الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أسماء الشخصيات في القصة القصيرة جدا بين التعريف والتنكير.. مجموعة "دمية" لحسن جبقجي أنموذجا بقلم:د. جميل حمداوي

تاريخ النشر : 2016-08-22
أسماء الشخصيات في القصة القصيرة جدا بين التعريف والتنكير.. مجموعة "دمية" لحسن جبقجي أنموذجا بقلم:د. جميل حمداوي
المقدمة:

 تندرج مجموعة (دمية) للمبدع السوري حسن جبقجي ضمن جنس القصة القصيرة جدا[1].وبالتالي، تتضمن هذه الأضمومة مجموعة من القصيصات التي تتمحور حول موضوعة الحرب بكل مشتقاتها وخصائصها وتجلياتها.وما يهمنا في هذا العمل القصصي القصيرة جدا هو التوقف عند أسماء الشخصيات بغية دراستها في ضوء خاصيتي التعريف والتنكير، مستفيدين من النحو، والمنطق، والأسلوبية، والسيميائيات، ونظرية العوالم الممكنة.

إذاً، ما مفهوم  التنكير والتعريف لغة واصطلاحا؟ وكيف تعامل المبدع حسن جبقجي مع أسماء الشخصيات القصصية في ضوء خاصيتي التعريف والتنكير؟ وما خصائص هذين المفهومين، في أضمومة (دمية)، بنية ودلالة ووظيفة؟ هذا ما سوف نستجليه في هذين المبحثين المواليين:


المبحث الأول: خاصية التنكير

تشتق كلمة (النكرة) من فعل نكر. ومن ثم، تحمل النكرة في (لسان العرب) لابن منظور دلالات لغوية متعددة على هذا النحو:" الإنكار: الجحود. والمناكرة: المحاربة . وناكره أي قاتله ؛ لأن كل واحد من المتحاربين يناكر الآخر أي يداهيه ويخادعه . يقال: فلان يناكر فلانا، وبينهما مناكرة أي معاداة وقتال . وقال أبو سفيان بن حرب: إن محمدا لم يناكر أحدا إلا كانت معه الأهوال، أي لم يحارب إلا كان منصورا بالرعب . وقوله تعالى: إن أنكر الأصوات لصوت الحمير قال: أقبح الأصوات . ابن سيده: والنكر والنكر الأمر الشديد . الليث: الدهاء والنكر نعت للأمر الشديد والرجل الداهي، تقول: فعله من نكره ونكارته . وفي حديث معاوية، رضي الله عنه: إني لأكره النكارة في الرجل يعني الدهاء . والنكارة: الدهاء، وكذلك النكر، بالضم . يقال للرجل إذا كان فطنا منكرا: ما أشد نكره ونكره أيضا، بالفتح . وقد نكر الأمر، بالضم، أي صعب واشتد . وفي حديث أبي وائل وذكر أبا موسى فقال: ما كان أنكره أي أدهاه، من النكر، بالضم، وهو الدهاء والأمر المنكر . وفي حديث بعضهم: كنت لي أشد نكرة، النكرة، بالتحريك: الاسم من الإنكار كالنفقة من الإنفاق، قال: والنكرة إنكارك الشيء وهو نقيض المعرفة . والنكرة: خلاف المعرفة . ونكر الأمر نكيرا وأنكره إنكارا ونكرا: جهله .[2]"

ومن هنا، فالنكرة نقيض المعرفة. وهي كذلك بمعنى الجحود، والإنكار، والمعاداة، والدهاء، والفطنة، والخداع، والمحاربة، والقتال، والجهل بالأمر أو الشخص، وعدم الاعتراف بالآخرين.ومن ثم، تتميز النكرة بدلالات سلبية مشينة إلى حد كبير.أي: تحيل الكلمة على الإقصاء، والتهميش، والإهمال، واللامبالاة، وعدم الاعتراف...

أما النكرة، من حيث الاصطلاح، فهي ذلك الاسم الذي لا يدل على معين، ويقابله الاسم المعرف[3]. وإذا كانت النكرة هي الأصل، فالمعرفة هي الفرع[4]. وأكثر من هذا يقبل الاسم النكرة أن يدخل عليه حرف الجر " رب"، وأداة التعريف "أل"[5].

وغالبا، ما ترتبط أسماء الشخصيات السردية بخاصيتي التنكير والمعرفة. وإذا كانت مجموعة من الروايات والقصص القصيرة الواقعية والرومانسية تحمل أسماء علمية محددة بدقة، تعبر عن كينونات وذوات إنسانية مرصودة  في ضوء رؤى فزيولوجية، ونفسية، واجتماعية، وأخلاقية، فإن القصة القصيرة جدا تتخلص من هذه الأسماء الشخوصية العلمية المعرفة، فتصبح ذواتا مجهولة نكرة. وبالتالي، تتحول هذه الشخصيات القصصية، في عصر العولمة، إلى  كائنات معلبة ومستلبة ومشيأة ومرقمة بدون هوية تحددها، ولا كينونة وجودية تخصصها عن باقي الذوات التخييلية الأخرى . وبالتالي، تبقى  أيضا دون حمولات إنسانية تميزها عن باقي الشخصيات الأخرى. أضف إلى ذلك أن الإنسان، في زماننا هذا، قد امتسخ وتحجر، وصار كائنا جروتيسكيا متوحشا يخيف الآخرين، وصار ذئبا لأخيه الإنسان، كما قال الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز(T.Hobes).

ربما يكون هذا التنكير الشخوصي راجعا إلى تطابق الذات القصصية مع ذات المبدع التي أصبحت بدورها ذاتا مهمشة وممزقة وضائعة بين سراديب هذا الكون الشاسع الذي تقزمت فيه كثير من الذوات، وتضآلت فيه قيميا وحضاريا وماديا ووجوديا وثقافيا.

وفي هذا النطاق، يقول عبد الدائم السلامي في حديثه عن الشخصيات، وتركيزه على مقياس التنكير في مجموعتي المبدعين المغربيين مصطفى لغتيري وعبد الله المتقي:"إن قراءة متأنية لقصص الكتابين تظهر لنا أن شخصياتها تتنوع كثرة وأفعالا ومآلا، فقصص (الكرسي الأزرق) تتوفر على مائة وتسع عشرة شخصية، منها مائة وتسع شخصيات لاتحمل اسما علما، وأغلبها معرف بالإضافة أو بالألف واللام، ولكنها فاعلة في المغامرة مشاركة فيها، ونسبتها 91.6%، وعشر شخصيات عينها الكاتب بأسماء معلومة، غير أنها في الغالب الأعم جاءت باهتة عرضا في المغامرة، قليلة الفعل فيها، ونسبتها 8.4%.

 وتتضمن قصص (مظلة في قبر) مائة وإحدى عشرة شخصية، منها اثنتان وتسعون شخصية غير معرفة، ولها فعلها في المغامرة، ونسبتها 82.9%، وتسع عشرة شخصية تحمل اسما علما، وهي على غرار شخصيات قصص (الكرسي الأزرق)، يوردها الراوي دون أن سيند إليها أفعالا في الحكاية إلا نادرا، بما يسمها بميسم المساعدة في سيرورة الحكاية لاغير، نسبتها 17.1%."[6]

ويعني هذا أن القصة القصيرة جدا تميل إلى تنكير الشخصيات الرئيسة بدل تعريفها بأوصافها وقيمها وأحداثها بشكل مسهب ومطنب وموسع.لذا، يتناسب مقياس التنكير مع بعض المقاييس الأخرى المنسجمة، مثل: مقياس الانتقاء في الأوصاف، ومقياس التكثيف، ومقياس التسريع، ومقياس الحذف والإضمار، ومقياس الاختزال، ومقياس التراكب...

