي كمًا ونوعًا لإسرائيل عن التسلح المصري فرغم ان مصر عقدت سلامًا مع اسرائيل لكن اسرائيل لم تعقد سلاما إلا مع مصر في المنطقة العربية وان كان هو نفسه سلاما مشكوكا في جديته.
لقد آمنت روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل وكل قوي الامبريالية العالمية منذ بدء الخليقة بأن القوة هي أكبر تأمين للنفوذ .. بل للأفكار .. بل لاقناع الخصم بسحق افكاره وقوته واستبدالها بالبدائل الجديدة.
ان الفاشية وكما يقول د.مصطفي النحاس: ( هي نزعة قومية عدوانية تعمل علي خلق أمة متحدة في عداء عدواني للعالم خارج حدودها معتمدة علي القوة). «34»
والنازية ما كان لها اقناع حلفائها بأهمية نقاء العرق الأري لولا اطمئنان هؤلاء الحلفاء إلي قوة ألمانيا وهو ما دفع اقليم رينانيا بالولاء للألمان وكذلك المجر والنمسا والتشيك وعدة مدن ودويلات تنتمي إلي العرق الأري.
حتي الثورة البلشفية في روسيا الاتحادية ما كان لها ان تنتشر لولا استخدام القوة لنشر افكارها .. بل ان ستالين حينما تقدم لغزو أوربا الشرقية استخدم القوة الشديدة لتأمين افكاره .. وظلت القوة هي الأداة المسيطرة علي أوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي حتي حدوث انهيار الاتحاد السوفيتي ـ القوة المركزية ـ فانهار باقي الحلف المسمي بحلف وارسو والذي يشكل كل دول أوربا الشرقية.
وربما نعزي عدم قدرة الاتحاد السوفيتي علي تأمين وجوده في هذه الدول إلي أن الاحتلال كان سريعا دون تهيئة التربة فكريا مسبقا ولذلك فالانهيار جاء سريعا أيضا .. لم تكن مهيأة من قبل.
ان هناك قاعدة قضائية مهمة معروفة لدينا وهي انه لا عدل بدون وجود قوة تحميه.
وثمة قاعدة عقلية أخري ان من يبني بيتا يستغرق في تخطيطه وتقوية أساساته سنين طويلة فإن هذا البيت لا يتهدم بسهولة ولكن من يبني بيتا في يوم ينهدم هذا البيت في أقل من يوم .. ان الانتصارات الصهيونية البطيئة ضد العرب جعلتها أكثر ثباتا كما لوكانت حقيقة لا يمكن انكارها أو تغييرها .. فقبل عام 8491 كان العرب يحاربون من أجل طرد الصهيونية من كافة الأراضي العربية نهائيا رافضين أية حلول وسط ولكن عقب نكسة 7691 ـ بعد مرور 91 سنة من المناوشات والمعونات العسكرية لجانب اسرائيل من قبل أوربا وأمريكا ـ صار العرب يناضلون من أجل جلاء اسرائيل من الأراضي العربية المحتلة وعقب 3791 صاروا يناضلون من أجل جلائها من سيناء والجولان وفي عام 2891 صار العرب يناضلون من أجل جلاء اسرائيل من لبنان الجنوبي وبعد مرور 05 سنة من الاحتلال تلخص كل نضال العرب في جلاء اسرائيل من القدس!! وربما يناضلون من أجل حي أو اثنين فيها!!
ان الانتصار الاسرائيلي البطيء مهد لها الوجود والبقاء .. فهي عمدت الي تأمين وجودها باحتلال أراض عربية كثيرة أكبر من الحجم الحقيقي المراد .. انها نظرية نقل المعارك لأراضي الخصم ـ أي اننا لكي نحقق الهدف المراد لابد من توسيع منطقة النزاع ـ حتي توضع بؤرة الارتكاز في مأمن من أي انتصار أو هزيمة ـ
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف