الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

المرأة الرجل بقلم:شوقية عروق منصور

تاريخ النشر : 2016-07-28
المرأة الرجل بقلم:شوقية عروق منصور
قصة قصيرة
المرأة الرجل

شوقية عروق منصور

كانت تجلس دائماً مع الرجال ، لا تهتم لجلسات النساء الا اذا مرت ووجدت بعض النسوة يجلسن امام عتبة احدى البيوت يتناولن الأحاديث النسوية ، تجلس قليلاً تشرب فنجان القهوة  تشعل سيجارة تتناولها من جيب فستانها وأحياناً تناولها احدى النساء سيجارة سرقتها أو قامت بلفها من وراء زوجها ، ثم  تقوم  تاركة المكان بهدوء ، ويستمر حديث النسوة دون الاهتمام بذهابها .

كانت   ترتدي الفستان القصير حسب الموضة ،  وكلما جلست ارتفع الى فوق فتقوم بشده الى تحت الركبة ، لكن الركبة سرعان ما تتمرد وترفع الفستان الى أعلى  ، ليظهر جلداً ناشفاً مملوءاً بالشعر ، والساقين عبارة عن تفاصيل بعيدة عن الأنوثة وأقرب الى ساقي والدي ، وكنت أتعجب ، من أمي والجارات حين يستقبلنها بكل محبة وترحيب، وكذلك رجال الحي الذين كانوا يستقبلونها أيضاً بحفاوة  .

 كانت تتحدث معهم حول الأوضاع السياسية والاقتصادية ، وتشتم رئيس الحكومة والوزراء والسياسة الإسرائيلية ، وتشتم رئيس البلدية ، كانت هي تشتم وهم يهزون رؤوسهم دون أن ينطقوا بكلمة ، يؤيدونها بتعابير وجوههم ، لا أحد يوقفها عن الشتم ، كأن هناك اتفاقاً سرياً بينهم يحق لها الشتم ، فهي تشتم بلسانهم ، وهي تقول ما عجزوا عن قوله ، هي اذاعتهم وبوقهم  .

يقال أن أحد أذناب الحكومة حاول أن يسخر منها قائلاً " روحي ضبي اجريكي .. يا زلمة !! " فما كان منها الا أن هجمت عليه وضربته على وجهه فكسرت أنفه .

اشتكى للشرطة ، وقد سجنت عدة أيام ثم افرج عنها ، بعد أن توجه مختار الحي الى عائلة هذا الذنب ، ووافقوا على سحب الشكوى بعد أن قبضوا مبلغاً من المال ، تم جمعه من العائلات القاطنين  في الحي .

عندما ولدت كانت أنثى ، هكذا قالت لهم الداية في المستشفى حين فتحت الباب معلنة لوالدها أن زوجته أنجبت " بنت " لم يسود وجهه لأنها الأبنة الأولى  بعد أربعة صبيان واعتبر قدومها خيراً  ، لكن كانت تصرفاتها وسلوكها  مثل الأولاد حتى صوتها أشبه بصوت اخوتها الذكور ، في المدرسة كانوا ينادونها " حسن صبي " ، وفي الحارة دائماً تلعب مع الصبيان ، وكلما ضربتها والدتها ومنعتها من اللعب معهم ، كانت تتسلل هاربة ، لم تترك عشاً للعصافير الا أتت به الى البيت ، لم تترك شجرة الا وتسلقتها ، كانت تملك طيارة من الورق حيث تصعد الى أعلى التلة في القرية وتقوم بتطييرها ، وجميعهم يعرفون طيارتها،  لأن ذيل الطيارة كان مصنوعاً من سروال جدها الذي توفي حديثاً ، فجميعهم يعرفونه فقد خاطته جدتها من شوال سكر أبيض كتب عليه " shogr  " بالانكليزية ، ويقال أن احدى السائحات عندما زارت القرية لفت نظرها سروال الجد الذي كان يهم بركوب حماره عندما كان خارجاً من الديوان ، وأخذت تلاحقه في الطريق ووقفت تنتظره عندما أوقف الحمار ونزل أمام بيته ، أخذت تقرأ  كلمة " شوجر " وسألته من أين له هذا السروال ؟؟ فلم يعرف السؤال ولكن دعاها للدخول الى البيت فرفضت ، لكن أشارت بإصبعها الى الكلمة ، فظن أنها تتحرش به فابتعد ، منادياً أحد الصبية الذي سألها ماذا تريد هذه السائحة ، وعندما ترجم الصبي السؤال ، شتم الصبي والسائحة ودخل البيت غاضباً ، لقد خذله السؤال ، كان يعتقد أن هناك امرأة أعجبت به .   

كانت الصدمة عندما بدأ ينبت  الشعر على  وجهها  وعلى صدرها ، لا مجال للتهرب وتغطية الوجه  ، وبدأت رحلتها  مع الأطباء الذين أعلنوا عجزهم ، وما عليها الا ان تقوم بحلاقة وجهها  مثل والدها واقاربها الرجال أو نزعة بطريقة السكر مثل النساء.

عاشت جزءاً من جدران وطرقات وحفر وبؤس الحي ، وجهاً وجسداً مخلوطاً بدورة إنسانية تائهة ، لم تحمل المرآة  يوماً لكي تتزين ، بل كرهتها لأنها تعكس حقيقتها الضائعة ، كانت تتوهم أنها ربحت جولة الرجولة حين تتظاهر بالجلوس مع الرجال ، تناقش وتشتم وتلعن ويأخذ الرجال برأيها ، وتتوهم ربحت الأنوثة حين تكون صديقة للنسوة ، جارات وصديقات ، همسات واسرار تحشرها في صدرها الذي كان الشعر يغزوه بكثافة ، فهي أمينة ومخلصة لا تكشف أي سر من اسرار النساء  ، وكل امرأة حدثتها كانت متأكدة أنها أسقطت سرها في بئر عميقة ، لقد كرست نفسها للركض بين الرجولة والانوثة ، وكلما ركضت ذابت الخطوات تحت أقدامها واكتشفت أنها تعيش في خيانة مع جسدها الذي لا تعرف الى أية بوصلة يتجه .

فجأة اختفت – اختفى - من الحي ، منهم من قال انها هربت – هرب -  بعد أن قام اخوتها بطردها من البيت فقد  اختلفوا بعد موت والدهم على الميراث ، وقامت والدتها بالوقوف الى جانب أولادها الذكور معلنة أنها لا تعرف حقيقة جنس ابنتها أو ابنها لذلك لن تستطيع أن تسير حسب الشريعة والدين ، وعليها أو – عليه -  أن تخرج من دائرة الميراث .

ومنهم من قال أن أحد السياح قد أخذها – أخذه - معه الى الخارج ، ومنهم من قال انها  لجأت – لجأ - الى أحد الأديرة ،  رويداً رويداً بدأ الحي ينساها – ينساه -  ، ولم يعد احداً يسأل عنها – عنه - ، وتحولت – تحول - الى ماض بقي منه جسداً تائهاً يتحرك  في الذاكرة في الأحاديث العابرة .

في يوم دخلت  سيارة  الأجرة الى الحي ونزل منها الرجل الأنيق ، يرتدي بدلة رسمية باللون الأسود ، مع قميص باللون الأبيض وربطة عنق حمراء في منتصفها دبوساً من الذهب على شكل نسر ، كان الرجل يحمل في يده حقيبة رجل أعمال وحقيبة سفر كبيرة الحجم  ، وقف أمام باب البيت ، محاولاً التفتيش عن مكان الجرس ، لم يجده ووجد مكانة حفرة في الجدار ، همس لنفسه .. الظاهر أن أحدهم قد قام بنزع الجرس ، فقام بدق الباب الخشبي الكالح الذي كثرت فيه الثقوب ، والذي يؤكد أنه لم يتغير منذ زمن بعيد ، عاد ودق الباب بسرعة عدة مرات .

أطلت فتاة صغيرة سألها عن والدها ، فقامت بنداء والدها .. قدم وأمام الباب سأل عمن يريده .. قال له تأملني .. عرف ملامح شقيقه أو شقيقته ، صمت .. ثم  رحب به ، لقد تحير ماذا يناديه – يناديها - ..؟؟

دخل الى البيت .. سأل عن أخوته الثلاثة ، قال له شقيقه الواقف أمامه :

-         جميعهم يقيمون في البيت الضيق ، كل واحد يعيش مع عائلته في غرفة ، وأنا أيضاً لي غرفتي حيث أعيش مع عائلتي في الغرفة .

 فقال بعد تردد ... وأنت  :

-         لقد اشتغلت وصممت على اجراء عملية أحدد من خلالها بها جنسي ، حتى أحصل على حصتي من ميراث أبي .. أنا الآن رجل مئة بالمئة .

نظر اليه شقيقه مبتسماً : 

-         اذا وجدت مكاناً فارغاً خذه .. !!

وضع حقيبة السفر الضخمة على الأرض .. وأخذ يتأمل بيتهم لأول مرة .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف