مـا قـبـل الـطــوفـــان
بـقــلـم / حــســـن زايــــــد
دائماً وأبداً ، الإنسان عدو ما يجهل . والجهل هو الداء الذي ليس له دواء سوي العلم والمعرفة .
والجهل بخلاف الأمية ، فالأمية هي عدم المعرفة وعدم العلم من الأصل ، أي : ابتداءً علي نحو ما ولدته أمه ، والعلاج من داء الأمية سهل وميسور ؛ لأنه يزول بمجرد العلم والمعرفة .
أما الجهل الذي هو فهم قضية أو أمر علي خلاف الحقيقة ، أي : علي نحو مغلوط ، فصاحبه ليس من أصحاب الأذهان الخالية .
وعلاجه يتم علي مرحتلين ، الأولي : استخراج القضية المغلوطة من ذهنه .
والثانية : هي إدخال القضية الصحيحة محلها .
وحين يفهم الإنسان الحقيقة ، ويستقيم له العلم بها ، والوقوف علي حقيقتها ، يستقيم سلوكه وفقاً لمقتضياتها ، وتزول العداوة التي كانت قائمة بسبب حاجز الجهل بها .
وهذا الأمر إن كان ضرورياً علي مستوي العلاقات الفردية ، وأكثر ضرورية علي مستوي العلاقات الجماعية ، فإنه حتمي بالنسبة للدولة والنظام القائم فيها .
هذا في الظروف الإعتيادية التي تمر بها العلاقات علي المستويات الثلاث .
أما الظروف الإستثنائية ، فإن استثنائيتها تفرض معاملة خاصة في هذا الإطار .
والأوضاع الراهنة التي تمر بها مصر من 25 يناير 2011م حتي ساعته وتاريخه ، هي أوضاع وظروف محكومة بالإستثنائية في كل شيء . استثنائية في الأوضاع السياسية ، واستثنائية في الأوضاع الإقتصادية ، واستثنائية في الأوضاع الإجتماعية، واستثنائية في الأوضاع الأمنية .
وليتها استثنائية مستقيمة منضبطة بين نقطتين ، ولكنها استثنائية مضطربة ، مرتبكة ومربكة .
وعدم توافر المعلومات الدقيقة من مصادرها الموثوقة ، يفتح باباً واسعاً للإشاعات بأنواعها ، والإشاعات في الأجواء المغلقة تسري سريان النار في الهشيم ، ويصعب السيطرة عليها ، والحد من غلوائها وشيوعها .
ولا سبيل إلي ذلك إلا بتدفق المعلومات الحقة التي تدمغ باطل الشائعات ، فتجعله زاهقاً ، ومآله إلي زوال عاجلاً غير آجل .
وتدفق المعلومات المقصود لا يقصد به تدفق كل المعلومات ، فنحن ندرك أن ليس كل ما يُعرف أو يُعلم يقال ، وإنما هناك من المعلومات ما لا يقف عليها سوي المختص بها ، لأن معرفتها وشيوعها يضر بالأمن القومي للبلاد . وفي نفس الوقت هناك معلومات غير متعلقة بالأمن القومي ، ومعرفتها لا تضر به في شيء ، بل إن حجبها هو الذي يضر بالأمن القومي للبلاد . وهناك صنف ثالث العلم به لا ينفع ، والجهل به لا يضر .
ومن هنا جاء تقسيم الوثائق الرسمية بحسب درجة سريتها بحسب ما تحويه من معلومات ، وبحسب مدي اقتراب هذه المعلومات أو بعدها عن الأمن القومي .
وفي هذا الإطار يمكننا التحدث بأريحية عن علامات الإستفهام العالقة بذهن المواطن المصري ، معقوبة بعلامات تعجب ضخمة ، عن قضايا عديدة تخص وطنه ، وتخصه فرداً ، وأسرة ، ومجتمعاً ، تكحت لحمه وعظامه ، وتمص نخاعه ، وما تبقي منه من دماء ، دون أن يجد إجابة محددة واضحة قاطعة ، تروي منه الظمأ ، وتشفي الغليل .
وفي زمن مضي كانت الحكومات والأنظمة هي المصدر الوحيد للمعلومات والمعارف دون مزاحمة مصادر أخري ، وكان علي المواطن أن يصدقها فيصبح مؤيداً لها ، أويكذبها فيصبح معارضاً لها ، وفي المقابل تقوم الدولة بإعالته إعالة كاملة ، حيث توفر له التعليم والعمل وغير ذلك .
أما اليوم فقد تعددت المصادر ، منها الصادق ، ومنها الكاذب ، ومنها المدعي .
كما اختلطت المعارف والأخبار والإشاعات اختلاطاً يصعب معه التمييز بينها ، علي نحو قاطع فاصل . والمعارف والمعلومات والأخبار والإشاعات أصبحت كماء البحر ، لا يشرب منها إنسان إلا وزادته عطشاً .
وقد أصبح الإنسان المصري نهباً لكل ذلك بلا محددات ولا ضوابط ولا مرجعيات تفصل بين الغث والسمين . بالإضافة إلي تخلي الدولة عن دورها الأمومي ، واكتفاءها بدور الدولة الحارسة .
كل ذلك يجعل حاجة الدولة إلي نشر الحقائق كحاجة الفرد للوقوف علي تلك الحقائق سواء بسواء .
وقد زادت هذه الحاجة في ظل وجود السوس الإخواني الذي ينخر في لحم وعظام المجتمع بنشر الأكاذيب والإشاعات ، التي تعتمد علي بعض الوقائع والأحداث ، التي يلمسها المواطن دون وقوفه علي حقيقتها .
ثم يجري غزل الأكاذيب ونسجها حولها ، والسير بها سيراً حثيثاً بين الناس ، في كل محفل أو ملتقي ، وحتي بشكل فردي في المستويات الإجتماعية المختلفة ، مستهدفاً بذلك تحقيق ثلاثة أمور :
الأمر الأول : إجتذاب هؤلاء الأفراد أو الجماعات إلي صفوفهم إنتساباً أو تعاطفاً .
الأمر الثاني : هوالتخريب النفسي للأفراد وخلق مشاعر عدائية لديهم تجاه الدولة والسلطة والمجتمع .
الأمر الثالث :هوتحييد مشاعر البعض في تفاعله مع العلاقة بين الدولة والإخوان .
وهم في ذلك أقرب ما يكونوا إلي الخلايا السرطانية سريعة الإنتشار في الجسد المصري .
وفي الختام لابد من تقرير أن حق المعرفة حق عام في الظروف العادية . هذا الحق ينتقل إلي خانة الواجب في الظروف الإستثنائية . ويصبح من أوجب الواجبات ـ علي سبيل الحتمية والضرورة، عندما يخوض المجتمع حرباً معلوماتية تجاه متربصي الداخل من المتآمرين ، ومتآمري الخارج من دول وأجهزة تستهدف طرح الدولة المصرية أرضاً في ظل مخطط التقسيم الجديد للمنطقة .
وما زال لدي الدولة المصرية فرصة لانتشال المجتمع من طوفان قادم بجعله مشاركاً مسئولاً لها فيما تأتي أو تدع بالسماح بالوقوف علي الحقائق أولاً بأول . فهل إلي ذلك من سبيل ؟.
بـقــلـم / حــســـن زايــــــد
دائماً وأبداً ، الإنسان عدو ما يجهل . والجهل هو الداء الذي ليس له دواء سوي العلم والمعرفة .
والجهل بخلاف الأمية ، فالأمية هي عدم المعرفة وعدم العلم من الأصل ، أي : ابتداءً علي نحو ما ولدته أمه ، والعلاج من داء الأمية سهل وميسور ؛ لأنه يزول بمجرد العلم والمعرفة .
أما الجهل الذي هو فهم قضية أو أمر علي خلاف الحقيقة ، أي : علي نحو مغلوط ، فصاحبه ليس من أصحاب الأذهان الخالية .
وعلاجه يتم علي مرحتلين ، الأولي : استخراج القضية المغلوطة من ذهنه .
والثانية : هي إدخال القضية الصحيحة محلها .
وحين يفهم الإنسان الحقيقة ، ويستقيم له العلم بها ، والوقوف علي حقيقتها ، يستقيم سلوكه وفقاً لمقتضياتها ، وتزول العداوة التي كانت قائمة بسبب حاجز الجهل بها .
وهذا الأمر إن كان ضرورياً علي مستوي العلاقات الفردية ، وأكثر ضرورية علي مستوي العلاقات الجماعية ، فإنه حتمي بالنسبة للدولة والنظام القائم فيها .
هذا في الظروف الإعتيادية التي تمر بها العلاقات علي المستويات الثلاث .
أما الظروف الإستثنائية ، فإن استثنائيتها تفرض معاملة خاصة في هذا الإطار .
والأوضاع الراهنة التي تمر بها مصر من 25 يناير 2011م حتي ساعته وتاريخه ، هي أوضاع وظروف محكومة بالإستثنائية في كل شيء . استثنائية في الأوضاع السياسية ، واستثنائية في الأوضاع الإقتصادية ، واستثنائية في الأوضاع الإجتماعية، واستثنائية في الأوضاع الأمنية .
وليتها استثنائية مستقيمة منضبطة بين نقطتين ، ولكنها استثنائية مضطربة ، مرتبكة ومربكة .
وعدم توافر المعلومات الدقيقة من مصادرها الموثوقة ، يفتح باباً واسعاً للإشاعات بأنواعها ، والإشاعات في الأجواء المغلقة تسري سريان النار في الهشيم ، ويصعب السيطرة عليها ، والحد من غلوائها وشيوعها .
ولا سبيل إلي ذلك إلا بتدفق المعلومات الحقة التي تدمغ باطل الشائعات ، فتجعله زاهقاً ، ومآله إلي زوال عاجلاً غير آجل .
وتدفق المعلومات المقصود لا يقصد به تدفق كل المعلومات ، فنحن ندرك أن ليس كل ما يُعرف أو يُعلم يقال ، وإنما هناك من المعلومات ما لا يقف عليها سوي المختص بها ، لأن معرفتها وشيوعها يضر بالأمن القومي للبلاد . وفي نفس الوقت هناك معلومات غير متعلقة بالأمن القومي ، ومعرفتها لا تضر به في شيء ، بل إن حجبها هو الذي يضر بالأمن القومي للبلاد . وهناك صنف ثالث العلم به لا ينفع ، والجهل به لا يضر .
ومن هنا جاء تقسيم الوثائق الرسمية بحسب درجة سريتها بحسب ما تحويه من معلومات ، وبحسب مدي اقتراب هذه المعلومات أو بعدها عن الأمن القومي .
وفي هذا الإطار يمكننا التحدث بأريحية عن علامات الإستفهام العالقة بذهن المواطن المصري ، معقوبة بعلامات تعجب ضخمة ، عن قضايا عديدة تخص وطنه ، وتخصه فرداً ، وأسرة ، ومجتمعاً ، تكحت لحمه وعظامه ، وتمص نخاعه ، وما تبقي منه من دماء ، دون أن يجد إجابة محددة واضحة قاطعة ، تروي منه الظمأ ، وتشفي الغليل .
وفي زمن مضي كانت الحكومات والأنظمة هي المصدر الوحيد للمعلومات والمعارف دون مزاحمة مصادر أخري ، وكان علي المواطن أن يصدقها فيصبح مؤيداً لها ، أويكذبها فيصبح معارضاً لها ، وفي المقابل تقوم الدولة بإعالته إعالة كاملة ، حيث توفر له التعليم والعمل وغير ذلك .
أما اليوم فقد تعددت المصادر ، منها الصادق ، ومنها الكاذب ، ومنها المدعي .
كما اختلطت المعارف والأخبار والإشاعات اختلاطاً يصعب معه التمييز بينها ، علي نحو قاطع فاصل . والمعارف والمعلومات والأخبار والإشاعات أصبحت كماء البحر ، لا يشرب منها إنسان إلا وزادته عطشاً .
وقد أصبح الإنسان المصري نهباً لكل ذلك بلا محددات ولا ضوابط ولا مرجعيات تفصل بين الغث والسمين . بالإضافة إلي تخلي الدولة عن دورها الأمومي ، واكتفاءها بدور الدولة الحارسة .
كل ذلك يجعل حاجة الدولة إلي نشر الحقائق كحاجة الفرد للوقوف علي تلك الحقائق سواء بسواء .
وقد زادت هذه الحاجة في ظل وجود السوس الإخواني الذي ينخر في لحم وعظام المجتمع بنشر الأكاذيب والإشاعات ، التي تعتمد علي بعض الوقائع والأحداث ، التي يلمسها المواطن دون وقوفه علي حقيقتها .
ثم يجري غزل الأكاذيب ونسجها حولها ، والسير بها سيراً حثيثاً بين الناس ، في كل محفل أو ملتقي ، وحتي بشكل فردي في المستويات الإجتماعية المختلفة ، مستهدفاً بذلك تحقيق ثلاثة أمور :
الأمر الأول : إجتذاب هؤلاء الأفراد أو الجماعات إلي صفوفهم إنتساباً أو تعاطفاً .
الأمر الثاني : هوالتخريب النفسي للأفراد وخلق مشاعر عدائية لديهم تجاه الدولة والسلطة والمجتمع .
الأمر الثالث :هوتحييد مشاعر البعض في تفاعله مع العلاقة بين الدولة والإخوان .
وهم في ذلك أقرب ما يكونوا إلي الخلايا السرطانية سريعة الإنتشار في الجسد المصري .
وفي الختام لابد من تقرير أن حق المعرفة حق عام في الظروف العادية . هذا الحق ينتقل إلي خانة الواجب في الظروف الإستثنائية . ويصبح من أوجب الواجبات ـ علي سبيل الحتمية والضرورة، عندما يخوض المجتمع حرباً معلوماتية تجاه متربصي الداخل من المتآمرين ، ومتآمري الخارج من دول وأجهزة تستهدف طرح الدولة المصرية أرضاً في ظل مخطط التقسيم الجديد للمنطقة .
وما زال لدي الدولة المصرية فرصة لانتشال المجتمع من طوفان قادم بجعله مشاركاً مسئولاً لها فيما تأتي أو تدع بالسماح بالوقوف علي الحقائق أولاً بأول . فهل إلي ذلك من سبيل ؟.