الأخبار
حمدان: إذا أقدم الاحتلال على عملية رفح فسنُوقف التفاوض.. والاتصال مع الضيف والسنوار متواصلأكثر من ألف معتقل في احتجاجات الجامعات الأميركية ضدّ الحرب على غزةرئيس كولومبيا يُعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيلبلينكن: نريد الآن هدنة بغزة.. وعلى حماس أن تقبل العرض الجيد جداًتركيا تقرر الانضمام لدعوى الإبادة الجماعية ضد إسرائيلالكشف عن نص العرض المقدم للتوصل لهدوء مستدام في قطاع غزةنتنياهو: قواتنا ستدخل رفح بصفقة أو بدونهاوفد حماس يغادر القاهرة للعودة برد مكتوب على المقترح الجديد لوقف إطلاق الناربلينكن: أمام حماس مقترح سخي جداً وآمل أن تتخذ القرار الصحيح سريعاًتضامناً مع فلسطين.. احتجاجات الجامعات الأميركية تتسع وسط مخاوف إلغاء مراسم التخرجتل أبيب تستعد لإصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين كبارإعلام إسرائيلي: 30 جندياً في الاحتياط يرفضون الاستعداد لاجتياح رفحقناة كان: القيادة الإسرائيلية منقسمة بشأن مستقبل الحرب في غزةارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماً
2024/5/2
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

يُمنى العيد.. من " أرق الروح" إلى " زمن المتاهة " بقلم:جمال شبيب

تاريخ النشر : 2016-07-26
يُمنى العيد.. من " أرق الروح" إلى " زمن المتاهة "

بقلم/ الشيخ جمال الدين شبيب

كتاب يمنى العيد عن أرق الروح ينتمي إلى السيرة الذاتية لكن حساسيته تتجاوز الفردي إلى الإنساني ومؤلفته كاتبة وناقدة واستاذة الأدب العربي في أكثر من جامعة عربية وغربية وحائزة على جائزة سلطام العويس عام 1993.

يبدأ الكتاب بسؤال يجسد صراعاً داخلياً لازم الكاتبة طيلة حياتها وما زال هل أنا يمنى ( اسمها الذي توقع به كتاباتها )  أم حكمت ( اسمها الوالدي). ويمنى ابنة البيئة الصيداوية المحافظة التي انطبعت صور أحيائها القديمة وعادات أهلها المطبوعة في ذاكرتها.

تسعد يمنى عندما تروي لنا حكاياتها العائلية وتصور لنا بريشة ساحرة طرقات المدينة القديمة التي لا تدخلها السيارات وتفخر بمنزل العائلة ذي الطبقات الثلاث تضم الأعمام وعائلاتهم كعادة أهل ذاك الزمان ..ولا تنسى " الحنطور "وسيلة النقل شبه الوحيدة في خارج المدينة القديمة ..

تخوض يمنى في الممنوع لتبحث منذ نعومة أظفارها في اشكالية الكفر والإيمان من خلال مشاهدات ومرويات عائلية ورؤى طفوليه تجافي الحقائق الراسخة لتشهد على نزوعها المبكر للانعتاق من ربقة التقاليد والانطلاق نحو التحرر...فيمنى منذ الصغر تشعر بأن هويتها ليست في الإسلام بل في الحرية التي تعيد صياغة علاقاتها بأهلها ومحيطها.

تحدثنا يمنى في كتابها عن الحراك الطالبي في مواجهة سلطات الانتداب الفرنسي. وعن الثورة الجزائرية وصداها في مدينتها وهي المناضلة بالفطرة العاشقة للتحدي ومقارعة المستحيل .وعن تعليم الفتيات شبه المعدوم في صيدا في النصف الأول من القرن العشرين لولا ثلاث فتيات كانت رابعتهن وعن اختلاطها بالآخر ( المسيحي) في مدرسة الراهبات وعن تعرضها للمضايقة بسبب هويتها الإسلامية ..تحدثنا عن خلع النقاب وكشف الوجوه، وعن التعليم الذي حررها وأحلام الذهاب الى فرنسا بعد اتقان اللغة.

تخرج يمنى من أسوار المدينة القديمة إلى فضاء " الجامعة " الرحب في العاصمة بيروت بعالمها المتنوع الثري لتقيم في " فواييه" وتتعرف على ناسها .. يتغير الزمان من حولها أمها تخلع النقاب الأسود .. تصافح الشمس وجوه النساء بعد طول احتجاب .. تدخل المدنية إلى صيدا لتريح النساء من هموم العجن وتنطيف زجاج القنديل وإشعال " وجاق" الحمام.

في الجامعة تتذوق يمنى الشعر وتقرأ بنهم لتنهي دراستها الجامعية عام 1958 في سنة حافة بالاضطرابات السياسية ولعلعة الرصاص لتبدأ مرحلة جديدة بالزواج.. تحدثنا يمنى عن الجامعة والتخرج عن الحب وأماكن التلاقي ورفض الأهل وإصرارها على اتمام الزواج : هذه حياتي وهي تخصني وحدي.

وتحدثنا عن بيروت النضال والاعتصامات والتظاهر في خمسينسات القرن الماضي عن بيروت الشعراء والمفكرين.وعن الأدباء والمسارح والندوات .. ولا تنسى المقارنة مع صيدا المدينة الأم الضيقة النظر المكشوفة على الجميع.

كما تحدثنا عن الوظيفة وإدارتها لثانوية البنات في مدينتها صيدا في سن مبكرة وسعيها لتحريرهن وتثقيفهن مستفيدة من علاقات ثقافية واسعة نسجتها مع الكتاب والشعراء والمفكرين خلال إقامتها في بيروت .. ولا تنسى يمنى أن تقارن بين صيدا الانغلاق وبيروت الانعتاق في مشهديات رائعة.

وتكبر في يمنى أحلامها بتحصيل " الدكتوراه " والسفر إلى فرنسا. فلا تتورع عن ترك وظيفتها وتلامذتها لتسافر إلى باريس حيث تعاني لوحدها آلآم الغربة كسمكة لاتعيش خارج حوضها المائي.

 يمنى المهجوسة بالتغيير تحارب الطائفية وتنخرط في الحزب الشيوعي اللبناني في السبعينيات لتصبح ناشطة يسارية تحلم بالتغيير وتسعى لتحقيقه.وتتمرد على الواقع الطائفي المسيطر تتحدى المجهول وتعايش الحرب اللبنانية الأهلية وتتعرض للمخاطر كأبناء وبنات جيلها.

وحسناً فعلت يمنى بتسمية الجزء الأول  من سيرتها: أرق الروح..فهذا ظاهر في الكتاب بقوة.

تتابع يمنى العيد في الجزء الثاني من هذا الكتاب المسمى " زمن المتاهة " سرد سيرتها الذاتية عبر رواية تفصح من خلالها عن أزمات واشكاليت عاشتتها في طفولتها وشبابها وكهولتها المسكونة بالصمت بعد أن كانت مشحونة برغبة الحياة وأحلام التغيير.

تتطرق يمنى الى حياتها في بيروت زمن الحرب حيث الرصاص والانتقال واللااستقرار والخوف وتجسد لنا الأرق الذي لازم حياتها في خوفها من الموت والفقد مستعيدة لحظات كادت تفقد فيها طفلتها وتخسر طفلها الذي ابتلع قطعة نقود معدنية.

 وتذهب بنا إلى باريس في غرفتها الصغيرة تُحضّر محاضراتها وتعكس لنا من خلال لوحة (الغورنيكا ) آلام الحرب ومعاناة القتلى .. في لبنان كما في اسبانيا عام 1937 فالحرب هي الحرب بدمارها وأشلائها في كل مكان. يؤرقها الاجتياح الاسرائيلي والدخول السوري الى بيروت تعاصر كل الحروب ..وتتنقل مرغمة فراراً من ويلاتها..

تحدثنا عن الجامعة والأسئلة المؤرقة من عميدة الكلية هويتها اليسارية وعن نفس السؤال يلاحقها الى باريس من الاستاذ المناقش لأطروحتها. وعن تلامذتها في بيروت وسعيها لتحريرهم من ربقة التقليد ودفعهم نحو البحث والنقد.

تحدثنا عن كتاباتها في مجلة " الطريق" وعلاقاتها بقامات يسارية كبيرة كمحمد دكروب ةنزار مروة ومهدي عامل..فيمنى امرأة عابرة للطوائف يستهويها التحرر .. تحزن على وطن محكوم بعقلية الطوائف التي تتجاوز السياسيين إلى رجال ونساء التربية والتعليم.

تحكي لنا يمنى عن تراجع اليسار وعن المد الأصولى وانهيار مشروع الحركة الوطنية السياسي بدءاً من مقتل الزعيم كمال جنبلاط عام 1977 والدخول السوري وصراع النفوذ بين المليشيات.

تحكي بحرقة عن الطائرات الاسرائيلية تجبرها على مغادرة قاعة المحاضرات مع طلابها للاحتماء في الطبقات السفلى هربا من الموت .. من بيروت الى صيدا الى كل الوطن لتصرخ مع جبران: مات أهلي!

بيروت الاجتياح لاماء ولا كهرباء كذلك صيدا التي تهرب اليها يمنى لتسجل وتوثق يوميات المقاومة ضد الاحتلال وترسلها الى صحف بيروت موقعة باسم ( فتاة صيدا).حيث دبابات العدو وجنوده تغيب النوارس والألوان ولا تبقى إلا رائحة المجازر تغطي الأمكنة من صيدا إلى صبرا وشاتيلا.

يمنى تكتب عن الأدب والسياسة والشعر والرواية والأدب الطازج وروح المعاناة الحافلة بالتمرّد على تقاليد تجاوزها الزمن المؤرق بدمار المدينة وناسها وقيمها وبنائها.عن الشيخ امام وأمل دنقل وسهرات ثقافية بيروتية في منزلها..

 ولا يفوت يمنى أن تحدثنا عن الاغتيالات التي طاولت قيادات يسارية رائدة في بيروت ممنتصف الثمانينيات كحسن مروة ومهدي عامل الذي تنتظره في الكافيه شوب فيطول الانتظار ويأتي خبر الاغتيال فلا يحضر بناء على الموعد لأنه في تللك اللحظات يصارع مرارة الموت.

..وترحل يمنى في زمن المتاهة لتمكث أشهرا متنقلة في العواصم عربية واوروبية تسافر لتعود طافحة القلب بالشوق إلى بيروت والشطية ترقبها وتنتظر سقوط القلم من يدها وتسأل وهي ترى المزيد من علامات الفرقة فوق وجوه أبناء الوطن وعلى الألسنة .. هل حقاً هم أبناء وطن واحد؟!

يمنى بلا شك مثال للفتاة الشرقية المخضرمة التي عاشت بدايات القرن العشرين وما حملته من رياح التغيير والانعتاق من ربقة القديم البالي بنظرها الى الجديد الحالم .. لكن أرقها الملازم وسعيها الدؤوب نحو التغيير سرعان ما اصطدم بمتغيرات لم تكن في بالها ..

فأحلام التغيير سقطت التغيير ورياح الطائفية المستحكمة حملتها وبنات جيلها إلى متاهة من الأحداث والتطورات لم تكن في حسبانها..لتلقيها شبه وحيدة تصارع غول الطائفية المستحكمة في عقول أبناء الطبقة السياسية الحاكمة ومؤسساتها التعليمية وشبان وشابات مجتمعها...

رائعة يمنى في أرقها الملازم ومتاهتها ..
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف