المتشرد - قصة -بقلم:نزار ب. الزين - مع ذكرى مؤلمة لناقد راحل

المتشرد nقصة قصيرة nنزار ب. الزين *n nصحا أبو محمود في ساعة متأخرة من الصباح ، شعر بألم يعم جميع مفاصله ، و خاصة ألم الظهر ،n وطأة ألم الظهر تتفاقم يوما بعد يوم و خاصة منذ أن حل الشتاء ، همس لذاته ثم..n تمطىn تثاءبnثم تثاءب أيضا n ثم توجه إلى دورة المياه ، فقضى حاجته ثم توضأnالمياه الباردة تلسعه ، و لكنه يستمرnعاد الآن قرب المحراب فصلّى صلاة الضحا nثم جرَّ نفسه نحو مدخل المسجد nفجلس هناك ، و هو يبسمل و يحوقل nضبط وضع عباءته التي قدمها له أبو تحسين nثم أخذ يتابع الرائحين و الغادين nو يرد السلام على كل منهم n" و عليكم السلام أخي أبو تيسير و رحمة الله و بركاته "n" و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته أخي أبو سليمان "nتتقدم منه ، فتاة صغيرة ، فتقدم له صرة :n- صباح الخير عمو أبو محمود ، والدتي تسلم عليك و تقول لك : " مأكول الهنا "nيجيبها بعين دامعة :n- - ( الله يرضا عليك يا بنتي ) أنت إبنة أبو شفيق أليس كذلك ؟ يسألها مبتسما ؛ فتجيبه :n- - نعم عمّو أنا روحية بنت أبو شفيق ، و والدتي تقول لك ، إذا كنت بحاجة لأي شيء آخر اؤمر .n- - لا يأمر عليكم ظالم ( يا بنتي ) ، و يعطيكم ربي على قدر نيتكم ..n n*****n قبل حوالي شهرين nلاحظ إمام المسجد أن( أبو محمود ) يقيم فيه ...n لم يسأله بداية ، و لكن الفضول استبد به ذات يوم فتقدم منه سائلا و ناصحاً :n- هل عزمت على التنسك يا ( ابو محمود ) ، أنا أشجعك على إقامة صلواتك في المسجد ، الفروض منها و السنن و الأنفال ، و لكن أن تبيع بيتك و تسكن في الجامع فهذا ما لم أفهمه و لا أقرّك عليه ، فالمسجد بيت الله المخصص للعبادة و ليس للسكن ، التنسك و الدروشة سلوكيات مكروهة و غير مقبولة يا ( أبو محمود ) ، و كما تعلم فلا رهبانية في الإسلام !!nيجيبه أبو محمود و قد انبثقت دموعه رغما عنه :n- " إني مضطر يا شيخي ،"n" لا ترغمني على البوح أرجوك ، "n" الأمر بالغ الخصوصية ؛ "n" أما إذا كنت تجد في وجودي أي حرج أخبرني بدون أي تأخير فسأسعى إلى مكان آخر."n فتركه الشيخ أبو اليسر و مضى و هو يهز رأسه تعجباً !n n*****nإلا أن الشيخ لم يسكت n بعد صلاة عشاء أحد الأيام ، طلب الشيخ من ( أبو شفيق ) أ ن يتريث قليلا بعد الصلاة .nسأله أبو شفيق بفضول شديد :n- خيرا إنشاء الله , شيخي ؟!n- فقط أردت أن تنورني ، هل تعلم لِمَ باعك أبو محمود بيته ؟nسأله الشيخ ، فيجيبه أبو شفيق على الفور :n- أبو محمود لم يبعني البيت شيخي ، البيت كان ملكا لإبنه ، و ابنه من باعني البيت عن طريق وسيط يحمل وكالة مصدقة !n n*****nكان ذلك قبل عدة سنواتnتوفيت أم محمود nحزن أبو محمود من أعماق الأعماق nكانت أم محمود رفيقة دربه في السراء و الضراء n و خلال أيام حزنه وحيداً ، و في إحدى خلواته مع نفسه ، اتخذ قراره ..n - لك البيت يا بنيَّn - و لكِ المال يا بنيَّتي ، نصف قيمة البيت أو يزيد ....n و تركت لنفسي ما يكفيني حتى يوافيني الأجل nوددت أن أريحكما من مشقة الإجراءات القانونية عندما يحين الأجل !n n*****nو سافر محمود إلى الولايات المتحدة إلى حيث أسرته ..nو سافرت نائلة إلى إحدى دول الخليج إلى حيث أسرتها ..nو بقي أبو محمود يجتر أحزانه ..nو يستهلك ما بقي لديه من مال ، يقتر على نفسه منه حتى نفذ أو كاد ..nإلى أن قرع أحدهم بابه ذات يوم nو بذهول كاد يفقده صوابه ، قال له أبو شفيق :n - " صحبت عيالي لمشاهدة البيت ، هل تسمح لنا بالدخول ؟ "n " متى يمكنك يا عم ، تسليمنا البيت ؟ "n " وعَدَنا وسيط إبنك محمود ، أن نستلمه خلال شهرين ، أرجو ألا تتأخر عن ذلك الموعد ياعم !"nكلمات مهذبة و لكنها وقعت على أم رأسه وقع الصواعق ...n" تبيع البيت ، دون أن تخبرني يا محمود ؟ "n" تريد أن تشرد أباك يا محمود ؟!!! "nيكتب إلى ابنته نائلة مستنجدا !nيأتيه الجواب سالبا :n " شتمني أخي محمود عندما جابهته بحقيقته "n" رجوت زوجي أن نستقبلك في دارنا ، و لكنه - لدهشتي - رفض ، و لا أدري لذلك سببا معقولا "n" ناقشته ، تشاجرت معه ، و لكنه هددني بالطلاق "n" أنت لا تريد لإبنتك خراب البيت ، يا أبي ، أليس كذلك ؟! "n----------n* نزار بهاء الدين الزينn سوري مغتربn عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العربn عضو الجمعية الدولية للمترجمين و اللغويين العرب ArabWatanالموقع : www.FreeArabi.com nالبريد : [email protected] n***********nذكرى من فارس الكلمة الراحل الدكتور زكي العيلةn الأستاذ الأديب المبدع / نزار الزين .nأجمل تحية .n( المتشرد ) إبحار نحو العلاقات الإجتماعية التي غدت مأزومة بعد أن غادرتها روح المودة .nنصوص ( نزار الزين ) منظومة تحذير ، فمناخات العولمة و التأمرك و قوانين السوق هي التي أضحت تتحكم في العلاقات الاجتماعية كافة ، وصولاً إلى أفراد الأسرة الواحدة ، حيث تطالعنا العديد من الأشكال و النتاجات التي لم تعد مستهجنة :nتراجع القيم ، غياب المشاعر الإنسانية الدافئة و بالتالي افتقاد الآمان و تسرب التواصل الإنساني .nهذا ما يمكن استلقاطه من قصص كاتبنا نزار المهموم بالناس و آلامهم ، فهذا الرجل ( أبو محمود ) الذي وصلت به التضحيات حد التنازل عن البيت لابنه و عن المال لابنته ، ليكون مصيره ـ حين يبيع ابنه البيت دون علمه ـ التشرد ، منتظراً صدقات الناس ، ليموت وحيداً طريداً و في حلقه أكوام من المرارة فيما ولداه ممعنان في جحودهما .nمعلمنا الرائع : دامت دفاترك رايات نعتز و نفخر بها .nاحترامي و اعتزازي و تقديري .nزكي العيلة .