اقتراح لبلديات بلا عشائر وفصائل بقلم : حماد صبح
من النظرة حتى الأولية نجد البلديات لا تختلف في حقيقتها عن أي مؤسسة مجتمعية أخرى مثل المدرسة والمستشفى إلا في نوعية الوظيفة غير أن هذه الحقيقة الواضحة شوهت ، بل ضيعت عبر ما حُسِب ديمقراطية وحقا للناس في اختيار من يمثلهم في إدارة شئون البلدية التي يتبعونها . والسبب أن الاختيار لا يتم غالبا بمعيار الصلاحية الشخصية والأداء المهني ، ولكن حسب معايير عشائرية أو فصائلية أو خليط من الاثنتين ما جعل بعض البلديات حكرا على بعض العائلات بالذات وإن تسترت براية فصيل معين ، وتبع ذلك احتكارها أكثر وظائف تلك البلدية وحبسها على أبنائها ، ونتج عن الاحتكار سوء أداء وفشل في إنجاز ما ينفع الناس في المجتمع المحلي الذي يتبعها ، وخلق سوء الأداء والفشل نقمة وغضبا على تلك العائلة وعلى جهة الحكم في الضفة وغزة . وما اشتد من الخلاف والكره والقلق بين الناس بعد تحديد موعد الانتخابات البلدية في 8 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل يؤكد ما نقول ، وينذر بما هو شر منه . في جو كل بلدية شرر رغبة عنيفة في الاستحواذ والانتقام لم يسبق لها شبيه . والذي نقترحه أن نعامل البلديات ، ولو إلى حين ، معاملة بقية المؤسسات الحكومية الأخرى التي يختار موظفوها حسب الشهادة والصلاحية الشخصية والمهنية ، ولكي لا نعطل حكمة " أهل مكة أدرى بشعابها " يمكن تعيين موظفي كل بلدية من التابعين لدائرتها شريطة ألا يقل المؤهل العلمي لأعضاء مجلسها عن المؤهل الجامعي ، وتدفع لهم رواتب شهرية من الحكومة ، أو من عائدات البلدية ، أو بأي طريقة تستحسن ويتفق عليها . أما مدة تعيين كل عضو في المجلس بما في ذلك الرئاسة فيمكن للجهات المسئولة أن تنظر فيها وتحدد ما تراه مناسبا . سيقال إن هذا أسلوب غير ديمقراطي ، والرد : وأين هي الديمقراطية في كل حياتنا ؟! وأين هي الانتخابات ؟! الرئاسة والمجلس التشريعي والمجلس الوطني كلها منتهية الصلاحية ، وفتح عاجزة عن عقد مجلسها الثوري . ونقصر حديثنا على البلديات ، وهو موضوعنا هنا ، ونتساءل : ماذا جنينا من انتخابات البلديات السابقة سوى العشائرية والفصائلية وما فيهما من أضرار ومنازعات وأحقاد ؟! وقد يقال إن العشائرية والفصائلية حتى وفق مقترحنا ستتسللان إلى أسلوب التعيين ، والرد أن تسسللهما إذا قدم الوطن على الفصائلية الممثلة في حكومة فتح في الضفة وحكومة حماس في غزة لن يقاس بوجودهما الكامل الحالي ، ومهما قيل عن محسوبية الفصائلية في تعيينات الحكومتين فإن هذه التعيينات تحافظ على قدر كبير نسبيا من الحيادية بين المواطنين في شغل الوظائف العامة . أصدرت الخلافة العثمانية قانون البلديات في فلسطين في 1859 ، وحالت التقلبات التاريخية العاصفة التي اجتاحت فلسطين منذئذ دون نمو نظام انتخابي سليم للبلديات ، والحال الآن تنذر بأن الانتخابات المزمعة لن تأتي بخير لأي فلسطيني سواء أفاز أم خسر ، وكثرة الأصوات المنادية بإلغائها أو تأجيلها ، والتأجيل تعبير ملطف عن الرغبة في الإلغاء ، تؤكد ما فيها من مشاكل وشرور ، والجلي أن أكثر هذه الأصوات فتحاوية . في جو رديء مثل هذا ، لنجرب ، حتى تَخَلُق جو مناسب ، اعتبار البلديات مؤسسات حكومية تنطبق عليها معايير الوظيفة العامة ، ونجنب أنفسنا الصراعات والأحقاد المهلكة التي أخذت تتكشف وتتفجر مع حمى الانتخابات البلدية حتى على مستوى الفصيل الواحد . البلدية ببساطة مؤسسة مجتمعية تقدم للمواطنين خدمة بثمنها الذي هو الضرائب التي يدفعونها لها مقابل هذه الخدمة . عملية بيع وشراء ؛ فعلام كل هذا الدفق من الهيجان العشائري والفصائلي نحو انتخاباتها ؟! السبب إخراجها عن تلك الوظيفة البسيطة المحددة ، والانحراف بها إلى مصالح عشائرية وفصائلية محطمة للوحدة الوطنية التي يتحدث الجميع عن حرصهم عليها ، وأفعالهم تنفي صدق حديثهم إلا من رحم ربي ، وهم قليل . إننا نتألم الآن ونتبادل التهم حول ما يسحقنا من تمزق وطني ، وأخشى أن يصير هذا التمزق أملا إن قيس بصنوف التمزق التي ستجلبها الانتخابات البلدية القادمة .
من النظرة حتى الأولية نجد البلديات لا تختلف في حقيقتها عن أي مؤسسة مجتمعية أخرى مثل المدرسة والمستشفى إلا في نوعية الوظيفة غير أن هذه الحقيقة الواضحة شوهت ، بل ضيعت عبر ما حُسِب ديمقراطية وحقا للناس في اختيار من يمثلهم في إدارة شئون البلدية التي يتبعونها . والسبب أن الاختيار لا يتم غالبا بمعيار الصلاحية الشخصية والأداء المهني ، ولكن حسب معايير عشائرية أو فصائلية أو خليط من الاثنتين ما جعل بعض البلديات حكرا على بعض العائلات بالذات وإن تسترت براية فصيل معين ، وتبع ذلك احتكارها أكثر وظائف تلك البلدية وحبسها على أبنائها ، ونتج عن الاحتكار سوء أداء وفشل في إنجاز ما ينفع الناس في المجتمع المحلي الذي يتبعها ، وخلق سوء الأداء والفشل نقمة وغضبا على تلك العائلة وعلى جهة الحكم في الضفة وغزة . وما اشتد من الخلاف والكره والقلق بين الناس بعد تحديد موعد الانتخابات البلدية في 8 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل يؤكد ما نقول ، وينذر بما هو شر منه . في جو كل بلدية شرر رغبة عنيفة في الاستحواذ والانتقام لم يسبق لها شبيه . والذي نقترحه أن نعامل البلديات ، ولو إلى حين ، معاملة بقية المؤسسات الحكومية الأخرى التي يختار موظفوها حسب الشهادة والصلاحية الشخصية والمهنية ، ولكي لا نعطل حكمة " أهل مكة أدرى بشعابها " يمكن تعيين موظفي كل بلدية من التابعين لدائرتها شريطة ألا يقل المؤهل العلمي لأعضاء مجلسها عن المؤهل الجامعي ، وتدفع لهم رواتب شهرية من الحكومة ، أو من عائدات البلدية ، أو بأي طريقة تستحسن ويتفق عليها . أما مدة تعيين كل عضو في المجلس بما في ذلك الرئاسة فيمكن للجهات المسئولة أن تنظر فيها وتحدد ما تراه مناسبا . سيقال إن هذا أسلوب غير ديمقراطي ، والرد : وأين هي الديمقراطية في كل حياتنا ؟! وأين هي الانتخابات ؟! الرئاسة والمجلس التشريعي والمجلس الوطني كلها منتهية الصلاحية ، وفتح عاجزة عن عقد مجلسها الثوري . ونقصر حديثنا على البلديات ، وهو موضوعنا هنا ، ونتساءل : ماذا جنينا من انتخابات البلديات السابقة سوى العشائرية والفصائلية وما فيهما من أضرار ومنازعات وأحقاد ؟! وقد يقال إن العشائرية والفصائلية حتى وفق مقترحنا ستتسللان إلى أسلوب التعيين ، والرد أن تسسللهما إذا قدم الوطن على الفصائلية الممثلة في حكومة فتح في الضفة وحكومة حماس في غزة لن يقاس بوجودهما الكامل الحالي ، ومهما قيل عن محسوبية الفصائلية في تعيينات الحكومتين فإن هذه التعيينات تحافظ على قدر كبير نسبيا من الحيادية بين المواطنين في شغل الوظائف العامة . أصدرت الخلافة العثمانية قانون البلديات في فلسطين في 1859 ، وحالت التقلبات التاريخية العاصفة التي اجتاحت فلسطين منذئذ دون نمو نظام انتخابي سليم للبلديات ، والحال الآن تنذر بأن الانتخابات المزمعة لن تأتي بخير لأي فلسطيني سواء أفاز أم خسر ، وكثرة الأصوات المنادية بإلغائها أو تأجيلها ، والتأجيل تعبير ملطف عن الرغبة في الإلغاء ، تؤكد ما فيها من مشاكل وشرور ، والجلي أن أكثر هذه الأصوات فتحاوية . في جو رديء مثل هذا ، لنجرب ، حتى تَخَلُق جو مناسب ، اعتبار البلديات مؤسسات حكومية تنطبق عليها معايير الوظيفة العامة ، ونجنب أنفسنا الصراعات والأحقاد المهلكة التي أخذت تتكشف وتتفجر مع حمى الانتخابات البلدية حتى على مستوى الفصيل الواحد . البلدية ببساطة مؤسسة مجتمعية تقدم للمواطنين خدمة بثمنها الذي هو الضرائب التي يدفعونها لها مقابل هذه الخدمة . عملية بيع وشراء ؛ فعلام كل هذا الدفق من الهيجان العشائري والفصائلي نحو انتخاباتها ؟! السبب إخراجها عن تلك الوظيفة البسيطة المحددة ، والانحراف بها إلى مصالح عشائرية وفصائلية محطمة للوحدة الوطنية التي يتحدث الجميع عن حرصهم عليها ، وأفعالهم تنفي صدق حديثهم إلا من رحم ربي ، وهم قليل . إننا نتألم الآن ونتبادل التهم حول ما يسحقنا من تمزق وطني ، وأخشى أن يصير هذا التمزق أملا إن قيس بصنوف التمزق التي ستجلبها الانتخابات البلدية القادمة .