ثــورة يــولـيـو فـي مـصــر
بــقــلـم / حـســــن زايــــــد
لا يتعين علي الأجيال الحاضرة أن تغفل ، وهي تنظر إلي ثورة يوليو 1952 م ، أن هذه الثورة حين اندلعت في مصر ، لم تندلع في الفراغ . وإنما اندلعت في مجتمع . هذا المجتمع لم يكن تلك الجنة الغناء ، التي دخلها شياطين الثوار ، فأفسدوها ، وجعلوا أعزة أهلها أذلة . ومن ثم فإنه يحق لكل من هب ودب أن يصب عليهم اللعنات ، وأن تنتهب أجسادهم نصال السهام المطلقة عليهم من كل حدب وصوب . وإنما اندلعت الثورة في مواجهة نظام سياسي اقتصادي اجتماعي فاسد . فالنظام الملكي ـ الذي يتذكره البعض بخيراته علي سبيل الكيد والنكاية ـ كان نظاماً فاسداً بكل المقايسس . ويكفي أن تقرأ المذكرات الشخصية لبعض أعضاء الأسرة المالكة أو العاملين في البلاط الملكي أو وزراء هذا العصر حتي يُزكم أنفك رائحة الفساد الطافح . ومن الطبيعي في ظل الإحتلال أن يكون النظام السياسي تابعاً ، وقد كانت مصر محتلة من المملكة المتحدة ، والسياسة المصرية تابعة لسياسة التاج البريطاني . أما الفساد في الجانب الإقتصادي فتمثل في النظام الإقطاعي الذي كان يقوم علي الإقطاعيات الزراعية الكبيرة ، التي اعتمدت علي استعباد الفلاح المصري . ولم تكن هناك صناعة ، ولا سياحة ، ولا خلافه . وكانت محصلة الإقتصاد المصري هي أن تصب خيراته في جيوب مجتمع النصف في المائة . وقد كان من نتاج فساد النظام السياسي ، وفساد النظام الإقتصادي ، بؤس وتخلف النظام الإجتماعي الذي كان سائداً . ويكفي أن المشروع القومي في مصر فيما قبل الثورة كان هو مشروع مقاومة الحفاء . بخلاف الأمية الأبجدية التي كان غارقاً فيها المجتمع من أخمص قدميه حتي منبت الشعر من رأسه . ولا نقول أن ثورة يوليو كانت ثورة بالمعني السياسي المصطلحي ، وإنما بدأت بحركة الضباط ـ يمكنك أن تقول بأنها حركة انقلابية ضد نظام الحكم القائم ـ إلا أنها لم تكن منفصلة ـ لا عضوياً ولا معنوياً ـ عن تطلعات المجتمع المصري . وتاريخياً لا توجد ثورة ـ ومن بينها ثورة يوليه ـ قامت لتحافظ علي الأوضاع القائمة ، أو تبقي عليها . وإنما الثورة تجيء لتغيير الأوضاع القائمة لما يمكن تصور أنه الأفضل وفقاً للثوابت والمتغيرات المحلية والدولية القائمة . ولا يختلف أحد علي أن يوليه قد أحدثت تغييرات جذرية هائلة في المجتمع المصري . وكل ثورة بما تحدثه ـ كحتمية تاريخية ـ من تغييرات ، لابد وأنها تتصادم وتتناقض ، مع أصحاب الأهداف والغايات المغايرة ، الذين يضارون حتماً من التغيير الثوري . سواء كان ذلك علي مستوي الأفراد أو الجماعات ، أو علي مستوي المجتمعات أو الدول ، أو علي مستوي التكتلات الدولية . فقد كانت ثورة يوليه ثورة عالمية ، كان لها امتداداتها الإقليمية ، والدولية . ومن هنا فإن حديثي إلي الأجيال الحاضرة ممن لم يعش هذه الفترة ، وتقتصر معرفته علي ما يعرفه من خلال القراءات في كتابات من عَنَّ له أن يكتب عن هذه الثورة ، يقتصر علي تنبيهه إلي أن بعض هذه الكتابات محكوم بالظروف التي عايشها الكاتب ، وموقعه من هذه الأحداث ، وهل هو منتفع أم مضار ، أم محايد ؟ . وأنه من الصعب الآن الحكم علي ثورة يوليه بمعايير اليوم ، بمنأي عن الظروف الموضوعية التي قامت فيها الثورة . وأن هذا ليس معناه حبس ثورة يوليه في وعاء الزمان والمكان دون أن تتخطاهما باعتبارها حدثاً منفرداً ، أو ظرفاً استثنائياً ، عن مجري التاريخ المصري الممتد ، فهي في النهاية ثمرة لما قبلها ، أفضت إلي ما بعدها . فهي الإبنة الشرعية لثورتي عرابي وزغلول ، والأم الشرعية لثورتي يناير ويونيه من صفحات التاريخ المصري المديد .
حــســــن زايــــــــد
بــقــلـم / حـســــن زايــــــد
لا يتعين علي الأجيال الحاضرة أن تغفل ، وهي تنظر إلي ثورة يوليو 1952 م ، أن هذه الثورة حين اندلعت في مصر ، لم تندلع في الفراغ . وإنما اندلعت في مجتمع . هذا المجتمع لم يكن تلك الجنة الغناء ، التي دخلها شياطين الثوار ، فأفسدوها ، وجعلوا أعزة أهلها أذلة . ومن ثم فإنه يحق لكل من هب ودب أن يصب عليهم اللعنات ، وأن تنتهب أجسادهم نصال السهام المطلقة عليهم من كل حدب وصوب . وإنما اندلعت الثورة في مواجهة نظام سياسي اقتصادي اجتماعي فاسد . فالنظام الملكي ـ الذي يتذكره البعض بخيراته علي سبيل الكيد والنكاية ـ كان نظاماً فاسداً بكل المقايسس . ويكفي أن تقرأ المذكرات الشخصية لبعض أعضاء الأسرة المالكة أو العاملين في البلاط الملكي أو وزراء هذا العصر حتي يُزكم أنفك رائحة الفساد الطافح . ومن الطبيعي في ظل الإحتلال أن يكون النظام السياسي تابعاً ، وقد كانت مصر محتلة من المملكة المتحدة ، والسياسة المصرية تابعة لسياسة التاج البريطاني . أما الفساد في الجانب الإقتصادي فتمثل في النظام الإقطاعي الذي كان يقوم علي الإقطاعيات الزراعية الكبيرة ، التي اعتمدت علي استعباد الفلاح المصري . ولم تكن هناك صناعة ، ولا سياحة ، ولا خلافه . وكانت محصلة الإقتصاد المصري هي أن تصب خيراته في جيوب مجتمع النصف في المائة . وقد كان من نتاج فساد النظام السياسي ، وفساد النظام الإقتصادي ، بؤس وتخلف النظام الإجتماعي الذي كان سائداً . ويكفي أن المشروع القومي في مصر فيما قبل الثورة كان هو مشروع مقاومة الحفاء . بخلاف الأمية الأبجدية التي كان غارقاً فيها المجتمع من أخمص قدميه حتي منبت الشعر من رأسه . ولا نقول أن ثورة يوليو كانت ثورة بالمعني السياسي المصطلحي ، وإنما بدأت بحركة الضباط ـ يمكنك أن تقول بأنها حركة انقلابية ضد نظام الحكم القائم ـ إلا أنها لم تكن منفصلة ـ لا عضوياً ولا معنوياً ـ عن تطلعات المجتمع المصري . وتاريخياً لا توجد ثورة ـ ومن بينها ثورة يوليه ـ قامت لتحافظ علي الأوضاع القائمة ، أو تبقي عليها . وإنما الثورة تجيء لتغيير الأوضاع القائمة لما يمكن تصور أنه الأفضل وفقاً للثوابت والمتغيرات المحلية والدولية القائمة . ولا يختلف أحد علي أن يوليه قد أحدثت تغييرات جذرية هائلة في المجتمع المصري . وكل ثورة بما تحدثه ـ كحتمية تاريخية ـ من تغييرات ، لابد وأنها تتصادم وتتناقض ، مع أصحاب الأهداف والغايات المغايرة ، الذين يضارون حتماً من التغيير الثوري . سواء كان ذلك علي مستوي الأفراد أو الجماعات ، أو علي مستوي المجتمعات أو الدول ، أو علي مستوي التكتلات الدولية . فقد كانت ثورة يوليه ثورة عالمية ، كان لها امتداداتها الإقليمية ، والدولية . ومن هنا فإن حديثي إلي الأجيال الحاضرة ممن لم يعش هذه الفترة ، وتقتصر معرفته علي ما يعرفه من خلال القراءات في كتابات من عَنَّ له أن يكتب عن هذه الثورة ، يقتصر علي تنبيهه إلي أن بعض هذه الكتابات محكوم بالظروف التي عايشها الكاتب ، وموقعه من هذه الأحداث ، وهل هو منتفع أم مضار ، أم محايد ؟ . وأنه من الصعب الآن الحكم علي ثورة يوليه بمعايير اليوم ، بمنأي عن الظروف الموضوعية التي قامت فيها الثورة . وأن هذا ليس معناه حبس ثورة يوليه في وعاء الزمان والمكان دون أن تتخطاهما باعتبارها حدثاً منفرداً ، أو ظرفاً استثنائياً ، عن مجري التاريخ المصري الممتد ، فهي في النهاية ثمرة لما قبلها ، أفضت إلي ما بعدها . فهي الإبنة الشرعية لثورتي عرابي وزغلول ، والأم الشرعية لثورتي يناير ويونيه من صفحات التاريخ المصري المديد .
حــســــن زايــــــــد