وعلى العموم، تتميز الشخصيات، في القصة القصيرة جدا، بخاصية التنكير بامتياز. ويعني هذا أنها غير مسماة باسم محدد ومميز ومخصص، وغير معرفة على مستوى التركيب السردي لا صرفيا، ولا نحويا، ولا شخوصيا. بل تتحول هذه الشخصيات إلى عوامل مجهولة، وشخصيات مطلقة ومجردة، وكائنات رمزية وكنائية.

ويلاحظ أن معظم قصيصات مجموعة (دمية) لحسن جبقجي توظف شخصيات نكرة، بدون أسماء علمية شخوصية أو عاملية.بمعنى أن العوامل أو الفواعل الرئيسة أو الثانوية أو العابرة في النص لاتحمل اسما هوياتيا يحددها، أو علما معرفا يميز مواصفاتها. كما يبدو ذلك واضحا في قصيصة (انتصار):

"فتح الأموات قبورهم،وذهبوا إلى أقرب مركز انتخابي...

صوتوا بدماء سوداء..عادوا إلى قبورهم بكل صمت...

بينما احتفل رئيسهم بفوزه الساحق،وامتلأت الساحات بجثث الأطفال والنساء .........."[7]

تتضمن القصيصة عوامل سيميائية هي: الأموات، والرئيس، والأطفال، والنساء.ومن ثم، تصور القصيصة معاناة الشعب السوري من جراء استبداد الحاكم المتغطرس الذي حول شعبه البريء إلى أموات وجثث متعفنة ومهترئة ومتفسخة من أجل أن يتفرد هو بالحكم والسلطة والصولجان.ومن ثم، تتميز القصيصة بطابعها المأساوي الجنائزي، مادامت تحيل على عالم الموت والحرب والعنف (الأموات- قبورهم- دماء سوداء- بكل صمت- جثث الأطفال والنساء). وبهذا، تشير القصيصة إلى سياق الثورة السورية الدموية التي ذهب ضحيتها كثير من الأبرياء، وخاصة الأطفال منهم. ومن ثم، ترتكز المجموعة القصصية على ثنائية الطفولة والحرب، أو ثنائية الحياة والموت، أو ثنائية الحب والكراهية، أو ثنائية البراءة والظلم...

وعلى الرغم من المعرفة الصرفية بأل (الرئيس- الأموات- الأطفال-النساء)، فإن الشخصيات تبقى بدون محددات علمية تعبيرا عن انكسار الشخصية القصصية وغيابها على مستوى الحدث، على أساس أنها شخصيات غير منجزة، وغير فاعلة ميدانيا، تتقبل الحدث السلبي الدامي، وتتحول إلى كائنات عدمية ضائعة بفعل قوة الاستبداد والقمع والموت.

وإذا أخذنا قصيصة (الجرأة)، فشخصياتها نكرة بدون أسماء علمية معرفة، كما يتضح ذلك في هذا المقطع القصصي:" كان يعلم أن حياته لم تكن سهلة جدا في البناية المقابلة ..كان القناص يترصد حركة مرور البشر .. لكن يخفي خوفه في صدره.. أن يتحول كالأرنب يصرخ بالناس: لاتنظروا إليه ..اعبروا الضفة الأخرى.. (عبروا الضفة بكل هدوء..)

مرت العملية بسلام .

حان الآن دوره في العبور .. نظر إليه القناص رفع يديه ملوحا إليه ..(متظاهرا بمعرفته وصداقته ) لاتطلق ...

كانت حركة سبابة القناص أسرع من صراخه.[8]"

تنبني هذه القصيصة على مقياس التنكير، على أساس أن التنكير من الأركان أو المكونات الضرورية للقصة القصيرة جدا. فالشخصية الرئيسة المغيبة تتحول إلى ضمير مجهول، بل تتحول إلى فريسة أو مصيدة سهلة يظفر بها القناص من أجل أن يرضي رئيسه المباشر، أو يرضي حاكمه المازوشي المتعطش إلى دماء الأبرياء. وبهذا، تتحول شخصيات النص إلى نكرات بلا بطاقة هوية، في بلد منكوب الجنبات، غابت فيه الإنسانية والمروءة والحياة البشرية، بمجرد أن تغنى فيه الإنسان بمعجم الحرية.

ويظل مقياس التنكير متحكما في جل قصيصات مجموعة (دمية)، على الرغم من توارد المعارف الصرفية والنحوية على مستوى تركيب الكلمات، كما يظهر ذلك جليا في قصيصة (صور):

"-1- خرج الأب يبحث عن كسرة خبز يسد رمق أهل بيته.

-2-

جثث ملقاة على أطراف الطرق ...وجثث أخرى ملقاة في الحاوية.. بينما الأوساخ منتشرة في كل مكان.

-3-

السوق مزدحم... العيون جائعة، والأسعار مرتفعة.[9]"

 تتميز هذه القصصية بطابعها الشذري. بمعنى أن القصيصة المحورية تتفرع إلى قصيصات فرعية تتولد عن القصة الأصل تشذيرا وتقطيعا وتناسلا . وتستند هذه القصيصة أيضا إلى مقياس التنكير الذي يتمثل في غياب أسماء الأعلام الشخوصية، وهيمنة الشخصيات المجهولة والمغيبة والنكرة، مثل: الأب، وأهل البيت، والجثث، والسوق. بل تتحول هذه الشخصيات إلى كنايات رمزية (جثث ملقاة) تحيل على الموت والضياع والاغتراب الذاتي والمكاني. كما تتحول بعض الشخصيات إلى مجازات مرسلة علاقتها المكانية (السوق مزدحم). ويعني هذا كله أن قصيصات مجموعة (دمية) تعلن موت الإنسان وغيابه وانكساره من جهة، وضياعه في زمن تصلب فيه الاستبداد و"تسلطن" من جهة أخرى.

وهكذا، يتبين لنا أن مقياس التنكير هو المهيمن على مستوى تقديم الشخصيات وتوصيفها، على أساس أن عوامل هذه القصيصات مجرد كائنات نكرة لا أهمية لها في مسار الحبكة، ولا دور لها في بناء الأحداث.وبالتالي، لاتستحق أن تنعت أو توصف بعلم شخوصي، مادامت شخصيات غير قادرة على الإنجاز والفعل والمواجهة والتحدي وتغيير الواقع الكائن.

 

المبحث الثاني: خاصية التعريف

من المعلوم أن المعرفة تقابل النكرة في بابي الصرف والنحو.ومن ثم، فالمعرفة اسم يدل على معين من أفراد جنسه. ويعني هذا أن المعرفة من التصورات المنطقية المحددة لموضوع ما بغية تحديده ووصفه وإبرازه بشكل واضح. وتتحدد المعرفة بالعلم، والضمير، والإضافة إلى المعرفة، واسم الإشارة، والاسم الموصول، والاسم المقترن بأل، والنكرة المقصودة بالنداء. ويعني هذا أن المعارف سبعة أنواع. ولكن ما يهمنا في هذا المقام هو دراسة اسم العلم الشخوصي في حضوره وغيابه. إذاً، ما اسم العلم؟ وما محدداته البنيوية والدلالية والوظيفية؟ وما أهم الإشكاليات التي يثيرها في مجال السرديات بصفة عامة، والقصة القصيرة جدا بصفة خاصة؟

 

المطلب الأول: أسماء الأعلام

خصص النحاة العرب لاسم العلم، منذ سيبويه إلى يومنا هذا، بابا نحويا للتعريف به  في اللغة والاصطلاح، فقسموه إلى علم شخص وعلم جنس. وقسموه، باعتبار اللفظ، إلى مفرد ومركب. وقسموه أيضا، باعتبار أصالته في العلمية وعدم أصالته، إلى مرتجل ومنقول. وقسموه كذلك، باعتبار دلالته إلى معنى زائد على العلمية أو عدم دلالته، إلى اسم، وكنية، ولقب. ويقول ابن مالك في ألفيته [10]:

 ومنه منقول: كفضل وأسد       وذو ارتجال: كسعاد وأدد

وجملة، ومابمزج ركبا            ذا إن بغير " ويه" تم أعربا

وشاع في الأعلام ذو الإضافه     كعبد شمس وأبي قحافه

وقد قد يكون العلم اسم شخص، أو اسم حيوان، أو اسم مكان، أو اسم شيء. وعلم الشخص هو اللفظ الذي يدل على تعيين مسماه تعيينا مطلقا كأفراد الناس، مثل: علي، وسمير، وشريف، ونبيلة... وغيرهم من أفراد الأجناس التي لها عقل وقدرة على الفهم كالملائكة والجن، مثل: جبريل، وإبليس. وسمي بالعلم الشخصي لأن مدلوله في الغالب شيء مشخص ومجسم ومحسوس ومتميز. ومن وظائف العلم الشخصي: التعيين، والتسمية، والتخصيص، والتحديد، والتفريد. والعلم مقصور على مسماه، وشارة خاصة به، وهي وافية في الدلالة عليه وحده.[11]

وقد اهتم المناطقة كثيرا باسم العلم، وربطوه ربطا جدليا بالمرجع والحقيقة الصورية والواقعية، فكان شغلهم الشاغل هو التركيز على مناقشة إشكالية معنى اسم العلم، والأوصاف المحددة، والمرجعية...  وكان هناك من المناطقة من ربط دلالات الأسماء بالمرجع والنظرية الوصفية، ككوتلوب فريجه (Gottlob Frege)، وبرتراند راسل (B.Russel)، وبيرس( Peirce)...

ومن أهم الدراسات المنطقية في هذا المجال كتاب( منطق أسماء الأعلام) لصول كريبك( Saul Kripke )[12]،وكتاب (مشاكل المرجع: الأوصاف المحددة وأسماء الأعلام) لجورج كليبر(George Kleiber[13])، و(أسماء الأعلام) لسورل ([14] J.S.Searle)...

وثمة نظريات عديدة في مجال المنطق والدلالة التي تتعامل مع أسماء الأعلام، بربط مسمياتها وحقائقها الدلالية بمراجعها الواقعية حقيقة وصدقا وكذبا وتخييلا[15].

وهناك أيضا من الدارسين من اهتم بدراسة اسم العلم في ضوء المقاربة الأسلوبية، كما فعل لورانس بوكول ( Laurence Bougault ) في كتابه (المقاربة الأسلوبية لأسماء الأعلام في ( التماعات) ريمبو Rimbaud)...

وتستند هذه المقاربة إلى الاستعانة بأدوات البلاغة واللسانيات والأسلوبية في تحليل أسماء الأعلام الشخصية، كالانطلاق من ثنائية التعيين والتضمين، وثنائية التقرير والإيحاء، وثنائية القاعدة والانزياح، وثنائية الدال والمدلول، وثنائية اللغة والكلام، وثنائية المشابهة والمجاورة، وثنائية الاستبدال والتأليف. كما تعمد هذه المقاربة إلى ربط أسماء الأعلام الشخصية بمساراتها التصويرية والمعجمية والنحوية والبلاغية والتداولية. بالإضافة إلى رصد الأساليب الإنشائية، والتعابير المجازية، والعبارات المسكوكة، والبحث عن بنياتها وتراكيبها ودلالاتها ومقاصدها المباشرة وغير المباشرة.

من المعروف أن ثمة مجموعة من المقاربات والمناهج التي  حاولت رصد اسم العلم بالتعريف والتحليل والدرس والمناقشة والتفكيك والتركيب. ويمكن حصرها في المقاربة النحوية، والمقاربة المنطقية، والمقاربة القانونية، والمقاربة الشرعية، والمقاربة الاجتماعية، والمقاربة اللسانية، والمقاربة الأسلوبية، والمقاربة البنيوية السيميائية...[16]

وعلى أي، يعد اسم العلم من المفاهيم المنطقية الجوفاء والفارغة التي تخلو من دلالات معينة، على أساس أن اسم العلم لا يحمل، في طياته، صفات معينة تميزه وتفرده وتخصصه عن باقي الذوات الأخرى، مثل: سمير، وهادي، وناجي... وفي الوقت نفسه، هناك أسماء أعلام لها دلالات معينة في سياق ثقافي ما، مثل: محمد الذي يحيل على النبي (صلعم)، أو إنسان ينتمي إلى المنظومة الإسلامية.

ومن هنا، يرى بعض المناطقة أن ليس لكل لفظ مفهوم كلي." فستيوارت ميل (Mill) يرى مثلا وهو يتفق في ذلك مع الرواقيين والمناطقة العرب أن اسم العلم: هادي، ناجي، بيروت، إلخ...ليس له مفهوم كلي لأنه لم يطلق على مسماه نتيجة صفات معينة قائمة فيه .أما رجل وإنسان وحيوان إلخ...فهي أسماء لها مفاهيم كلية، لأنها تشير إلى كائنات أو أشياء معينة تتصف بمجموعة من الصفات التي تميزها من غيرها.[17]"

وعليه، فقد أثبتنا قلنا - سابقا- أن مجموعة (دمية) لحسن قجبقجي يتحكم فيها مقياس التنكير على مستوى توظيف الشخصيات وتوسيمها وتوصيفها، ومن ناحية استخدامها داخل المتون القصصية. ويعني هذا أن الشخصية القصصية خاضعة لخاصية التنكير، على أساس أن الشخصيات مجرد ذوات أو عوامل أو كائنات نكرة غير منجزة في أغلب الأحيان. وعلى الرغم من هيمنة مقياس التنكير في مجموعة (دمية) لحسن جبقجي، تحضر بعض الشخصيات المعرفة بأسماء علمية هنا وهناك، كما يبدو ذلك واضحا في قصيصة واحدة بعنوان (ميغ 23):

«-1-:ليلى ستموتين إن خرجتِ...!

في الماضي كانت تخرج إلى الشرفة ...تعانق يدها أطراف السماء.

-2-

:ليلى لاتخرجي إلى الشرفة...

:ليلى أغلقي الشباك..

-3-

ليلى أصبحت عصفورة في السماء.[18]"

في هذه القصيصة، تحضر شخصية سردية تحمل اسم ليلى دلالة على التأنيث. ويحيل اسم العلم على عالم الطفولة البريء، ويخضع هذا الاسم المعرف لتحولات فانطاستيكية، فمن كائن بشري طفولي يتأمل الطبيعة، ويحس بالحرية والانتعاش والسعادة، إلى عصفور وملاك سماوي يغتصبه الموت ظلما واعتداء واغتصابا.وعلى الرغم من التأويل السياقي، لايحمل هذا العلم الشخوصي دلالات معينة، أو دلالات متضمنة داخل هذا الاسم. فاسم ليلى يدل على أي طفلة كيفما كان لونها، أو عرقها، أو مكانها، أو زمانها.بمعنى أن مفهومه كلي عام ومجرد غير مرتبط بدلالات ذاتية متضمنة. وهنا، أتفق مع المناطقة الذين يذهبون إلى أن اسم العلم باعتباره دالا لايحمل - دائما- دلالة المطابقة أو الإحالة أو التضمن في علاقته بمدلوله المباشر. ولكن يمكن أن يحمل دلالات رمزية أو كنائية أو مجازية إذا قاربناه في سياق نصي معين، باستعمال مشرح التأويل والفهم والتفسير.

 

الخاتمة:

وخلاصة القول، يتبين لنا، مما سبق ذكره، أن أضمومة (دمية) لحسن جبقجي خاضعة لمقياس التنكير باعتباره مكونا أساسيا للقصة القصيرة جدا مقارنة بالرواية والقصة القصيرة. وهذا له علاقة وثيقة بمقاييس أخرى تميز القصة القصيرة جدا كمقياس الاقتضاب، ومقياس التكثيف، ومقياس الاختزال، ومقياس الإضمار، ومقياس انتقاء الأوصاف،ومقياس التسريع، ومقياس التراكب الجملي...

و تدل هيمنة النكرة على شخصيات المجموعة السردية أن العوامل أو الفواعل الرئيسة أو الثانوية أو العابرة مجرد ذوات أو كائنات تخييلية عاجزة عن الفعل والإنجاز والممارسة وتغيير الواقع السائد. والسبب في ذلك يعود إلى شراسة الطغيان وقسوته وتجبره، وقوة العامل المعاكس في تحصيل الذات الموضوع، وكثرة مساعديه من الذوات الشريرة والمستفيدة والمناصرة. ويندر حضور اسم العلم الشخصي في عالم تغيب فيه الإنسانية مطلقا، وتنبطح فيه الذوات البشرية كليا، أو تتحكم فيه الحسابات الرقمية والمعطيات الكمية على حساب القيم الكيفية الأصيلة.

 

د. جميل حمداوي

.......................

[1]- حسن جبقجي: دمية، جنس القصة القصيرة جدا، منشورات مكتبة سلمى الثقافية، تطوان، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2016م.

[2]- ابن منظور: لسان العرب، الجزء الرابع عشر، مادة نكر، دار صادر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2013م.

[3]- الشيخ مصطفى الغلاييني: جامع الدروس العربية، المكتبة العصرية صيدا، لبنان، الطبعة السادسة والثلاثون 1419ه-1999م، الجزء الأول، ص 147

[4]- محمد أسعد النادري: نحو اللغة العربية، المكتبة العصرية صيدا، لبنان، الطبعة الثانية، 1418ه1997م، ص 207.

[5][5]- محمد عيد: النحو المصفى، مكتبة الشباب، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى سنة 1975، ص 130.

[6] - عبد الدائم السلامي: شعرية الواقع في القصة القصيرة جدا، منشورات أجراس، الطبعة الأولى سنة 2007م، ص:30.

[7]- حسن جبقجي: (انتصار)، مجموعة دمية،مكتبة سلمى الثقافية، تطوان، العدد70، الطبعة الأولى 2016م، ص:8.

[8]- حسن جبقجي: (الجرأة)، ص:9.

[9]- حسن جبقجي: (صور)، ص:12.

[10]- ابن عقيل: شرح ابن عقيل على ألفية بن مالك، تحقيق: محيي الدين عبد الحميد، الجزء الأول، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ص:125.

[11]- عباس حسن: النحو الوافي، المجلد الأول، دار المعارف، القاهرة، مصر، الطبعة الخامسة، ص:307.

[12] -Saül Kripke: La Logique des noms propres، Paris، Éd. de Minuit،1982، 173 p.

[13] - George Kleiber: Problèmes de référence: descriptions définies et noms propres، 1981.

[14]- J.S.Searle: « Proper Names »، Mind، 266، LXVII، 1958.

[15]-A.B.Lahkim:( Vers une approche sémantico- pragmatique de noms propres)، Linguistica Communicatio، Maroc، VOL.1 No: 2،1989، p: 81.

[16] - انظر: جميل حمداوي:سيميوطيقا الشخصية السردية،  الموسوعة الثقافية، العدد:142، منشورات دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، العراق، الطبعة الأولى سنة 2015م.

[17]- مهدي فضل الله: مدخل إلى علم المنطق(المنطق التقليدي)، دار الطليعة، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية 1979م، ص:63.

[18]- حسن جبقجي: (ميغ 23)، ص:10.

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف