الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

شطب المشطوب: اللغة والثقافة والحكم بقلم:تحسين يقين

تاريخ النشر : 2016-07-25
شطب المشطوب: اللغة والثقافة والحكم

تحسين يقين

القانون هو الحياة والنظام والأخلاق....معادلة رقم 1.

من حق المواطنين الطموح بامتلاك سيارات لأسرهم/ن.....معادلة رقم 2.

لا يجوز الإساءة لأفراد الشرطة، أخوتنا وأبنائنا، خلال تنفيذ القانون والتعليمات بأي شكل من الأشكال....معادلة رقم 3.

ترى كيف سنحل هذه المعادلات، ونحدث وفاقا لهذه المصفوفة، والتي تحتمل معادلات أخرى تبحث عن قيمة الثابت-الغائب، في ظل المتغيرات الحاضرة.

هي لغة، هي ثقافة، هي حياة!

فإذا أبدع محمود درويش أدبا في قوله: أنا لغتي، فإنني أزعم أنه أبدع فكريا وفلسفيا في الفكرة أيضا.ونحن إذن لغتنا، بما فيها من مفاهيم تم التعبير عنها بالكلمات، وبما فيها من سلوك وشعور أيضا.

تعيدنا الكلمات لتاريخ تطور المعاني لدي كفرد ولدينا كمجموع: في البدأ كان المعنى خلال التعلم أيام الطفولة، حيث كان يسطو المعلمون على براءة الأطفال لدى إجاباتهم-إجاباتنا، فيقمعون بخطوطهم القاسية الحمراء كلماتنا، ثم صرنا نسمعها من خلال الثناء على حبات التين المشطّب، دلالة النضوج والطعم الحلو، ثم ارتبطت الكلمة بنزاعات الفتيان والشباب، فسمعنا تهديداتهم لبعضهم بعضا: "بشطبك!"، ثم نام المعنى عند هذه الحدود من الاستعمال اللغوي، إلى بدأت الكلمة-الثقافة تتسلسل إلى قاموس المجتمع الفلسطيني، خلال الثلاثة عقود الأخيرة، وبشكل خاص في الانتفاضة الثانية، في وصف المركبات غير القانونية غير المرخصة. ثم تم استخدام الكلمة بلاغيا في النقد والتهكم والسخرية، حتى بلغ الأمر بالمواطنين/ات بوصف أوضاعهم الصحية ب"نازل عن الشارع". تلك هي الروح الشعبية البلاغية في استخدام اللغة إبداعيا.

هو التاريخ الشخصي للغة، وثمة ارتباط بين اللغة والواقع، فقد كان يلجأ سائقو المركبات في الثمانينيات إلى تأخير ترخيص المركبات وتأمينها، بسبب المبالغ المالية الواجب دفعها، وتسارع  هذا السلوك خلال الانتفاضة الأولى، ثم عادت الأمور بشكل عام لطبيعتها القانونية مع تأسيس السلطة الوطنية، ولم تكد تمر غير 7 سنوات، حتى عادت الأمور لسابقتها بل وأكثر، في ظل ما شهدته البلاد من تحولات إدارية، حيث شجعت الظروف هذه الظاهرة. وقد كان هناك بعض التفهم لهذا السلوك، خصوصا أن السائقين بشكل عام كانوا يحملون رخص سواقة. وقد ساهمت مركبات الفورد في نقل المواطنين/ات باستخدام الطرق الترابية غير الممهدة، في ظل إغلاق الاحتلال الكثير من الطرق. ورغم العودة إلى الأمور الطبيعية-القانونية، وبتشجيع وزارة المواصلات وجهاز الشرطة، فقد ظل هناك كثيرون يستخدمون هذه المركبات، وزاد الأمر سوءا حينما صرنا نشهد لهو الشباب والفتيان بل حتى الأطفال بهذه المركبات، تاركين آثارا سيئة على تنقلنا على الطرق وعلينا كمواطنين، مسببين الكثير من الحوادث والمآسي.

أي أن هناك مستويات من السيارات المشطوبة:

-       الاستخدام في النقل الداخلي، بوجود رخص سواقة.

-       الاستخدام في النقل الداخل، بدون رخص سواقة.

-       الاستخدام في الزراعة.

-       اللهو والعبث. وهذا ما خرّب المشهد على الطرقات، وسرّع من مكافحة هذه الظاهرة.

ولعلّ الأسباب معروفة، وكل صاحب مركبة مشطوبة وأسبابه، لكن الجامع فيها هو فقر المجتمع، واعتياد التهرب من القانون، لأسباب نفسية واجتماعية وسياسية، بسبب تعرضنا للاحتلال سنوات طويلة، ربطت للأسف هذا السلوك بنوع من التمرد على سلطات الاحتلال، إضافة للتعليمات الإدارية فيما يخص ترخيص المركبات القادمة من إسرائيل، وكبر مبالغ الجمارك في حالة الاستيراد من الخارج.

في الأصل من حق كل أسرة أن تطمح لشراء سيارة قانونية، فليس كبيرا أن يحدث ذلك، ولكن تفاعل كل تلك الظروف في ظل تحولاتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية تجعل الأمر صعبا لدى الغالبية.

في هذه الأيام، ثمة حملات لشرطتنا ل "شطب السيارت المشطوبة"، بحيث لا تعد صالحة أبدا، من خلال "البواجر"، بالضغط عليها لإنهاء أمرها. وللأسف فقد صاحب تطبيق القانون، والذي للأسف جاء متأخرا، مظاهر أساءت لنا جميعا، من قبل أفراد مواطنين، أخوة وأبناء، ضد أخوتنا وأبنائنا من شرطتنا.

ولأننا نبحث عن حلول، فإننا نود لو كنا أكثر حنانا واحتراما، في جميع أمورنا، فلا مانع مثلا من إنهاء تلك السيارات المشطوبة، ولكن في ظل تدرج قانوني ينبع من دراسة تدفعنا جميعا وتهيئنا للالتزام، بل ونكون مساعدين له، بل وتدفع أصحاب المشطوب لشطب مشطوباتهم بأنفسهم.

ربما كنا كجهاز شرطة، ومجتمع مدني، ومجتمع الحكم المحلي، بحاجة لدراسات، بالتعاون مع أحد معاهد الدراسات الاقتصادية كمعهد ماس مثلا ذي المصداقية لدى الحكومة والمجتمع على حد سواء، تدرس الموضوع كميا وكيفيا، للوصول إلى أفضل الحلول التي تخلصنا جميعا من هذه الظاهرة، بل وتخلص مالكيها ومالكاتها. ولا أدري هل تم عمل مثل هذه الدراسة، والتي أزعم أننا ما زلنا بحاجة لها. والتي ستكون نتائجها مفيدة لنا، وموفرة علينا المال والنزاعات.

فمثلا، ومن منطلق البحث الكيفي، كيف سيشتري موارع صغير سيارة بخمسين ألف شيكل، في ظل أن منتوجه السنوي لا يكاد يغطي عمله اليومي إن تم احتسابه بأجر!

وكيف سيشتري آخر مهني، مثلها، وهو كل همه قوت أطفاله، فكيف بتعليمهم العالي وبناء البيوت مثلا؟

وهل من الممكن العودة لاقتناء الدواب لاستخدامها في النقل الزراعي، في ظل ما حدث من تحولات على بيوت الفلاحين؟

من يغلق بابا، ينبغي عليه كمسؤول فتح أبواب أخرى للأمل.

والمهم كميا وكيفيا هو الحالة الاقتصادية للمناطق ب التي تنشط فيها حركة مناهضة المركبات العمومية، حيث إصيبت بركود، فهل كان ذلك في مجالات بحثنا؟

نحن بحاجة لتنفيذ القانون، لكننا بحاجة لضمان الحياة في حدودها الدنيا، تلك ليست معادلة بل مسؤولية الحكومة وليس الشرطة فقط.

القانون ليس مطلقا، وهناك من فوق القانون، وهو الإنسانية، والتي تعني تفهم حاجات البشر.

في رائعته الخالدة "يوميات نائب في الأرياف" تساءل وكيل النيابة في مونولوج طويل عميق عن تطبيق القانون العصري الفرنسي على الفلاحين المصريين،  طارحا أمثلة منها تغريم الفلاح الذي ذبح بقرته خارج المسلخ، وهو لا يعلم لا بوجوده ولا ببنود القانون المتعلقة به. لذلك كان وكيل النيابة متفهما لهؤلاء وأولئك، من خلال فهمه القانوني-الإنساني، الذي يربط بين البنية القانونية، وبنى المجتمع ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، لقد كان المجتمع الفرنسي ناضجا لتلك القوانين فتم تشريعها في ذلك الوقت، بينما لم يحدث ذلك في المجتمع العربي في الريف خصوصا، حيث صدرت الرواية في منتصف ثلاثينات القرن العشرين.

تغرينا اللغة دائما: شطب شاطب ومشطوب. من المعاني الموجودة في المعجم: التقطيع طولا، والتشريح، والحذف، والبعد والطمس، والإنهاء ووضع الخط على الكلمات. أما من خلال متصفح جوجول، فقد تم ربط الدلالة بالسيارت المشطوبة في فلسطين!

هل من دلالات أخرى؟؟

وهل يمكن تأمل حالنا سياسيا واقتصاديا وثقافيا، بما فيها من مستويات أخرى من "المشاطيب" والتي أيضا تحتاج لشطب، من خلال خارطة طريق تصالحية غير دموية، تنبع من احتياجاتنا؟

ربما نحن بحاجة للفن أيضا والأدب!

هي لغة، هي ثقافة، هي حياة!

وهو زمن التحولات التي تثير الشجن والتفكير والمسؤولية: مسؤولية الالتزام الوطني والإنساني معا.

وهو الزمن العادي للعمر، وما يقتضيه عمرنا وعمر خدمتنا في الوظيفة العمومية على اختلاف مستوياتها، وضرورة تداول السلطة بين الأعمار أيضا، وليس بين ألوان الطيف. وثمة فرق أن نكون مستشارين حكماء، أو نتحول لمستبدين مت باب الوصاية.

في كتابه الشيق "انا والقانون والفن" يقول توفيق الحكيم: الزمن هو البعد الرابع عند اينشتاين، ولكنه ربما كان البعد الاول في الفن الحقيقي، لانه هو المقياس الملموس لقيمة الفن. وكما ان اشعاع الراديوم يؤثر في خلايا الجسم كذلك فإن قوة الاشعاع في عمل فني توثر في خلايا المجتمع جيلا بعد جيل..تعلمه وتهذبه وتثقفه وتطوره وتنير له سبل حياة تتجدد باستمرار".

ما بين يوميات نائب في الارياف، وأنا والقانون والفن 4 عقود، وما بين العملين وبيننا عقود كثيرة، وتعقيدات أكثر، لعل ذلك يفسّر لنا خلود الروائع. فهل من باحث عن الخلود أكثر ولو قليلا من عمره في الحكم والإدارة؟

نحن نستطيع معا تنفيذ القانون، معا نسطيع!

[email protected]
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف